ظروف استثنائية وغير مسبوقة يعيشها العالم منذ 3 أشهر تتمثل في قضاء أوقات طويلة بالمنزل وأخبار محبطة تتداولها شاشات التليفزيون ومواقع الإنترنت، لذلك كان من الطبيعي أن تبدأ رحلة البحث عن بدائل للمساعدة في تجاوز تلك المحنة، وكان من ضمن الحلول التطبيق المثير للجدل “تيك توك”.
استفاد التطبيق من “كورونا” بصورة كبيرة وحقق شهرة واسعة خلال الربع الأول من العام الحاليّ (أول 3 أشهر من 2020) تجاوزت أي تطبيق آخر شهير مثل “فيسبوك” أو”إنستغرام”، إذ تسابق ملايين الأشخاص على مستوى العالم لتحميل “تيك توك” على هواتفهم، لملء فراغ أوقاتهم الذي فرضته قواعد التباعد الاجتماعي بسبب الفيروس.
فبساطة فكرة التطبيق التي تستهدف فئة المراهقين وصغار الشباب وتعتمد على تصوير مقاطع فيديوهات قصيرة مدتها نحو 15 ثانية يحاول خلالها المستخدمون إظهار موهبتهم في الرقص أو الغناء أو الطبخ، ساهم في زيادة الإقبال عليه، ومثل الوضع السائد في عالم السوشيال ميديا أصبح هناك مشاهير الـ”تيك توك” الذين استطاعوا جذب عدد كبير من المتابعين على الرغم من أنه لم يظهر إلا منذ 3 سنوات فقط.
عدد مرات تحميل “تيك توك” تجاوزت أي تطبيق في العالم
تشير التقديرات التي أعلنتها شركة تحليل بيانات تطبيقات الهواتف “سينسور تاور”، أن تطبيق “تيك توك” تم تحميله ملياري مرة، فهناك عدد قليل للغاية من التطبيقات التي تجاوز عدد مرات تحميها ملياري مرة من ضمنها التابعة لـ”فيسبوك” مثل “ماسنجر” و”واتساب”.
وعلى الرغم من قوة تلك الأرقام، فليس بالضرورة أن تحميل التطبيق ملياري مرة يشير إلى وجود ملياري مستخدم، لكنه يشير ببساطة إلى عدد مرات تحميل التطبيق في المجمل، كما أنه لا يعني وجود ملياري شخص مختلفين يستخدمون التطبيق، لأنه ربما يكون قد تم تحميله من جانب شخص واحد عدة مرات.
أما الرقم الثاني المثير للاهتمام، فهو عدد مرات تحميل التطبيق خلال الربع الأول من 2020 (من يناير وحتى مارس) التي وصلت إلى 315 مليون مرة، وهو أعلى مستوى في تاريخ التطبيق، كما أنه تخطى أي إنجاز حققه أي تطبيق آخر على مستوى العالم خلال فترة 3 أشهر، وارتفعت عمليات تحميل التطبيق بنحو 28% مقارنة بآخر 3 أشهر من العام الماضي حينما تم تحميله 156 مليون مرة.
يستمر التطبيق في تحقيق إنجازاته خلال الربع الثاني الحاليّ، إذ كان ثاني أكثر التطبيقات الذي تم تحميلها في أبريل
ويبدو أن زيادة استخدام “تيك توك” كانت بالفعل نتيجة إجراءات الإغلاق الشامل على مستوى العالم، إذ إن شهر مارس شهد أعلى زيادة في مرات تحميل التطبيق على مدار الربع الأول بواقع 75.5 مليون مرة، وهي الفترة التي تزامنت مع اتجاه معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تعطيل النشاط الاقتصادي بسبب وباء “كورونا”، ومقارنة بـ60.5 مليون مرة في فبراير و64 مليون مرة في يناير، أما في عام 2019، فكان أفضل أداء شهري لـ”تيك توك” خلال ديسمبر حينما تم تحميله 57.5 مليون مرة.
كما يستمر التطبيق في تحقيق إنجازاته خلال الربع الثاني الحاليّ، إذ كان ثاني أكثر التطبيقات الذي تم تحميلها في أبريل بواقع 107 ملايين مرة بعد “زوم” الذي جاء في المركز الأول.
أرقام مذهلة أخرى تثبت تفوق التطبيق على أقرانه
أصبح “تيك توك” الذي تجاوز عدد مستخدميه مليار شخص في 3 سنوات ثاني أكثر تطبيق يتم تحميله على الجوالات الذكية، إذ جاء في المركز الأول “واتساب”، ومتفوقًا على تطبيقات أخرى شهيرة أبرزها “فيسبوك” و”ماسنجر” و”يوتيوب” كما أنه كان أكثر تطبيق تم تحميله بواسطة “جوجل بلاي” على مدار خمس فصول سنوية متتالية.
ويدعم شهرة “تيك توك” انتشاره بين فئة المراهقين والشباب، إذ تتراوح أعمار 41% من مستخدميه بين 16 عامًا إلى 24 عامًا، كما أنه متاح في 140 دولة ومتوفر بـ75 لغة، فيما أنه أكثر شهرة بين فئة الرجال، إذ إن 55.6% من مستخدميه ذكور، وعلى مدار 5 سنوات، ارتفع متوسط الاستخدام اليومي للتطبيق من ساعة واحدة و37 دقيقة، إلى ساعتين و16 دقيقة في الوقت الحاليّ.
ينجح مستخدمو “تيك توك” في تكوين قاعدة جماهيرية بصورة سريعة، إذ تمكن أحد مشاهير التطبيق في تايلاند من جذب 1.9 مليون متابع في أقل من عام، بينما استغرق الأمر فترة أطول بالنسبة له لجذب 5 ملايين متابع على قناته على “يوتيوب”.
التطبيق يتجاهل المعايير الأخلاقية ويعرض حياة المستخدمين للخطر
الغريب في نجاح ذلك التطبيق هو تجاهل المستخدمين وإدارته للمشاكل المثارة حوله بشأن المعايير الأخلاقية والأمان، فهو دائمًا محل نقض بسبب عدم توفير البيئة المناسبة لمستخدمينه من المراهقين، ووصل الأمر لتطبيق الولايات المتحدة غرامة على التطبيق قدرها 5.7 مليون دولار في العام الماضي، لجمعه بيانات شخصية للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا بصورة غير قانونية، وهو الأمر الذي دفع بريطانيا لفتح تحقيق مماثل بشأن انتهاكه لمعايير حماية البيانات.
وحينما كان التطبيق لا يزال معروفًا باسم “ميوزيكال لاي” تجاهل شكاوى الأباء والأمهات في الولايات المتحدة بشأن سماحه لأبنائهم تحت سن 13 عامًا بالتسجيل ونشر المتحوى، رغم تأكيد لجنة التجارة الفيدرالية أن مشغلي التطبيق كانوا على علم بصغر سن فئة كبير من المستخدمين.
ولا يقتصر الأمر على الحصول على بيانات المراهقين، ولكنه يمتد إلى طبيعة المحتوى المنشور على”تيك توك”، إذ هناك 41 حالة وفاة مرتبطة بهذا التطبيق من بينهم 9 حالات انتحار، ومن ضمن تلك الدقائق فيديو لأم لطفلين من الهند في أثناء ابتلاعها سمًا بعد منعها من استخدام التطبيق، كما أقدم مراهق باكستاني على الانتحار بعدما منعه والده من تسجيل مزيد من الفيديوهات، فيما لقي أحد المراهقين حتفه في حادث قطار في أثناء تصوير أحد مقاطع الفيديو على التطبيق.
الولايات المتحدة وجهت اتهامات للتطبيق بالتجسس لصالح الصين، من خلال إرسال بيانات المستخدمين إلى السلطات في بكين
والأسوأ من تلك الحوادث بطء استجابة “تيك توك” لها، ففي العام الماضي بث مراهق برازيلي فيدويو لعملية انتحاره، واستمر البث الحي للفيديو 90 دقيقة، وانتظرت إدارة التطبيق 3 ساعات بعد علمها بالحادث قبل إبلاغ الشرطة، وزعمت وقتها أن ذلك الوقت المستغرق كان بغرض التأكد من أن أحداث الفيديو حقيقية.
كما ظهر تحدٍ جديدٍ على التطبيق عُرف بـ”كسر الجمجمة” أو “Skullbreaker” وتعتمد فكرته على وقوف 3 أشخاص بجانب بعضهما، ويحاول الشخصان على الأطراف ركل الشخص الأوسط في قدميه وهو يحاول القفز مما تسبب في إصابة البعض بنزيف في المخ وإصابات بالغة أخرى استدعى علاجها في المستشفى.
الأمر تطور إلى اتهام “تيك توك” بالتجسس لصالح الصين
وجهت الولايات المتحدة اتهامات للتطبيق بالتجسس لصالح الصين، من خلال إرسال بيانات المستخدمين إلى السلطات في بكين، كما خضع “تيك توك” بالفعل إلى التحقيق من جانب هيئة الأمن القومي الأمريكية بشأن تلك المسألة نتيجة نقص المعلومات عن كيفية إدارته والمعايير التي يخضع لها، بل وصل الأمر إلى حظر أعضاء الجيش الأمريكي من استخدام التطبيق لاعتبارات أمنية.
ووصل الأمر إلى ساحات المحاكم، ففي نهاية العام الماضي، اتهمت طالبة جامعية في كاليفورنيا “تيك توك” بنقل بياناتها إلى خوادم الشركة الأم “بايت بانس” في الصين، فقد حملت التطبيق في مارس أو أبريل 2019 لكنها لم تنشئ حسابًا على الإطلاق، واكتشفت بعد ذلك أن التطبيق أنشأ حسابًا لها دون معرفتها وصمم ملفًا خاصًا يحتوي على معلومات عنها.
كما أثيرت قضية “تيك توك” داخل مجلس الشيوخ الأمريكي، وسط مخاوف متعلقة بشأن مراقبة الصين المحتوى الذي يبثه الشباب والمراهقون، إلى جانب تعمده الابتعاد عن المحتوى المناهض للصين، في الوقت الذي ينشر فيه دعاية معادية للغرب.
في نهاية المطاف، أسدلت تبعات أزمة فيروس كورونا الستار عن آلاف الشركات الناشئة حول العالم بعدما حشر نص سكان الكوكب في منازلهم، لكن تلك العزلة كانت فرصة أمكن لبعض التطبيقات اكتناقصها، مثل صديقنا هذا، ونيتفلكس وزووم وغيرها.