لا يمكن التعرف على أبعاد تنظيم حراس الدين الذي يعتبر الجنين والأم لجبهة النصرة في سوريا، إلا من خلال قراءته في سياقه الزمني والوجودي والسياسي والبنيوي وفي ضوء المتغيرات الطارئة وتقاطع المصالح الدولية، ولا شك أن أحد أهم المتغيرات الواجب أخذها بعين الاعتبار – حسب مراقبين – أنه تنظيم غير سوري، انشقت قياداته العليا عن الجبهة اعتراضًا على سلوكها في الانفصال عن تنظيم القاعدة وإصرارها على إعادة هيكلتها البنيوية مع الفصائل السورية تحت مظلة تدعى هيئة تحرير الشام.
ولكن ما زالت الشكوك وعلامات الاستفهام والتساؤلات تحيط المشهد السياسي السوري، بشأن ما هو المراد إستراتيجيًا في إيجاد هذا التنظيم المسلح وبشكل منفرد في سوريا في سياق المحاولات السياسية الرامية إلى إعادة هيكلة البنية العسكرية لكل الفصائل السورية في إطار مشروع عسكري واحد!
وإلى أي مدى يمكن أن يكون انشقاق هذا التنظيم عن الجسم العسكري لهيئة تحرير الشام، لا يعدو كونه خطوةً تكتيكيةً تتخذها الهيئة بغية التأقلم وإعادة الوجود بطرق وأساليب براغماتية في إطار المتغيرات السياسية والمستجدات الآنية الأخيرة؟ ويكون ذلك عن طريق هيكلة بنية الهيئة المؤسساتية انطلاقًا من كتلة الأفراد السوريين، بالتوازي مع صناعة كيان عسكري موازي لها ينطلق من إعادة هيكلة كتلة الأفراد الأجانب تحت مسمى حراس الدين، ما يعطي الهيئة مساحة سياسية وعسكرية لأن تتحرك بمرونة أكبر ودون عواقب على كلا الحبلين!
وعليه، هل يعتبر إعادة الهيكلة بهذه الطريقة إستراتيجية تدفع بها الإرادة الدولية من الخلف بغية تنظيم العمل العسكري بهدف تفكيكه إستراتيجيًا، بالتوازي مع سعيها لتنظيم الكتلة الأجنبية في مؤسسة واحدة بهدف القضاء عليها أو إدارتها لتحقيق أغراض سياسية بعينها، لا سيما أن البنية الصلبة لهيئة التحرير هو تنظيم حراس الدين الذي يُعتبر جنين الهيئة المسلح وأمه الأيديولوجية في آنٍ واحد!
لا يمكن للشرائح الاجتماعية السورية أن تتلاقى مصالحها مع الأفراد الأجانب وأستبعد تأقلمها مع قوى خارجية مجهولة الهوية والتوجه
مخاض التنظيم
تم تأسيس تنظيم حراس الدين بشكل رسمي في أواخر فبراير/شباط عام 2018، لكن بدأت بوادر تكوينه في يوليو/تموز عام 2016 احتجاجًا واعتراضًا على إعلان الجولاني فك ارتباطه عن القاعدة الأم، ليبقى التنظيم الجديد منزويًا داخل الجبهة وغير فاعلٍ إلى حين إعلان التأسيس بقيادة أبو همام الشامي.
وفي أثناء تأسيس التنظيم انقسمت الجبهة إلى فريق براغماتي يقوده الجولاني ويدفع باتجاه ولادة هيئة تحرير الشام بهدف التماهي وإعادة التمركز في سياق المتغيرات السياسية الطارئة، وآخرون راديكاليون يرون أن الابتعاد عن نهج القاعدة خطُ أحمر لا يمكن قبوله والتنازل عنه.
وكان الفريق الثاني الذي يعتبر النواة الصلبة لتنظيم حراس الدين المنشق عن جبهة النصرة سابقًا، يتمثل في المقاتلين الأجانب غير السوريين وأبرزهم إياد طوباسي (أبو جليبيب) وسامي العريدي (شرعي النصرة سابقًا وحراس الدين حاليًّا)، وبلال خريسات (أبو خديجة الأردني) وغيرهم، وينتشر التنظيم في عدة أماكن تنحصر في جبل التركمان والأكراد وسهل الغاب ومنطقتي جسر الشغور ومحمبل في ريف إدلب الغربي حسب مصادر لـ”نون بوست”.
ويتراوح أعداد أفراد التنظيم حسب مصادر مطلعة بين الـ800 إلى 1800 مقاتل كحد أعلى ويحتوي تنظيم حراس الدين على الفصائل التالية: سرايا الساحل وجند الشريعة وجيش الساحل وجيش الملاحم وجيش البادية وفلول جند الأقصى وكتيبة أبو بكر الصديق وكتيبة أبو عبيدة بن الجراح وسرايا الغرباء وكتيبة البتار وسرية عبد الرحمن بن عوف وكتائب فرسان الإيمان وقوات النخبة.
البراغماتية والراديكالية الجهادية
“أحذركم من الخضوع لضغوط الداعمين والانخداع بوعود الضامنين، كي لا تسلب منكم إرادة القتال لتصبحوا بعد ذلك أسرى لقراراتهم السياسية فتُباعوا وتُشتروا”، من الواضح أن هذا النداء لـ”أبو همام الشامي” هو الخط الأيديولوجي والإستراتيجية السياسية التي تستند جبهة النصرة عليها في تعاطيها مع الواقع السوري منذ بداية ضلوعها في الشأن السوري، إلا أنها انحصرت اليوم في الخطاب السياسي لحرّاس الدين فقط.
الإستراتيجية الدولية لحصر الكتل البشرية الأجنبية في قوالب معينة تسهل على صاحب القرار إدارتها والتحكم بها أو التخلص منها في الوقت المناسب!
في المقابل الجولاني الرجل البراغماتي خاطب الرأي العام الدولي ليدافع عن حراس الدين بطريقة غير مباشرة من خلال إعطائهم تطمينات سياسية بأن التنظيم غايته محلية ولا يفكر بالجهاد العابر للقارات على الإطلاق، مشيرًا خلال كلمة له إلى أن علاقة هيئة تحرير الشام مع التنظيم “علاقة معقدة”، مضيفًا “لكن تم إلزامهم من قبلنا بعدم استخدام سوريا كنقطة انطلاق للجهاد الخارجي”.
وكأن الجولاني أراد بذلك أن يشفع أو يتوسط لتنظيم حراس الدين لدى القوى الفاعلة في الميدان السوري حسب ما أفاد علي رجب المحلل السياسي المختص في الشأن السوري لـ”النون بوست”، وأضاف قائلًا “العلاقة بين حراس الدين والجولاني علاقة وطيدة وما يبدو أن الاختلاف ليس أصيلًا ولكنه براغماتيًا وفي إطار التكتيك السياسي والاختلاف على الغنائم وليس على المشروع”.
ويضيف نفس المتحدث “الأيديولوجية الراديكالية تحولت لعبء ثقيل على الهيئة وحدت من تحركاتها في ضوء المتغيرات السياسية الطارئة على المستوى الدولي، ما دفع الهيئة إلى التخلص من العبء الأيديولوجي عن طريق تصديره بواسطة تنظيم حراس الدين، ما يعني أن مشروع القاعدة لا يراد له على المستوى القريب أن ينتهي في سوريا، وذلك فيما يبدو بغية العزم على المتابعة في تحقيق أهداف وضغوط سياسية لصالح قوى خارجية”.
مآل التنظيم
علي رجب المختص بالشأن السوري في إفادته لـ”نون بوست” يشير إلى سعي الإستراتيجية الدولية لحصر الكتل البشرية الأجنبية في قوالب معينة تسهل على صاحب القرار إدارتها والتحكم بها أو التخلص منها في الوقت المناسب، مشيرًا أنه من الصعب التعايش مع العنصر الغريب شعبيًا لعدم إمكانية انسجامه مع البنية السورية ومع الأسس السياسية التي يقوم الحل السوري عليها.
وفي ذات السياق يوضح المتحدث المسألة بقوله: “لا يمكن للشرائح الاجتماعية السورية أن تتلاقى مصالحها مع الأفراد الأجانب، ومن المستبعد أن تتأقلم مع قوى خارجية مجهولة الهوية والتوجه، إضافة لذلك لا يمكن القبول الدولي بالكتلة الأجنبية لتكون أحد مكونات الواقع السياسي السوري”.
لذلك حسب علي رجب “كان لا بد من فرز هؤلاء بتنظيم آخر يحفظ وجودهم، إمَا لمتابعة إدارتهم كونهم كيانًا وظيفيًا يُحقق الفاعل الدولي من خلاله أهداف سياسية بعينها، أو أن هدف تجميع الكتلة الأجنبية في إطار تنظيم واحد هو بدافع التخلص منها بالمجمل وبأقل خسائر ممكنة، لا سيما أن الدول التي أتى المقاتلون منها غير مستعدة لاستقبالهم وهم غير مستعدين لتسليم أنفسهم بشكل طوعي لأنهم يعرفون المصير الذي ينتظرهم”، وختم بقوله: “بغض النظر عن القادة الذين يمتلكون غالبًا علاقات مشبوهة مع قوى خارجية”.