تحرير “الوطية”.. حشر حفتر في الزاوية والتحضير للأهم

الطائرات التركية تتغلب على المضادات الجوية الروسية

تواصل قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية، تحقيق انتصاراتها الواحد تلو الآخر، في حربها ضد اللواء المتقاعد والمتمرد على الشرعية خليفة حفتر، آخر هذه الانتصارات جاءت من جنوب غرب البلاد، حيث تم تحرير قاعدة الوطية الجوية الإستراتيجية.

الوطية تحت يد الوفاق

السيطرة على هذه القاعدة (140 كيلومترًا جنوب غرب طرابلس)، جاءت بشكل سريع، وذلك نظرًا لانسحاب أغلب مليشيات حفتر التي كانت بداخلها نحو مدن الأصابعة والزنتان والرجبان، بعد الضربات الجوية الدقيقة التي تلقتها القاعدة خلال الأيام الأخيرة.

وسبق أن اقتحمت قوات الوفاق قاعدة الوطية الجوية – المعروفة سابقًا بقاعدة “عقبة بن نافع” – مرتين، وذلك منذ إطلاق القوات الحكومية، عملية عاصفة السلام، في 25 من مارس/آذار الماضي، إلا أنها في كلتا المرتين لم تتمكن من السيطرة عليها، نظرًا لحصانتها، واكتفت بتطويقها وقصفها جوًا وبرًا.

يعود سقوط القاعدة في أيدي قوات الوفاق إلى سيطرة سلاح الجو الليبي على سماء المنطقة الغربية، وقطعه خطوط الإمداد الطويلة لها

تعتبر السيطرة على هذه القاعدة إنجازًا كبيرًا، فهي آخر تمركز عسكري مهم تملكه مليشيات حفتر في المنطقة الممتدة من غرب طرابلس إلى الحدود التونسية، وكان حفتر يستخدمها مركزًا لقيادة العمليات الغربية ونقطةً لحشد القوات القادمة من الشرق الليبي، كما استخدمها لقصف عدد من مناطق طرابلس.

 

ويرجع تشييد هذه القاعدة التي تعتبر الأكبر في المنطقة الغربية إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث شيدها الأمريكيون خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) في منطقة بعيدة عن التجمعات السكانية، فأقرب منطقة مأهولة تبعد عنها 25 كيلومترًا، مما يجعل أي هجوم كبير على القاعدة، مكشوفًا أمام طائراتها الحربية ومدفعيتها الثقيلة.

وتضم القاعدة التي تقع قرب منطقتي “الجميل” و”العسة” غربي البلاد، مخازن أسلحة ومحطة وقود ومهبطًا للطيران وطائرات حربية، بينها طائرات إماراتية مسيرة تستخدمها قوات حفتر في شن هجمات على طرابلس وتستطيع استيعاب نحو سبعة آلاف عسكري.

يعود سقوط القاعدة في أيدي قوات الوفاق، إلى سيطرة سلاح الجو الليبي على سماء المنطقة الغربية وقطعه خطوط الإمداد الطويلة لها واستهدافه كل التحركات من وإلى القاعدة، ما جعل قوات حفتر معزولة داخلها دون أي إمدادات قد تصلها، وفق الإعلامي الليبي أنس المسلاتي.

ويضيف المسلاتي في حديث لـ”نون بوست”، “ما زاد من انهيار قوات حفتر هو تكثيف الضربات الجوية ليلة الأمس واستهداف قوات الوفاق لمنظومتي دفاع جوي كانت قد وصلت على أعتاب القاعدة مما جعلهم متيقنين أن الدعم والمساندة لن تصلهم.

بانتسير 1 في مرمى المُسيّرات التركية

قبل إعلان السيطرة الكاملة على قاعدة الوطية، تمكن سلاح الجو التابع لحكومة الوفاق من تدمير منظومة دفاع جوي روسية هي الثالثة من نوعها خلال يومين، وفق المتحدث الرسمي باسم قوات حكومة الوفاق العقيد محمد قنونو، وأوضح محمد قنونو في بيان أن سلاح الجو شن ضربات جنوب مطار السبعين على طريق الرواغة دمرت خلالها منظومة دفاع جوي روسية من طراز بانتسير ومنظومة تشويش إلكترونية كانت في طريقها لدعم مليشيات حفتر.

السيطرة على مدن الشريط الساحلي الغربي إلى الحدود التونسية وبعدها تحرير قاعدة الوطية والتوجه نحو ترهونة والجفرة، من شأنه أن يقلب موازين القوى في ليبيا

قبل يومين، تمكنت قوات الوفاق الحكومية من تدمير منظومتي دفاع جوي روسي فور وصولهما إلى قاعدة الوطية الجوية، وتزامن ذلك مع تدمير آليات وذخائر وطائرات مسيرة تابعة لقوات خليفة حفتر المتمركزة هناك.

صممت منظومة الدفاع الجوي الروسي بانتسير 1 خصيصًا للتصدي لهجمات الطائرات المقاتلة والمروحية وصواريخ كروز وتوماهوك والصواريخ المضادة للرادارات والطائرات دون طيار، إلا أنها عجزت عن التصدي للطائرات التركية التي دمرتها أكثر من مرة في ليبيا وسوريا أيضًا، ما يؤكد عدم نجاعة هذا السلاح في وجه الطائرات التركية المتطورة.

بالتزامن مع تدمير هذا السلاح الروسي، عرض حساب المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب صورًا تُعرض لأول مرة لبقايا حطام طائرة وينق لونق صينية الصنع دعمت بها الإمارات قوات حفتر بعد أن استهدفتها قوات الوفاق فجر الأحد في سماء المنطقة بين زوارة والجميل، وذكر الحساب أن الطائرة هي نفس الطائرة التي احتفلت قوات حفتر منذ يومين بإسقاطها وبثت أولى الصور لها قبل أن تكتشف حقيقة الأمر.

فتح الطريق لانتصارات أخرى

بسقوط قاعدة الوطية العسكرية التي تعتبر أهم وأكبر قاعدة عسكرية في المنطقة الغربية، يكون حفتر قد فقدَ أهم معقل عسكري له في ظهر طرابلس، وهو ما يعتبر خسارة كبرى له ولقواته المتمركزة في الغرب والساعية لاحتلال طرابلس منذ أكثر من سنة.

ويؤكد أنس المسلاتي أن السيطرة على الوطية مهم جدًا لتأمين مدن الغرب الليبي التي حررتها حكومة الوفاق مؤخرًا ومهم أيضًا لضمان خط حزام وتأمين للعاصمة الصامدة في وجه عدوان حفتر وميليشياته والمرتزقة الروس والأفارقة التابعين له.

فضلًا عن ذلك، من شأن سقوط الوطية في يد الوفاق أن يعزل مدينة ترهونة (80 كيلومترًا جنوب شرق طرابلس) ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة لقوات خليفة حفتر، التي تمثل مفتاح هزيمة حفتر جنوب طرابلس.

يرى العديد من الليبيين أن السيطرة على قاعدة الوطنية سيتيح لحكومة الوفاق تأمين مدن الساحل وعزل ميليشيات حفتر في القرى النائية بالجبل الغربي وإنهاء أي تهديد للعاصمة من المحاور الغربية والجنوبية الغربية.

قوات الوفاق الشرعية، ستركز بعد الآن، وفق حديث الإعلامي الليبي أنس المسلاتي، ضرباتها العسكرية على ترهونة، خاصة أنها عزلت هذه المدينة الإستراتيجية وأضعفت معنويات القوات الموجودة هناك.

كما ستوجه حكومة الوفاق سهامها نحو مناطق أخرى أهمها قاعدة الجفرة العسكرية التي تمثل مركز القيادة والتحكم في سير المعارك في محيط طرابلس وسرت، ومركز التحشيد الرئيسي للمقاتلين المرتزقة من السودان وتشاد.

يقول المسلاتي إن حكومة الوفاق الوطني الشرعية بقيادة فائز السراج لن توقف عملياتها العسكرية عند هذا الحد، بل ستتواصل إلى غاية إرجاع كل المدن والقرى والبلدات تحت الدولة الليبية والشرعية وتلقين حفتر وقواته درسًا.

هذا الأمر سيترك المنطقة الشرقية أمام خيارين: إما التسليم والاستسلام لشرعية الدولة والعودة وسحب أبنائهم من محاور القتال والتبرؤ ونفض اليد من حفتر، وإما الإصرار على المواجهة العسكرية التي ستكلفهم الكثير من الخسائر مع بدء انحسار الدعم ومحدوديته.

السيطرة على مدن الشريط الساحلي الغربي إلى الحدود التونسية وبعدها تحرير قاعدة الوطية والتوجه نحو ترهونة والجفرة، من شأنه أن يقلب موازين القوى في ليبيا ويحشر حفتر المتمرد على الشرعية في الزاوية، خاصة في ظل الانقسامات داخل معسكره وتقلص الدعم الخارجي.