ترجمة وتحرير: نون بوست
حتى فيروس كورونا لم يكن قادرًا على إيقاف ماكينة الإعلام التي لا يمكن وضع حد لها، التي تتمثل في تلفزيون رمضان. فقد تبددت المخاوف المبكرة من موسم مهدور حين برزت الكثير من العروض – مستفيدة من المواقف الحكومية المريحة تجاه الإنتاج التلفزيوني – لإنهاء التصوير في الوقت المناسب مع حلول شهر رمضان الذي يتسمّر خلاله الملايين أمام الشاشة الصغيرة.
لكن النتائج كانت متفاوتة. فمثل كل سنة، لا زالت الأعمال الدرامية تتصدر عناوين وسائل الإعلام: أعلن الممثل المصري هشام سليم علنا أن ابنته خضعت لعملية تحول جنسي لتصبح رجلا، أو السعودية متهمة بإنتاج مسلسلات تطبيع العلاقات مع “إسرائيل“، أو صورة لضحية حقيقية للحكومة السورية ظهرت في دراما بوليسية كشخصية مصرية خيالية، قتلها عشيقها.
أظهر هذا الموسم أن الحريات التي نالها العالم العربي ولاسيما مصر، موطن أكبر صناعة ترفيهية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أعقاب انتفاضات 2011، أضحت في الوقت الراهن مجرد ذكرى قديمة. فقد وسّعت الحكومات سيطرتها على محتوى البرامج الشعبية، حيث باتت تغطية حقائق الحياة اليومية في المنطقة من المحرمات شأنها شأن الثالوث القديم (قضايا الجنس والدين والمعارضة السياسية).
في الواقع، تعد حالة التلفزيون العربي شبيهة بصناعة الأفلام الأمريكية في ظل قانون إنتاج الأفلام الأمريكي الذي ظلّ يملي المحتوى الأخلاقي لأفلام هوليوود حتى الستينيات: حيث يجب أن يسود الخير في نهاية المطاف، وينبغي تجنب الغموض الأخلاقي، ومعاقبة أي انحراف أخلاقي على الشاشة قبل شارة النهاية.
في السابق، كان التلفزيون العربي بمثابة بوابة إلى الواقع الاجتماعي للمنطقة، إلا أنه في الوقت الحالي بات يروج للواقع المشوّه في نطاق ما تسمح الحكومات بالكشف عنه، والتحفظ الأخلاقي، والسياسات الانتهازية التي تفرضها كل سلطة على شعبها. يحتاج القطاع الآن إلى معجزة لاستعادة أي شكل من أشكال الاستقلالية.
يعتمد التلفاز في الشرق الأوسط على المال، وبالتالي تجد برامج الهروب من الواقع البائس رواجا كبيرا. وبينما تستمر حرية التطرق إلى قضايا الواقع في التقلص، يتحول المذيعون والمنتجون إلى أفلام الكوميديا والإثارة والدراما الاجتماعية غير النقدية التي تتصفح واقع الشارع العربي بشكل سطحي أو تتجنبه تمامًا.
أظهر هذا الموسم على الأقل أن الدراما التلفزيونية العربية تستمر في التقدم من الناحية الفنية: لم تعد الأساليب البصرية صعبة كما كانت خلال الثمانينيات والتسعينيات. كما أضحت وتيرة الحلقات أكثر سرعة ووقع تقليص العروض التمثيلية الاعتيادية وتحسنت معايير الإنتاج بشكل جذري. لكن جودة الكتابة ظلت غير منتظمة في أحسن الأحوال، وهي ضعيفة بشكل عام في أسوأ الأحوال.
من جانب آخر، يعد قالب المسلسلات المتبع في المنطقة المكون من 30 حلقة، الذي يفرضه عليهم الطلب اليومي على البرامج خلال الموسم الذي يمتد على مدار شهر رمضان، مؤذ للكتاب التلفزيونيين الذين ينتهي بهم الأمر حتمًا إلى حشو قصصهم بالمحادثات غير الضرورية، والحركات المكررة والحبكات الفرعية السخيفة لملء وقت البث.
يكثر الحماس في بداية الموسم بوجود أنواع متنوعة من البرامج بمشاركة كبار النجوم ومواضيع غير تقليدية. ولكن مع اقتراب نهاية الشهر، تصبح خيبة الأمل من المشاعر المهيمنة على الجمهور. في هذا السياق، حقق المسلسل الكوميدي “بـ 100 وش” نجاحًا مميزًا هذا الموسم نظرا للبراعة والإبداع المتنامي للفريق المشارك فيه. وتعد هذه المهارات ضرورية بالنسبة لرواة القصص لتجنب الرقابة المتصلبة في المنطقة في كثير من الأحيان. وهذا ما تفتقر إليه غالبية الأعمال بشكل عام هذه السنة.
1. حصل فريق أبوذكري على مرتبة الشرف العليا
أخرجت المخرجة المصرية كاملة أبو ذكري بعض أكثر المسلسلات شهرة في العقد الماضي مثل “واحة الغروب” و”بنت اسمها ذات” و”سجن النسا”. وقد كانت كل من نيللي كريم وآسر ياسين من الممثلين الذين عادة ما يستأثران بدور البطولة بانتظام في مسلسلاتها، وهم من بين حفنة من الفنانين الذين لديهم سجل حافل من الأعمال القوية في التلفزيون والسينما.
مع ذلك، لم يتوقع سوى عدد قليل أن يحصل مسلسل “بـ 100 وش” الذي كان أول غزو لهذا الفريق للكوميديا التلفزيونية على أفضل عرض لموسم رمضان. كما أنه من إحدى المسلسلات المصرية الرئيسية النادرة التي لم تنتجها شركة سنرجي، التكتل التابع للمخابرات العسكرية المصرية.
في هذا العمل للمخرجة أبو ذكري، تعاونت المحتالة نيللي كريم التي تنتمي للطبقة العاملة في دور “سكر” مع المحتال من الطبقة الثرية آسر ياسين في دور “عمر” من أجل تنفيذ سلسلة من أعمال النصب التي كانت كلها مستوحاة من الحياة الواقعية، لكنهما يقعان في حب بعضهما. ويضم هذا المسلسل فريقا يتألف أساسًا من المواهب المستقلة، الذين يضفون على السلسلة حس العفوية والهدوء.
لم يكن هناك أي مسلسل تلفزيوني رمضاني آخر مرتقب مثل مسلسل “النهاية”، الذي مثل أول دراما للخيال العلمي في العالم العربي
في الحقيقة، إن مسلسل “بـ 100 وش” يحتوي على كل ما تأمل أن تكون عليه سلسلة رمضان: فقد نُسجت حبكته بذكاء ووعي وخبرة والكثير من المرح. تشعر وأنت تتابعه وكأنك تشاهد أحد أفلام المخرج الأمريكي روبرت ألتمان نظرا للحوار المتداخل بشكل متكرر، ناهيك عن طبيعته وحيويته التي تضفي على الأحداث ديناميكية أكثر.
بعيدا عن البراعة الفنية، إن ما يجعل مسلسل “بـ 100 وش” متفوقا على بقية العروض هو المعاني الاجتماعية والاقتصادية المبطنة التي يمررها، والتي تخلوا لحسن الحظ من القوانين الأخلاقية الدينية المفروضة في معظم العروض. ما وراء عملية النصب المسلية والحماقات، هناك نظرة متبصرة لمصر في عهد السيسي التي تحكمها النيوليبرالية والطبقية. هناك أيضًا فراغ روحي في قلب قصة أبو ذكري، مدعومًا بغياب السلطات الأخلاقية.
هذا بلد يحكمه الجشع، ويهيمن عليه التعطش للثروة وتسلق السلم الاجتماعي، حيث لا يكون للعمل الجاد والتعليم قيمة تذكر. وكشف أبو ذكري عن هذا بطريقة سلسة ودقيقة خير دليل على الثقة المتزايدة بخبرتها ومهارتها في هذا المجال. كما أنها تستحق الثناء لتمكنها من الالتفاف حول قواعد الرقابة مع نهاية تُمكّن اللصان المحبوبان من الفرار من العدالة، بينما تمهد الطريق لموسم ثان مؤكد بالفعل.
2. لكن الكوميديا فشلت بشكل عام في إشعال حماس الجماهير
يكشف النجاح التجاري والنقدي لمسلسل “بـ 100 وش” كل عيوب الكوميديا التلفزيونية العربية. لم يكن الموسم الرمضاني شحيحًا من حيث نجوم الكوميديا والمسلسلات الكوميدية الطويلة. ومن بينها مسلسل “فالنتينو” من بطولة عادل إمام الذي يعدّ أكبر نجم كوميدي في العالم العربي، ومسلسل “رجالة البيت” الذي يجمع كلا من أحمد فهري وأكرم حسني، وعمر ودياب، كلها مسلسلات كوميدية لا يمكن تمييزها من نجوم الكوميديا الصاعدة إلى جانب عروض لا تحصى ولا تعد قامت بإنتاجها دول الخليج (مخرج7 ومسلسل مليار ريال). ومن بين الأسوأ نذكر مسلسل “سكر زيادة” بطولة نادية الجندي ونبيلة عبيد، الذي كان نسخة من مسلسل “ذا غولدن غيرلز”.
تعاني كل هذه الأعمال الكوميدية من مشكلة رئيسية وهي نقص الدعابة. خلافا لمسلسل “بـ 100 وش”، لم تكن هذه الأعمال الكوميدية معقدة ويغيب فيها الانسجام بين الممثلين، وتفتقر لرواية جدية والأهم من كل هذا أنه لا روح لها. فالضحكات كانت مصطنعة والكتابة بخيلة والتوصيف كان حادا مثل شفرة الحلاقة. في أغلب الحالات، كانت هذه الأعمال بمثابة مجموعة من الرسوم المفككة اعتمدت بشكل مفرط على نجومية ممثليها. لكن هذه الأعمال فشلت في توفير أبسط شرط أساسي في العمل الكوميدي ألا وهو التسلية.
3. الدعاية العسكرية المصرية؟ حية وبصحة جيدة
إن تلفزيون رمضان غارق في البرامج التي ترعاها الدولة المصرية والتي تعكس أهدافها ومثلها العليا. لم يتمكن أي فريق من القيام بهذا النوع من الأعمال الدرامية مثل الثنائي المخرج بيتر ميمي والممثل أمير كرارة، اللذين حققا شهرة من خلال سلسلة “كلبش”، وهو مسلسل تشويقي يهدف إلى تلميع صورة الشرطة المصرية من خلال ثلاث مواسم متتالية.
هذه السنة، تفوق ميمي وكرارة على نفسيهما من خلال مسلسل “الاختيار”، الذي يتناول السيرة الذاتية للضابط العسكري الحقيقي أحمد صابر المنسي، الذي قُتل في هجوم شنه أنصار بيت المقدس في سنة 2017. كانت الحلقات الخمس الأولى الأكثر إثارة للاهتمام وبالتأكيد الأكثر قيمة، حيث تُوثق الأيام الأخيرة من حكم الإخوان المسلمين في مصر والإحباطات المتزايدة بين المصريين من السياسات الاقتصادية والسياسية الفاشلة للجماعة. إن انقطاع التيار الكهربائي المتواصل، والصفوف شبه المتناهية في محطات الوقود، والجهود المبذولة لأسلمة المجتمع، هي حقائق لا يمكن إنكارها يشخصها ميمي وكاتبه ماهر دويدار بدقة ووضوح.
لكن عندما تتوقف الدراما الموثقة، تبدأ المشاكل بالظهور. فقد صُوّر اعتصام رابعة خلال شهر آب/ أغسطس 2013، بينما لم يتم التطرق إلى المذبحة اللاحقة التي ارتكبتها القوات الحكومية والتي خلفت مئات القتلى والتي محيت من العمل بشكل متوقع. وبدلاً من ذلك، يقع الحديث عن الجيش بوصفه المؤسسة البطلة التي أنقذت مصر. في بضع لحظات خفية، يُؤكد المسلسل بوضوح على أن الإرهاب الإسلامي هو العدو الحقيقي وليست “إسرائيل” التي احتلت سيناء من 1967 حتى 1982. ويقع مرارا وتكرارا تحديد تركيا وقطر ووسائل الإعلام الأجنبية بوصفها أعداء الدولة.
في الوقت نفسه، يقع تبسيط الموضوع المركزي لهذا المسلسل والتركيز عليه بصفة متكررة وهو أنه خلال الحرب مع الإرهاب، هناك خياران لا ثالث لهما إما طريق العدالة الذي يمثله الإسلام المعتدل للجيش أو طريق الأشرار الذي تجسده العقيدة المتطرفة للإرهابيين.
عندما يقترب المسلسل من النهاية، يستعمل ميمي – وهو مسيحي قبطي- ودويدار، بشكل غريب الحجج اللاهوتية بما في ذلك تلك الأكثر إثارة للقلق وهي الدفاع عن ابن تيمية، العالم السني الذي عاش في العصور الوسطى والذي يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في الترويج للإسلام الأصولي. أما الأقباط، من ناحية أخرى، فقد وقع تهميشهم وحصرهم في الأدوار الهامشية لشهداء مجهولين.
إن تضحيات الجنود – الضحايا الحقيقيون للصراع المستمر في سيناء – تستحق التقدير بلا شك. كما أن أداء الممثلين كان الأفضل خلال الموسم، وكل الفضل في ذلك يعود لميمي الذي منحهم وجهًا إنسانيًا. ولكن من المؤسف أن هذه القصص الشخصية كانت غارقة في دعاية عاطفية رخيصة تهدف إلى الإثارة أكثر منها إلى الإعلام. ويُشير الإعلان عن موسم ثاني مثير للحيرة أن الدعاية العسكرية موجودة لتبقى.
4. أول مسلسل خيال علمي أصلي في العالم العربي كان فاشلًا
لم يكن هناك أي مسلسل تلفزيوني رمضاني آخر مرتقب مثل مسلسل “النهاية”، الذي مثل أول دراما للخيال العلمي في العالم العربي من بطولة يوسف الشريف، وذلك بتأثيرات على أعلى مستوى وبقصة بائسة تعكس عصر الفيروس كورونا. كان من المفترض لهذا المسلسل أن يكون نقطة تحول نحو التطور التالي للدراما التلفزيونية العربية. لكن في الحلقة الخامسة، أصبح من الواضح أنه لم يكن كذلك، حيث أن الحماس الذي أثاره مسلسل “النهاية” في البداية الجذابة تحول إلى خيبة أمل في بقية الحلقات.
تتنزل بداية المسلسل في سنة 2120، حيث اجتاحت أزمة طاقية كوكب الأرض. كانت شركة مشؤومة تُدعى “إنرجي كو” تحكم معظم دول العالم ومنعت التعليم. قبل الأزمة – في القصة الفرعية التي لم يكن لها تأثير على الدراما الأوسع نطاقا – وقع إنهاك الولايات المتحدة عن طريق حرب العصابات، وسقوط أوروبا في ظروف غامضة.
وسط الفوضى، يتحد العرب ضد “إسرائيل” وينجحون في تحرير القدس (أين يتحدث الجميع الآن باللهجة المصرية) و”يتم إجلاء اليهود إلى أوروبا” كما هو موضح في المسلسل. (بطبيعة الحال القصة لم تنل استحسان وسائل الإعلام الإسرائيلية). كما تضمن العمل الكثير من التفاصيل والحبكات، إلى جانب بعض التشويق، ولكن أهميته ودلالاته غير معروفة.
تُختصر النهاية في الأخير في مزج غير مكلف وغير مألوف من الأفكار نصف الجاهزة حول الطاقة والذكاء الاصطناعي والرأسمالية السيئة، وفي تطور عجيب أخير تظهر مخاطر الماسونية، في نسيج يفتقر إلى الترابط. إن “النهاية” من إنتاج شركة سنرجي، لذا كانت آفاق بروزه كرمز سياسي حول سيطرة الدولة بعيدة المدى. ومن المفارقات أننا نجد أنفسنا مع حكاية تحذيرية حول خطر قوة الشركات في الوقت الذي يسيطر فيه الجيش المصري بالكامل على الاقتصاد. ثم مرة أخرى، السخرية ليست غريبة على تلفزيون رمضان.
5. القصص الشعبية ما زالت تحكم
إلى جانب مسلسل “الاختيار” و”بـ 100 وش”، حقق مسلسل “البرنس” الرمضاني نسب مشاهدة عالية، وهو أول تعاون تلفزيوني بين المخرج محمد سامي ونجم الأكشن محمد رمضان منذ مسلسل الأسطورة الذي صدر في سنة 2016، وهو مسلسل ملحمي عن الجريمة يشبه فيلم “الوجه ذو الندبة” إطاره المكاني مدن الصفيح في القاهرة.
يتأرجح أداء الممثلين على نطاق واسع بين المبالغة والمؤثر، في حين تلقي الدرجة المتطفلة غالبًا بظلالها على الدراما
أعاد سامي ورمضان صياغة هذه التركيبة في جهودهما الأخيرة، التي تمثّلت في إعادة صياغة قصة يوسف في الكتاب المقدّس بلمسة عنيفة. يلعب رمضان دور رضوان، وهو الابن الأصغر لميكانيكي ورث ثروة والده مما أثار استياء أشقائه الستة. وقد تآمرت الأسرة الفاسدة على رضوان وقتلت زوجته وتخلصت من ابنته وزجّت به في السجن. أُطلق سراح رضوان في نهاية المطاف، ليشرع في انتقامه الدامي.
لا وجود لشيء أصلي مطلق في “البرنس” والذي يبدو أقل قذارة (وأكثر ضخامة) من “الأسطورة”، ولكنه يحمل في طياته بلا أدنى شك موجة عاطفية كبيرة، حيث يعرّض سامي بطله البائس إلى قسوة مروعة.
في الواقع، يتأرجح أداء الممثلين على نطاق واسع بين المبالغة والمؤثر، في حين تلقي الدرجة المتطفلة غالبًا بظلالها على الدراما. ومع ذلك، يعرف سامي كيفية الإثارة والترفيه، على الرغم من القيود الواضحة المفروضة عليه كمخرج ومختص في الجماليات: حيث يحقق مسلسل البرنس باعتباره جزءا من تحويل شعبي، الغرض المنشود.
بدلاً من ذلك، تكمن جاذبيته الحقيقية في شيء أكثر تخريبًا بكثير. على غرار مسلسل “ب 100 وش” تظهر مصر بمثابة أرض خارجة عن القانون حيث يجب على الفرد أن ينفّذ القانون بنفسه لتحقيق العدالة. ليس من قبيل المصادفة أن الانتقام كان موضوعًا جاريًا في هذا الموسم، مثلما عُرض في مسلسل “الفتوة” و”خيانة عهد”. وعلى هذا النحو، فإن مسلسل البرنس لم يكن مخلا بالأخلاق، ولكنه يمس الحقيقة الملتهبة المستمدة من قصة قديمة، والتي تمنح جمهورها الراحة في تحديد الخير والشر في عصر يتميّز بتنامي الغموض الأخلاقي.
6. الرياض تدفع جدول الأعمال الإسرائيلي
تمثّلت القصة الكبرى خارج مصر خلال هذا الموسم التلفزيوني في الجدل القائم حول الدراما التاريخية الكويتية “أم هارون” والكوميديا السعودية “المخرج 7” وهما إنتاجان تم تمويلهما من قبل المجموعة السعودية “إم بي سي”، وقد اتهما بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
تُسلّط دراما “أم هارون” من إخراج المخرج المصري محمد جمال العدل الضوء النادر على الجالية اليهودية التي سكنت الكويت خلال الأربعينات وعاشت بتناغم مع المسلمين قبل قيام الدولة الإسرائيلية. ومن خلال تصوير الشخصية اليهودية الفريدة في صورة إيجابية، تعرّض المسلسل للهجوم واتهم بأنه محاولة من قبل الكويت والمملكة العربية السعودية لإحداث علاقات تجارية مع “إسرائيل” بشكل علني. ويعتبر هذا الافتراض عادلا، إذ لم يعد موقف دول الخليج الحديث المضياف تجاه “إسرائيل” سرًا.
لكن إذا لم يكن ذلك هو السبب الأساسي، فربما يمكن اتهام دراما “أم هارون” فعليًا بمعاداة السامية، حيث صُوّرت أغلب الشخصيات اليهودية على أنها وحشية (عائلة أم هارون تحرق منزلها وتقتل زوجها المسلم بعد اعتناق الإسلام).
هناك دعوة ساذجة في المسلسل لدفن التعايش بين المشاركين تختبئ تحت الأداء المسرحي المبالغ فيه، إلى جانب انعدام الدقة التاريخية والاتجاه غير الخيالي، ولكن من الصعب أن نشاهد العرض بوضوح نظرا للأجندة السياسية واسعة النطاق. من جهة أخرى، يعتبر مسلسل “المخرج 7” أكثر جدلا بالتأكيد من نظيره الكويتي. المسلسل من بطولة ناصر القصبي، أكبر نجم خليجي، ويتضمن تهكّما معاصرا حول موظف حكومي يحاول استكشاف التغيرات الزلزالية التي اجتاحت المملكة بعد الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
يُظهر الجزء الذي نوقش كثيرًا والذي أثار الدهشة صديقًا لشخصية القصبي وهو يصرّح بشكل عرضي بخططه للعمل مع رجال الأعمال الإسرائيليين، مشددًا على أن الفلسطينيين “خانوا” السعوديين وأظهروا لهم “عدم الامتنان” بعد عقود من المساعدة. ثم يوبّخ القصبى صديقه قليلا، ثم يدافع عن الفلسطينيين، قبل أن يوافق على أن البعض “باعوا أرضهم”. يبدو هذا عاديا ولكنه يمثل تحولا كبيرا غير مسبوق في العلاقات العربية الإسرائيلية كما صُوّرت من خلال الدراما التلفزيونية. وإذا حكمنا من خلال ردود الفعل المعادية لهذا المسلسل، فقد يكون ذلك خطوة أقرب مما ينبغي بالنسبة للعديد من الجماهير في المنطقة.
في مشهد آخر مثير للجدل بنفس القدر، يناقش القصبي الشذوذ الجنسي مع ابنته، وهو شيء لم يسبق أن تم التطرق له في الدراما الخليجية. وهو يشدد على أن المثليين يجب أن “يتلقوا عناية طبية” وأن “لا يتباهوا بأنماط حياتهم”، ولكنه يعترف بوجودهم – ولمّح إلى حقيقة أن المجتمع يجب أن يعترف بهم.
لحسن الحظ، تضمنت هذه الكوميديا المجنونة 20 حلقة فقط، حيث ألقت “إم بي سي” باللوم على الوباء لعدم التمكن من إنهاء تصوير المسلسل. ولكن إحجام المسلسل عن التطرق إلى أي أمر يتعلق بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والحياة في المملكة العربية السعودية وسجل المملكة السيئ في مجال حقوق الإنسان، يثبت أنه يتماشى بشدة مع ما تسمح به الرياض – وهو اتجاه من المرجح أن يستمر في المستقبل القريب.
7. النوبة: جوهرة من تونس
لم تكن الدراما التلفزيونية التونسية معروفة إلى حد كبير خارج سوق شمال إفريقيا الذي لا يزال محصورا، لكنها لا تزال تحدث موجات في صناعة لا تزال ناشئة. قبل ثلاث سنوات، ظهر الوافد التونسي الجديد عبد الحميد بوشناق في مهرجانات الأفلام مع أول إخراج ناجح له مع فيلم “دشرة”، الذي كان أول فيلم رعب في تونس.
بدلاً من التسرع في إخراج فيلمه التالي، تحوّل بوشناق إلى الدراما التلفزيونية مع مسلسل “النوبة”، وهو عمل درامي يتمحور حول المشهد الموسيقي الشعبي في التسعينات. وقد أدى نجاح هذه الدراما بدوره إلى إنتاج جزء ثاني، وفي حين قد لا يتطابق الجزء الثاني من المسلسل “النوبة 2” مع الوتيرة المضطربة للموسم الأول ورواية القصص المائعة، فإنه لا يزال مليئا بالتوصيف الغني والإعداد المسرحي المميز.
تعتبر نافذة الحرية التي يقدّمها التلفزيون والسينما التونسية أوسع بكثير من تلك الموجودة في مصر والخليج بل وحتى لبنان، وقد استغلّها بوشناق بذكاء للتعمق في القلب المظلم للعالم السفلي في تونس. في عالم النوبة لا توجد أخلاق يمكن تمييزها: بل هي سيئة وقذرة وعنيفة، ولكنها أيضًا مبتهجة للغاية. لم يحظ مسلسل “النوبة” بشهرة واسعة خارج تونس، إلا أنه يبرز كواحدة من المشاركات القليلة المثيرة في عروض رمضان لسنة 2020 – وهو يمثل نسمة هواء نقي في موسم راكد بشكل محبط.
المصدر: ميدل إيست آي