كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الثلاثاء، الخطة المنتظرة لدعم قطاع صناعة السيارات الفرنسي الذي سجل تراجعًا حادًا في المبيعات بسبب أزمة انتشار كورونا، خطة سيكون لها أثر كبير على قطاع السيارات في المغرب، ذلك أن العديد من الشركات الفرنسية المتخصصة في هذا المجال تعمل هناك، لكن هل سيكون هذا التأثير سلبيًا أم إيجابيًا؟
خطة إنقاذ بـ8 مليارات يورو
الخطة الحكومية لإنقاذ هذا القطاع المتضرر بشدة من أزمة فيروس كورونا المستجد، تمثلت في مساعدة مقدرة بأكثر من 8 مليارات يورو لدعمه وتحديثه وجعل فرنسا رائدة في صناعة السيارات غير الملوثة للبيئة في أوروبا، بزيادة إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة والهجينة القابلة للشحن في غضون خمس سنوات إلى أكثر من مليون سيارة في السنة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد أمس خلال زيارة إلى مصنع “فاليو” لقطع غيار السيارات في مدينة إيتابل الواقعة شمال فرنسا، أنه يريد “جعل فرنسا المنتج الرائد للمركبات النظيفة في أوروبا”، مضيفًا “أحد أهداف خطة الحكومة إنتاج أكثر من مليون سيارة كهربائية سنويًا حتى عام 2025”.
في حال أعادت الشركات الفرنسية إنتاجها بصفة كلية أو جزئية إلى بلدها الأم، فإن ذلك سيؤثر كثيرًا على قطاع صناعات السيارات في المغرب
أعلن ماكرون زيادة الدعم الحكومي لشراء السيارات الكهربائية إلى 7 آلاف يورو للأفراد و5 آلاف يورو للشركات، واستحداث دعم جديد بألفي يورو لشراء السيارات الهجينة القابلة للشحن، وذلك لتحفيز المبيعات التي تدهورت خلال الأزمة، فضلًا عن تعزيز المحفزات الحكومية لشراء سيارات جديدة مقابل التخلص من السيارات القديمة.
وتهدف هذه الخطة الفرنسية، وفق ماكرون إلى حماية الوظائف في القطاع الصناعي الذي سيواجه إحدى أشد الأزمات في تاريخه، وسجلت مبيعات السيارات الجديدة في فرنسا تراجعًا بنسبة 88.8% خلال أبريل/نيسان نتيجة الإغلاق المفروض في البلاد، مع تراكم نحو نصف مليون سيارة جديدة تنتظر العملاء.
خشية مغربية
ما يهم المغاربة في هذه الخطة، دعوة ماكرون شركات صناعة السيارات الفرنسية في الخارج إلى إعادة المزيد من الإنتاج إلى فرنسا مقابل الدعم الحكومي للقطاع المتعثر، وقال ماكرون إنه لا يجب تصنيع أي نموذج لسيارة ينتج حاليًّا في فرنسا في دول أخرى.
تلويح السلطات الفرنسية بترحيل صناعة السيارات من الخارج إلى بلادها بهدف توفير فرص عمل للفرنسيين، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق أن طرح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير هذا الأمر أيضًا.
وأوضح لومير في تصريحات سابقة “على المصنّعين إعادة مشاريعهم إلى فرنسا للاستفادة من دعم الدولة في زمن كورونا”، وأضاف الوزير الفرنسي: “أعتقد أن صناعة السيارات الفرنسية قامت بعمليات ترحيل كثيرة، ويجب عليها إعادة نقل بعض سلاسلها الإنتاجية”.
La crise sanitaire a porté un coup d’arrêt massif et brutal à la filière automobile française. C’est une part de notre économie, ce sont des milliers d’emplois. Notre soutien va être massivement amplifié.
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) May 26, 2020
يخشى المغاربة أن تُرحل الشركات الفرنسية لصناعة السيارات العاملة فوق أراضيها إنتاجها إلى فرنسا، الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبية كبيرة على مستقبل هذا القطاع في المملكة ومستقبل الاقتصاد أيضًا.
وتمتلك شركة رينو الفرنسية مصنعين في المغرب، أحدهما في “طنجة” وهو الأكبر في شمال إفريقيا، وينتج سيارات ومعدات مرتبطة بها للتصدير، والثاني مصنع أقدم منه لتجميع السيارات في مدينة الدار البيضاء، وكانت رينو تستعد لإنشاء مصانع سيارات صديقة للبيئة في المملكة، وستعتمد في تصنيعها لهذه السيارات على مكونات محلية المصدر بنسبة 65%، بدلًا من 32% حاليًّا.
فيما تمتلك مجموعة “بي إس إيه – بيجو سيتروان” الفرنسية مصنعًا في مدينة القنيطرة شمال غرب البلاد بتكلفة استثمارية 550 مليون يورو، تقدر طاقته الإنتاجية بـ100 ألف سيارة، وتطمح المجموعة إلى مضاعفة حجم مبيعاتها في إفريقيا والشرق الأوسط بحلول 2021، مع توقعات بارتفاع معدلات الإنتاج مستقبلًا ليبلغ 200 ألف سيارة.
تغير المعادلة
قبل كورونا، كان المغاربة يأملون في استقطاب شركات عالمية أخرى رائدة في مجال صناعات السيارات للاستقرار في بلادهم والعمل هناك، لتوفير مواطن شغل إضافية ودعم الاقتصادي الوطني لما يوفره هذا القطاع من عائدات مالية ضخمة.
وكان المغرب يسعى إلى إنتاج مليون سيارة في المستقبل، مع رفع حجم صادرات القطاع من نحو 7.7 مليار دولار إلى 12.5 مليار دولار سنة 2022، ثم 25 مليار دولار في 2025، وهو ما يقتضي توسيع القدرات الإنتاجية للفاعلين الفرنسيين مع السعي لجذب مصانع جديدة.
مع بداية انتشار كورونا في الصين، زاد الحلم المغربي، حيث أوقفت الشركات الكبرى لا سيما المتخصصة في صناعة السيارات مصانعها وعملياتها التجارية في الصين (جنرال موتورز وهوندا ونيسان)، وتوقع المغاربة أن يتمكنوا من استقطاب البعض منها بالنظر إلى المكانة المرموقة التي تتميز بها بلادهم في خريطة صناعة السيارات في العالم.
تعود صناعة السيارات في المغرب إلى عام 1959، بعد إنشاء الشركة المغربية لصناعة السيارات “صوماكا”
لكن مع وصول وباء كورونا إلى الدول الأوروبية وتضرر قطاعات عديدة خاصة قطاع السيارات، أصبح حلم المغاربة يتمثل بالحفاظ على المصانع الفرنسية التي تعمل في بلادهم، حتى لا تحدث الكارثة ويجد آلاف العاملين في هذا القطاع أنفسهم في الشارع.
صحيح أن اللجنة الفرنسية لمصنعي السيارات، أكدت في وقت سابق مطلع هذا الشهر أن مجموعتي “رينو” و”بيجو” ثابتتان بشكل كامل في مواقعهما بالمغرب، مشددة على أنه “ليست هناك أي مراجعة من الشركات الفرنسية عن هذا الأمر”، إلا أن الخوف الفرنسي مشروع.
هذا الخوف، يكمن في ربط السلطات الفرنسية تدعيم المساعدات المالية لإنعاش قطاع السيارات بما سيقدمه هذا القطاع للدولة، خاصة فيما يتعلق بالوظائف، فقد خسر آلاف الفرنسيين وظائفهم نتيجة كورونا وتأمل الحكومة الفرنسية أن تعود مصانع السيارات إلى فرنسا.
آثار سلبية على الاقتصاد الوطني
في حال أعادت الشركات الفرنسية إنتاجها بصفة كلية أو جزئية إلى بلدها الأم، فإن ذلك سيؤثر كثيرًا على قطاع صناعات السيارات في المغرب وعلى الاقتصاد ككل، لما لهذا القطاع من تأثير بالغ الأهمية على الاقتصاد الوطني.
وتعد صناعة السيارات واحدة من أبرز مرتكزات الاقتصاد الوطني المغربي خلال السنوات الأخيرة، حيث يحتل القطاع صدارة الصادرات المغربية منذ 2014 وحتى اليوم، بما نسبته 24.4% من مجموع تلك الصادرات سنة 2016 متقدمة على قطاعي الزراعة والفوسفات.
جدير بالذكر أن المغرب بنى في السنوات الأخيرة، جزءًا مهمًا من إستراتيجيته الصناعية على صناعة السيارات الفرنسية الذي أتاح لها امتيازات كبيرة، ما وفّر طاقة إنتاجية تصل إلى 500 ألف سيارة بمصنعي “رينو” في طنجة والدار البيضاء، وتوجه “بيجو” نحو مضاعفة إنتاجها بالقنيطرة من 100 إلى 200 ألف سيارة في المستقبل.
يوفر المغرب مناطق صناعية وامتيازات جبائية ولوجستية مغرية للشركات الفرنسية، وقد نقل العملاقان الفرنسيان في مجال صناعة السيارات – بيجو ورينو – أنشطتهما نحو المغرب لانخفاض كلفة الأجور هناك وتراجع كلفة الإنتاج.
وتعود صناعة السيارات في المغرب إلى عام 1959، بعد إنشاء الشركة المغربية لصناعة السيارات “صوماكا“، وتمكنت الشركة بمساعدة تقنية إيطالية، من خلال شركتي “فيات” و”سيمكا” اللتين كانتا تمتلكان 40% من الأسهم، من إنتاج أربعة “طُرُز” من ماركة “فيات” وطرازين من ماركة “سيمكا”، وما زالت “صوماكا” تعمل حتى اليوم، وتمتلك شركة رينو 80% من أسهمها، والـ20% المتبقية تمتلكها شركة “سيتروين”.
يأمل المغاربة أن تتراجع باريس عن طلبها الأخير أو أن ترفض شركات صناعات السيارات الفرنسية العاملة فوق أراضي المملكة هذا الطلب حتى لا يتضعضع اقتصاد بلادهم وتنهار معه آمالهم في رؤية بلادهم رائدة في هذا المجال.