ترجمة وتحرير: نون بوست
في شباط / فبراير الماضي، بيعت لوحة ديفيد هوكني الشهيرة لسنة 1966 المعروفة باسم “ذي سبلاش” لمشتري مجهول بسعر قياسي قدره 23.1 مليون جنيه إسترليني (28.6 مليون دولار) في دار سوذبيز للمزادات في لندن. لكن سرعان ما كشفت الأخبار أن المشتري الغامض كان المنتج الملياردير ديفيد جيفن، الذي قرر التفاخر بعد فترة وجيزة من بيع قصر بيفرلي هيلز إلى الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس مقابل 165 مليون دولار. كانت اللوحة ملكا لجيفن سابقًا، لكنه باعها في سنة 1985 لمشتر مجهول آخر. ولكن لماذا نخبركم بهذا الأمر في مقال يتحدث عن سوريا؟
في خضم الفوضى والمجازر التي تحدث في سوريا، استُخدمت الأخبار المتعلقة بشراء لوحة “ذي سبلاش” في كنف السرية لتغذية قصة منفصلة تمامًا عن المكائد المدبرة بين صفوف نخبة دولية شريرة ومختلفة للغاية. في هذه النسخة من الأحداث التي تداولتها جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة، اشترى الديكتاتور السوري بشار الأسد اللوحة ليهديها لزوجته المولودة في بريطانيا أسماء، التي أطلقت عليها مجلة فوغ ذات مرة “وردة الصحراء“. أما في الوقت الراهن، تظهر أسماء الأسد مثل سيرسي لانستر في بلدها المدمر.
مهما كانت حقيقة بيع لوحة هوكني، تبدو فكرة إقدام الأسد على شرائها بكل أنانية في وقت طال فيه الخراب بلاده، بالنسبة للكثيرين في الشرق الأوسط معقولة تمامًا. عندما أشادت مجلة “فوغ” بأسماء قبل تسع سنوات (حُذف المقال منذ ذلك الحين)، صُورت هي وزوجها على أنهما زوجان شابان متفاهمان (كان عمره 46 سنة وكانت هي تبلغ من العمر 36 سنة) وإصلاحيان محتملان وسط الديكتاتوريات الرجعية والأنظمة الملكية في العالم العربي.
كانت أسماء الأسد جذابة ومتعلمة وواثقة من نفسها عند التحدث بلهجة الطبقة المتوسطة العليا في لندن بطلاقة (أكثر من لغتها العربية المحلية). كان من السهل تخيل قدرتها على كبح أسوأ ميولات زوجها الاستبدادية أثناء توجيه سوريا نحو المزيد من الانفتاح. رزق الزوجان بأطفال لطفاء، وكانت أسماء تتبنى قضايا سامية وتعمل مع المنظمات غير حكومية وغير الربحية. لهذا السبب، وحتى إن كانت أسماء معروفة بإنفاقها بسخاء على المجوهرات والملابس، لم يكن أحد يهتم كثيرًا بذلك خارج حدود البلاد، وكان ذلك أفضل بكثير بالنسبة لمجلة فوغ.
لكن زوجة بشار أثبتت أنها تتمتع بمهارات عالية – بالتأكيد، وهي مهارات من بين أبرع المهارات التي قد تكون فتاكة – في توجيه البلاد عبر متاهة
لكن حدث ذلك قبل أن يتعامل الأسد مع الاحتجاجات على أنها تمرد، وقبل رده عليها بوحشية، وقبل اندلاع حرب أهلية أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو 500 ألف شخص، حتى مع نزوح نصف سكان البلاد داخليًا أو مع فرارهم إلى المنفى كلاجئين. لقد أسفر الصراع في سنة 2015 عن تدفقات هجرة ضخمة عطلت بشكل كبير السياسة الأوروبية، ما غذى كراهية أقصى اليمين للأجانب. كما ساهمت الفوضى وتكتيكات بشار الأسد الساخرة إلى حد ما في صعود إمبراطورية الإرهاب الهمجية التي أطلقت على نفسها اسم تنظيم الدولة.
داخل سوريا، كانت هناك شكوك حول التغطية الدولية المتملقة لأسماء، التي عملت حتى قبل الأوقات الصعبة على دعم التصور القائل إنه على الرغم من مؤسسات أسماء الخيرية، إلا أن السيدة الأولى لم تتواصل مع المواطنين العاديين على أرض الواقع. كان من الواضح لأي شخص تجرأ على النظر في الأمر أن النظام الذي قاده زوجها كان موجها لخدمة طبقة محدودة من النخب الأكثر ثراءً، ولم تكن أسماء نموذجا، وإنما مشكلة. بالتأكيد، هكذا كانت حماتها تنظر للأشياء.
حماة أسماء
نشأت أنيسة مخلوف، زوجة مؤسس السلالة حافظ الأسد، في محيط ريفي متواضع في دولة كان يُنظر فيها إلى الأفراد من طائفة العلويين التي تنتمي إليها هي وزوجها وحلفاؤه الأقرب على أنهم فلاحون هراطقة، حتى بعد أن استولى حافظ الذي كان في ذلك الوقت جنرالا في سلاح الجو، على السلطة في سنة 1970.
بعد وفاة حافظ سنة 2000، وخلافة بشار له، اكتسبت أنيسة سلطة هي الأخرى. لم تثق أنيسة بزوجة ابنها المولودة في لندن، واستخدمت نفوذها لتهميش دور أسماء العام بالإضافة إلى دورها داخل النظام. توفيت في شباط / فبراير 2016 عن عمر يناهز 86 عاما. ومنذ ذلك الحين، زادت شعبية أسماء التي تبلغ في الوقت الراهن 44 عاما فقط، وبنت قاعدة سلطة مستقلة لنفسها ولعائلتها المقربة، التي تحدّت أفرادًا آخرين أكثر ثباتًا ينتمون لعشيرة الأسد الموسعة.
بعد وفاة باسل، حثت أنيسة زوجها على اختيار الأخ الأصغر لبشار، ماهر، ليخلفه. ولكن حافظ كان يعرف أن ابنه ماهر شخص متهور وميّال للعنف
ذات مرة، اعتقد الكثيرون في الغرب أنه من الممكن أن تساعد أسماء في كبح الرأسمالية المحسوبية في سوريا والتعاملات المستترة العنيفة في الخارج، لكن زوجة بشار أثبتت أنها تتمتع بمهارات عالية – بالتأكيد، وهي مهارات من بين أبرع المهارات التي قد تكون فتاكة – في توجيه البلاد عبر متاهة من المنافسة بين مختلف الجماعات خدمةً لمصلحتها الخاصة.
كان كره أنيسة مخلوف لزوجة ابنها بمثابة تعبير عن قلقها من عدم اكتساب بشار الأسد لدعم الشعب والأسرة الحاكمة وأعلى المناصب في النظام الحاكم. باعتباره شخصا ضعيفا معروفا بالهدوء وعجزه عن النظر في أعين الناس، ولم يكن يحظى بالتقدير اللازم، لم ينظر إليه قبل سنة 1994 على أنه ملائم ليصبح رئيسا. لذلك، جهّز والده أخاه الأكبر الجذاب والوسيم باسل ليكون وريثا له. لكن باسل توفي في حادث سيارة سنة 1994.
حتى ذلك الحين، بقي بشار بعيدا عن الأنظار في لندن، أين درس علم تصحيح البصر في بريطانيا، حيث التقى بأسماء لأول مرة بعيدًا عن مؤامرات القصر. في الفيلم الوثائقي لبي بي سي، تحت عنوان “عائلة خطيرة: آل الأسد”، استذكر مدرس بريطاني عينته الأسرة لتدريس اللغة الإنجليزية لابنهم باسل الراحل تجربته الأولى مع بشار، ووصفها بأنها كانت مقابلة عادية تمامًا.
في حديثه عن هذه المقابلة، قال المدرس: “التقيت بشار ذات مرة عندما كان في طريقه إلى المنزل، ولم ينظر لي في عيني. كان متسمرا في مكانه وقد نظر إلى يدي فحسب. أتذكر أنني خمنت ساعتها في أن الأب اتخذ قرارا صائبا عندما اختار باسل خليفة له”.
بعد وفاة باسل، حثت أنيسة زوجها على اختيار الأخ الأصغر لبشار، ماهر، ليخلفه. ولكن حافظ كان يعرف أن ابنه ماهر شخص متهور وميّال للعنف. أما شقيق بشار الآخر، ماجد، فقد كان يُزعم بأنه مدمن على مادة الهيروين ويعاني من خلل عقلي ولا يمكن الوثوق به لتولي مقاليد البلاد. وهذا ما جعل بشار الخيار الأنسب لتولي زمام الأمور، وهو ما أغضب الأم الرافضة.
في أعقاب وفاة حافظ في سنة 2000 وتعيين بشار رئيسًا للبلاد، استخدمت أنيسة نفوذها لتعزيز موقف أقاربها الآخرين ليصبحوا مراكز قوة حقيقية داخل سوريا، فيعملون حول بشار وليس من خلاله. مُنح ماهر الأسد، المرشح المفضل، السيطرة على الوحدات العسكرية الرئيسية مثل الحرس الجمهوري وكتيبة الدبابات 42، التي أشرفت على الأرباح المتأتية من آبار النفط الرئيسية في محافظة دير الزور الشرقية.
عمل حافظ وإياد ورامي أبناء محمد، شقيق أنيسة، على توسيع نفوذهم بشكل كبير بداية من سنة 2000، بعد تعيين بشار رئيسًا. وهم من الشخصيات البارزة بالفعل داخل النظام. في ذلك العام، أسس رامي مخلوف شركة “سيريتل” وأصبح رئيسها التنفيذي، وهي واحدة من بين شركتي الاتصالات الوحيدتين في سوريا والتي سيطرت فيما بعد على 70 بالمئة من السوق المحلية.
في نهاية المطاف، سيبني رامي ووالده محمد إمبراطورية تجارية ضخمة تقدر قيمتها الصافية بخمسة مليارات دولار، بينما يبسط كل من حافظ وإياد مخلوف هيمنتهما المتزايدة على أجهزة أمن الدولة. وفي الوقت نفسه، بقيت أسماء على الهامش إلى حد كبير.
قال إياد عيسى، الصحفي السوري المعارض الذي كتب بشكل مكثف عن الأعمال الداخلية لعائلة الأسد، في برنامج باللغة العربية: “قبل الثورة، لم يكن رقباء النظام يسمحون للصحفيين بالإشارة إلى أسماء على أنها “السيدة الأولى”. كان يسمح لنا فقط بوصف أسماء بأنها “زوجة الرئيس”، على عكس أنيسة، والدة بشار، التي كانت تعرف دائمًا “بالسيدة الأولى” في عهد الأب حافظ”.
على مر السنين، تطورت المنافسات. رأى ماهر الأسد أن محمد مخلوف، الذي ترأس شركة الفرات للنفط السورية، يمثل تهديدا على سيطرته الفعلية على الموارد البترولية في دير الزور.
في العقد الأول من رئاسة بشار الأسد، لم تكن أسماء المولودة في بريطانيا، والتي تعود جذورها إلى عائلات تجارية سنية من حمص ودمشق، لاعبًا فاعلا.
سيقوم الإخوة مخلوف أيضًا بتطوير روابط وثيقة بشكل متزايد مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو حزب سياسي علماني متشدد تأسس في سنة 1932. وكان حافظ الأسد قد بنى سلطته من خلال حزب البعث العربي القومي الثوري، الذي استولى على السلطة لأول مرة في سنة 1963، وكان ينظر إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي على مدى السنين على أنه منافس تارة، وأحيانًا حليف تارة أخرى. لكنه كان يتمتع بقاعدة شعبية قوية، خاصة في المناطق العلوية، بما في ذلك مسقط رأس مخلوف بستان الباشا.
إن الغالبية الساحقة من السوريين من المسلمين السنة، وكثير منهم في نهاية المطاف، على مدى عقود، أصبحوا متعاطفين مع الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية الأخرى التي بات الأسد بعد ذلك يعمل على سحقها. أصبحت الأحزاب العلمانية، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث، جذابة بشكل خاص بالنسبة للأفراد من الطوائف الأخرى المتدينين الطموحين، بما في ذلك المسيحيين والعلويين. ورغم تغير الديناميكية الدينية الأيديولوجية عندما أقامت جمهورية إيران الإسلامية تحالفًا شيعيًا مع حافظ الأسد في ثمانينيات القرن العشرين، فإن هياكل الحزب ظلت قائمة.
طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان رامي مخلوف وبقية أفراد العائلة يعتمدون بشكل منتظم على الحزب السوري القومي الاجتماعي لخلق مصدر مستقل لدعم أنفسهم خارج نطاق حزب البعث الحاكم، وقد صار الحزب ملقبا على نحو ساخر بـ “حزب رامي”. بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في سنة 2011، عملت كوادر الحزب السوري القومي الاجتماعي كنواة للميليشيات التابعة للنظام وتكون موالية بشكل خاص لعائلة مخلوف.
في العقد الأول من رئاسة بشار الأسد، لم تكن أسماء المولودة في بريطانيا، والتي تعود جذورها إلى عائلات تجارية سنية من حمص ودمشق، لاعبًا فاعلا. وقد ورد في رسائل البريد الإلكتروني المخترقة المنشورة في سنة 2012 قولها: “أنا الديكتاتور الحقيقي”. ولكن بمجرد وفاة أنيسة، ستتاح لأسماء الفرصة لإشراك نفسها وأقاربها بشكل مباشر في السياسة والاقتصاد السوري، والتحرك ضد المنافسين في عشيرة مخلوف، ولا سيما زعيمهم رامي مخلوف.
يتمثل جوهر النزاع في السيطرة على شركة “سيريتل”، التي تأسست في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص
انتقام أسماء
اختفى رامي مخلوف في الرابع من أيار/ مايو 2020. أصدرت “جورنيكا 37″، وهي منظمة غير حكومية دولية تعمل في مجال القانون وحقوق الإنسان مقرها المملكة المتحدة، بيانًا صحفيًا في ذلك اليوم زعمت فيه أن مخلوف فرّ إلى الإمارات العربية المتحدة، ولكن من غير الواضح ما إذا كان مخلوف، الخاضع للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية منذ سنة 2008، حقًا في الإمارات العربية المتحدة أو أنه التمس اللجوء في دولة أخرى. في اليوم نفسه، داهمت وحدات الحرس الجمهوري السوري التي تسعى للقبض على مخلوف مسكنه في ضواحي دمشق، لكن فشلت في الكشف عن مكان إقامته.
في وقت سابق، اقتحمت قوات الأمن مكاتب “سيريتل” واعتقلت 28 من كبار المسؤولين، واعتقلت وضّاح عبد ربه، رئيس تحرير صحيفة “الوطن”، وهي واحدة من أبرز الناطقين بلسان الإعلام الموالي للنظام في سوريا، والتي يمتلكها مخلوف منذ سنة 2006.
في مواجهة حاسمة، أصدر رامي مخلوف سلسلة من الانتقادات المذهلة للأسد ونظامه في مقطعي فيديو تم تحميلهما على صفحته الشخصية على فيسبوك في 30 نيسان/ أبريل والثالث من أيار/ مايو. تساءل مخلوف في الفيديو الثاني: “هل تصدقون ذلك؟ لقد اقتحمت الأجهزة الأمنية مكاتب رامي مخلوف، أكبر ممول ومؤيد لها وخادمها الوفي، وأبرز راعيها طوال فترة الحرب. الضغط علينا لا يطاق ولاإنساني”.
يتمثل جوهر النزاع في السيطرة على شركة “سيريتل”، التي تأسست في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص حيث يعود نصفها للدولة التي تستأثر بـ 50 في المئة من أرباحها بالإضافة إلى الضرائب والرسوم الحكومية الأخرى. في 27 نيسان/ أبريل، أعلنت الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات والبريد في سوريا أن “سيريتل” وشركة الاتصالات الأخرى الوحيدة في البلاد “أم تي إن”، تدينان لخزينة الدولة بشكل جماعي بنحو 449.65 مليون دولار، من الأرباح السنوية المطلوبة لتقاسمها مع الدولة. وقد أعلنت “أم تي إن” أنها تعتزم دفع حصتها البالغة 172.9 مليون دولار، لكن ظل مخلوف يظهر تحديا.
في بداية سنة 2016، بعد فترة وجيزة على وفاة أنيسة مخلوف، قيل إن أفراد عائلة أسماء استحوذوا على أجزاء من سوق السلع الأساسية في سوريا
على خلفية ذلك، صرح مخلوف بأن “الدولة ليس لها حق في هذا المال، وهي تتجاهل الاتفاقيات السابقة التي أبرمت منذ سنوات”. وأضاف مخلوف “سأنشر قريبا الوثائق التي قدمتها بالفعل إلى السلطات المختصة والتي تدل بوضوح لماذا لا يحق لهم الحصول على هذه الأموال”.
في دولة معروفة بتنفيذ المذابح الجماعية لأولئك الذين يختبرون سلطتها، ساهمت جرأة مخلوف في مخاطبة الرئيس بهذه الطريقة موجات صادمة في جميع أنحاء البلاد. لكن هذا ليس مفاجئًا بل يعد تتويجا للجهود الحثيثة التي بذلتها أسماء وماهر وبشار الأسد خلال السنة الماضية لتجريد رامي مخلوف وأقاربه من قوتهم في سوريا.
لقد بدأت هذه المناورات في آب/ أغسطس الماضي، بعد مطالبة روسيا النظام السوري بتسديد ما بين ملياري دولار وثلاثة مليارات دولار من القروض المستحقة سابقًا. عندها وضعت قوات أمن النظام رامي مخلوف قيد الإقامة الجبرية في محاولة لإجبار قطب الاتصالات على دفع التكاليف.
بحلول شهر أيلول/ سبتمبر، شنت أسماء وكادر من المسؤولين المخلصين الذين عملوا سابقًا في شبكتها من المنظمات غير الحكومية، عملية استيلاء معادية على جمعية البستان التعاونية، وهي منظمة خيرية يديرها مخلوف تم من خلالها دفع رواتب الحزب السوري القومي الاجتماعي والميليشيات الأخرى الموالية لرامي.
في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، اُعلن أيضًا أن أسماء ستنشئ ثالث شركة اتصالات في سوريا تهدف إلى الاستحواذ على الحصة السوقية لشركة “سيريتل”. وفي النهاية، أصدرت وزارة المالية السورية أمرين منفصلين في 24 كانون الأول/ ديسمبر و17 آذار/ مارس يقضيان بتجميد الممتلكات التابعة لشركة رامي مخلوف “آبار بتروليوم سيرفيس”، التي استخدمت لاحقًا لسد عجز الميزانية في المديرية العامة للجمارك في البلاد. ويأتي استهداف أصول مخلوف في وقت سجلت فيه الأصول التابعة لأفراد عائلة أسماء السنية ازدهارا ملحوظًا.
ازدهرت أعمال الأخرس لتشمل الشحن البحري، البناء، والعقارات، وقطاع تعبئة وتغليف اللحم.
في بداية سنة 2016، بعد فترة وجيزة على وفاة أنيسة مخلوف، قيل إن أفراد عائلة أسماء استحوذوا على أجزاء من سوق السلع الأساسية في سوريا. تلى ذلك تنفيذ برنامج بطاقة ذكية لبيع المنتجات بما في ذلك الأرز والغاز والخبز والشاي والسكر والزيت.
يزعم أن هذا العقد مُنح لشركة “تكامل” التي يديرها أحد أشقاء أسماء وابن خالتها محمد الدباغ. تزعم التحقيقات الإعلامية المحلية حول الشركة أن نسبة من المبالغ التي تجنى من عمليات شراء السلع باستعمال البطاقة الذكية يعاد تحويلها إلى حسابات مملوكة من قبل مجلس إدارة شركة “تكامل”، الذي يدريه أقارب أسماء.
في شهر كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2019، وفي حين وقع تجميد العديد من أصول رامي مخلوف، وقع تحرير أصول عم أسماء طريف الأخرس، والتي كانت تحت الحجز الاحتياطي من قبل وزير المالية السوري لأكثر من سنة. استخدم الأخرس الذي كان يملك شركة نقل صغيرة في حمص قبل سنة 2000، صلة ابنة أخيه مع العائلة المالكة لتوسيع شبكاته. ثم بدأ يشارك في عمليات شحن الأغذية والسلع الأخرى من سوريا إلى العراق كجزء من برنامج النفط مقابل الغذاء الذي سبق غزو الولايات المتحدة للعراق سنة 2003.
منذ ذلك الحين، ازدهرت أعمال الأخرس لتشمل الشحن البحري، البناء، والعقارات، وقطاع تعبئة وتغليف اللحم. وفي الوقت الحالي، يراقب هو وأفراد آخرون من الدائرة الداخلية لأسماء كيف أن ثرواتهم تواصل النمو.
منذ تعافت من السرطان، أصبحت أسماء أكثر من أي وقت مضى حريصة على إعادة تغذية صورة الملكة المنقذة التي كانت تحملها ثم فقدتها سنة 2011
تزامن انتقال أسماء إلى المجال الاقتصادي مع انتصارها بعد صراع دام نحو سنة مع سرطان الثدي. أعلنت السيدة الأولى في آب/ أغسطس عن تعافيها فقط قبل وضع الأجهزة الأمنية رامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية. منذ ذلك الحين، واصلت وردة الصحراء السورية أو بالأحرى زادت من ظهورها الإعلامي لتوثيق أعمالها الخيرية الظاهرية عبر البلاد.
بعد أن اكتسبت موطئ قدم جديد لها في المجال الاقتصادي، بدت أسماء أكثر تركيزا على ضمان مكانة أطفالها داخل حزب البعث الحاكم ضمن سلاسة الأسد التي يبلغ عمرها خمسين سنة، وكانت غالبا ما تصطحب حافظ وزين وكريم الأسد في رحلات إلى الصفوف الأولى لزيارة جرحى الجنود وافتتاح منشآت جديدة من مستشفيات الأطفال إلى المدارس الجديدة للموهوبين.
مع خمود الحرب، وبلوغ ابنها البكر حافظ 18 سنة، بدأت المحادثات على وسائل الإعلام الموالية للأسد ومواقع التواصل الاجتماعي حول مؤهلاته لخلافة والده الأسد. ومن خلال الأخذ بزمام المبادرة بنفسه، بدأ حافظ مؤخرا بإجراء زيارات بنفسه إلى بعض المواقع في البلاد في اتباع واضح لخطى والدته.
يبدو أن الروس الذين أنقذوا نظام بشار على مدى السنوات الخمس الماضية، سئموا من فساده وباتوا أكثر حذرا من حلفائه الإيرانيين. ربما تتخيل أسماء أنهم سيكونون منفتحين على وجوه جديدة، ولكنها تحمل الاسم نفسه.
منذ تعافت من السرطان، أصبحت أسماء أكثر من أي وقت مضى حريصة على إعادة تغذية صورة الملكة المنقذة التي كانت تحملها ثم فقدتها سنة 2011، تلك الملكة الجاهزة والمستعدة لتربية الجيل القادم من السوريين، امرأة يمكنها شفاء جراح البلاد بلمستها الناعمة. ربما يكون بعض قادة العالم، الذين ضاقوا ذرعا بالحرب السورية، مستعدين للتملق على الأقل في إطار هذه التمثيلية. وبعد فشل دام عشر سنوات، ربما تريد وردة الصحراء السورية أن تزهر مرة أخرى.
المصدر: دايلي بيست