كانت اللحظة التي أنهت فيها أمريكا الحرب العالمية الثانية بالقنبلة النووية في هيروشيما وناجازاكي، فارقة بكل ما تعنيه من معنى، مع قدرتها التدميرية الهائلة التي أودت بحياة 262 ألف شخص في المدينتين وأدّت لاستسلام اليابان غير المشروط عام 1945.
تلك اللحظة، تحولت إلى مفارقة حين لحق الاتحاد السوفيتي بالولايات المتحدة واختبر أول قنابله النووية عام 1949، للمرة الأولى تمتلك البشرية سلاحًا لا يمكن استعماله، سلاحًا للردع وليس للاستخدام، لأنه يلغي الفارق بين النصر والهزيمة: المهزوم قتيل بالكامل، والمنتصر ثلاثة أرباع قتيل! ومع بروز عالم ثنائي القطب عقب الحرب العالمية الثانية أصبحت الحرب المباشرة بين القوتين مستحيلة، فلن يقر أي طرف بالهزيمة وفي جعبته سلاح لم يستخدمه في المعركة.
لكن عجلة التدافع لا يمكن إيقافها، وهكذا وجهت المواجهة طريقًا آخر، فتحولت الحرب من شكلها التقليدي المباشر إلى أخرى باردة: سباق تسلح، صراع على النفوذ، على الإيديولوجيا، على كسب الحلفاء، على هزيمة العدو دون مواجهته وهذه الأخيرة استدعت حربًا من نوع مختلف يؤدي طرف ثالث المهمة، حرب بالوكالة!
شهد الجيل الأول من حرب الوكالة تنافسًا محمومًا بين حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة وحلف وارسو الذي يتزعمه الاتحاد السوفيتي بشأن استقطاب حلفاء من الدول حديثة التحرر وقادة الحركات الوطنية من الاستعمار القديم، اتسمت تلك المنافسة بعدم التدخل المباشر عسكريًا بين الحلفاء حول العالم إلا في حالات قليلة، كانت القوتان العظمتان تدعمان لوجستيًا وكلائهما لتحقيق النصر وبالتالي تحقيق النفوذ، بدا ذلك واضحًا طوال أزمات النصف الثاني من القرن العشرين صغيرها وكبيرها: الحرب الكورية، حرب السويس، أزمة الكونغو 1960، حرب حزيران 1967، حرب أكتوبر 1973، الحرب الصومالية الإثيوبية 1977.
كان حجم التدخل والدعم يختلف حسب المكان والمصالح، في الحرب العراقية الإيرانية “1980-1988” مثلًا، كانت الإرادة الأمريكية قوية بأن يحرز العراق النصر لدرجة يصفها الكاتب تشالمرز جونسون في كتابه “هموم الإمبراطورية” قائلًا: “حين اندلعت الحرب عام 1980 قررت إدارة ريغان فعل كل ما هو – قانوني وممكن – كي يحقق العراق النصر، وحين وصلت القوات الإيرانية إلى الحدود العراقية عام 1982 وباتت تهدد النظام هناك، قرر البيت الأبيض حذف كلمة “قانوني” والإبقاء على كل ما هو ممكن في المعادلة”!
من جانب آخر، كانت الدولتان العظمتان تسلحان وتمولان أطراف النزاع الذي يتورط فيه القطب الآخرعسكريًا، فالدعم السوفيتي الذي تلقته قوات الفيتكونغ في حرب فيتنام، هو الذي حول تلك الحرب إلى مستنقع أمريكي مميت، والدعم الأمريكي الذي تلقاه المجاهدون الأفغان (عن طريق وكلائها السعوديين والمصريين) خلال الاجتياح السوفيتي لأفغانستان، هو ما صنع الضربة القاصمة التي رافقت عدة عوامل في انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وأفضى بدوره إلى جيل جديد من الحروب والوكلاء!
لم تدم عمليات غزو أفغانستان والعراق طويلًا، حيث خاضها الجيش الأمريكي بالطريقة التي يعرفها جيدًا في تدمير عدو واضح المعالم
الحرب غير المتوازية.. لا يمكن قتال الأشباح
بعد انتهاء الحرب الباردة بخروج أمريكا منها كقوة متفردة في العالم، برزت تحديات جديدة تختلف عن تلك التي واجهتها بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت الذي كان فيه الخبراء وصناع القرار يخططون لوضع إستراتيجية جديدة تضمن أن يكون القرن المقبل قرنًا أمريكيًا بامتياز، خلُصت أغلب الدراسات العسكرية إلى أن التحدي القادم سيكون الحرب غير المتوازية أو غير المتماثلة والمعروفة اصطلاحًا بـ”asymmetric warfare”.
تُعرّف وزارة الدفاع الأمريكية تلك الحرب بأنها “محاولات تقوم بها الدول الضعيفة والمنظمات المسلحة للالتفاف وتقويض نقاط القوة لدى العدو الأقوى مع استغلال نقاط ضعفه باستخدام أساليب تختلف بشكل كبير عن طريقة القتال المُتبعة لدى الخصم”.
بذات الدراسة التي نشرها معهد الحرب التابع للجيش الأمريكي للعلن عام 1999، كشفت رئاسة الأركان أنها أصبحت على يقين عقب حرب الخليج الثانية ضد العراق عام 1991 بأن عملية عاصفة الصحراء بما تركته من أثر مدمر ستكون آخر الحروب التقليدية بمفهومها المعروف كمواجهة عسكرية بين جيشين، وأن الوقت حان لتغيير الإستراتيجية المتبعة منذ 50 عامًا، والمعدة لمواجهة تقليدية/نووية، فالخصم المقبل لن يكون الاتحاد السوفيتي، كما أن باقي الأعداء المحتملين أدركوا فداحة مواجهة واشنطن عسكريًا وبالتالي سيأخذ القتال طابعًا غير متماثل يشمل أساليب جديدة: التهديدات الأمنية، حرب المعلومات، الإرهاب، حرب العصابات، حرب المدن، الحرب الالكترونية وغيرها من التكتيكات التي قد تضرب الولايات المتحدة في عقر دارها أو في الخارج.
في تلك الفترة، حصل زلزال الـ11 من سبتمبر، لم تكن قيمة تلك الهجمات في المباغتة بمهاجمة البرجين فقط، إنما تعدته إلى الطريقة التي استجابت فيها الولايات المتحدة للتهديد، يقول الكاتب جورج فريدمان في كتابه “حروب أمريكا السرية”: “كان آخر ما توقعه مخططو الإستراتيجية الأمريكية أن تدخل الولايات المتحدة في مثل تلك المواجهة العالمية التي انخرطت فيها عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم تكن الهجمات متوقعة، وكذلك لم يكن الرد عليها بإعلان الحرب في أفغانستان والعراق مخططًا له، وكل ما حصل بعدها كان عبارة عن خطط مرتجلة باستعجال”!
لم تدم عمليات غزو أفغانستان والعراق طويلًا، حيث خاضها الجيش الأمريكي بالطريقة التي يعرفها جيدًا في تدمير عدو واضح المعالم، لكن الحرب التي اندلعت بعدها كانت من النوع الذي جربه في فيتنام: قتال لا يجيده ولا يعرفه، والأهم: لا يطيق تحمل خسائره.
فخلال سنوات القتال في العراق وأفغانستان كانت مفاهيم النصر والهزيمة ضبابية لا يمكن القياس عليها وقائمة الأهداف كبيرة لا يمكن حمايتها، وجد الجيش الأمريكي نفسه يواجه مقاتلين يظهرون لدقائق ثم يختفون في الأسواق والأزقة والمزارع، وخاضت دبابات الإبرامز مهمات قتال مرهقة لتأمين مبانٍ مدنية أو طرقات إسفلتية في وقت كانت فيه طائرات الأباتشي والإف-16 عديمة الفائدة لأن العدو ببساطة لم يكن يملك مقر قيادة ولا آليات لتدميرها.
كل هذا يحصل في ظل خسائر كبيرة طالت الجنود الأمريكيين، جرب القادة كل الحلول: التعاون مع الحكومة المحلية، خيار السلفادور(هي الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة لمكافحة التمرد في السلفادور من خلال فرق الموت)، الحرب الطائفية، كلها لم تجد نفعًا، حتى قررت الإدارة الأمريكية اللجوء إلى إستراتيجية قديمة: البحث عن “وكيل” يقاتل نيابة عن الجيش، وكان ذلك الوكيل متوافرًا ببساطة: في السوق!
القوات الخاصة.. إطلاق المارد من القمقم
لم تكن فكرة الاستعانة بخدمات مدنيين في القطاع الخاص خلال القتال جديدة في الإستراتيجية الأمريكية، بل إن تاريخها يرجع إلى حرب الاستقلال الأمريكية حين كان المتعاقدون المدنيون يزودون الجيش الأمريكي بالخدمات اللوجستية والهندسية في الحرب، لكن اللافت هو الحجم الذي بلغه الاعتماد على خدمات القطاع الخاص إلى حد توكيلهم بالقتال المباشر بدلًا عن الجيش الأمريكي.
يشير تقرير للكونغرس منتصف عام 2011 أنه ونتيجة لتصاعد الأعمال القتالية ضد القوات الأمريكية فإن المتعاقدين من الشركات الأمنية باتوا يؤلفون 52% من قوة الجيش الأمريكي العاملة في العراق وأفغانستان بدءًا من عام 2009، حيث شكلوا 90933 عنصرًا مقابل 99800 جندي أمريكي في أفغانستان باعتمادات مالية تفوق الـ11 مليار دولار، و64233 متعاقدًا مقابل 45660 جنديًا أمريكيًا في العراق بكلفة 15.4 مليار دولار.
كانت مهمة هذه الشركات تشمل حماية المسؤولين الأمريكيين وحماية المرافق الأمريكية والمنشآت الحيوية وتدريب القوات الحليفة، وبسبب طبيعة المواجهة كان ما سبق يعني الالتحام المباشر مع المجاميع المسلحة على الدوام.
بدأ القطاع الخاص المملوك لفئة قليلة من الأغنياء يسيطر تدريجيًا على الاقتصاد العالمي في المجالات المختلفة
مثلت الفترة التي أعقبت الاجتياح الأمريكي للشرق الأوسط، مرحلة انطلاق الشركات الخاصة وتوسعها، وبالإضافة لإستراتيجية تخفيض القوات وعامل التطور التكنولوجي، شكّل العنصر الاقتصادي أحد أسباب صعود تلك الشركات وهيمنتها لاحقًا على الأزمات التي ضربت المنطقة عقب أحداث الربيع العربي.
كان التيار الليبرالي الجديد “neoliberalism” الذي دعا إليه فريدريك حايك في الأربعينيات وروج له ميلتون فريدمان في الستينيات قائمًا على تحييد التدخل الحكومي عن الاقتصاد، وتركه كي يوازن نفسه بنفسه بالعرض والطلب، فتدخل الدولة في فرص العمل وفرض الضرائب لإحداث الموازنة بين الأغنياء والفقراء يفاقم مشاكل الاقتصاد على المدى البعيد ويقود نحو التحكم الكلي للحكومة.
خلال السبعينيات وبسبب الأزمات الاقتصادية بدأ التيار النيوليبرالي بالصعود، تكلل الأمر مع وصول رونالد ريغان رافعًا شعاره الشهير: “الدولة ليست حل مشاكلنا، الدولة هي المشكلة”، منذ ذلك الوقت، بدأ القطاع الخاص المملوك لفئة قليلة من الأغنياء يسيطر تدريجيًا على الاقتصاد العالمي في المجالات المختلفة، إذ تشير الإحصاءات أن الكيانات الخاصة “private entities” تزايدت من بضع مئات عام 1989 إلى 6500 كيانًا عام 2017، متحكمة بأصول تبلغ قيمتها 4.6 ترليون دولار، وبالطبع لم يكن القطاع العسكري بمعزل عن تلك المتغيرات خاصة في ظل الانتقال من مرحلة خصخصة العمليات العسكرية إلى خصخصة المؤسسات نفسها.
خطاب رونالد ريغان الشهير: الدولة ليست الحل، الدولة هي المشكلة
عالم متعدد الأقطاب.. الخاصة
لم تقتصر تلك التحولات العسكرية على الولايات المتحدة، إنما أصبحت نتيجة العوامل السياسية والاقتصادية والتكنولوجية الطبع السائد في إدارة الأزمات، واستجابة للطلب المتزايد على القطاع الخاص برزت عدة شركات عملاقة في هذا المجال:
– “G4S”: ثاني أكبر شركة توظيف في الأرض بعد شركة وول مارت، تحت إمرتها 625 ألف موظف ومتعاقد أمني يعملون في 125 دولة حول العالم، لديها 9000 ألف عنصر في العراق يتولون حماية واحدة من كل 3 أرتال مدنية هناك.
– “Academi”: المعروفة سابقًا باسم ببلاك ووتر ثم XE Services، تملك جيشًا من 20 ألف عنصر، إضافة لقاعدة تدريب بمساحة 28.3 كيلومتر مربع تعتبر الأحدث على مستوى العالم، تضم 20 طائرة وعدد غير معروف من العربات المدرعة، تورط مقاتلوها في قتل مدنيين بساحة النسور وسط بغداد.
– “Wagner group”: النسخة الروسية من بلاك ووتر، غير معروفة العدد، لكنها تملك 2500 مقاتل في سوريا، 400 في فنزويلا، ومئات في ليبيا، يديرها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
– “Erinys”: تسلمت 282 موقعًا من الجيش الأمريكي في العراق ولديها 16 ألف متعاقد عامل هناك، كما تملك بضعة عقود في إفريقيا.
– “Dyncorp”: تملك 10 آلاف مقاتل وتحقق إيرادات سنوية تقدر بـ3.4 مليار دولار، تم اختيارها من بين 8 شركات لخلافة القوات الأمريكية في العراق.
– “Triple Canopy”: تمتلك 3 آلاف عنصر بالإضافة إلى 1800 جندي عسكري أغلبهم من البيرو وأوغندا مجهزين بكل المعدات العسكرية، حصلت الشركة على عقد بقيمة 1.5 مليار دولار من الجيش الأمريكي.
– “Agies defense service”: تضم 5000 آلاف مقاتل وتعمل في البحرين وأفغانستان.
– “Unity resources group”: شركة أسترالية تضم 1200 مقاتل من أستراليا وبريطانيا، اتُهمت بقتل مدنيين في العراق بينهم بروفيسور أسترالي.
تملك تلك الشركات وغيرها قدرات عسكرية تتعدى توفير المقاتلين وتدريب الجيوش، ففي تحقيق استقصائي أجرته صحيفة صن البريطانية، قالت إن الشركات العسكرية الخاصة تعتبر الخطر الأبرز على الأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين مع قدرتها على اجتياح بلدان بأكملها وتغيير موازين الأزمات الدولية، وحيازتها ميزانية دفاعية تبلغ 200 مليار دولار – بما يعادل ميزانية بريطانيا العسكرية 5 مرات -.
فتلك الشركات لها القدرة على توفير وسائل الحرب التقليدية والحرب الإلكترونية وسرقة أصول الدول لصالح من يدفع أكثر، يصف الكاتب الأمريكي بيتر سنغر الذي شارك في التحقيق إمكانات تلك الشركات بأنها “تفوق ما يمكن لبعض الدول أن تزوده أو حتى تحلم به”!
أدّى انتشار تلك القوات وتخطي دورها من الدعم اللوجستي إلى دور المرتزقة وفض النزاعات وحتى القتال المباشر – في سوريا وليبيا وفنزويلا – إلى تغيير في طبيعة الصراعات وصنع جيل جديد من حروب الوكالة التي أخذت فيها شركات القطاع الخاص زمام القيادة بدل الدول الكبرى، يقول البروفيسور شين ماكفيت الزميل الأقدم في المجلس الأطلسي والأستاذ في جامعة الدفاع الوطني مؤلف كتاب “المرتزقة الحديثة”: “الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة خلال العقد الماضي لم يؤد فقط إلى توسيع هذه الصناعة، إنما أدى إلى تغيير في العلاقات الدولية، فهي تمنح تلك القوات الخيار لشن الحروب حيث لا تستطيع الحكومات أو لا تريد ذلك.
على سبيل المثال، تدخلت شركة بلاك ووتر في دارفور عام 2008 في مهمة قيل إنها لحفظ السلام، لقد وفرت خيار التدخل على الحكومات الغربية، وكذلك فعلت روسيا بتوظيف المرتزقة الشيشانيين في أوكرانيا”.
رغم محاولات الدول الكبرى تجنب الصراع وتفادي الخسائر البشرية وتبعاتها السياسية، فإن خطر التصعيد والتصادم يظل قائمًا بسبب اختلاف مصالح الوكلاء
إن الطبيعة الاقتصادية للشركات الخاصة في تقديم مبدأ تحقيق الربح، وتوسعها السريع شأنها شأن شركات الاتصالات والسياحة والسيارات، مع الأخذ بالاعتبار حساسية المجال الذي تسيطر عليه، دفع الكثير من مؤسسات البحث والمراقبين لدق ناقوس الخطر وضرورة إيقاف هذا الانتقال المخيف للقوة بل وتحييده قبل خروجه عن السيطرة.
في العام 2018، نشرت وزارة الدفاع البريطانية دراسة رسمت صورة سوداوية للعالم بحلول العام 2050، إذ تتوقع أن نمو القطاع الخاص سيدفع المدن الكبيرة للاعتماد على نفسها تدريجيًا في مجال التكنولوجيا وبالتبعية الأمن، وبالتالي ستكون الشركات العسكرية الخاصة جزءًا محتومًا من الصراع في المستقبل”.
بينما تساءل الباحث في مؤسسة الحرب الحديثة ماكس بروكس عن وضع الأمن القومي الأمريكي بحلول العام 2050 بعد تولي شركات القطاع الخاص المسؤولية فيه واحتمالية أن تكون الولايات المتحدة مكشوفة بالكامل لأن عناصر الشركات الأمنية قد يقررون الإضراب عن العمل وهو سبب يمنع محاكمتهم بتهمة الخيانة حتى مع تقاعسهم عن حماية الأراضي الأمريكية!
خلاصة الأمر، رغم محاولات الدول الكبرى تجنب الصراع وتفادي الخسائر البشرية وتبعاتها السياسية، بتوكيل شركات القطاع الخاص، فإن خطر التصعيد والتصادم يظل قائمًا بسبب اختلاف مصالح الوكلاء، ففي شهر فبراير عام 2018، قصفت القوات الأمريكية مجاميع مدعومة روسيًا تتألف من مليشيات موالية لإيران وقوات سورية ومجاميع من مرتزقة فاغنر في أثناء هجومهم على منشآت نفطية تسيطر عليها مجاميع مدعومة أمريكيًا في دير الزور شرق سوريا، حيث وصفت هذه العملية بأنها أول مواجهة شبه عسكرية بين أمريكا وروسيا منذ الحرب الباردة، حدث كان يمكن أن يؤدي لصدام مسلح يقود المنطقة إلى الهاوية لولا احتواؤه روسيًا وإغلاق ملفه أمريكيًا.
إن التوجه الاقتصادي العالمي، في تبعية الحكومات نحو الشركات الكبرى، ينبئ باحتمالية دائمة للتصادم تجرها إليه مصالح أصحاب تلك الشركات التي لا يعنيها القانون الدولي بقدر ما يعنيها قانون واحد: الربح، حتى لو على بحر من الدم!