خطوة جديدة تزيد اشتعال الأجواء – الملتبهة بطبيعة الحال منذ فترة – بين الشعبين المصري والكويتي، وذلك بتقديم بعض أعضاء البرلمان الكويتي “مجلس الأمة” قانونًا يتعلق بتنظيم استقدام الأجانب للبلاد، بهدف ضمان عدم تأثيرهم على التركيبة السكانية على الدولة الخليجية صغيرة المساحة.
المقترح الذي نقله موقع “الرأي” الكويتي حدد نسبًا معينة لكل جالية داخل الدولة لا يمكن تجاوزها، وإلا فهناك عقوبات رادعة لكل من يخالف، وينص على ألا يتجاوز عدد أفراد الجالية المصرية 10%، وعليه فإنه في حال تطبيق هذا المقترح فيجب ترحيل ما يزيد على نصف مليون مصري مقيم داخل الكويت.
حالة من القلق تخيم على أجواء المصريين العاملين في الكويت في أعقاب الحرب المستعرة بين الشعبين على منصات السوشيال ميديا خلال الآونة الأخيرة، تعززت بصورة أكبر منذ تفشي وباء كورونا المستجد نهاية العام الماضي، إلى الحد الذي دفع بعض أعضاء البرلمان في البلدين للدخول على خط الأزمة.
استمرار هذا السجال الذي لم يكن الأول من نوعه في ظل صمت الأجهزة الرسمية وتجاهلها له، يثير العديد من التساؤلات التي تدور في كثير من محاورها عن مستقبل العلاقات بين البلدين، التي رغم تعارض وجهات النظر بينهما حيال ملفات محددة، يحرصان على الحفاظ على شعرة معاوية، هذا بخلاف الغموض الذي يغلف مستقبل 610 ألف مصري مقيم في الكويت بحسب إحصاء الهيئة العامة لشؤون الإقامة.
توازن التركيبة السكانية
الاقتراح البرلماني المقدم يعتمد في فلسفته على أن التركيبة السكانية للمجتمع الكويتي لا تتمتع بالتوازن فيما يتعلق بأوزان الجاليات الأجنبية مقارنة بالمواطنين، وهو ما قد ينعكس على الخريطة الديموغرافية للبلاد، ويمثل مؤشرًا خطيرًا يهدد الأمن القومي، حيث إن عدد بعض الجاليات قد يقترب من عدد مواطني الدولة.
وعليه جاء هذا المقترح لتشريع قانون يحدد الحد الأقصى لنسبة كل جالية قياسًا بعدد المواطنين، ويحظر على أي شخص أو مؤسسة استقدام أي من جنسيات الجالية التي يتجاوز وزنها النسبة المتفق عليها بالنسبة لعدد المواطنين، كما حظر على الجهات الحكومية تحويل أي من العمالة المنزلية إلى قطاع آخر، كذلك حظر تحويل إقامات الزيارة إلى إقامات عمل، وهو الباب الذي أدى إلى زيادة أعداد الجاليات الأجنبية طيلة السنوات الماضية.
وقد تضمن الاقتراح عقوبات رادعة حال مخالفة القانون، منها المعاقبة بالحبس مدة لا تتجاوز 10 سنوات وغرامة لا تزيد على 100 ألف دينار كويتي، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من أمر أو وافق على استقدام أي عامل من الجنسيات التي تجاوزت نسبتها المحددة وفق الجدول المرفق مع المقترح.
كذلك المعاقبة بالحبس مدة لا تتجاوز 5 سنوات وبالغرامة التي لا تزيد على 50 ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل موظف أو شركة أو جهة وافقت على تحويل إقامة شخص دخل البلاد كزيارة إلى إقامة عمل أو تجديدها على نحو مخالف لما ورد في أحكام القانون المقدم للبرلمان.
جدير بالذكر أن المقترح المقدم لم يقتصر فقط على الجالية المصرية، بل حدد نسب لكل الجاليات وإن كان المتأثر أكثر بها الجاليتين المصرية والهندية، إذ من المتوقع حال دخول هذا القانون حيز التنفيذ أن يطيح بـ800 ألف هندي خارج البلاد، غير أن الأضواء سلطت بصورة كبيرة على تداعياته على الجانب المصري، نظرًا لحالة الشد والجذب المستعرة بين الطرفين على منصات السوشيال ميديا منذ عدة أشهر.
اقتراح النواب بتحديد نسب الوافدين المقيمين ممتاز جداً .. وأتمنى إضافة الآتي لهم من أهلنا في :
– فلسطين 10%
– الأردن 10%
– اليمن 10%
– تونس 10%
– السودان 10%
جلهم في التعليم لإنقاذ ما دمره أصحاب الدروس الخصوصية.❗️??#التركيبة_السكانية #تويتر #الكويت #السيسي pic.twitter.com/sJ61KJyBQi
— عبد المحسن أبو رقبة ✒️ (@ASA_GCC) May 28, 2020
سجال إلكتروني
تزامن هذا المقترح مع الضجة التي أحدثها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الماضية، على رأسهم الكويتية ريم الشمري التي نشرت مقطع فيديو على حسابها على “سناب شات” هاجمت فيه المصريين بشدة، ووصفت بعضهم بأنهم “مأجورون وخدام في بلادها” على حد وصفها.
الشمري انتقدت تغريدات بعض المصريين التي عبروا من خلالها عن انتمائهم لدولة الكويت من خلال إقامتهم الطويلة والعمل بها، لافتة إلى أن “الكويت للكويتيين فقط” ولا يحق للمصريين ترديد مثل هذه الكلمات، مؤكدة أن الوافدين من الجالية المصرية في بلادها ليسوا سوى أشخاص يتم الاستعانة بهم لخدمة الكويتيين مقابل راتب.
كما طالبت بترحيل الجالية المصرية من بلادها بدعوى أن 90% منهم “مصدقين نفسهم إنهم شركاء معنا بالكويت وإن الكويت لهم”، مؤكدة مرة أخرى أن “المصريين ليسوا شركاء للكويتيين في الوطن، ولكنهم يأتون بعقود لأداء مهمة ما وفور انتهائها ينتهي أمرهم”، مشيرًة إلى أن “العيب على حكومتها الكويتية ونواب البرلمان الذين جعلوا المصريين يأخذون هذا الوضع”.
لم تكن الشمري أول المهاجمين للجالية المصرية، فهناك حسابات أخرى عديدة تكرس منشوراتها للهجوم على الدولة المصرية وشعبها والتقليل من شأن تاريخها وحضارتها، هذا بخلاف دخول شخصيات عامة على خط الهجوم خلال الآونة الأخيرة منهم الفنانة الكويتية حياة الفهد، ثم المخرج والفنان الكويتي أحمد الشليان، وأيضًا الإعلامية الكويتية نادية المراغي.
صمت غير مفهوم
الصمت الرسمي من نظامي البلدين حيال هذا السجال وتجاهله بصورة كاملة كان مثار تساؤل البعض، فيما رآه آخرون تصرفًا دبلوماسيًا للحيلولة دون تفاقم الوضع بما يهدد مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي ينشب فيها مثل هذا السجال الذي وصل في بعض الأحيان إلى حد “المعايرة” هنا وهناك.
سياسيون وشخصيات عامة من الطرفين طالبوا بتدخل الحكومات لوقف ما أسموه “المهزلة” التي يتبناها عدد قليل من الجانبين، حيث تساءل البرلماني المصري المقرب من نظام عبد الفتاح السيسي، مصطفى بكري: ألم يحن الوقت لتتدخل حكومة الكويت وتوقف الحملات المسمومة ضد مصر؟ وتابع في تغريدة له على حسابه على “تويتر”: “البعض يعايرنا ويتطاول على بلدنا ويتهجم على قيادتنا وحكومة الكويت صامتة، والخارجية المصرية صامتة”.
هذه الحملة ضد مصر ليست بريئه ، هذه حملها خلفها أصابع متآمره ، تسعي لإثارة الفتنه بين الشعبين ، يطالبون بطرد العماله المصريه ويهددون بأنهم سيخرجون لتنفيذ ذلك بالقوه ، نصبوا أنفسهم بدلا من الحكومه وراحوا يتحدثون بإسمها ، فلماذا تسكت الحكومه وأين مجلس النواب وأين
— مصطفى بكري (@BakryMP) May 29, 2020
فريق ذهب إلى أن تصاعد حالة الاحتقان بين الشعبين تعكس حالة التوتر السياسي الدفين بين البلدين، الذي تعزز خلال الفترة الأخيرة جراء تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية، على رأسها الموقف من الأزمة الخليجية وعدم تماهي الكويت مع الموقف السعودي المصري الإماراتي البحريني.
علاوة على الموقف الرسمي للدولة الخليجية من جماعة الإخوان المسلمين المصنفة كجماعة إرهابية من النظام المصري، إضافة إلى الموقف الأخير الذي زاد الوضع اشتعالًا حين علقت الكويت الرحلات الجوية القادمة من مصر، كأحد الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، لترد عليه القاهرة بالمثل، وهو ما اعتبره المصريون استهدافًا للدولة المصرية رغم أن القرار شمل العديد من الدول.
حالة من الترقب تسود أوساط العاملين المصريين في الكويت، انتظارًا لما ستسفر عنه هذه الحرب الإلكترونية بين البلدين، لا سيما مع تصاعد الدعوات الداخلية لتقليص حجم العمالة المصرية، ليواجه ما يزيد على نصف مليون عامل مصري مصيرًا مجهولًا، دافعين وحدهم ثمن السجال الإعلامي المغلف سياسيًا بين البلدين.
لم يكن المصريون وحدهم ضحايا مقصلة الإقصاء، إذ يواجه ملايين العمال الأجانب في دول الخليج مصيرًا مشابهًا في ظل الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدتها تلك الدول جراء إجراءات الغلق بسبب مواجهة فيروس كورونا، هذا بخلاف الانهيار الكبير الذي شهدته أسعار النفط، الأمر الذي دفع الكثير من حكومات الخليج لتبني سياسات تقشفية لتقليل حجم الإنفاق العام على رأسها تقليص العمالة الأجنبية وفتح الباب أمام توطين الوظائف.