ترجمة وتحرير: نون بوست
يمر العالم بمحنة، بفترة من عدم الاستقرار وعدم اليقين لم يسبق لها مثيل. فجائحة فيروس كورونا وما تشكله من تهديد للنسيج الاجتماعي والاقتصادي للدول، أوقع العديد من الحكومات في شتى أنحاء العالم في أزمة وجودية وأجبرها على تفعيل وضع البقاء على قيد الحياة. وقد دفع ذلك السياسيين الشعبويين في هذه البلدان الذين فشلوا في الاستجابة لأزمة الصحة العامة إلى اتخاذ الأقليات، خاصة الأقلية المسلمة، كبش فداء لتبرير قصورهم.
بسبب هذا التصرف بات الملايين من الناس، الذين يتعرضون للتمييز والإساءة والقمع حتى قبل بدء الوباء، في مأزق. في الكثير من الدول، لا يواجه المسلمون المحرومون الآن جائحة تهدد حياتهم وسبل عيشهم فحسب، بل أيضًا تصاعد الإسلاموفوبيا التي اتخذت هذه المرة طابعا مؤسسيا. منذ ظهور فيروس كورونا في الهند، اتُهم أعضاء من الجالية المسلمة التي يبلغ عددها 200 مليون شخص مرارًا وتكرارًا بأنهم “ناشرون فائقون” للفيروس سواء من قبل وسائل الإعلام أو الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي.
في أواخر شهر آذار/ مارس، وعقب تجمع ديني للمسلمين في نيودلهي يُزعم أنه تسبب في ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في المدينة، نعت سياسي من حزب بهاراتيا جاناتا هذا التجمع بـ “إرهاب كورونا”، ودعا إلى معاقبة المسلمين الذين يقصدون المساجد في ظل تفشي الوباء “مثل الإرهابيين”. نتيجة لذلك، أصبح “كورونا الجهاد” موضوعًا شائعًا على منصات التواصل الاجتماعي وتعرض الكثير من المسلمين، بما في ذلك المتطوعون الذين يوزعون الإعانات، إلى اعتداءات جسدية ولفظية. كما طالب نائب حزب بهاراتيا جاناتا ولاية أتر برديش بمقاطعة الباعة المسلمين متهمًا إياهم “بتلويث الخضروات باللعاب“.
تعاملت الحكومة الهندية مع جائحة فيروس كورونا باعتبارها فرصة لمضاعفة سياساتها الحالية المعادية للإسلام
ساهمت وسائل الإعلام الهندية بدورها في وصم المسلمين خلال الجائحة. ففي الوقت الذي واصل فيه السياسيون إلقاء اللوم على المسلمين بشأن الانتشار السريع للفيروس في البلاد، قامت المنظمات الإعلامية الموالية للحكومة بعرض برامج ونشر تقارير تدعم هذا الاتهام الذي لا أساس له من الصحة. ونتيجة لذلك، أصبح المسلمون الذين نجوا منذ بضعة أشهر فقط من مذبحة نيودلهي أكثر استهدافا.
تعاملت الحكومة الهندية مع جائحة فيروس كورونا باعتبارها فرصة لمضاعفة سياساتها الحالية المعادية للإسلام. ومنذ إعلان حالة الطوارئ الصحية العامة، لم تستخدم هذه الحكومة المسلمين ككبش فداء لصرف الانتباه عن أوجه القصور في استجابتها للجائحة فحسب، بل تمكنت أيضًا من تعميق التحيزات القائمة لدى الأغلبية الهندوسية حول هذا المجتمع.
في سريلانكا المجاورة، اختارت السلطات استخدام الوباء كذريعة لوصم المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا. ففي هذه الدولة الجزيرة التي تتميز بتراث نابض بالحياة متعدد الأديان والأعراق، أدت الدعاية المعادية للإسلام من قبل وسائل الإعلام والسياسيين على امتداد سنوات، إلى جانب الهجمات التي تشنها الجماعات الإسلامية المتطرفة في سريلانكا وانتشار الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء العالم، إلى تهميش المسلمين في البلاد وجعلهم عرضة لموجات من العنف على أيدي القوميين. وقد اتُهمت الحكومة بعدم القيام بما يكفي لحماية هذه الأقلية وعدم تقديم المعتدين إلى العدالة.
لذلك، من غير المستغرب في ظل انتشار فيروس كورونا أن تسارع بعض المنظمات الإعلامية البارزة والقوميين المقربين من الحكومة الحالية إلى إلقاء اللوم على المسلمين الذين يشكلون ما يقرب من 10 في المئة من إجمالي السكان. وكما هو الحال في الهند، اُعتبرت الطقوس الدينية الإسلامية بمثابة “فعاليات لنشر الفيروس بسرعة فائقة” وتم تحذير السكان الذين ينتمون إلى الأغلبية البوذية من شراء المواد الغذائية من الباعة المسلمين.
إن قرار الحكومة السريلانكية بجعل حرق الجثث إلزاميًا لجميع ضحايا كوفيد-19 ليس إجراءً من إجراءات الصحة العامة بل فعلا صارخا ينم عن إسلاموفوبيا
في نيسان/ أبريل، أقرت الحكومة بإلزامية إحراق جثث ضحايا فيروس كورونا، وهو إجراء يتعارض مع التعاليم الإسلامية المتعلقة بدفن الموتى. لم يحرم هذا الإجراء المسلمين من حق ديني أساسي فحسب، بل يساهم أيضا في نشر الاعتقاد السائد بأن الممارسات الدينية الإسلامية تساعد على انتشار الفيروس.
يحمل الإسلام في جوهره قدسية الحياة ويمثل تكريم الموتى امتدادًا لتلك القداسة. وعند وفاة أحدهم، يكون المسلمون ملزمين بأداء أربعة سنن أولها تغسيل الميت، وتكفينه في قماش نظيف ثم إقامة صلاة الجنازة عليه حتى لو كان ذلك مع قلة من الناس، وأخيرًا الحرص على أن يحظى بعملية دفن لائقة.
عندما طلب منها اتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف انتشار الفيروس، وافقت أغلبية الطوائف المسلمة في سريلانكا وغيرها على تعديل ممارسات الدفن وفقا لها، لا سيما فيما يتعلق بإثنين من سنن الدفن. لكن لا يوجد أساس علمي للادعاء بأن دفن جثث الضحايا يساهم في انتشار الفيروس. فالدول في مختلف أنحاء العالم من أوروبا إلى أفريقيا وأميركا الشمالية، تدفن ضحايا الفيروس وفقًا للمبادئ التوجيهية التفصيلية التي أصدرتها حكوماتها، ومن دون التسبب في أي خطر على الصحة العامة.
في الواقع، إن قرار الحكومة السريلانكية بجعل حرق الجثث إلزاميًا لجميع ضحايا كوفيد-19 ليس إجراءً من إجراءات الصحة العامة بل فعلًا صارخًا ينم عن إسلاموفوبيا ذات طابع مؤسسي. وهو يعكس المخاوف الأكبر من أن النموذج الهندي الذي يحرم المسلمين من أبسط حقوقهم يطبق في سريلانكا أيضًا.
يجب على العالم أن يتحرك على الفور وبشكل حاسم لمحاسبة هؤلاء القادة والحكومات لضمان عدم مساهمة كوفيد-19 في صعود الفاشية.
مع ذلك، ليست الهند وسريلانكا الدولتين الوحيدتين اللتين يواجه فيهما المسلمون مخاطر متزايدة وإساءة معاملة وتمييز بسبب أزمة كوفيد-19. في الصين، لا يزال الأويغور والأقليات المسلمة التركية الأخرى يتعرضون لأشكال لا يمكن تصورها من الانتهاكات على أيدي الحكومة. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن حوالي مليون من الأويغور محتجزون في ظروف غير صحية داخل ما يسمى “معسكرات إعادة التأهيل” المزدحمة. وكما ذكرت في تقرير سابق نُشر في بداية هذه الأزمة، تزيد هذه الظروف من خطر الإصابة بالفيروس المستجد، ناهيك عن أننا لا نعرف ما إذا كان بإمكانهم التمتع الفوري بالرعاية الصحية.
زادت معاناة مسلمي الروهينجا بسبب كوفيد-19، بعد أن سبق وواجهوا في سنة 2017 هجومًا عسكريًا في ميانمار تتهم بسببه الحكومة بالإبادة الجماعية في المحكمة العليا للأمم المتحدة. يعيش في الوقت الراهن مئات الآلاف من اللاجئين الروهينجا في مخيمات مكتظة بالسكان في بنغلاديش المجاورة. ويبقى تفشي كوفيد-19 في هذه المخيمات أمرا محتملا. وفي حال وقع ذلك قد ينجم عنه ضرر شديد حسب الخبراء. وفي الأسبوع الماضي، أثبت تحليل لاجئ من الروهينجا في المخيمات أنه مصاب بالفيروس.
تستخدم حكومتا الصين وميانمار جائحة كورونا لصرف الانتباه عن الجرائم التي ارتكبوها وما زالوا يرتكبونها ضد الأقليات المسلمة في بلدانهم. أما القادة السياسيون في جميع أنحاء العالم، فيستخدمون العنصرية ورهاب الأجانب والإسلاموفوبيا كأدوات فعالة لتحقيق مكاسب قصيرة المدى خلال هذا الوباء.
يجب على العالم أن يتحرك على الفور وبشكل حاسم لمحاسبة هؤلاء القادة والحكومات لضمان عدم مساهمة كوفيد-19 في صعود الفاشية.
المصدر: الجزيرة