لا يمكن فهم لماذا صدحت حناجر وقلوب السوريين الثائرين في ساحات الحرية بذلك الهتاف المثير للجدل في مظاهرات 2011: “يلعن روحك يا حافظ”، إلا بالعودة إلى تاريخ هذا الطاغية الدموي والتذكير بما أحال إليه سوريا التي حكمها بعد موجة انقلابات شارك بالتآمر ببعضها، قبل أن ينقلب انقلابه الأخيرة الحاسم على رفاقه الذين اختارهم من بني طائفته، وكان آخرهم صاحب السلطة في سوريا آنذاك صلاح جديد، الذي زج به في السجن هو ومن معه، ونفى ميشيل عفلق مؤسس الحزب الذي ينتمي له، وقاد البلاد وألحقها باسمه فباتت “سوريا الأسد”، لينفرد بسدة الحكم ويشكل بوصوله للسلطة بداية عهد فاشي قل نظيره في الإجرام والإرهاب بحق الشعب الذي يحكمه، بل وبحق الشعوب المجاورة.
قدم للمشروعين التوسعيين في المنطقة العربية – الصهيوني والإيراني – “خدمة العمر” التي لم يكن أي منهما يحلم بتحقيقها لولا حافظ الأسد!
في هذا التقرير، نختتم ملف “سوريا بعد الاستقلال” بسيرة موجزة وسريعة لأبرز “إنجازات” حافظ الأسد الدامية و”حركته التصحيحية” الخائبة، طوال 30 عامًا من حكم الشعب السوري الذي انتفض عليه مرارًا دون جدوى، قبل أن ينتفض على وريثه بشار، في ثورة مدويّة عظيمة ما زالت مستمرة منذ 2011.
حافظ الأسد يبيع سوريا ويشتري الحكم
حرب النكسة
حرب النكسة عام 1967، الحرب التي هُزم العرب فيها من “إسرائيل” في ستة أيام، فرغم الخسارة التي لحقت بالجيوش العربية وقتها، فإن الهزيمة التي شهدتها الجيوش السورية كانت وصمة العار والغدر الأكبر في حرب النكسة.
كان حافظ الأسد حينها وزيرًا للدفاع وأعلن سقوط الجولان قبل 48 ساعة من سقوط الهضبة الفعلي، فقد أعطى خلال الحرب أمرًا بالانسحاب الكيفي (لا يعطى لأكثر من عدة أشخاص في العادة) لجيشٍ كامل، ويذكر الكاتب أمين هويدي في كتابه* أن أوامر الأسد كانت تقتضي ترك السلاح الجديد في الجولان الذي احتل، ويقول أمين معلقًا: “لقد كان هذا ثمن كرسي الملك لآل الأسد”.
الأسد وأيلول الأسود
أيلول الأسود 1970، في بداية السبعينيات، في الفترة التي عرفت بفترة القلاقل، في الأردن، تدخلت القوات البرية السورية في الأردن بأمر من قائد الجيوش السورية صلاح جديد، ولكنها تعرضت لهجمات من الطيران الأردني والإسرائيلي، فطلب صلاح جديد من حافظ الأسد إرسال مساندة جوية للقوات لكن الأخير رفض، وكانت النتيجة فشل العملية التي بدأتها القوات البرية السورية.
مما يذكر، أن بعد هذه الحادثة مباشرة دعا صلاح جديد إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية في 30 من أكتوبر لمحاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد، لكن الأخير ولكيلا يفتضح أمره وتظهر خيانته سارع وانقلب على كل من معه، بالانقلاب المعروف في 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 1970 حيث قام الأسد بما يعرف بالحركة التصحيحية، فاعتقل شريكه ورفيقه صلاح جديد وكل القيادات البعثية آنذاك، في سجن المزة العسكري لـ23 عامًا حتى توفي في السجن، وعرف عن صلاح جديد بأنه رجل يساري الميول كان يحاول طرح مشروع سياسي لسوريا اشتراكية متقدمة.
بعد ذلك، عين حافظ الأسد أحمد الخطيب رئيسًا مؤقتًا لبضعة أيام، ريثما تولى القيادة بنفسه بعد أن أجرى انتخابات شكلية، ليستمر في الحكم حتى موته.
رحلة في جذور الحكم
كان حافظ الأسد في بداية رئاسته ذكيًا، فلم يصرح بالطائفية في البلاد علنًا أبدًا، كما كان يفعل صلاح جديد ومحمد عمران وغيرهم من القيادات البعثية، لكنه كان يمارس ذلك أفعالًا وسياسات، فشهدت سوريا ظهور وزارات متتابعة وولى عليها وزراءً شكليين لا حول لهم ولا قوة، إذ كانت السلطة الحقيقية للجيش والجهات الأمنية وأجهزة المخابرات.
في تلك الفترة من ذات العام 1970 كان تركيز حافظ الأسد على الجيش ليحكم سيطرة الأقلية العلوية التي ينتمي إليها عليه، وبعد أن استكمل بسط نفوذهم سار بذات النهج للأجهزة الأمنية والمخابرات، ومما يعرف أنه كانت توجد قبل وصول الأسد للسلطة ثلاثة أجهزة للمخابرات (عامة – عسكرية – الشعبة السياسية التابعة لوزارة الداخلية)، لتصبح في زمنه أكثر من 16 جهازًا يعملون بشكل تنافسي عدائي مع بعضهم، خشية من تآمرهم معًا، وكانت تلك من سياسات حافظ الأسد لانفراده بالحكم.
أوكل حافظ الأسد إلى صديقه موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان آنذاك، بإصدار فتوى تنص على أن العلويين من الشيعة المسلمين
في أواخر عام 1972 أقرّ مجلس الشعب مشروع الدستور، فكانت الصدمة حينها للإسلاميين في سوريا ومن ضمنهم الإخوان المسلمون، إذ لم يذكر في الدستور أن دين الدولة وهويتها هو الإسلام، وأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، فسرت احتجاجات واسعة في سائر أنحاء سوريا، شارك فيها الإخوان المسلمون وأنصارهم وكبار علماء سوريا، وكانت تلك فترة ضغوط كبيرة على الأسد، مما اضطره لتعديل مشروع الدستور رضوخًا للمطالب الشعبية.
بعد حركة تعديل الدستور ولتأمين شرعيته في الرئاسة، أوكل حافظ الأسد إلى صديقه موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان آنذاك، بإصدار فتوى تنص على أن العلويين من الشيعة المسلمين، ومع إصدار هذه الفتوى أزال الأسد العقبة الأخيرة التي كانت تعترض سلطته في البلاد.
الدمية والمسرحية واتفاق العار
في أكتوبر 1973، بدأت الحرب مع “إسرائيل”، التي عرفت بحرب السادس من أكتوبر. شارك حافظ الأسد في هذه الحرب إلى جانب أنور السادات في مصر، بهدف استرجاع الأرض التي اغتصبتها “إسرائيل” من العرب في حرب يونيو/حزيران 1967.
خلال الحرب، وفي ذات الوقت الذي عبرت فيه القوات المصرية قناة السويس وحطمت خط بارليف ورفعت العلم المصري في سماء سيناء، كانت قوات حافظ الأسد منهزمة إلى عمق الأراضي السورية أمام القوات الإسرائيلية، وقد وصل طول خط الانسحاب إلى نحو مسافة 54 كيلومترًا، باتجاه دمشق، لتصبح وقتها عاصمة الأمويين تحت رحمة المدفعية الإسرائيلية.
تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وقتها لتضغط على “إسرائيل” للتوقف عن القصف، وتعقد فيما بعد اتفاقية فك الاشتباك مع الأسد، التي تضمنت فيما تضمنته من بنود سرية تفضي بتعهد الأسد بحماية حدود “إسرائيل” الشمالية، مع تنازله عن 34 قرية وقعت بيد “إسرائيل” خلال الحرب الأخيرة، لتدخل مرتفعات الجولان المحتل في صمت كصمت القبور، لنحو 40 سنة لا يعكر الأجواء فيها أزيز رصاصة واحدة.
ما بدت عليه الأمور بعد ما حدث جراء الحرب الأخيرة، أن الحرب كانت مجرد مسرحية لتلميع صورة حافظ الأسد وتحويله إلى بطل قومي، مسرحية مليئة بالخداع والتدليس، سلم فيها الأسد مساحات أكبر من التي خسرتها سوريا في حرب يونيو/حزيران.
مع انقضاء العام الذي شهد الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي وبعد توقيع اتفاقية فك الاشتباك مع الأخير، شنت الأجهزة الأمنية التابعة لقوات الأسد حملة اعتقالات واسعة في البلاد، طالت كل من كان له علاقة بالاحتجاجات التي جرت العام الذي قبله إثر مشروع الدستور. يقول محمد سعيد بختيان – كان نائبًا لرئيس فرع مخابرات حلب -، لأحد المعتقلين: “لقد كنا نخطط لضربكم منذ زمن بعيد، ولكننا كنا ننتظر اللحظة المناسبة لذلك”.
كانت معظم تلك الاعتقالات تطال المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت تمارس ضدهم سياسات عنيفة رغم كونهم مجرد محتجين سلميين، لكن كان هناك قرار خفيّ بكتم أفواه المنتسبين إلى الجماعة واعتقالهم وقتلهم إن لزم الأمر!
في 30 من يونيو/حزيران 1975 اعتقلت المخابرات الجوية الشيخ مروان حديد (مؤسس وقائد حركة الطليعة في سوريا المنبثقة عن الإخوان)، بعد أن قضى عدة سنوات في الخفاء هربًا من مكان إلى مكان، وتمت تصفيته في سجن المزة العسكري في الشهر السادس من عام 1976.
سفاح الثمانينيات
في الوقت الذي كان فيه الإخوان المسلمون يقومون بالتعبئة الدينية والسياسية ضد حافظ الأسد ونظام البعث، منذ أواسط السبعينيات، صدرت العديد من المراسيم الرئاسية التي تقضي بتسريح عدد من المدرسين الإسلاميين في حلب ودمشق واللاذقية، ونقل الكثير من المدرسين المتدينين إلى أماكن أخرى بعيدًا عن سلك التدريس. تزامن ذلك مع ملاحقات أمنية شديدة لكل منتسب للإخوان في سوريا، وما زاد الطين بلّة خروج الطليعة المقاتلة في سوريا عن شور جماعة الإخوان المسلمين والميل نحو العنف المسلح وارتكاب حادثة المدفعية بحلب في 16 من يونيو/حزيران 1979.
ذلك ما أعطى حافظ الأسد مبررات لضرب الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية كافة، في شتى أنحاء سوريا، ما مهد لضرب الحالة الدينية عمومًا في البلاد ذات الأغلبية المسلمة.
مجزرة جسر الشغور
في الـ8 و9 من مارس/آذار 1980 شهدت مدينة جسر الشغور إضرابًا شاملًا، أعربت فيه عن استيائها من ممارسات الأسد ونظامه تجاه كتم الأفواه وقمع الإسلاميين، خرجت مظاهرة كبيرة بدأت من المدارس الثانوية وانتهت بمعظم مواطني جسر الشغور، جابت شوارع المدينة وهتفت بشعارات تندد بالأسد ونظام حكمه، في رسالة واضحة وجهها المتظاهرون، وساروا إلى مكتب حزب البعث واحتجوا هناك.
اقتحمت الكتائب المدينة وارتكبت مجازر مروعة راح ضحيتها عشرات المدنيين ممن لا ذنب لهم سوى أنهم من أهل المدينة
في ليلة الـ10 من مارس/آذار وصلت إلى المدينة أكثر من 25 طائرة محملة بجنود الوحدات الخاصة، بقيادة علي حيدر وعدنان عاصي قائد مخابرات أدلب، وتوفيق صالحة، وحاصرت القوات المدينة وفرضت حظر التجوال فيها، وبدأت تقصف أحياء المدينة كافة بالمدافع.
وخلال ثلاثة أيام، اقتحمت الكتائب المدينة وارتكبت مجازر مروعة راح ضحيتها عشرات المدنيين ممن لا ذنب لهم سوى أنهم من أهل المدينة، وكانت الوحدات الخاصة وكتائب المشاة تقتل كل من تصادفه أمامها، بحسب شهادات من نجا من تلك المجزرة وتحدث عنها.
الإضراب العام للنقابات المهنية
في يوم الإثنين 31 من مارس/آذار 1980 قامت النقابات المهنية في كل المدن السورية بإضراب عام جن جنون النظام على إثره، مما يذكر أن النقابات المهنية كانت آنذاك المنظمات الوحيدة للمجتمع المدني التي نجت من سياسات الاستبداد التي قام بها البعث والأسد، وانقلبت النقابات بعدما اتضح لها أن الوعود والكلام الذي يأتي من النظام لها ما هو إلا سياسة استيعاب ينتهجها النظام فقط.
في مساء اليوم نفسه، شنّت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة شملت أبرز قيادات النقابات في دمشق وحلب، وفي الـ7 من أبريل/نيسان أصدر حافظ الأسد مرسومًا تشريعيًا قضى بتخويل مجلس الوزراء إصدار قرار بحل النقابات المهنية، وفي الـ10 من أبريل/نيسان حلّت الحكومة جميع النقابات المهنية وعينت شخصيات منتمية لحزب البعث والأجهزة الأمنية.
حل النقابات المهنية وسجن المحامين والقضاة 1980
قانون العار.. ومجازر بالجملة
بعد ازدياد وتيرة الاحتجاجات وسط الممارسات والسياسات العنيفة التي يأتي بها الأسد ونظامه، والقمع الفوري لكل من يفكر باعتراض نهج البعث، وبعد مجزرة جسر الشغور وما حصل من حل للنقابات المهنية، تصاعدت وتيرة المواجهات بين الإسلاميين والأسد، وتفشت الظاهرة لجميع المدنيين في أنحاء سوريا، لا سيما في الشمال.
في الـ7 من يوليو/تموز 1980 صدر نص القانون (49) الذي أقره مجلس الشعب السوري الذي يقضي بإعدام كل منتسب لجماعة الإخوان المسلمين، بأثر رجعي، أي سواء من انتسب قبل تاريخ صدور هذا القانون أم بعده، وسواء ثبتت له علاقة مباشرة أم غير مباشرة بالعمل المسلح أم لم تثبت إطلاقًا، أي أن هذا القانون باختصار يحكم بالإعدام على الانتساب لتنظيم سياسي ودعوي فحسب.
أعطى القانون فرصة لأعضاء الجماعة للنجاة من حكم الإعدام، وذلك مدة شهر ليعلنوا انسحابهم وتسليم أنفسهم، غير أن عشرة آلاف معتقل آنذاك بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين لا تجري عليهم تلك الفرصة!
وقد عدّت السلطات أن هذا القانون آخر فرصة للإخوان ليستفيدوا منها، ورفضت الجماعة الرضوخ بحكم المسجونين ظلمًا، وكان الأسد قد بدأ أساسًا بتنفيذ عمليات الإعدام في السجون، وربما تكون أفظع المجازر هي التي جرت في الأقبية ولا يعلم أحد ضحيتها منذ ذلك الوقت! وفوق هذا كله أن عمليات التصفية تلك باتت تجري بحماية القانون ومقتضاه.
بعد ثلاثة أسابيع قليلة من صدور قانون (49) تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال بواسطة قنبلة، نجا منها بأعجوبة، وكان إلقاء قنبلة على الرئيس بمثابة رسالة واضحة بأنه لا عودة ولا تواصل.
ردّ النظام بهمجية وقساوة على محاولة الاغتيال، إذ أعدمت سرايا الدفاع ذات الأغلبية العلوية التي يتولى قيادتها رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد، نحو 600 معتقل من أنصار حركة الإخوان المسلمين في سجن تدمر.
ارتكبت قوات الأسد العديد من المجازر بحق المنتمين للجماعة، بل وطالت المذابح مدنيين لا علاقة لهم لا بجماعة ولا بحزب، وجرمهم الوحيد أن عصابات الأسد صادفتهم! ومن مارس/آذار إلى سبتمبر/أيلول من سنة 1980 تم توثيق 8 مجازر في جسر الشغور وجبل الزاوية والمشارقة وتدمر والحجاب بدمشق وثلاث مجازر بحماة وحدها.
مجزرة حماة الكبرى
صباح الثاني من فيراير/شباط 1982 شنّ جيش نظام الأسد حملة عسكرية واسعة، ضد ما سماه عصيان جماعة الإخوان المسلمين في المدينة، واستمرت الحملة لـ27 يومًا، ارتكب خلالها العشرات من المجازر داخل المدينة، وقصفت الأحياء والمباني بوابل من القذائف دمر معظمها، وكان القصف بالدبابات والمدافع والطيران، وبعد القصف المتواصل، اقتحم الجيش المدينة واجتاحها بريًّا، ليقتل عشرات الآلاف من أهلها.
تم قمع الانتفاضة الشعبية بقساوة نادرة في التاريخ الحديث، لقد غزا حافظ ورفعت الأسد المدينة بمثل ما استعاد السوفييت والأمريكيون برلين
الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك وبعد أن زار حماة المنكوبة آنذاك، يقول: لقد دهشت حين قال لي أحد ضباط الأسد وهو يضحك: “لقد بقي أقل من الذين قتلناهم”، ويقول روبرت فيسك: “في حماة منذ عدة أسابيع، تم قمع الانتفاضة الشعبية بقساوة نادرة في التاريخ الحديث، لقد غزا حافظ ورفعت الأسد المدينة بمثل ما استعاد السوفييت والأمريكيون برلين، ثم أجبروا من بقي من الأحياء على السير في مظاهرة تأييد للنظام”!
تشير الإحصاءات لـ18 مجزرة قام بها الأسد في أحداث الثمانينيات، غير مجزرة حماة الكبرى، وراح ضحية هذه المجازر أكثر من 35 ألف قتيل.
مجزرة حماة 1982
اجتياح لبنان
لم يكن الشعب السوري الوحيد الذي عانى وقاسى من تسلط واستبداد الأسد، فقد طال ظلم الأسد الشعوب المجاورة لسوريا، لشقيقتيها، لبنان وفلسطين.
بعد أن كانت الحرب الأهلية في لبنان مندلعة منذ عام 1975، في 31 من مايو/أيار 1976 دخلت القوات السورية إلى لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية والدفاع عن المقاومة الفلسطينية وحمايتها. يقول اللواء محمد فارس أن تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية لم يكتب بشكل حقيقي حتى الآن، وأن حافظ الأسد دخل إلى لبنان بموافقة إسرائيلية مكتوبة، وكان الهدف الأساسي ضرب القوات الفلسطينية.
كان دخول الأسد إلى لبنان يجري تحت غطاء الجامعة العربية، ليضع حدًّا للحرب الأهلية والنزاع العسكري القائم، كما زعموا.
رفضت الحركة الوطنية اللبنانية ومثيلاتها من الأحزاب اليسارية وجميع الفصائل الفلسطينية، تدخل الجيش السوري في لبنان، وقالوا إن وجوده سيفاقم الأمر سوءًا، بينما في بادئ الأمر فقط رحبت الأحزاب اليمينية اللبنانية بالتدخل السوري.
بعد فترة وجيزة ونشوب العديد من المعارك في صوفر وصيدا بسط الجيش السوري نفوذه على كامل لبنان حتى 1977، لحين انتفاض “الموارنة” ضد الأسد، وإخراجه من مناطق الأشرفية والمتن وسائر المناطق التي عرفت فيما بعد باسم الأشرفية.
مجزرة مخيم تل زعتر
تل الزعتر، مخيم فلسطيني، يضم عشرات آلاف الفلسطينيين واللبنانيين أيضًا، يقع شمال شرق العاصمة اللبنانية بيروت، عجزت الكتائب المسيحية والموارنة عن اقتحامه خلال الحرب الأهلية، حتى جاء الدعم والتدخل من الجيش السوري! 50 يومًا من الحصار، وأكثر من 50.000 ألف قذيفة مدفعية قصف المخيم بها من الجيش السوري، وكل ذلك كان يحصل بالشراكة بين الكتائب المسيحية والجيش السوري برعاية صهيونية.
سقط مخيم تل الزعتر في 14 من أغسطس/آب 1976، وذلك بعد أن تم توقيع اتفاقية في 6 من أغسطس/آب من العام نفسه، تقضي بإخراج من في المخيم من المدنيين والمقاتلين دون الاستسلام للموارنة، وأن يتكفل الصليب الأحمر وقوات الردع بنقلهم.
ما لبث أن غدرت القوات المارونية بجميع من في المخيم وخرقت الاتفاق، وقصفت قوات الجيش السوري المخيم ومن فيه، حتى حدثت في يوم واحد مجزرتين راح ضحيتهما 3500 قتيل، وقد حصلت مثل هذه المذبحة أيضًا في ذات الفترة في مخيمي جسر الباشا والكارنتينا.
ويذكر اللبنانيون أنفسهم في حديث هذه المجازر، أن القوات السورية كانت تقتل الناجين من المخيم على الحواجز وتلاحقهم.
حارس المشروع الصهيوني
يُخيّل إلى قارئ التاريخ أن التوتر الشديد في العلاقات السورية الفلسطينية آنذاك سببه الحرب الأهلية في لبنان، ولكن المتتبع للأحداث يعلم أن السبب الحقيقي كان إصرار سوريا على الهيمنة على القرارين الفلسطيني واللبناني، لتعزيز دورها في المنطقة، وتمرير المصالح الإيرانية والإسرائيلية، وهذا ما بدا لاحقًا، بما أن خيار الحرب لم يعد واردًا منذ نهاية 1973.
في تلك الفترة بدأت السلطة في سوريا بنسج علاقات سرية مع قوى داخل حركة فتح بهدف خلخلة زعامة ياسر عرفات، وإقناع الحركة بتحالف إستراتيجي مع سوريا، تبيّن ذلك جليًّا في المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في دمشق بمقر الاتحاد العام لنقابات العمال عام 1979، حيث تمكن تحالف قوى اليسار مع قوى أخرى في اللجنة المركزية لحركة فتح من شل ممارسات المجلس الوطني الفلسطيني.
في 6 من يونيو/حزيران 1982 بدأت “إسرائيل” باجتياح لبنان، لاستكمال ما بدأه الأسد من ضرب خواصر المقاومة الفلسطينية في لبنان، وإشعال فتيل الحرب الأهلية اللبنانية بالخفاء، ليتزعزع المجتمع اللبناني بالكامل وتكن بنيته متصدعة غير قادرة على مواجهة دولة الاحتلال، وكل ذلك يحصل، عوضًا عن أن تكون قوى الجيش السوري داعمة لموقف الفلسطينيين واللبنانيين.
مع انتهاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان ووصوله لعمق بيروت، يكون الأسد المساهم الأكبر في طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وتشريد الفلسطينيين في شتى أصقاع الأرض
بعد أن غزت “إسرائيل” لبنان خلال أقل من يومين بدعم عسكري كبير من الداخل “الموارنة” وتسهيل كبير من قوى الأسد في لبنان، دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي الدفاعات الجوية في البقاع اللبناني، تلك المخصصة لحماية الجيش السوري، وبزعم الأسد آنذاك حاولت القوات السورية اعتراض المقاتلات الجوية الإسرائيلية، ولكن ما تم توثيقه هو خسارة الأسد 20 طائرة ميغ في اليوم الأول، و35 طائرة في اليوم الثاني.
وبذلك، ومع انتهاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان ووصوله لعمق بيروت، يكون الأسد المساهم الأكبر في طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وتشريد الفلسطينيين في شتى أصقاع الأرض.
مذبحتا صبرا وشاتيلا الأولى والثانية
وفي الـ9 من سبتمبر/أيلول 1982، جرت عملية اجتياح لمخيمات صبرا وشاتيلا، فيما عرفت بمذبحة صبرا وشاتيلا الأولى، بعد أن كان المخيمان محاصرين منذ الاجتياح الإسرائيلي الأول في 6 من يونيو/حزيران من القوات السورية، وبصمت وخذلان، تنسحب القوات السورية من المخيمات أمام الغزو الإسرائيلي، ليشرف الأخير على عمليات الحصار، ولتشارك كتائب الموارنة بمذبحة راح ضحيتها أكثر من 4 آلاف فلسطيني ومن قدم لهم العون من اللبنانيين، وكان معظم القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ، ولم تكن هذه المذبحة الأولى، إذ كانت كتائب الموارنة وبدعم من القوات السورية والإسرائيلية قد ارتكبت العديد من المجازر الوحشية في مخيمات صيدا اللبنانية.
يذكر الكاتب آلان مينارغ في كتابه أسرار حرب لبنان، في سبتمبر/أيلول 1983 قامت “إسرائيل” بالانسحاب من جبل لبنان، واندلعت الحرب المعروفة بحرب الجبل بين قوات اليمين اللبناني والحركة الوطنية اللبنانية، بالإضافة لمشاركة فلسطينيين موالين للسلطة في سوريا ومسلحين من اليسار اللبناني، كان الداعم الرئيس لهذه الحرب هو الأسد والممول الأب لها هي “إسرائيل”، حسب ما ذكر الكاتب، موضحًا أن الهدف هو ضرب المخيمات الفلسطينية ببعضها ودخولها في دائرة صراع مباشر، بعد أن خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس، وهذا ما قد حصل بالفعل.
وبعد حرب الجبل، وبالفترة التي اشتهرت بحرب المخيمات، في 20 من مايو/أيار 1985 قامت قوات حركة أمل واللواء السادس من الجيش اللبناني، بدعم وتمويل من الأسد وقواته، باقتحام مخيمات صبرا وشاتيلا وإمطارها بوابل عنيف من القائف المدفعية تزامنًا مع حصار شديد ألجأ قاطني المخيمات لأكل لحوم القطط والكلاب.
راح ضحية المذبحة الثانية في المخيمات أكثر من 3000 قتيل و20.000 ألف مهجر، ناهيك بدمار المخيمات بشكل شبه كامل.
حصار طرابلس
بعد مجازر صبرا وشاتيلا الثانية توجهت القوات السورية لمدينة طرابلس وأحكمت قبضة الحصار عليها ودكتها بالقذائف المدفعية، بالتعاون والتنسيق مع المليشيات اللبنانية العلوية في جبل محسن في طرابلس. لم تدخل طرابلس في الحرب الأهلية اللبنانية منذ اللحظات الأولى، وكان تتميز بالتعايش والتفاهم السلمي في دائرتها بين كل المذاهب والملل من قاطنيها، هذا ما لم يعجب الأسد ولا الموارنة، وأربك دائرة التفاهمات الإسرائيلية في المنطقة.
وعلى الرغم من كل الاتصالات واللقاءات التي جمعت الوجوه الرئيسية للمدينة مع حافظ الأسد، فإن الأخير ظل متمسكًا بموقفه الداعي لتسليم الأحزاب الطرابلسية لسلاحها والسماح للقوات السورية بالتمركز في شوارعها.
بالتعاون مع مليشيات جبل محسن، دكت قوات الأسد على مدى شهر كامل طرابلس بأكثر من مليون قذيفة مدفعية حسب وكالات أنباء بيروت، دمرت خلالها أكثر من نصف أحياء المدينة، وارتكبت العديد من المجازر كمجزرة منطقة التبانة ومجازر الضنية وعكار، وكان عدد الضحايا يفوق الألف قتيل، بحسب تقارير منظمة العفو الدولية.
مجازر حافظ الأسد في طرابلس 1983 – 1986
خلاصة إنجازات الأسد في لبنان
ينقل الكاتب محمد عبد الغني في كتابه الصراع العربي الإسرائيلي، ما ذكره رئيس وزراء دولة الاحتلال آنذاك إسحاق رابين: “إسرائيل لا تجد سببًا يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان، فهذا يهاجم الفلسطينيين ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتالها للفلسطينيين، فهي تقوم بمهمة لا تخفي نتائجها الحسنة بالنسبة لنا”.
نجح الأسد في نزع أسلحة الفصائل اللبنانية المتصارعة وحل جميع المليشيات العسكرية في لبنان، لكنه أبقى على السلاح بحوزة “حزب الله”، وسلمه الجنوب اللبناني، بحجة أنه لم يكن طرفًا أبدًا في الحرب الأهلية اللبنانية، واستطاع الأسد عبر وجوده في لبنان من جعلها حديقة خلفية لنظامه ومخابراته، إذ شهدت فترة اجتياح قواته للبنان قمعًا للحريات وإرهابًا واعتقالات وتعذيبًا وقتلًا، لكل أشكال الحياة في لبنان، وكان المتحكم بالمجتمع الذي صدع بنيته أساسًا.
وإليك حصيلة إنجازات الأسد في لبنان، دمر القوى الفلسطينية وأبعد المقاومة عن محيط “إسرائيل”، أضعف التشكيلات السنية في لبنان وساهم بتقوية التشكيلات الشيعية وظهور قوى جديدة بدعم إيراني، جعل من لبنان قبضة متقدمة وقاعدة لإيران وسلم لبنان للموارنة، ناهيك بتدميره على مختلف الأصعدة، إلى أن حول لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية المحلية والإقليمية والدولية.
الأسد وتمرير المشاريع الإيرانية والإسرائيلية
توقيع المعاهدة السورية – السوفيتية
يذكر فاروق الشرع في كتابه الرواية المفقودة: “في 22 أيلول 1980 نشبت الحرب العراقية – الإيرانية، وتشير تقديرات حافظ الأسد إلى أن المنطقة مقبلة على عملية تغييرات جيوسياسية خطيرة، وأن هذه الحرب ستخرج العراق من العمق الإستراتيجي للمواجهة مع “إسرائيل”، وستخل بموازين القوى العسكرية والسياسية والإستراتيجية مع الاحتلال الإسرائيلي، وتضعف التضامن العربي وتعيد القوى الأجنبية للمنطقة بقوة. وقال إن الدفاع عن البوابة الشرقية خدعة كبرى تستهدف التخلي عن البوابة الحقيقية في مواجهة “إسرائيل”.
ومما يذكر أن الملك حسين أخبر الأسد بأنه كان يتوقع منه أن يقول له كم عدد الفرق العسكرية التي سترسلها سوريا لمؤازرة العراق؟ ورفض الأسد أن يتم أي لقاء على مستوى وزراء الخارجية العرب لبحث هذا الأمر.
يقول الشرع عن المتغيرات السريعة في هذه الفترة، كان تسريع الأسد بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفيتي في 8 تشرين الأول 1980 التي لطالما كان مترويًا في توقيعها.
ومما يذكر أيضًا أن سوريا وقعت اتفاقية مع الاتحاد السوفيتي في 1971 خلال أيام الحرب الباردة لبناء قاعدة عسكرية بحرية سوفيتية في مدينة طرطوس الساحلية شمال سوريا، وذلك بغرض دعم الأسطول السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط وتوفير مركز له.
الحرب العراقية – الإيرانية
في سبتمبر/أيلول 1980 اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، أطول حروب المنطقة في القرن العشرين، وبعد مضي أسابيع قليلة من غزو الجيش العراقي للأراضي الإيرانية، قام حافظ الأسد بإقامة جسر جوي بين دمشق وطهران لنقل كميات كبيرة من الأسلحة السوفيتية الصنع والبطاريات المضادة للطائرات وفتح الأسد مراكز التدريب في سوريا للإيرانيين، وتم سحب الكثير من الأسلحة من مخزونات الطوارئ الحربية للجيش السوري.
وإلى جانب ذلك كان نظام الأسد المزود الرئيسي للمخابرات الإيرانية بالمعلومات السرية عن العراق، مع فتح أبواب دمشق للمعارضين الشيعة، وبالتالي للعبور إلى لبنان، لتفجير الحرب ضد العراق هناك، كما أشار لذلك قائد الحرس الثوري الإيراني محسن رفيق دوست في مذكراته عن تقديم الأسد الدعم لإيران.
كان الاقتصاد السوري خلال دعم الأسد لإيران في حربها ضد العراق، مدمر تمامًا، وتزامن ذلك مع حالة الاحتجاجات في الداخل السوري، رغم أن الأسد كان يستورد 100.000 برميل نفط يوميًا من إيران بسعر منخفض بقيمة 28 دولارًا أمريكيًا، و20.000 ألف برميل تحت شروط مقايضة، و10.000 برميل نفط مجانًا، في الوقت الذي كان سعر برميل نفط أوبك 34 دولارًا أمريكيًا.
كان العراق بالفعل قد خرج من معادلة الصراع مع “إسرائيل” نهائيًا
ونتيجة ذلك، توقفت جميع المساعدات الخليجية المالية لسوريا، التي كانت تقدر بأكثر من مليار ونصف المليار دولار سنويًا. وكان لتلك الأموال دور كبير على مدى أكثر من عشر سنوات في حماية الاقتصاد السوري من الانهيار.
مع انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية كان العراق بالفعل قد خرج من معادلة الصراع مع دولة الاحتلال نهائيًا، بل إنه خرج من معادلة مراكز القوى في المنطقة، كما قال الأسد سابقًا للشرع “خلال توقيع المعاهدة السوفيتية”.
داعم إقليمي ودولي للإرهاب
حزب العمال الكردستاني
يعود تاريخ وجود تنظيم (PKK) الإرهابي في سوريا إلى عام 1978، فقد تأسس حزب العمال الكردستاني في 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 1978 على أرضية ماركسية لينينية، وكان زعيمه عبد الله أوجلان، الذي استقر في دمشق منذ ذلك الوقت (تحت حماية الاستخبارات العسكرية برئاسة علي دوبا) إلى حين طردته السلطات السورية، بموجب اتفاق الأخيرة مع تركيا. في عام 1984 أطلقت قوات حزب العمال الكردستاني حرب انفصالية في تركيا، مستمرة حتى اليوم.
كان النظام السوري في عهد حافظ الأسد أول من قدم الدعم للحزب خارج حدود تركيا، وذلك بتوفير معسكرات التدريب لعناصر الحزب، وإيواء زعيم الحزب “عبد الله أوجلان”، ووفر الأسد لهم تنسيقًا وتواصلًا كبيرًا مع الإيرانيين في سوريا، وأدرج حزب العمال الكردستاني (مع مراكز الاحتجاز الخاصة به) كقوة رديفة للتحكم بالسكان الأكراد السوريين، رغم أن القائمين على مشروع الحزب هم أكراد علويون “دينيًا” ويساريون ماركسيون “توجهًا”.
دعم حافظ الأسد الحزب بالمال والسلاح، وفتح مراكز التدريب لهم، وهيأ الأراضي السورية لهم لتكون منطلق عمليات انفصالية ضد الجوار التركي، وقد سبق أن لعب حافظ الأسد هذا الدور إبان الحرب العراقية الإيرانية، بدعم الإيرانيين بذات الأساليب والطرق!
عام 1998 تم توقيع اتفاقية أضنة بين الجانبين السوري والتركي، وعلى إثرها تم طرد أوجلان من سوريا وتقييد عمل الحزب “شكليًا” وبدأت الأمور نسبيًا بالهدوء وخفض التوترات بين تركيا وسوريا.
الأسد والأرمن
في الوقت الذي كان فيه الأسد الأب يدعم حزب العمال الكردستاني الإرهابي في حربه الانفصالية ضد تركيا، وبعد أن وجهت الأخيرة إنذارات وتهديدات شديدة للنظام السوري، وعقدت العزم لإنشاء حزام أمني على طول الحدود مع إيران والعراق وسوريا بعمق 10 كيلومترات، وذلك لوضع حافظ الأسد أمام مسؤولياته، تحت الأمر الواقع.
سجل حافل بالإجرام والإرهاب، كتبه الأسد بدماء السوريين، وباقتصاد ومقدرات هذا البلد العريق الذي لم يعلن استقامته للأسد وزبانيته يومًا
كان الأسد يحاول جاهدًا دعم كل الطرق المؤدية للإرهاب المحلي والإقليمي وزعزعة الاستقرار في مدن الجوار، وإحدى هذه الطرق كانت دعم النظام السوري للأرمن، إلى جانب PKK، وفر حافظ الأسد للأرمن أيضًا معسكرات تدريب على الأراضي السورية، برعاية الاتحاد السوفيتي وإشراف خبراء سوفييت.
في 23 من أكتوبر/تشرين الأول 1983 اجتمع في جنيف رئيس المخابرات العسكرية للنظام السوري علي دوبا، بقيادة منظمة ASALA الأرمنية الإرهابية، للاتفاق على تنفيذ العمليات الإرهابية ضد تركيا، لمنعها من إنشاء الحزام الأمني، وقد شهدت المنطقة التركية بالفعل العديد من العمليات الإرهابية بعد ذلك التاريخ.
ولعب الأسد دورًا كبيرًا في الربط بين الأرمن في ASALA والأكراد في PKK، وربطهم معًا بالخبرات السوفيتية والإيرانية.
عاصفة الصحراء
لم يكتف الأسد بتقديم الدعم للإرهاب والمنظمات الإرهابية، بل أقحم نظامه في مواقف كثيرة يندى لها جبين الإنسانية، فقد تصدر الأسد اللوائح في إرسال جيشه إلى السعودية للدفاع عنها “حسب ما قال” إثر الغزو العراقي للكويت، في حرب الخليج الثانية. في الوقت الذي رفضت فيه الأردن والجزائر والسودان واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عرفات، والعديد من الدول العربية، التدخل الأجنبي في الحرب، كان النظام السوري أول من أعلن دعمه للتدخل الأجنبي ولقرارات الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب، بل وسارع بإرسال قوات الجيش السوري لمنطقة الحرب، لتشارك بما يعرف بحرب عاصفة الصحراء.
أكثر من 100.000 ألف قتيل و80.000 ألف أسير، ومثلهم جرحى، في العراق، إثر الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء، وكان الأسد متوغلًا فيها!
سجل حافل بالإجرام والإرهاب، كتبه الأسد بدماء السوريين، وباقتصاد ومقدرات هذا البلد العريق الذي لم يعلن استقامته للأسد وزبانيته يومًا، وها هي ثورة الكرامة 2011 تصيح “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”.