ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب مارفن بيريز ومايكل هيرتزير ودينا شانكر
تتخذ نفايات الطعام معنى جديدًا في عصر الجائحة، مثل الحليب المسكوب في ويسكونسن والبيض المحطم في نيجيريا والعنب المتعفن في الهند والخنازير المدفونة في مينيسوتا، هذه الصور المزعجة أثارت الغضب حول العالم، لكن إليكم الجزء المدهش: ربما لا يفقد العالم الطعام أكثر من المعتاد، فثلث إنتاج العالم من الطعام ينتهي في مكب النفايات.
الأمر الذي تغير الآن أنه بدلًا من إلقاء المستهلكين لهذا الطعام كنفايات من المطبخ، يتم التخلص من كمية ضخمة من الطعام حتى قبل دخولها متاجر البقالة، لنلق اللوم على سلاسل التوريد المعطلة، حول العالم، يتم التعامل مع الإنتاج من خلال ما يُعرف بطرق “الإنتاج المبرمج”، فمخرجات المزارع يمكن نقلها إلى المتجار والمطاعم خلال أيام قليلة، والدفعة التالية من المحاصيل والماشية تكون جاهزة لتحل محلها فورًا.
عندما واجهت تلك السلاسل تحديات، كما هو الحال مع شاحنات النقل والموانئ وأزمة العمالة وإغلاق المطاعم وتباطؤ التجارة، أصبح هناك كمية هائلة من الإمدادات لم تصل للمتاجر قط.
سيكون لذلك الأمر عواقب مدمرة على الأمن الغذائي، وقد ينتهي الأمر بارتفاع الأسعار مع معاناة ملايين الناس ماديًا بالفعل بسبب الانهيار الذي تسبب به كوفيد-19، يقول مارك بيليماري المحرر المشارك في المجلة الأمريكية للاقتصاد الزراعي: “سيواجه الأشخاص الذين يستطيعون بالكاد إطعام أنفسهم المزيد من المشكلات، وما يقلقني هو رفاهية البشر”.
قبل الجائحة كان الضائع أو المفقود من إنتاج الطعام يُقدر بنحو تريليون دولار، جزء كبير منه كان من نفايات المنازل، و40% منه في الولايات المتحدة، والآن بينما يذهب الناس بشكل أقل إلى المتاجر ويقلقون بشأن الأسعار، من المتوقع أن ينخفض حجم الضائع من المطابخ لنواجه خسارات أخرى.
ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية بشكل كبير في السنوات الأخيرة
يرى بعض المحللين أن إجمالي النفايات قد يصبح أعلى هذا العام، لكن العديد من المقابلات أظهرت أن لا أحد مستعد لاتخاذ موقف حازم في هذا الأمر.
يقول بيليماري: “لا نعلم يقينًا إذا كانت نفايات الطعام ستزيد أم تقل بشكل إجمالي هذا العام، لأننا لا نستطيع أن نقلل من شأن تحقق الناس من سلوكهم في المنازل، لكن أكثر ما أخشاه بشأن النفايات هو عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي”.
ربما يتضاعف الجوع العالمي، وذلك وفقًا لرسالة وصلت قادة العالم الشهر الماضي موقعة من شركات Nestle SA وUnilever NV وDanone SA وPepsiCo Inc، كما حذرت الأمم المتحدة أيضًا من خطر ذلك مع برنامجها للطعام العالمي قائلة إن عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد قد يصل إلى 265 مليون شخص.
تحاول بعض الجماعات بالفعل حل مشكلة الانفصال بين نفايات الطعام والجوع، فعلى سبيل المثال تشتري وزارة الزراعة الأمريكية ما قيمته 3 مليارات دولار من فائض اللحم ومنتجات الألبان والمنتجات الطازجة الأمريكية، حيث تشارك الوزارة بعدها مع الموزعين لتوصيلهم إلى بنوك الطعام والمؤسسات الأخرى، تعرف المبادرة باسم “برنامج صندوق الطعام من المزارعين للعائلات”، لكن من الصعب أن نعرف حجم التأثير الذي ستصنعه مثل هذه الإجراءات.
نحو الجوع
لقد ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، كل هذا كان يحدث في وقت لم يكن فيه إنتاج الطعام بعدة طرق أكبر من ذلك، تتجه المحاصيل العالمية من القمح والأرز – المحاصيل التي تشكل نحو ثلث السعرات الحرارية في العالم – لتصل إلى أعلى مستوى لها في الموسم القادم، شهدت الولايات المتحدة المصدّر الأول للحوم في العالم تسجيل قطيع الخنازير رقمًا قياسيًا، وكذلك ارتفاع إنتاج البيض والدواجن.
لكن مجرد إنتاج الغذاء لا يعني أن يصل لمن يحتاجه، هذه حقيقة ما كان يحدث في الظروف العادية، لكنه ازداد بشكل أكثر حدة نتيجة اضطرابات سلاسل التوريد التي تسببت بها الجائحة.
تقول دانا غاندرز المدير التنفيذي لمؤسسة “ReFED” غير الربحية التي تركز على الحد من فائض الطعام: “جزء كبير من فائض الطعام يرجع إلى صرامة نظامنا الغذائي، فهناك مصانع معالجة متخصصة للغاية مثل مرافق الألبان التي تصنع الجبن للمطاعم ولا يمكن إعادة توجيه مخرجاتها إلى متاجر البقالة”.
عند النظر في حالة مايكل هيل الذي يزرع التوت وسط فلوريدا منذ 5 سنوات، سنجد أن هيل وزوجته يديران مزرعتين وينتجان نحو 700 ألف رطل في العام، يقومون بحصاده بين 20 من مارس وحتى 1 من مايو، تعطل سلاسل التوريد يعني أن يقوم تجار التجزئة بطلبات محدودة، أما إغلاق المطاعم فقد قضى على جزء كبير من الطلب، يضطر هيل إلى ترك 30 إلى 40% من المحصول في الأرض دون حصاده لتأكله الطيور أو يتعفن.
عبر المحيط، يمتلك أديولي أوليواجبنجا مزرعة دواجن ومزرعة أسماك في نيجيريا، شهد أديولي انخفاض الطلب بنسبة 70% بسبب إغلاق المطاعم والمخابز، وبالتالي خلال أسبوع سيصبح هناك 5000 إلى 6000 بيضة غير مبيعة.
يقول أوديلي: “يبدو أن الأمور تسوء الآن، ولا يمكن فعل الكثير في هذا الشأن، لقد كنا نتحدث بشأن ما يمكن أن نفعله لكي نبدأ في الحفاظ على المنتجات، لم نر ذلك قادمًا ولم يستعد أحد لذلك”.
أما بالنسبة لبنوك الطعام والمؤسسات غير الربحية، فالإمدادات القادمة أكبر من معظم المصادر التي تمتلكها تلك الجماعات للتعامل معها.
تلقت مؤسسة “Fareshare” أكبر مؤسسة خيرية بريطانية لفائض الطعام 858 طنًا متريًا من الطعام في الأسبوع الأخير وهو أكثر من ضعف ما حصلت عليه قبل عصر الإغلاق بسبب الفيروس، تعيد المؤسسة توزيع الطعام الذي تحصل عليه من الموردين والمتاجر للمؤسسات الخيرية والمجموعات المجتمعية عبر مراكز التوزيع الإقليمية الخاصة بها.
سيواجه المنتجون خيارات صعبة ونقص تدفق المال لتسديد ديونهم
تقول ليندساي بوزويل المدير التنفيذي للمؤسسة: “ما لا نملكه هو التطابق التام بين ما هو فائض وما هو نفايات وما يحتاجه القطاع الخيري، هناك عدد لا بأس به من الشركات التي تقدم لنا الطعام، كما أن الناس أصبحوا فجأة أكثر وعيًا بقضية الجوع، لكن إذا كنت جائعًا فلن يساعدك الليمون في هذا الأمر”.
النفايات المنزلية
ليست جميع الأخبار سيئة، فوفقًا لجنيفير موليدور – ناشطة في مجال الطعام بمركز التنوع البيولوجي – أدى القلق من الإصابة بالفيروس إلى الحد من رحلات التسوق في المتاجر وقضاء وقت أقل كذلك عند التسوق، أدى ذلك إلى إجبار الناس على أن يصبحوا متسوقين أكثر ضميرًا، أدى ذلك إلى نقص الطعام المهدور في المنازل، وربما ستستمر تلك العادة الجديدة بعد الجائحة.
أصبح المستهلكون يختارون مواد غذائية تدوم لفترة أطول دون أن تفسد، كما أصبحوا يستخدمون قائمة التسوق لتقليل الوقت الذي يقضونه داخل المتاجر، كما أصبحوا أكثر وعيًا بشأن عادات الطعام، وفقًا لبحث أجرته مجموعة “Hubbub” البيئية فنحو نصف المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم أصبحوا يتخلصون من كميات طعام أقل كنفايات.
تقليل نفايات الطعام المنزلية على المدى الطويل قد يخلق فوائد بارزة لاستنزاف الموارد الطبيعية والبيئية، لكن الأمن الغذائي سيظل مشكلة حاليّة وسط الجائحة، وسيكون له تأثير غير متوازن على العالم، وستعاني الدول الأكثر فقرًا والدول المستوردة للغذاء من الضربة الأكبر.
في الوقت نفسه سيواجه المنتجون خيارات صعبة ونقص تدفق المال لتسديد ديونهم، لقد عقدت إجراءات الإغلاق من عمليات النقل كما انهارت أسواق البيع بالجملة، فوفقًا لشينجال ريدي كبير مسشاري اتحاد جمعيات المزارعين الهنود فإن ما قيمته مليار دولار تقريبا من العنب إما تعفن أو تم تجفيفة إلى زبيب أقل ربحًا.
يقول راميش زومان – 56 عامًا – الذي يزرع 8 أفدنة من العنب في الولاية الغربية لماهاراشترا: “الحصول على قرض آخر سيكون مكلفًا للغاية، لذا سأحتاج إلى استخدام مدخراتي وبيع مجوهرات زوجتي للاستثمار في المحصول القادم”، يقدر زومان خسارته بنحو 1.6 مليون روبية (21641 دولارًا) هذا الموسم مقارنة بربح متوقع 500 ألف روبية.
ويضيف زومان: “لقد أخبرت البنك أنني لن أستطيع سداد القرض هذه المرة، وأعلم أنهم سيفرضون عليّ فوائد إضافية، سيتسبب ذلك بمشكلات أخرى لي في المستقبل”.
المصدر: بلومبيرج