ترجمة وتحرير: نون بوست
اتسعت الانقسامات بشأن الفترة الانتقالية السودانية لتتجاوز الجيش والمدنيين وتشمل الأحزاب والحركات السياسية التي من المفترض أن توجه العملية، مما يثير مخاوف بشأن مستقبل البلاد، كان حزب الأمة القومي بقيادة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي قد علق عضويته في قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم الذي وافق على اتفاقية مشاركة السلطة الانتقالية مع الجيش العام الماضي).
اندلعت النزاعات أيضًا بين صفوف تجمع المهنيين السودانيين عضو قوى الحرية والتغيير الذي ساعد في قيادة مظاهرات الماضي ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، وكانت تلك النزاعات عن الانتخابات السنوية لقيادته.
في الوقت نفسه ارتفعت الخلافات بين الحكومة الانتقالية بما في ذلك قوى التغيير والحرية والحركات العسكرية التي كانت تتفاوض على اتفاقية السلام في جوبا عاصمة جنوب السودان لأكثر من 6 أشهر.
فقد تم تأجيل موعد تعيين الحكام المدنيين للولايات المعنية بالإضافة إلى البرلمان الانتقالي عدة مرات قبل المشاركة المتوقعة للممثلين السياسيين للحركات العسكرية بعد توقيع الاتفاق النهائي.
حذر المحلل السياسي السوداني الشفيع خضر من أن الأزمات المتعددة التي تواجه السودان الآن قد تقوض كل ما تم إنجازه منذ الإطاحة بالبشير.
الخلافات بشأن الإصلاح الاقتصادي أدت إلى تعقيد الموقف والمنهجية الحاليّة لمحادثات السلام ستنتهي بلا شيء
وأضاف: “الفترة الانتقالية في طريقها للانهيار سريعًا وإذا لم تجلس الأطراف الفاعلة بما في ذلك قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين والجيش وقوات الدعم السريع والحركات العسكرية وغيرهم لتصل إلى اتفاق وطني بشأن المناقشات، فإننا سنفقد هذه الفرصة المهمة للانتقال مرة أخرى”.
عقد اجتماعي
من المقرر أن يقود المجلس السيادي السوداني – الذي بدأ الحكم في أغسطس ويضم 5 ممثلين عسكريين و6 مدنيين – البلاد خلال الفترة الانتقالية حتى الانتخابات في نوفمبر 2022، في الشهر الماضي علق حزب الأمة القومي عضويته في قوى الحرية والتغيير بسبب الخلافات مع الأحزاب الأخرى بشأن إدارة الفترة الانتقالية ودعا إلى إصلاح واسع للتحالف.
قال نائب رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر إن الحزب يدفع نحو خطة شاملة للإصلاح تسمى “العقد الاجتماعي” وتتضمن إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير من أجل تحسين إدارة الفترة الانتقالية، ويضيف ناصر: “إننا نرى أن أهداف الفترة الانتقالية لم تتحقق بما في ذلك تكوين مؤسسات انتقالية مثل البرلمانات واللجان وتحسين الموقف الاقتصادي وفقًا لخطة محددة، بالإضافة إلى عملية السلام من بين قضايا إستراتيجية أخرى”.
“لقد اشتركت عناصر قوى الحرية والتغيير في تكتيكات سياسية صغيرة ضد بعضهم البعض، كما أن الخلافات بشأن الإصلاح الاقتصادي أدت إلى تعقيد الموقف والمنهجية الحاليّة لمحادثات السلام ستنتهي بلا شيء”.
بعض المدنيين يخشون من محاولة فصائل في الجيش تكرار نفس سيناريو البشير
“للأسف لقد رأينا بعض شركائنا في قوى الحرية والتغيير يسعون وراء مكاسب سياسية صغيرة مما يمنحنا مؤشرًا على عدم النضج السياسي، إننا نعتقد أيضًا أن محاولة بعض الأطراف السياسية إقصاء الجيش من العملية الحاليّة في السودان أمر سلبي، فالجيش أيضًا جزء من التغير السياسي الذي يحدث في السودان”.
انقسام كبير
اعترف عضو بارز في قوى الحرية والتغيير – رفض ذكر اسمه لأنه ليس مخولًا له التحدث مع وسائل الإعلام – أن هناك خلافات واسعة وسط التحالف، لكنه يعتبرها طبيعية نظرًا لمظلتها السياسية الواسعة التي تضم عدة أحزاب سياسية مختلفة، وقال إن النزاعات بين حزب الأمة القومي والأحزاب السياسية الأخرى وصل إلى ذروته بسبب دور الجيش وعملية السلام وتكوين البرلمان.
وأضاف: “لقد تلقينا هذا الخطاب من حزب الأمة القومي وندرسه قبل أن نرد عليه في الأيام القليلة القادمة، لكن الفجوة أصبحت أكثر اتساعًا ونخشى حقًا من أن تحالف قوى الحرية والتغيير سيواجه انقسامًا كبيرًا في وقت قريب”.
“لكن عواقب ذلك وخيمة للغاية لأنها قد تدفع الجيش للتدخل واختطاف الفترة الانتقالية بأكملها، فبعض المدنيين يخشون من قيام فصائل في الجيش بمحاولة تكرار نفس سيناريو البشير، في هذا الشأن نرى أن حزب الأمة القومي يلعب بالنار لأن قائده التقى بقادة عسكريين ولا نعلم بالتحديد ما حدث”.
“كما أنهم يطالبون بانتخابات مبكرة وهو أمر ينتهك الإعلان الدستوري الذي يحكم الفترة الانتقالية مما ينعكس بشكل سلبي على تحقيق الديمقراطية في البلاد”.
اتهامات باليسارية
في الوقت نفسه شهد تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير خلافات واسعة بين مجموعاته المختلفة في أثناء الانتخابات السنوية لقيادته وسط اتهامات بالتزوير، هناك أيضًا ادعاءات بمحاولة الهيمنة من الأحزاب اليسارية التي تمتلك حضورًا واسعًا بين نقابات التجمع التي تضم نقابات الأطباء والمحاميين والصحفيين.
اتهمت اللجنة المركزية لأطباء السودان وكيانات أخرى شاركت في تأسيس تجمع المهنيين السودانيين، القيادة المنتخبة حديثًا بالتزوير، واندلعت اتهامات متبادلة واسعة النطاق بالتزوير خلال أول مؤتمر للمنظمة على الإطلاق.
قالت كيانات التجمع في بيان لها: “إننا نرى أن هناك حزبًا معينًا (الحزب الشيوعي) يحاول الهيمنة على اتخاذ القرار في تجمع المهنيين السودانيين من خلال تلك الانتخابات، لذا نحن نعتقد أن هناك أجندةً سياسيةً تُفرض هنا في محاولة للسيطرة وتوجيه التجمع وهذا يخالف تمامًا وظائفه وقوانينه الأساسية ولن يخدم أهداف الثورة”.
انتخابات حرة نزيهة
ومع ذلك أكد محمد الفاتح – عضو بارز في أمانة تجمع المهنيين السودانيين – أن المنظمة عقدت أول مؤتمر قانوني لها بمشاركة جميع ممثلي الجمعيات ونقاشوا الأمور بحرية خلال المؤتمر الذي انتهى بانتخابات حرة نزيهة.
وقال الفاتح إن التجمع عقد المؤتمر من أجل تحديد مسار الثورة وتصحيح الأخطاء التي حدثت في أثناء الفترة الماضية من أجل وضع الثورة على مسارها الصحيح مرة أخرى، يجب علينا أن نتحد لمراجعة أجندة الثورة بما في ذلك محاولات الجيش للتدخل في السياسة والتحكم في الفترة الانتقالية وانتهاكات مناطق الحرب والانتهاكات ضد حرية التعبير بالإضافة إلى تدخلات بعض الدول الإقليمية التي تحاول فرض أجندتها على السودان”.
وأضاف “ما زالت بعض القضايا غير واضحة فيما يتعلق بالعدالة لضحايا الحرب في مناطق الحرب بما في ذلك تسليم البشير وغيره من المجرمين للمحكمة الجنائية الدولية”، يعد البشير والعديد من رفاقه وشركائه مطلوبين بشكل أساسي بسبب الإجراءات المتخذة في أثناء الصراع في دارفور، قالت الأمم المتحدة إن الصراع خلف على الأقل 300 ألف قتيل وتسبب في نزوح 2.5 مليون آخرين.
هذه النزاعات المختلفة الجارية في البلاد ستضع كامل الفترة الانتقالية على حافة الانهيار
حافة الانهيار
هناك نزاع آخر يدور بين الحكومة الانتقالية – ومن ضمنها قوى الحرية والتغيير – والحركات المسلحة التي تتفاوض في اتفاقية السلام بجوبا، فرغم الإنجازات الأخيرة والإصرار على توقيع الاتفاق النهائي في 20 من يونيو، هناك قضايا عالقة أخرى تحتاج لمعالجتها وخصوصًا الترتيبات الأمنية.
في الوقت نفسه قال تحالف المتمردين الرئيسي للجبهة الثورية السودانية أنه انقسم إلى فصيلين وفقًا لبيان أعلنه مني آركو مناوي نائب رئيس الجبهة، ومع ذلك نفى أسامة سعيد المتحدث باسم الجبهة هذا الانقسام وأضاف أن الحركات التسعة الواقعة تحت مظلة الجبهة تناقش اقتراحًا للإصلاح قدمته فصائل مناوئة.
وأضاف سعيد “إننا نناقش بعض الاقتراحات المقدمة من حركة تحرير السودان التي يرأسها مني آركو مناوي، لكن هذا لا يعني انفصالها عن الجبهة الثورية السودانية”.
حذر المحلل السياسي السوداني خضر من أن هذه النزاعات المختلفة الجارية في البلاد ستضع كامل الفترة الانتقالية على حافة الانهيار، وناشد الفصائل المدنية والعسكرية المختلفة بالتصرف بطريقة حاسمة ومسؤولة لتجنب لعبة اللوم”، وأضاف “أجواء الاتهامات المتبادلة بين شركاء الفترة الانتقالية وعدم قدرة الحكومة الانتقالية على تقديم قادة النظام القديم للعدالة بالإضافة إلى عوامل التدهور الاقتصادي الأخرى، تمهد الطريق لأعداء الثورة للإطاحة بالجميع”.
“أقترح أن تنظم جميع الأطراف المعنية بما في ذلك قوى الحرية والتغيير وغيرهم، اجتماعًا شاملًا لمناقشة ووضع خريطة طريق واضحة معًا وجدول زمني للعمل على تنفيذها”.
المصدر: ميدل إيست آي