لا يزال مساء الـ2 من ديسمبر 2010، محفورًا في أذهان العرب من المحيط إلى الخليج، عندما أعلن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الأسبق السويسري جوزيف بلاتر، فوز دولة قطر بشرف استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، نسخة عام 2022.
انتابت فرحة كبيرة شوارع الوطن العربي ابتهاجًا بحلم طال انتظاره بإقامة أكبر حدث كروي في العالم، على أراضٍ عربية، للمرة الأولى في تاريخ بطولات كأس العالم، وبعد محاولات عربية متكررة باءت بالفشل سابقًا.
ونجحت دولة قطر في نيل ثقة اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي للعبة، بحصولها على أعلى الأصوات، متفوقة في السباق الأخير على الولايات المتحدة الأمريكية، بعد خروج أستراليا واليابان ثم كوريا الجنوبية في جولتي التصويت الأوليين.
تشير كل الدلائل إلى أن مونديال قطر سيكون “استثناءً” في تاريخ بطولات كأس العالم، منذ الدورة الأولى التي احتضنتها الأوروغواي عام 1930، وهو ما يستعرضه “نون بوست” في هذا التقرير بالتفصيل.
الأول عربيًا
من المعروف أن العالم العربي يتنفس عشقًا “الساحرة المستديرة” وينتظر اللحظة لإقامة البطولة الكروية الأكثر شعبية وجماهيرية على أرضٍ عربية، ولتحقيق ذلك حاول المغرب مرارًا وتكرارًا بغية ترجمة ذلك إلى واقع ملموس.
تقدم المغرب في خمس مناسبات لنيل تنظيم كأس العالم، بدأها عام 1994، لكن الولايات المتحدة الأمريكية كسبت الرهان، ثم عاد بعد 4 أعوام للمحاولة مجددًا إلا أن الاستضافة كانت من نصيب فرنسا.
وأخذ المغرب استراحة محارب ثم تقدم بملف رسمي لاستضافة نسخة 2006 المونديالية التي نالتها ألمانيا، فيما كانت الرباط قريبة للغاية من تحقيق حلمها وحلم العرب في نسخة 2010 التي أقيمت للمرة الأولى في أدغال القارة الإفريقية وكانت من نصيب جنوب إفريقيا التي نالت 14 صوتًا مقابل 10 للبلد المغاربي.
لم يكن المغرب البلد العربي الوحيد الذي سعى جاهدًا لنيل تنظيم نسخة 2010، إذ تقدمت مصر أيضًا بملف لاستضافتها، لكنها منيت بخسارة كبيرة، عُرفت إعلاميًا بـ”صفر المونديال“، في إشارة إلى خروجها بلا أصوات في تصويت تنفيذية الفيفا.
وبعد نيل قطر تنظيم نسخة 2022، أعاد المغرب الكَرة من جديد لاستضافة نسخة 2026، إلا أن التصويت الذي جرى على هامش افتتاح مونديال 2018، منح الملف الأمريكي المشترك، المكون من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، شرف التنظيم، لكن ذلك لم يحبط المغاربة الذين تحدثوا عن ترشح مرتقب لاستضافة مونديال 2030 في رسالة تحدٍ وإصرار على تحقيق الهدف المنشود.
وفي هذا الإطار، ستكون النسخة المونديالية الـ22 في تاريخ بطولات كأس العالم، الأخيرة التي ستقام بمشاركة 32 منتخبًا، قبل قرار الفيفا زيادة عددها إلى 48 بداية من نسخة 2026.
وخلال حفل تسلم راية الاستضافة على هامش نهائي مونديال 2018، الذي أقامه الكرملين بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الفيفا جياني إنفانتينو، رحب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني باسم كل العرب بالعالم في مونديال 2022.
في فصل الشتاء
كما أن مونديال قطر، سيكون الأول في تاريخ كأس العالم الذي يقام في فصل الشتاء، بعدما اعتادت جماهير اللعبة الشعبية الأولى في العالم، تنظيمه صيفًا، بعد انتهاء الدوريات الأوروبية وإسدال الستار عليها.
وأقر الاتحاد الدولي للعبة، صيف عام 2018، توصية سابقة بإقامة نسخة قطر شتاءً وليس كما جرت العادة، وحدد 21 من نوفمبر 2022 موعدًا لافتتاح البطولة العالمية، على أن يكون الختام في 18 من ديسمبر من العام ذاته.
وجاء قرار الفيفا لتفادي درجات الحرارة المرتفعة في منطقة الخليج خلال فصيل الصيف، وهو ما رحبت به الدولة الخليجية معلنة احترامها للأسرة الكروية الدولية.
ملاعب مكيّفة
رغم قرار الفيفا بإقامة المونديال القطري في فصل الشتاء، فإن اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الجهة القطرية المسؤولة عن توفير البنية التحتية اللازمة لاستضافة كأس العالم 2022، أوفت بوعدها الذي قطعته في ملف ترشحها، وهنا يدور الحديث عن تقنية التبريد المبتكرة التي ستوفر درجة حراراة تتراوح بين 18 إلى 24 درجة مئوية.
وبالفعل افتتحت قطر ملعبين موندياليين هما خليفة الدولي والجنوب، وتم تزويدهما بتقنية التبريد المبتكرة، وهو ما يضمن أجواءً مناخيةً مثاليةً للاعبين فوق أرضية الميدان والجماهير في المدرجات.
وبحسب الدكتور سعود عبد الغني، مهندس تقنية ملاعب مونديال قطر، فإن عملية التبريد في الإستاد تقتصر على المساحات التي يوجد فيها الأفراد، حيث يعمل هيكل الإستاد كجدار يحيط بمنطقة مبرّدة في داخله.
وتعمل آلية تبريد الإستاد عن طريق مرور الهواء المبرّد عبر مخارج خاصة أسفل مقاعد المشجعين، وفوهات كبيرة لتبريد أرضية الاستاد، كما تُستخدم تقنية توزيع الهواء، حيث يتم سحب الهواء المبرّد من قبل، ليعاد تبريده مرة أخرى ثم تنقيته، قبل دفعه مجددًا إلى الإستاد.
بطولة متقاربة المسافات
خلافًا لجميع البطولات السابقة، ستكون نسخة 2022 “متقاربة المسافات“، قياسًا إلى أن المسافة بين أطول ملعبين موندياليين، وهما إستاد البيت بمدينة الخور وإستاد الجنوب بالوكرة تبلغ 55 كيلومترًا، في حين أن أقصر مسافة تبلغ 5 كيلومترات وهي بين إستادي الريان والمدينة التعليمية.
وبناءً على ذلك، ستكون الفرصة متاحة أمام المشجعين ووسائل الإعلام والشخصيات الرسمية ووفود المنتخبات، لأول مرة في تاريخ المونديال، لحضور أكثر من مباراة في يوم واحد، في ظل قصر المسافات بين الملاعب، وتوفير شبكة مواصلات فيما بات يُعرف بـ”مترو الدوحة” الذي بدأ التشغيل التجريبي لخطوطه الثلاث (الأحمر والذهبي والأخضر) وتضم 37 محطة في 2019.
ويتصل مترو الدوحة، مباشرة بخمسة ملاعب مونديالية هي: لوسيل وخليفة الدولي وراس أبو عبود والمدينة التعليمية والريان، فيما ستكون إستادات البيت والوكرة والثمامة متصلة بخدمة النقل من محطة المترو، علمًا بأن أقصى مدة زمنية لازمة لتنقل الزوار بين مختلف ملاعب مونديال 2022، تُقدر بساعة واحدة.
إرث واستدامة
بعد انقضاء المحفل الكروي، ستترك البطولة العالمية إرثًا لدولة قطر والمنطقة بأسرها، حيث من المتوقع أن تتبرع الدوحة بـ170 ألف مقعد للدول النامية التي تفتقر لبنى تحتية رياضية في جميع أرجاء العالم.
ويعد إستاد “راس أبو عبود”، الذي يشيد حاليًّا من حاويات الشحن البحري ومقاعد قابلة للتفكيك، أول ملعب مونديالي قابل للتفكيك كاملًا، حيث سيُفكك بعد التظاهرة الكروية لإتاحة المجال لإقامة مشروع يطل على ناطحات السحاب بمنطقة الخليج العربي في الجهة المقابلة.
أما إستاد لوسيل، وهو أكبر ملاعب “قطر 2022” بسعة جماهيرية تصل إلى 80 ألفًا، سيتحول بعد كأس العالم، إلى إرث اجتماعي للدولة الخليجية، حيث تعتزم السلطات تحويله إلى منشآت صحية ومحال تجارية ومدارس وأغراض اجتماعية، مع الحفاظ على الهيكل المعماري الخارجي.
كما تستخدم الملاعب المشيدة مصابيح توفر ثلث الطاقة الكهربائية التي تستهلكها المصابيح العادية، علاوة على استزراع أكثر من 850 ألف متر مربع من المساحات الخضراء، إلى جانب زرع أكثر من 5 آلاف شجرة في الملاعب والمناطق المحيطة.
جدير بالذكر أن قطر أعلنت عزمها افتتاح ثلاثة ملاعب مونديالية خلال العام الحاليّ، ويتبقى مثلها سيتم تدشينها العام المقبل، ما يعني أن الدوحة سيكون أمامها وقت كافٍ للوقوف على جاهزيتها وتجربة ملاعبها وصولًا لصافرة البداية المونديالية.