“كنت قد حزمت أمري، وهيأت سلاحي للهجوم على المركز الإسلامي القريب منا، أعرف أنني سأقضي حياتي في السجن الفيدرالي، لكن لا يهم ذلك في سبيل القضاء على المسلمين الغرباء”، هكذا بدأ ريتشارد ماكني، المقاتل السابق في البحرية الأمريكية وأحد سكان مدينة “مونسي” في ولاية إنديانا الأمريكية يروي قصة أهم حدث في حياته.
“يومها، دخلت ابنتي الصغيرة ومعها صديقتها المسلمة، عرفتها من ثوبها الإسلامي، كنت أكثر شخص غاضب على وجه الأرض، انفجر لساني بكلمات بذيئة ما كان يجب أن تُقال، نظرت ابنتي إليّ ببراءة، وعرفت أنني ارتكبت خطأً جسيمًا، فقررت أن أعطي المسلمين فرصة لإثبات أنني على خطأ”، يضيف ماكني.
“دخلت للمركز، فتلقاني رجل بابتسامة يسألني عما أريد، أجبته أنني أريد السؤال عن الإسلام، أعطاني قرآنًا مترجمًا، وقال لي اقرأه ثم ارجع إلينا إذا كان لديك أي سؤال”، “بعد 8 أسابيع من البحث فيه، أصبحت مسلمًا، وبعد 3 أعوام، أصبحت مديرًا للمركز! لقد كانت صحوة في نفسي.. صحوة كبيرة جدًا”.
لا يمثل ماكني حالة استثائية في تحوله، إنما هي قصة من عشرات الحالات اليومية لاعتناق الإسلام حول العالم عمومًا وفي الغرب – أوروبا وأمريكا الشمالية – خصوصًا، ظاهرة لها أبعاد اجتماعية وسياسية مهمة، مع تحولها من حالات فردية إلى معدلات ثابتة متصاعدة.
تختلف الإحصاءات عن أعداد المسلمين الجدد، خاصة مع عدم وجود منظمات تقوم بإحصاء المتحولين إلى الدين الجديد، إضافة لعدم إفصاح بعضهم عن الأمر لأسباب اجتماعية، لكن الملاحظ، أن الأعداد بدأت بالتصاعد في الـ20 عامًا الأخيرة، خاصة بعد أحداث الـ11 من سبتمبر.
في أمريكا، تشير إحصائية لصحيفة نيويورك تايمز إلى أن 25 ألف أمريكي يعتنقون الإسلام سنويًا، أما في بريطانيا تشير صحيفة الإيكونومست أن هناك 5200 بريطاني يعتقنون الإسلام كل عام، وفي ألمانيا تقول صحيفة ديرشبيغل أن هناك 4000 ألماني اعتنقوا الإسلام بين عامي 2004 – 2005 (100 ألف ألماني تحول إلى الإسلام بالمجمل)، وفي فرنسا تشير أرقام وزارة الداخلية الفرنسية إلى 5000 معتنق جديد للإسلام سنويًا، “التحول للإسلام أصبح ظاهرة اجتماعية هنا” يقول شارلي لوب، أحد المسلمين الجدد في مدينة سان مور-دي فوسي بفرنسا، “نشأت كاثوليكيًا، لكنني اعتنقت الإسلام في التاسعة عشر، بعدما قابلت أصدقاء مسلمين”.
تطرح هذه الإحصاءات أسئلة كثيرة عن هذه الظاهرة، لماذا يتخلى كثير من الغربيين عن حياتهم المنفتحة ويعتنقون دينًا يفرض عليهم ما تعتبره فئات من شعوب الشرق قيودًا على حياتهم؟
المسلمون الجدد يعانون من العزلة وانعدام التواصل مع من حولهم، إضافة لتقصير كبير من المسلمين في احتوائهم
النساء.. أكثر من يدخل الإسلام
تقول عالمة الأنثروبولوجيا الهولندية البروفيسور كارين نيوكيرك مؤلفة كتاب “نساء يعتنقن الإسلام: أسباب التحول في الغرب” إن 4 من أصل كل 5 متحولين للإسلام هم من النساء، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى البُعد العائلي: “الإسلام يقدم حلولًا لمشكلة الصدام الاجتماعي، فالعائلة، الزواج والعلاقة بين الرجل والمرأة تحتل الأولوية فيه، كما أنه يقدم مفاهيم واضحة عن الزواج والأمومة، كما أنه يميز بين الرجل والمرأة على أساس قدرة كل منهما الجسدية والنفسية وما يمكنهما فعله”.
البُعد الروحي الذي يقدمه الإسلام، له أثر مباشر أيضًا، فأحد الاستطلاعات الذي نشرته مجلة “كريستيانتي توداي” أشار أن أسباب التحول عند بعض الأمريكيين أن “الإسلام يقدم مفاهيم بسيطة وواضحة، وهي أفكار عملية وليست شفهية فقط، كما أنه لا حاجة لواسطة رجل الدين فيه لعلاقة جيدة مع الله، فكل المسلمين متساوون”.
وفي دراسة للباحث كيفن برايس من جامعة سوانزي البريطانية قال: “أقلية وسط الأقلية، تضمنت لقاءات مع معتنقين جدد للإسلام تحدثوا عن سبب تحولهم، قالوا إن المجتمع البريطاني يعاني بشدة من مشاكل اجتماعية حددوها بشرب الكحول والافتقار إلى الأخلاق والتسامح الجنسي والنزعة الاستهلاكية المطلقة”.
“لقد كنت مثل عبد في مجتمع متفكك”، تقول لين علي، وهي بريطانية متحولة حديثًا للإسلام، مضيفة “كنت مراهقة أدمن حفلات الشرب والعلاقات الحميمية، لكنني شعرت أن هناك ما ينقص حياتي، وبعد أن تعرفت على الإسلام عرفت طريق الخلاص، لقد نلت حريتي أخيرًا”.
التحول الجديد وإن كان يهب معتنقيه حضورًا واستقرارًا نفسيًا، إلا أنه لا يخلو من مصاعب جمة في المجتمع، فيؤكد برايس أن المسلمين الجدد يعانون من العزلة وانعدام التواصل مع من حولهم، إضافة لتقصير كبير من المسلمين في احتوائهم.
“المسلمون الجدد من البيض، عالقون بين معسكرين تفصل بينهما مسافة بعيدة، وتبقى أفضل علاقاتهم مع المتحولين الآخرين، بسبب تجاربهم المشتركة، بينما لا يوجد فرق كبير بين جودة علاقتهم مع المسلمين الآخرين أو غير المسلمين” يؤكد برايس.
“الإسلام قد يكون قوةً إيجابيةً لهم، إنه يعطيهم هدفًا، يعطي بناءً من الداخل، وهو يعطيهم الأمل ويريهم الطريق نحو التغيير للأفضل”
وجدت دراسة لجامعة ليستر في بريطانيا أن أكثر من ثلاثة أرباع الباحثين عن الإسلام عانوا من مستويات عالية من الارتباك بعد التحول، بسبب الطرق المتضاربة التي قُدم بها الإسلام لهم، في حين أن الأديان الرئيسية الأخرى وضعت برامج لتوجيه المؤمنين الجدد من خلال تقوية عقيدتهم، فلا يزال الإسلام يفتقر إلى أي شبكة من هذا القبيل، خاصة خارج التجمعات الإسلامية في المدن الكبرى.
إضافة لذلك، لا تزال العديد من المساجد تمنع النساء من العبادة أو توفر موارد ضئيلة لاحتياجاتهن، مما يجبرهن على الاعتماد على التفسيرات الثقافية والأيديولوجية المتنافسة داخل الكتب أو الإنترنت للحصول على الدعم الديني، على سبيل المثال، تقول الدراسة إن 93% من المساجد في مدينة ليستر تفتقر إلى الخدمات للمسلمين الجدد، لكن 7% فقط قالوا إنهم يبذلون جهودًا لمعالجة هذا النقص.
رغم ذلك، يبقى الجانب الأكثر إثارة للاهتمام، ظاهرة تحول المعتقلين “المدانين” في السجون إلى الإسلام، ورغم عدم توافر أرقام رسمية بهذا الشأن، فإن المصادر الصحفية تؤكد حصول هذا التحول بشكل كبير في السجون الأمريكية والأوروبية والأسترالية، ففي تقصٍ صحفي أجرته صحيفة الغارديان البريطانية، قال خبراء أستراليون إن عشرات المدانين تحولوا إلى الإسلام في سجن غولبرن سوبرماكس بمدينة ساوث ويلز الأسترالية.
“الإسلام قد يكون قوةً إيجابيةً لهم، إنه يعطيهم هدفًا، يعطي بناءً من الداخل، وهو يعطيهم الأمل ويريهم الطريق نحو التغيير للأفضل، من المهم أن يعتنق أولئك الإسلام بعيدًا عن التطرف، وأن يتم الأمر في ظروف أفضل لمنع ذلك”.
في السجون الأمريكية، لا يختلف الحال كثيرًا، ففي الوثائقي الذي أعدته قناة الجزيرة الإنجليزية “النضال الصادق” عن التحول للإسلام في السجون الأمريكية، يقول دايفس داريل (الذي قضى 25 عامًا في السجن بعدما حُكم عليه في سن الـ18) إن الكثيرين يحاولون تغيير أنفسهم فعلًا والإسلام يساعدهم على هذا التحول كونه نقطة انطلاق.
“اكتشاف الإسلام أعطاني أشياء كثيرة لم أعرفها من قبل، لقد عرفت معنى الأخوة والعائلة، لقد منحني الإسلام هويةً جديدةً وطريقًا جديدًا في الحياة”.
المثير في تحول الكثير من الغربيين إلى الإسلام، أنه حصل عكس كل الظروف المنطقية المفترضة لحصوله، فالإسلام لا يتمتع بدعم إعلامي في الغرب، وكثير من تلك المنصات تروج لفكرة ارتباط الإرهاب بالإسلام، يُضاف لذلك أن أوضاع كثير من المجتمعات المسلمة – في بلدانها الأصلية أو المهجر في الغرب – لا تعطي نموذجًا مثاليًا يجذب إليه الناس في اعتناق الإسلام، ورغم ذلك، فإن أعداد معتنقي الإسلام من الغرب في تزايد مطرد، جعلت منه الدين الأسرع نموًا في أوروبا وأمريكا، يحصل هذا في زمن الأزمات والحروب والتصادم بين الغرب والشرق، فكيف سيكون الحال في زمن السلام؟