ترجمة وتحرير نون بوست
كتب آرني بولمان وأوليفر رينولدز
تسببت جائحة فيروس كورونا في حالة من عدم اليقين في كل مظاهر المجتمع، هل ستتمكن الرعاية الصحية من الصمود؟ هل سيتمكن العلماء من تطوير لقاح؟ هل العمال الأساسيون في أمان؟ متي يمكن للموظفين العودة إلى مكاتبهم؟ تتغير إجابات هذه الأسئلة – إن وجدت – بشكل يومي، ومع كل تغيير يرتفع أو ينخفض سوق الأسهم.
منذ أن بدأت جائحة كوفيد-19 شهدنا حالة شك منتشرة بشكل واسع تظهر في اختلاف مفاجئ وكبير بتوقعات الاقتصاد الكلي، فعلى سبيل المثال، في بداية فبراير/شباط كانت توقعات النمو الاقتصادي المنتشرة للربع الثاني في الولايات المتحدة 3.5% نقطة وفقًا لبيانات “FocusEconomics”.
بحلول 29 من فبراير/شباط كانت أكثر التنبؤات تفاؤلًا من بين 28 مؤسسة في الاستطلاع الأسبوعي لفيروس كورنا تقول بانكماش الاقتصاد الأمريكي حتى 8.2%، أما أكثر التوقعات تشاؤمًا فتنبأت بانكماش اقتصادي ضخم يصل إلى 65% بمتوسط 31.4-%.
وبينما تتوقع معظم المؤسسات نهوض آخر في الربع الثالث، فإن البعض يعتقد أن التراجع مستمر، وفي الربع الرابع ورغم توقع كل الاقتصاديين نمو بعض الأشكال، فإن هذه التوقعات تتراوح بين 1.1% إلى 70%، هذه الفروق الملحوظة في الأسابيع الأخير هي أكبر نسبة مسجلة منذ أن بدأنا بتغطية الولايات المتحدة قبل عقد من الزمان.
بالنظر إلى الدول ذات الأفق الزمني الأطول، فإن التنبؤات الحاليّة المنتشرة بين المحللين أكبر بكثير من أي وقت مضى خلال الـ20 عامًا الماضية، وأعلى بشكل ملحوظ مما شهدناه في ذروة الأزمة المالية، فعلى سبيل المثال، في أثناء أزمة 2008 المالية شهدت البرازيل والمكسيك اتساع الفارق في توقعات إجمالي الناتج المحلي السنوى بنسبة 6% نقطة، قبل العودة إلى أقل من 3$ لمعظم الدول في 2010، أما فارق النقاط المئوية الآن فهو أكثر من 7 نقاط مئوية.
ما سبب هذا الاختلاف الكبير؟
أقصر إجابة عن سبب هذا الاختلاف الكبير أنه لا أحد يعلم على وجه اليقين ما سيحدث، بالتعمق في الأمر، هناك 3 عوامل رئيسية تسبب صعوبات خاصة للمتنبئين.
يقوض الوباء من موثوقية بيانات الاقتصاد التي تعد حجر الأساس لأي نموذج اقتصاد كلي جيد
أولًا، لم يكن التأثير الاقتصادي وسرعة تغير السياسي أعلى في أي وقت مضى، في الأوقات الطبيعية كانت معظم الحكومات تعتمد على الأقل على محاولة تشجيع النمو الاقتصادي وحفظ العمالة، أما اليوم فهم يثيرون الركود عمدًا لإنقاذ الأرواح وإجراءات الاحتواء تسحق الأنشطة المحلية.
ببساطة، الخطأ في حساب نهاية بيانات الإغلاق في جميع أنحاء البلاد خلال أسبوعين يلقي بتنبؤات إجمالي الدخل القومي السنوى خارج المسار تمامًا، إضافة إلى ذلك فالقوانين التي تستغرق عادة أشهر من المناقشات البرلمانية يتم التعجيل بها في المجالس التشريعية خلال أيام، حيث تتسابق الحكومات والبنوك المركزية للاستجابة لتقدم الفيروس السريع.
كما تبنت بعض الحكومات حالة الطوارئ التي تسمح لها بالحكم من خلال مرسوم، الأكثر من ذلك فقد تم الإعلان عن حوافز مالية وحكومية لتخفيف التراجع الذي شهدناه في الأزمة المالية، بالنسبة للمتنبئين الاقتصاديين فمواصلة هذه الإجراءات المضطربة بشكل مستمر ومحاولة دمجهم في نموذج يشكل تحديًا كبيرًا.
ثانيًا، يقوض الوباء من موثوقية بيانات الاقتصاد التي تعد حجر الأساس لأي نموذج اقتصاد كلي جيد، بشكل خاص تعاني بيانات المنازل والشركات القائمة على الاستطلاعات، حيث تسببت إجراءات الإغلاق في تناقص معدلات الاستجابة مما أدى إلى زيادة هامش الخطأ.
فعلى سبيل المثال شهدت بيانات إحصاءات مكتب العمل الأمريكي في مارس تراجعًا في استجابات المؤسسات والمنازل بنسبة 10.9% على التوالي مقارنة بالمتوسط الأخير.
التنبوء بإمكانية وفعالية التدخلات المستقبلية في الصحة العامة أو كيف ستستجيب أنظمة الرعاية الصحية تحت الضغط، أمر صعب للغاية خاصة في البلاد التي تقع في المرحلة المبكرة للجائحة
يشرح بول دونوفان – كبير الاقتصاديين في “UBS Global Wealth Management” – المشكلة بهذه الطريقة: “إذا كنت تملأ بيانات استطلاع في أثناء الإغلاق فأنت شخص استثنائي وربما لا تمثل موضوع المسح، تؤثر المشاعر في إجابات الاستطلاعات وبيانات مثل تضخم أسعار المستهلك تتضمن أسعار المطاعم، لكن المطاعم مغلقة، ماذا يحدث عندما تجري استطلاعًا عن شيء غير موجود؟ لقد ازداد أيضًا الإنفاق الإلكتروني في فترة الإغلاق، وربما سيستمر بعد انتهاء الإغلاق، وقد لا يتم تسجيله بشكل صحيح في البيانات الرسمية”.
السبب الثالث في اختلاف النماذج بشكل كبير أن المتنبئين الاقتصاديين بحاجة للبحث بعمق في عالم الأوبئة غير المألوف لفهم التطور المحتمل لتفشي فيروس كورونا في كل دولة بشكل أفضل، ومع ذلك هذا الأمر يشكل تحديًا أيضًا لخبراء الصحة، فالتنبوء بإمكانية وفعالية التدخلات المستقبلية في الصحة العامة أو كيف ستستجيب أنظمة الرعاية الصحية تحت الضغط، أمر صعب للغاية خاصة في البلاد التي تقع في المرحلة المبكرة للجائحة.
لا يوجد جدول زمني مؤكد لوصول علاجات أو لقاحات تغير اللعبة، أو حتى جدول واضح لاحتمالية أو شدة الموجة الثانية من الحالات.
معالجة الشك
يجب أن يضيق هذا الاختلاف الواسع في التنبوء الاقتصادي بشكل ما في المستقبل، سيكون هناك وضوح أكبر بشأن فعالية الحوافز الحاليّة وأي إجراءات حكومية ومالية ستكون أكثر تواضعًا في هذا النطاق.
كما أن الرفع التدريجي للإغلاق سيسهل جمع البيانات الاقتصادية وستتحسن معرفتنا بالفيروس وانتشاره، لكن العودة إلى مستويات الشك الاقتصادي لما قبل الفيروس لن يحدث حتى العثور على حل دائم للجائحة، ربما في شكل لقاح.
بينما تفرض جائحة فيروس كورونا تحديات فريدة على متنبئي الاقتصاد الكلي، فإن المهنة واجهت صدمات عميقة مشابهة في الماضي أدت إلى تحصينها، لكن الأزمة المالية العالمية في 2008 كشفت خمول معظم الاقتصاديين.
لكن الرؤى المكتسبة في بعض المجالات مثل اقتصادات العدوى المالية وتأثير الإجراءات النقدية غير التقليدية حسنّت نوعية نماذج التنبؤات اليوم، وبنفس الطريقة سيسلط فيروس كورونا الضوء على مجالات مثل الاقتصاد السلوكي – مثل كيف يتأثر إنفاق المستهلك بالخوف من العدوى – والتأثيرات الاقتصادية للسياسات المالية الجذرية، هذه المعرفة المكتسبة ستجعل الشك في أي أزمات اقتصادية مستقبلية أقل تطرفًا متى وكيفما جاءت.
المصدر: هارفرد بيزنس ريفيو