يستورد العراق الغاز الإيراني الرديء ذا التكلفة المرتفعة ويترك المسؤولون الفاسدون العروض الخليجية والأردنية والمصرية المغرية من الغاز ذي الجودة العالية والسعر الرخيص، وذلك إيمانًا بالولاء لطهران وكنوع من التخفيف الاقتصادي عنها جراء العقوبات الأمريكية المؤلمة، فالعراق لم يضع حلولًا لهذه المشكلة ويعتمد على الاستثناءات الأمريكية لمدد استيراد الغاز التي تزداد وتنقص حسب المعطيات السياسية، وكنوع من الضغوط التي تمارسها واشنطن على الحكومة العراقية أو القوى السياسية المتنفذة، لكي تبحث الحكومة العراقية بديلًا عن الغاز الإيراني أو ترضى بالعروض الخليجية، كما تستخدم كضغط سياسي كما حصل في فترة تشكيل الحكومة العراقية بعد تعنت القوى الموالية لطهران إلا بتكليف مرشح قريب منها، قبل القبول بالكاظمي على مضض.
إن اعتماد الحكومة العراقية على الغاز الإيراني، يعني بالنسبة لواشنطن أنها لا تلتزم بالعقوبات ولا تساهم في خنقها لتغيير سلوكها، بل العكس يشكل ذلك متنفسًا ومنفذًا لها من العملة الصعبة ومصدرًا مهمًا من مصادر الطاقة.
تستخدم إيران عند الحاجة ورقة الغاز التي تُشغل 3300 ميغاواط من الكهرباء في العراق لتأليب الشارع وقد فعلتها ووظفتها في فترة مشاورات تشكيل الحكومة في 2018 ضد الولاية الثانية لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي عندما لمح بأن العراق سيلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، مما أدى إلى قطع الكهرباء الإيرانية عن العراق – في صيف العراق اللاهب – التي ترفد العراق بـ1200 ميغاواط، وأدت إلى احتجاجات ساهمت في وأد رغبات العبادي وطموحاته لفشله في التعامل معها.
التخلي عن الغاز الإيراني
يحتاج العراق إلى ما بين 3 – 4 سنوات من العمل المتواصل والبيئة الصالحة للاستثمار ليعتمد على اكتفائه الذاتي من الغاز والغاز المصاحب، وهذه البيئة غير متوافرة ولا توجد ضمانات لتوافرها في المستقبل القريب، لذلك سيبقى بحاجة لغيره.
واشنطن تراقب مدى جدية الحكومة العراقية في العمل على تنفيذ مشاريع تطوير حقول الغاز من أجل الاعتماد على الذات والتخلي عن إيران، مع عروض خليجية مغرية للتخلي عن إيران، وقد تراجع استيراد الكهرباء الإيرانية من 1200 ميغاواط إلى 350 ميغاواط في الفترة القليلة الماضية، وتم التخلي عن 3 منافذ للكهرباء والإبقاء على واحد فقط ويبدو أن هناك اطمئنانًا أمريكيًا من سير العمل العراقي لأنه يساهم بمزيد من الضغوط على طهران.
كانت مدد الاستثناءات الأمريكية لاستيراد الغاز الإيراني تسير بشكل تنازلي من 120 يومًا إلى 90 يومًا ثم 45 يومًا ثم انتهت بتحديد مدة شهر واحد فقط لعدم الاتفاق على تمرير الحكومة، لكن مع تمرير الكاظمي رفعت واشنطن مدة الاستثناء من شهر إلى أعلى مدة استخدمتها وهي 120 يومًا كنوع من الدعم لحكومة الكاظمي ومنحها فرصة لإجراء تغيير في هذا الملف بعد أن شعرت واشنطن أن الحكومة الجديدة وعلى رأسها مصطفى الكاظمي غير مستسلمة لطهران ونفوذها وتفاضل بين الخيرات المقدمة ومن الممكن أن تتخلى عن الاعتماد على إيران.
أخيرًا، لقد وجدت واشنطن أن أفضل خيار لتقويض نفوذ إيران هو الشخصية العراقية التي تصنف أنها قومية، أي تقدم مصلحة العراق على إيران في جميع الملفات ومنها استيراد الغاز بعيدًا عن الولاءات والمحاباة، فالأزمات العراقية بحاجة إلى شخصية عراقية تنفذ ولو الحد الأدنى من المصالح الوطنية وتقبل بالعروض غير الإيرانية الأكثر جودةً والأرخص ثمنًا، فقد كان هذا الملف لوحده كفيلًا بتصنيف شخصيات عراقية على أنها معادية لإيران أو قريبة منها، وهو ما قد يفتح المجال للحوار أو الصراع في المرحلة المقبلة التي سيقودها الكاظمي.