أنصف القضاء العادل مرة أخرى زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، أمام من يحاول جاهدًا تشويه سمعته والنيل من صورته، ليتأكد من جديد زيف الادعاءات والتهم التي تسوق لها بعض الأطراف الإعلامية المحسوبة على المحور الإماراتي المعادي لثورات الربيع العربي وعلى رأسها الثورة التونسية.
المحكمة تنصف الغنوشي أمام تشويه الإماراتيين
جاء إنصاف الغنوشي هذه المرة من بريطانيا، حيث تحصل زعيم النهضة، الذي يشغل منصب رئاسة البرلمان منذ نهاية السنة الماضية، على حكم لصالحه من محكمة بريطانية ضد أحد المواقع الالكترونية المقربة من دولة الإمارات والتي زعمت “زورا أن السيد الغنوشي يدعي إيمانه بالديمقراطية في حين أنه يقود حزبًا يمثل واجهة لمنظمة إرهابية، ويتسامح مع الإرهاب ويشجعه ويدعمه بنشاط في تونس وفي الخارج، وأنه سمح لحزبه باستلام أموال من دولة قطر، مما سهل لقطر ممارسة تأثير سلبي على السياسة التونسية”، بحسب ما جاء في بيان لحركة النهضة.
سخرت الإمارات إعلامها وإعلام الدول التي تشاركها التوجه على رأسها مصر والسعودية، دون أن تغفل وسائل التواصل الاجتماعي للنيل من حركة النهضة وزعيمها
وأضافت الحركة في ذات البيان أن الغنوشي ربح “قضية في الثلب والتشويه ضد موقع الشرق الأوسط أونلاين ومالكه هيثم الزبيدي فيما يتعلق بمقال نشر في 5 يوليو/ حزيران 2019”.
وذكر البيان أن الغنوشي أنكر “بشدة هذه الادعاءات الكاذبة، والتي تشوه السمعة بشكل خطير”، مشيرًا إلى أنه لم يطلب من الغنوشي التعليق على الادعاءات التي وردت في المقابل قبل نشره، ونافيًا تلقي زعيمها “أي دعم مالي سواء لشخصه أو لحزبه من دولة قطر”، مشددًا على أنه “لم يكن ولا يوجد على الإطلاق أي أساس لمثل هذه الادعاءات الخطيرة والضارة”.
إذ فشل كل من موقع ميدل إيست أونلاين ومالكه هيثم الزبيدي في تقديم حجة دفاعية عن القضية ووثائق تثبت ما ورد في المقال، أمام محكمة العدل العليا بلندن، ليصدر بذلك حكم نهائي لصالح الغنوشي، على أن تعقد المحكمة جلسة قادمة يوم 10 يونيو/ حزيران المقبل لتقييم الأضرار التي تعرض لها الغنوشي وتحديد مبلغ الغرامة التي سيتوجب على ميدل إيست أونلاين وهيثم الزبيدي دفعها له.
يذكر أن موقع الشرق الأوسط أونلاين يمثل أحد أذرع ابن زايد لاختراق المنطقة والقضاء على أي حركة تحرر وبما في ذلك الحراكات والثورات العربية، ودائمًا ما يقود هذا الموقع هجمات ضد الإسلام السياسي أينما كان، وترصد له ابوظبي ميزانية ضخمة لإدارة مكتبها في لندن.
كما يُعرف هيثم الزبيدي (بعثي عراقي وابن وزير سابق في نظام صدام حسين) ومدير التحرير كرم نعمة بأنهما أبرز أبواق زايد الإعلامية للترويج لمشروع الإمارات السياسي في المنطقة ومهاجمات الثورات العربية.
الغنوشي يختار القضاء
لم يكن موقع الشرق الأوسط أونلاين أول المواقع الذي حاول تشويه صورة الغنوشي والنهضة، فقد سخرت الإمارات إعلامها وإعلام الدول التي تشاركها التوجه على رأسها مصر والسعودية، دون أن تغفل وسائل التواصل الاجتماعي، للنيل من حركة النهضة وزعيمها.
يحرص المفكر والسياسي الإسلامي التونسي راشد الغنوشي إلى الآن، على تحقيق الاستقرار السياسي التونسي ونجاح تجربة الانتقال الديمقراطي
وسبق أن بدأ الغنوشي بملاحقة مروجي الشائعات بحقه، حيث كلف محامين برفع الدعاوى القضائية الممكنة أمام محاكم عربية وأجنبية، ضد وسائل الإعلام المتورطة في تشويه سمعته والتشهير به وترويج الأكاذيب عنه، وذلك بعد تصاعد وتيرة الحملة الإعلامية التي تستهدفه، خاصة من قبل الإعلام التابع لدولة الإمارات وحلفائها في محور الثورات المضادة.
يذكر أن الإمارات تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى منصة إعلامية لضرب الاستقرار في البلدان التي شهدث ثورات وتأمل شعوبها التحرّر من الاستبداد والقطع مع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الشبيهة بالنظام الإماراتي الحالي.
مستثمر في حرية بلاده
اختلفت الاتهامات الموجهة للغنوشي ما بين العمالة لدولة أجنبية في الغالب تكون إما قطر أو تركيا، وبين التحريض على العنف والفوضى ودعم الإرهاب في تونس والمنطقة العربية، وأحيانًا أخرى بالفساد وامتلاك ثروات مالية ضخمة لا يعرف مصدرها.
ووفقًا لمكتب “كارتر راك” للمحاماة في لندن فإن الغنوشي وحزبه “ملتزمون بشدة بالعملية الديمقراطية وقد كانوا في مقدمة من لعب دوراً رئيسياً في إنشاء نظام ديمقراطي في تونس، بما في ذلك التعددية والمشاركة في السلطة والتداول عليها. “
ويتجلى ذلك، وفق مكتب المحاماة العالمي، في “العديد من كتاباته المنشورة والمحاضرات العامة منذ الثمانينيات، والتي تركزت على تعزيز نظام سياسي قائم على السيادة الشعبية ويحمي الحقوق والحريات المدنية والسياسية. “
ويُعرف عن الغنوشي إيمانه الشديد بالحرية، وهو الذي ذاق السجن والمنفى لسنوات طويلة أيام الجمر، فهو مستثمر ناجح في الحرية، ويأمل أن يرسخها في البلاد والمنطقة العربية ككل حتى تنعم بها الشعوب التي بقيت عقود عدة تحت حكم الأنظمة الاستبدادية.
كما يعتبر الغنوشي راعي التوافق في تونس، الذي يعد “أحد أهم مقومات الصمود أمام محاولات الانفلات بالوضع الاجتماعي والأمني في البلاد”، حسب تصريح سابق لأستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية هاني مبارك، لـ “نون بوست”.
هذا الأمر يفسر تنامي شعبيته والتعاطف الذي يحظى به، حيث ساهم بعلاقاته القوية وحواراته المثمرة مع مختلف الأطراف السياسية التونسية في حلحلة العديد من الإشكالات السياسية والفكرية المعقدة التي كادت تربك المرحلة الانتقالية في البلاد، خاصة بين عامي 2012 و2013.
دور راشد الغنوشي الكبير في نجاح تجربة التوافق الوطني، وفي نجاح التجربة الديمقراطية الاستثنائية في تونس، لم يرق لدولة الإمارات ومحور الثورات المضادة، فهم يرون أن ضرب التجربة التونسية يمر حتمًا عبر ضرب الغنوشي وتشويه سيرته السياسية، الأمر الذي فشلوا فيه إلى الآن.