فشل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 4 محاولات متتالية لإقناع تركيا بالانضمام كقوة مقاتلة في الحلف العالمي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيله لمحاربة داعش؛ الأولى كانت في جدة عندما رفض وزير الخارجية التركي “مولود شاووش أوغلو” التوقيع على الاتفاق العربي الأمريكي بالرغم من مشاركته في المناقشات التي سبقته، والثانية خلال لقاء خاص بين الوزيرين الأمريكي والتركي في أنقرة، والثالثة خلال لقاء دام أكثر من ساعتين ونصف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرابعة خلال لقاء دام أكثر من ساعة ونصف مع رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو.
الرئيس التركي أثناء استقباله لوزير الخارجية الأمريكي
وبعد هذه المحاولات الأربع الفاشلة لجون كيري، أكدت تركيا رسميًا على أن محاربة الإرهاب وبما في ذلك تنظيم داعش أمر ضروري، وعلى أن الاستراتيجية التي قدمتها أمريكا وتبنتها بعض الدول الإقليمية والعالمية غير كافية للقضاء على داعش ومثيلاتها، خاصة في ظل استمرار وجود أسباب ظهور هذه التنظيمات مثل نظام بشار الأسد الذي تعتبره تركيا السبب الرئيسي لظهور داعش.
وعلى لسان رئيس وزرائها أكدت تركيا على أنها مستعدة لتقديم كل أشكال المساعدة اللوجستية في ما يخص الأعمال الإنسانية المتعلقة بإيصال المساعدات الإغاثية دون المشاركة في أعمال عسكرية أو تيسييرها، مع العلم أن أحمد داوود أوغلو لم يذكر أسبابًا تمنع بلاده من المشاركة كقوة محاربة في هذا التحالف واكتفى بالقول إن بلاده ترى أن هذه العمليات غير كافية لحل المشاكل التي تعيشها المنطقة ولا لإقامة نظام سياسي ينهي النزاعات المسلحة.
ورغم ذهاب معظم التحليلات إلى إن تركيا امتعنت عن دعم الحلف الأمريكي بسبب خوفها على حياة مواطنيها المختطفين من قبل داعش في العراق، فإنه من الممكن الابتعاد عن هذه الحجج المستهلكة إعلامية والتفكير في أسباب أكثر عمقًا تجعل تركيا غير مستعدة للدخول في حرب لم تقررها هي، وإلى جانب دولة رفضت في السابق دعم جهود تركيا لحل نفس المشكلة.
فقبل سنتين عندما كانت تركيا تسعى إلى الحصول على دعم دولي لحماية المدنيين السوريين من قصف طائرات النظام، جاء الرد الدولي بعدم ضرورة تشكيل هذا الحلف وبعدم وجود تهديد يستحق هذا التحرك، وحتى عندما هدد أوباما بشن ضربات جوية على سوريا، كلماته كانت واضحة وصريحة بأن أمريكا لن تذهب للقتال لصالح أي طرف آخر وإنما ستذهب لمنع انتشار الأسلحة الكيميائية والتخلص من تهديد جدي تواجهه حليفتها الاستراتيجية الدائمة إسرائيل.
واليوم وبنفس المنطق، تجيب تركيا دون أن تفصح، بأنها غير معنية بالقتال لصالح أي طرف آخر أو ضمن خطط وضعتها أمريكا وقدمتها لدول العالم حتى تقوم بتنفيذها كما هي، كما أنها غير معنية بالدخول في حلف دولي لإنقاذ دول جنوب سوريا والعراق (السعودية وإسرائيل والأردن..) من خطر داعش دون أن يشارك هذا الحلف في القضاء على التهديد الحقيقي لكل دول المنطقة – حسب وجهة النظر التركية – وهو نظام بشار الأسد.
فخلال اللقاءات التركية الأمريكية التي عقدت يوم أمس الجمعة، قدم المسئولون الأتراك رؤيتهم للحل الذي تحتاجه المنطقة، فقال داوود أوغلو: “إن تم تجاهل الأزمة السورية ولم يقم المجتمع الدولي بحلها، ربما تقع زلازل سياسية كبيرة في المنطقة، حاولنا إقناع الأسد لمدة ٨ـ٩ أشهر في بداية الأزمة، لكنه ظن أنه يعيش في التسعينات أو الثمانينات، اعتقد الأسد أنه سيتمكن من حل الأزمة كما حلها بالقبضة الحديدية في حماة وحمص في العام ١٩٨٢، ولم يستمع إلينا”.
كما أضاف رئيس الوزراء التركي المكلف حديثًا: “تركيا أبلغت أصدقاء الأسد، روسيا وإيران، بأن الأزمة السورية تكبر، ولكنهما اعتقدا أن الأسد سيتمكن من السيطرة على الأحداث في فترة قصيرة”، مشيرًا إلى أن تركيا كانت طيلة السنتين الماضيتين تحذر المجتمع الدولي من السكوت على ممارسات نظام الأسد ضد المدنيين وأكدت مرارًا أن هذا السكوت سيؤدي إلى ظهور كيانات متطرفة وصراعات طائفية عنيفة كالتي باتت المنطقة تعيشها الآن.