كما هو الحال في كل رمضان، شهد العراق جدلا كبيرا حول المسلسلات التلفزيونية الدرامية التي عرضت خلال الشهر الفضيل، إذ وعلى الرغم من أن بعض المسلسلات حققت نجاحا ملفتا، إلا أنها لم تنجو من الانتقاد الفني والموضوعي.
الأسطر التالية لـ “نون بوست” تقرأ في واقع الدراما العراقية لهذا العام وموجة الانتقادات التي رافقتها مع الأخذ بأراء مخرجيين ونقّاد.
تكرار الحبكة الدرامية
من أبرز الأعمال الدرامية التي عرضت خلال رمضان هذا العام كانت “بنج عام” و”كما مات وطن” و”غايب في بلاد العجايب” و”أحلام السنين” و”واحد + واحد”، ومسلسلات أخرى.
غير أن الكثير من المتابعين يرون أن كثيرًا من الأعمال الدرامية التي ظهرت في السنوات الأخيرة كانت بطابع كوميدي، وهو ما جعلها عرضة للاتهام بالإسفاف، بسبب الطريقة التي تناولت بها بعض القضايا واعتمادها على سخرية غير منضبطة طالت فئات من المجتمع، كالأقزام وكبار السن.
من جانبه، انتقد الأديب وأستاذ اللغة العربية “حمد الدوخي” في منشور له على الفيسبوك الدراما العراقية، إذ يضرب الدوخي مثالًا على ذلك في مسلسل “واحد زائد واحد”، منقدًا الطريقة والحبكة الدرامية للمسلسل الذي ظهر فيه الفنان العراقي “قاسم الملاك” بشخصيتين فيه، إذ يؤكد أن تكرار العبارات (بروحه لأبويه، أمُّداني) – التي كان يكررها الملاك في دوريه مع الحفاظ على ذات الملابس وذات نغمة الصوت – لم يكن مرضيًا للجمهور.
كما يشير الدوخي إلى أن هناك خللًا فنيًا في الهيئة التي ظهر فيها الملاك في أحد أدواره (الميكانيكي) بملابس نظيفة على الدوام دون أي أثر لزيوت السيارات أو ما هو معتاد عليه أي ميكانيكي في عمله، ونصح الدوخي الكادر بمتابعة الأفلام الهوليودية والبوليودية والسينما العالمية.
كما أثار الدوخي مسألة مهمة أخرى، تتمثل بأن المشاهد يمكن أن يتابع المسلسل من الحلقة العاشرة ويفهم ما يجري، وحتى لو انقطع المشاهد عن المتابعة، فبإمكانه العودة لمشاهدته بعد حلقات أخرى دون مشكلة في فهم الحبكة الدرامية.
ويرى الكثير من المراقبين أن جميع الأعمال الفنية العراقية لهذ العام كانت دون الطموح على الرغم من التقدم الذي أحرزته في التصوير والإضاءة، فمسلسل (غايب في بلاد العجائب) مثلًا فيه إسفاف وامتهان للعراقيين، إذ أنه وعلى الرغم من تسليطه الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، غير أنه في كثير الأحيان يستفز المشاهد من كم الإسفاف وتجاهل العقلية العراقية أو استغباءها في بعض الحلقات، ما أفقد العمل قيمته الدرامية، إذ سلّط الضوء على مشكلة معينة غير أنه تسبب بمشاكل أخرى.
معضلة الإنتاج وتدني الأجور
لا يعاب أي عمل درامي بانتقاد شخصية معينة فيه، إذ إن العمل وحدة واحدة لا تتجزأ تبدأ من كاتب السيناريو إلى الممثلين فالتصوير والإضاءة والإنتاج والإخراج وبقية الكادر.
يرى الرئيس السابق لقسم الدراما التلفزيونية في قناة العراقية الرسمية “رضا المحمداوي” أن مستوى الدراما العراقية لهذا العام كانت دون الطموح من حيث الكم والنوع، مع وجود بعض الأعمال الجيدة، مثل مسلسل “يسكن قلبي”.
وعن عجز الدراما العراقية عن منافسة الأعمال المستوردة، أرجع المحمداوي ذلك إلى عدة أسباب في مقدمتها أزمة الإنتاج التي أسهم ظهور القنوات الفضائية بعد 2003 في التخفيف منها، عبر التخلص من أزلية الإنتاج الحكومي التي كانت تنتج من خلالها الدراما العراقية قبل عام 2003.
مستدركًا بالقول: “إن الفضائيات التي موّلت وأنتجت أعمالًا درامية منذ عام 2003 بدأت تعاني هي الأخرى من شح الإنتاج، وعادت مشكلة التمويل مرة أخرى بعد عام 2014، مؤكدًا أن مشكلة الإنتاج جعلت من أغلب الأعمال الدرامية العراقية ذات طابع كوميدي بأسلوب السلسلة الدرامية غير المتصلة من ناحية الموضوع، إذ أن هذا النوع من الانتاج الكوميدي الساخر لا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، ويمكِّن المنتج من ضغط النفقات واختصار الوقت والاعتماد على أعداد محدودة من الممثلين، بحسبه.
أما مدير مسرح الرافدين “عمر ضياء الدين” فيصف أجور الفنانين العراقيين بـ (البائسة)، مقارنة مع نظرائهم العرب، مؤكدًا أن أجورهم تتحدد عن طريق العلاقات الشخصية والمحسوبيات، فضلًا عن الغبن الكبير الذي يتعرض له الفنانون الشباب الذين لا يحظون بفرصتهم، بسبب تكرار ذات الوجوه القديمة في كل موسم.
ويشير ضياء الدين إلى معضلة أخرى لا تقل تاثيرًا عن سابقاتها، تتمثل بشح النصوص الدرامية المتميزة المبنية على أفكار ومعالجات تمكنها من منافسة الدراما المستوردة، والخروج من تكرار المواضيع الركيكة وبطء الإيقاع في هذه الأعمال الفنية، بحسبه.
أما المخرج “علي فاضل” فيعزو التفاوت في جودة الأعمال الفنية لهذا العام إلى غياب الإستراتيجية في الإنتاج الدرامي، مؤكدًا أن هناك قطاعين للإنتاج في كل دول العالم (العام والخاص)، ليؤكد بالقول: “القطاع العام في العراق معطّل منذ دخول تنظيم داعش، فضلًا عن إدارته التي كانت فاسدة قبل تعطيله، خاصة وإن المبالغ المخصصة بعد 2003 للإنتاج كانت هائلة، وكان من الممكن أن تحقق قفزة نوعية، لكنها أنتجت أعمالًا سيئة لم تستطع أي منها حجز مكان في ذاكرة المشاهد أو تاريخ الدراما العراقية”.
ويتابع فاضل (مخرج برنامج ولاية بطليخ) حديثه ليشير إلى أن القنوات الفضائية في القطاع الخاص المنتجة لبعض الأعمال تابعة لجهات سياسية تعمل على تصدير خطابها، وعندما تنتج هذه القنوات الدراما فهي لا توصل الأفكار المطلوبة من العمل، بل تعمل ضمن مساحة أجندتها السياسية فقط.
أعمال واجهت موجة انتقادات
واجهت بعض حلقات الأعمال الدرامية العراقية في رمضان هذا العام موجة من الانتقادات، إذ تعرض مسلسل (بنج عام) لموجة كبيرة من الانتقادات بعد أن خصص إحدى حلقاته عن سبي الأيزيديات، فيما تعرض مسلسل (أحلام السنين) لموجة انتقاد مشابهة بعد أن تطرق لأحد شيوخ العشائر في الخمسينات من القرن الماضي في منطقة الأهوار وهو يتوجه بكلام جارح لإمرأة ريفية، كما واجه ذات المسلسل انتقادًا لمشهد آخر يظهر فيه شيخ عشيرة مجبرًا أحد سكان القرية على تأدية دور الكلب وسط المضيف وأمام الجميع.
وبعد أن شن عدد من السياسيين موجة من الانتقادات للأعمال الدرامية، دافعت نقابة الفنانين العراقيين عن هذه الأعمال وعن الفنانين بصورة عامة، إذ جاء في بيان النقابة ما نصه: “يمتد بنا الزمن السيء، لنجد أن عدو الفن الأول في عراق ما بعد 2003 هي الطبقة السياسية التي تدس أنفها في الشأن الفني الذي لا تفهم منه شيئًا، لتمارس التحريض وتشويه السمعة بحق خيرة فنانينا، بسبب عملين تلفزيونين، هما في طليعة ما قُّدم عراقيًا في شهر رمضان المبارك لهذا العام”.
وأشار البيان أن السياسي الذي لا يفهم المعالجة الدرامية ولا طريقة البناء السردي ولا وظيفة الفن، مُستغرَبٌ منه أن يُفتي ويُطالب ويُهدد ويُزمجر، وكأن الفنانين لا يزالون يعيشون حقبة الدكتاتوية، واتهمت النقابة السياسيين بأنهم غير مطلعين على السرديات السينمائية العملاقة.
وعلى الرغم من كم الانتقادات إلا أن بعض حلقات الأعمال الدرامية العراقية نالت إعجابًا منطقع النظير كما في الحلقة الـ 18 من مسلسل (كما مات وطن) المعنونة بـ “الطابق 15” والتي تناولت قصة التظاهرات الشعبية التي انطلقت في الأول من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي بحبكة درامية وقصة أثرت في نفوس العراقيين صغارًا وكبارًا.
ولعلّ أبرز ما يؤثر على الدراما العراقية، حتى القوية منها، هو افتقار المنتجين للتسويق الصحيح، إذ وعلى الرغم من أن الدراما العراقية قديمة، إلا أنها لا تزال تتابع من قبل العراقيين وحدهم، وبمقارنة بسيطة نجد أن المستوى الدرامي لدول الخليج لا يصل لمستويات الدراما السورية والمصرية، إلا أنها استطاعت الترويج لأعمالها وبدأت تخرج من الأفكار الدرامية التقليدية التي اتسمت بها في السنوات السابقة.