ترجمة وتحرير: نون بوست
هرع أمير المملكة العربية السعودية، الذي أضحى يلقب “بمنشار العظم” لإنقاذ بعض الصناعات الأمريكية المتضررة من فيروس كورونا. ولكن ما مقابل ذلك؟ اشترت المملكة العربية السعودية حصة قدرها 500 مليون دولار، أي ما يعادل خمسة في المائة، من “لايف نايشين”، وهي شركة موسيقى حية، لتصبح بذلك ثالث أكبر مساهم في الشركة التي انخفضت قيمة أسهمها نحو أكثر من 40 بالمئة.
علاوة على ذلك، استثمرت المملكة أسهما بقيمة 500 مليون دولار في شركة والت ديزني في الربع الأخير. ووفقا لمجلة هوليوود ريبورت، لا تزال المملكة العربية السعودية تصطاد صفقات المساومة في ظل عصر تفشي فيروس كورونا. كما يقدم صندوق الاستثمار الخاص في المملكة عرضا لشراء حصص من مجموعة “تايم وارنر ميوزيك”.
في الحقيقة، تعلّق المملكة العربية السعودية آمالها في إمكانية تغاضي صناعة الترفيه عن الجرائم البشعة للنظام. من المحتمل أن يكون النظام على حق. بينما كان هناك غضب كبير على مواقع التواصل الاجتماعي من العارضين والمؤثرين الذين قيل إنهم تلقوا مبالغ مالية السنة الماضية مقابل حضور مهرجان ميدل بيست للموسيقى في المملكة العربية السعودية، لم يكن هناك الكثير من السخط الشعبي حول إبرام الصفقات الأخيرة.
ليس هناك شك في أن الفنانين وأولئك الذين يعملون في صناعة الترفيه يعانون بشدة من التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا وتدابير البقاء في المنزل، ذلك أن شركات الترفيه تعتمد على حرية التعبير من أجل أن تزدهر أعمالها التجارية. لكن من خلال قبول أموال الدم من نظام لا يأبه بسجن نجوم مواقع التواصل الاجتماعي أو تعذيب النشطاء الأكثر شهرة أو قتل كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، فإنهم يقوضون هذه القيمة مقابل المحافظة على سعادة أصحاب الأسهم في الشركات.
في السابق، شهدت الولايات المتحدة ضغوطا سياسية سعودية على الإنتاج الثقافي. وقد نصحني جمال خاشقجي ذات مرة بمشاهدة الدراما الوثائقية البريطانية في الثمانينيات “موت أميرة”، التي أنتجتها قناة “آي تي في” البريطانية. استند الفيلم إلى القصة الحقيقية للأميرة مشاعل، التي أُعدمت سنة 1977 بعد أن دخلت في علاقة غرامية مع عشيقها الشاب ومحاولتها الفرار من المملكة العربية السعودية. أثناء الفيلم، شرع صحفي بريطاني خيالي يدعى كريستوفر رايدر في التحقيق في الإعدام ومعرفة المزيد عن حياة الأميرة الشابة.
على الرغم من أن المنتجين لم يستخدموا أبدا اسم المملكة العربية السعودية في الفيلم (كانت الدولة تسمى “العربية”)، إلا أن نظام المملكة العربية السعودية غضب للغاية من ذلك لدرجة أنه سحب سفير البلاد في بريطانيا كرد فعل احتجاجي مهددا بفرض عقوبات. عندما كان من المقرر عرض الفيلم في الولايات المتحدة من قبل محطة “بي بي أس” التلفزيونية، رفعت الحكومة السعودية شكوى، وحتى أنها ضغطت على أصدقائها في شركة “موبيل أويل” لملء صفحة كاملة من الإعلانات في صحيفة بهدف إخبار قناة “بي بي أس” بإعادة النظر في بث الفيلم.
أما اليوم، بدأت جهود الرقابة والضغط السعودية بالفعل في التأثير على المناخ العام في الولايات المتحدة. خلال السنة الماضية، سحبت نتفليكس حلقة الممثل الكوميدي حسن منهاج عن السعودية وخاشقجي من “برنامج باتريوت آكت” من كتالوجها السعودي، بعد أن ادعى مسؤولون سعوديون أنها انتهكت قانون الجرائم الإلكترونية في المملكة، الذي يحظر “إنتاج أو إعداد أو نقل أو تخزين المواد التي تمس النظام العام والقيم الدينية والأخلاق العامة والخصوصية”.
لم يكن هناك أي دليل حول محاولة نتفليكس الطعن في الحكم أو طلبها من المملكة العربية السعودية شرح كيف كانت الحلقة تشكل تهديدا للنظام العام. خلال شهر شباط/فبراير، ادعى المخرج الحائز على جائزة أوسكار، بريان فوجل، أن فيلمه عن خاشقجي، الذي كان بعنوان “المنشق”، لم يتمكن من العثور على مشتر لتوزيعه على نطاق أوسع جراء النفوذ السعودي، حسب مزاعمه.
تسبب فيروس كورونا في إضعاف الاقتصاد الأمريكي. ولكن إذا استمرت صناعة الترفيه في إبرام صفقات مع المملكة العربية السعودية، فإنها تُظهر للعالم أنها مستعدة لرمي الأخلاق والقيم الأمريكية عرض الحائط
منذ فترة طويلة، بررت الشركات الأمريكية العلاقات التجارية التي تربطها بأنظمة استبدادية بحجة أن تعريض هذه البلدان للمحتوى والثقافة الغربية سيساعد البلاد على أن تكون أكثر انفتاحا وحرية، بحيث تصبح مشابهة لنا. لكن بالنسبة للشركات التي تتطلع إلى الاستفادة من أسواق جديدة للحصول على المزيد من الإيرادات، فإن الدولار هو الدولار، سواء كان الجمهور المستهدف يعيش في دولة ديمقراطية أو دولة استبدادية. إن انحياز الرابطة الوطنية لكرة السلة مع الصين والتضييق على التعبيرات الداعمة للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ هو مجرد مثال حديث على ذلك. نتيجة لذلك، من الصعب تصور أن تقف شركات الترفيه في وجه المستثمرين السعوديين المحتملين.
لعبت الشركات دورا إيجابيا في الضغط من أجل تغيير سياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ولكن كان ذلك فقط من خلال وضع أهداف محددة و تنظيم حملات منسقة مع شركات أخرى. أما في الوقت الراهن، لم تظهر أي حملة منسقة ضد انتهاكات النظام السعودي في أوساط الأعمال التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية. منذ مقتل خاشقجي، استمرت المملكة بانتهاج السياسات المبتذلة ذاتها.
خلال شهر آذار/ مارس، اعتقل النظام السعودي ابن عم محمد بن سلمان الأكبر وولي العهد السابق، محمد بن نايف. أما خلال الشهر الماضي، توفي أحد أشهر النشطاء السعوديين، عبد الله الحامد، نتيجة إهمال طبي في أحد السجون السعودية. مؤخرا، صادف يوم 15 أيار/ مايو الذكرى الثانية لسجن أبرز الناشطات في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك لجين الهذلول، التي كتب عنها خاشقجي.
في الواقع، تسبب فيروس كورونا في إضعاف الاقتصاد الأمريكي. ولكن إذا استمرت صناعة الترفيه في إبرام صفقات مع المملكة العربية السعودية، فإنها تُظهر للعالم أنها مستعدة لرمي الأخلاق والقيم الأمريكية عرض الحائط.
المصدر: واشنطن بوست