مع الدعاية المستمرة للكتب الصوتية وضيق وقت القراءة، زادت نسبة المتجهين إلى استماع المحتوى الصوتي. بدأ الأمر بإنتاج المنصات الصوتية للكتب والروايات سواء العربية أو المترجمة، مع إتاحة عدد من الكتب الإنجليزية كما تفعل منصة “ستوريتل” Storytel التي لم تتوقف عند مرحلة إنتاج الكتب صوتيًّا، بل أخدت المبادرة في إنتاج محتوى إبداعي صوتي من الصفر تحت عنوان “ستوريتل أوريجينال” Storytel Original، الذي يوفر أكثر من مئتين مسلسل صوتي حول العالم، أما بالنسبة للمحتوى الصوتي العربي، فهناك 12 مسلسلًا صوتيًّا حتى الآن باللغة العربية متنوعين بين المحتوى المترجم إلى العربية والمحتوى العربي الأصلي.
يقول حسام نادر مدير نشر ستوريتل أوريجينال: “لدينا حتى الآن 11 مسلسلًا تحت عنوان “ستوريتل أوريجنال” متوافر باللغة العربية، وهناك المزيد من المسلسلات في طريقها للتوافر على منصتنا”.
إنتاج المسلسلات الصوتية
منصة “ستوريتل” تختار المسلسلات التي تنتجها بعناية، فهي حريصة على تقديم نوعية غير معتادة في الوطن العربي، فهناك على سبيل المثال مسلسل صوتي يدعى “فيروس” وهو مترجم إلى اللغة العربية عن السويدية، ويتحدث عن فيروس قاتل غير معروف ينتشر في البلاد ويحاول الناس الهرب منه، كذلك مسلسل “النجم الأسود”، وهو مسلسل خيال علمي من موسمين، يتحدث عن اختفاء طائرة وركابها بشكل مجهول بعد ظهور ضوء أحمر في السماء وصراع الأبطال في محاولتهم لحل ذلك اللغز.
أما عن الإنتاج العربي فهناك مسلسل “الجلسة” وهو من تأليف الكاتب المصري عبد الرحمن جاويش الذي يتناول قصة سفاح غامض وصراعه مع بطل المسلسل، فيستعرض العديد من الأمراض النفسية في إطار بوليسي مغلف بالإثارة والتشويق.
“الجلسة”.. نموذج للمسلسلات الصوتية الناجحة
حقق مسلسل الجلسة عدد استماعات كبير على المنصة، فهو يعتبر تجربة الكاتب الأولى مع المسلسلات الصوتية. بإمكانكم الاستماع إلى الحلقة الأولى من المسلسل مجانًا عبر قناة التطبيق على يوتيوب.
عبد الرحمن جاويش سيناريست وكاتب وروائي من مواليد محافظة الشرقية، ورغم حصوله على بكالوريوس في الهندسة المدنية، فقد اختار طريق الكتابة.
نشر عدد من الروايات مع دار “تويا” للنشر والتوزيع، وكذلك مع دار “عصير الكتب”، كما عمل في كتابة مسلسلين وهما “هنا الأرض” و”ونسني”، وحاليًّا ضمن فريق كتابة برنامج “الدحيح“، وآخر إنتاجاته الأدبية مسلسل “الجلسة” الصوتي، الذي تنفرد به منصة “ستوريتل” المتخصصة في الكتب الصوتية.
يقول حسام نادر عن تجربته مع مسلسل الجلسة: “كنت حزينًا بسبب رحيل الدكتور أحمد خالد توفيق، وانتهاء سلسلة ما وراء الطبيعة واشتقت للعجوز رفعت إسماعيل، فتحدثت إلى الكاتب وأخبرته أننا نريد أن نخلق شخصية يتعلق بها الجمهور ويحبها ويتعاطف معها بهذا القدر، وأن يكون للمسلسل قصة كبيرة تقدم على عدة حلقات، ويكون لكل حلقة قضية ما تنتهي وتحل داخل الحلقة، وعندها بدأ عبد الرحمن يبهرني بأفكاره المختلفة ومعالجاته المثيرة للاهتمام، وبالترتيب المنظم الذي يرى فيه كل التفاصيل والجهد الكبير الذي يبذله للحصول على معلومات يحتاجها لضبط الحبكة، خاصة المجهود الكبير في جمع المعلومات التي تخص الأمراض النفسية المختلفة المستخدمة في السلسلة”.
وأضاف “وأحسست أني أقف أمام عمل عظيم رائد ينافس المسلسلات الأجنبية على غرار Dr. House وSuits وDexter، أما عن الكاتب، فعبد الرحمن جاويش كاتب متمكن من أدواته، بالإضافة إلى دراسته للسيناريو، لذلك وقع عليه الاختيار، فهو مرن كثيرًا، ولدية رؤية واضحة فيما يخص العمل”.
لماذا قد يختار الكاتب التوجه للنشر الصوتي فقط دون الورقي؟
البعض قد يبدو متحيرًا، لماذا قد يبدأ أحدهم في الكتابة للتسجيل الصوتي فقط، على الرغم من أنه قد يصدر كتابه في شكل ورقي، ثم يحول إلى مسلسل صوتي بدوره، وهذا سؤال طرحناه على الكاتب عبد الرحمن جاويش، ولماذا رحب بفكرة المسلسل الصوتي.
يقول الكاتب لـ”نون بوست”: “طبيعة الحكاية هي ما تفرض على كاتبها طريقة إهدائها للمتلقي، ولا شك أن الأمر في الأول والآخر يخضع لذوق شخصي مع بعض القواعد، لكن عمل مثل “الجلسة” حين بدأت التفكير فيه كانت الحكايات تتشكل في رأسي بطريقة المنفصل/المتصل، أي أن حبكة المسلسل تنقسم لقسمين: القسم الأول ثابت ويتم تناول جزء منه في كل حلقة، والقسم الثاني يمتاز بمرونة أكبر وتنتهي حبكته بنهاية كل حلقة، وأظن أن هذا الفورمات (الشكل) أقرب إلى المسلسلات منها للكتب”.
مكملًا حديثه “أما عن فكرة لماذا مسلسل صوتي وليس مسلسلًا تليفزيونيًا، فالسبب واضح بالنسبة لي، فـ “الجلسة” من نوعية الأعمال التي أستعين فيها بالمستمع معي، أطلب منه أن يقرضني خياله وذوقه في الملابس والوجوه والأماكن، مع توجيه بسيط مني في صورة وصف دقيق. لم أرد تقييد خيال المشاهد بمشهد بصري متكامل، فأعظم المشاهد البصرية ينتجها الخيال لا الشاشة”.
حتى الآن أثبتت تجربة مسلسل الجلسة نجاحًا مرضيًا، كذلك حصدت عدد كبير من ردود الفعل الإيجابية، التي تعمل على إثراء المحتوى الصوتي العربي الأصلي.
المسلسلات الصوتية: مستقبل الكتب الجديدة
المسلسلات الصوتية كتبت خصيصًا كي يكون الصوت هو وسط انتقالها، فتكون مهيأة بشكل أكبر للتذوق السمعي، تعتمد في ذاتها على الحكايات المشبعة بالإثارة والتشويق لتدفع المستمع وسط الأحداث وتجعله متحفزًا ليعرف ماذا سيحدث بعد ذلك، وكيف سيُحل هذا اللغز، كذلك الرواة يملكون قدرات تمثيلية، ليتمكنوا من أداء إحساس الشخصيات وتقديمها بشكل درامي متميز.
المسلسلات في منصة “ستوريتل” تتكون من موسم واحد أو عدة مواسم، كل موسم يحتوى على عدد معين من الحلقات، نحو عشر حلقات، وكل حلقة مدتها ساعة تقريبًا، كما تصدر جميع حلقات المسلسل الصوتي معًا على غرار مسلسلات Netflix، ولكل مسلسل مقدمة موسيقية “تتر” مميزة ومختلفة عن المسلسلات الأخرى.
ما زالت الصناعات الصوتية في الوطن العربي في بدايتها، وبالمقارنة بينها وبين الكتاب الورقي، فالأمر يبدو كمارثون طويل الأجل، البقاء فيه فقط لمن يستطيع الاستمرار، لكن كل المؤشرات تقول إن المستقبل يقف في صف صناعة الكتب الصوتية، بل والمحتوى الصوتي الأصلي أيضًا، فسرعة الأحداث وجرعات التشويق العالية التي تميز المسلسلات الصوتية عن الكتب الصوتية دائمًا ما تسحب المستمع إليها، وتجعله لا يتوقف عن الاستماع إلى الحكاية.
ورغم اختلاف الحالات بين الكتب والمسلسلات بالتأكيد، فإن نمط وإيقاع الحياة السريع في المستقبل سوف يحتم علينا الاتجاه إلى الكتب الصوتية بشكل كبير، سواء كانت مسلسلات أو منتجات ثقافية وفنية مختلفة.