تتجه قوى الثورة المضادة في تونس وداعموها في المنطقة والعالم، إلى التصعيد بهدف إرباك الوضع في البلاد، فبعد حملات التشويه والاتهامات المفبركة ضد أحد أهم الشخصيات في تونس وترذيل العمل البرلماني، ها هم الآن ينتقلون إلى الحرائق والإضرابات الممنهجة حتى يطيحوا بالاقتصاد المتعثر ويبثوا الخوف والريبة في صفوف التونسيين.
حرائق مفتعلة
شهدت تونس في الفترة الأخيرة حرائق عدة، حيث لم يهدأ بال وحدات الحماية المدنية ورجال الإطفاء ولم يعرفوا الراحة طيلة أيام عدة نتيجة اندلاع الحرائق في عدة جهات، استغرق إخماد البعض منها ساعات طويلة.
بلغ عدد هذه الحرائق منذ بداية شهر مايو/أيار الحاليّ إلى 20 من الشهر ذاته 723 حريقًا، وفق الناطق الرسمي باسم الحماية المدنية (الدفاع المدني)، العميد معز تريعة، أغلبها حرائق خطيرة خلفت أضرارًا كبيرةً.
هذه الحرائق امتدت إلى قطاعات اقتصادية مهمة في البلاد منها الفوسفات، حيث جد حريق في أحد مواقع شركة إنتاج الفوسفات بالمظيلة من محافظة قفصة، وتمّ إحراق قاطرة جديدة معدة لنقل مقطورات الفوسفات الخام من المغاسل.
قبل ذلك تعرض مصنع تونسي مختص في صناعة المناديل الورقية بمحافظة سوسة للحرق، وتعود ملكية المصنع إلى مستثمر خاص، وتسببت الحريق في إتلاف أكثر من 85% من الوحدة الصناعية بشكل كامل وكل مخزون الورق.
بالتزامن مع هذه الحرائق المفتعلة قررت المركزية النقابية في تونس خوض سلسلة من الإضرابات العمالية
كما نشب حريق كبير، خلال نفس الفترة، في سوق مخصص لبيع الملابس المستعملة ”الفريب” في منطقة الحفصية وسط العاصمة تونس، وأتى الحريق على 30 محلًا، وخلف خسائر كبرى للعاملين هناك، فضلًا عن ذلك شهدت تونس حرائق أخرى أتت على بعض مزارع الحبوب والغابات.
أغلب هذه الحرائق مفتعلة، حيث أكد العميد معز تريعة، فتح تحقيق عدلي وأمني بشأن أغلب الحرائق لتحديد أسبابها، مشيرًا إلى أن بعض المعطيات الأولية تفيد بوجود شبهات بأن تكون مفتعلة، خاصة بالنسبة لحرائق الفوسفات ومصنع الورق والسوق التجارية.
من جهتها، كشفت شركة فوسفات قفصة أن المعاينات الفنية الأولية التي قامت بها مصالح السلامة في الشركة أثبتت وجود قرائن قوية تدعم شبهة الفعل الإجرامي المتعمد بخصوص حرق قاطرة معدة لنقل مقطورات الفوسفات.
إلى جانب ذلك، أوقفت الوحدات الأمنية ثلاثة شبان على ذمة التحقيق لهم علاقة بحريق سوق الحفصية لبيع الملابس المستعملة، وشخصين كانا بصدد حرق قطار نقل فوسفات، وشخص آخر مشتبه في تورّطه بحرق القاطرة المخصصة لجر عربات الفوسفات بالمغسلة بإقليم المظيلة.
إضرابات مشبوهة
بالتزامن مع هذه الحرائق المفتعلة التي من شأنها أن تبعث رسائل سلبية للمستثمرين وتهدد المشاريع الاقتصادية في البلاد، قررت المركزية النقابية في تونس خوض سلسلة من الإضرابات العمالية رغم أن الحكومة تستعد لإطلاق خطة إنعاش اقتصادي من أجل تجاوز تداعيات فيروس كورونا على مختلف الأنشطة.
البداية كانت من محافظة صفاقس (جنوب)، حيث أعلن فرع الاتحاد التونسي للشغل بالمحافظة الدخول في سلسلة من الإضرابات القطاعية بداية شهر يونيو/حزيران القادم، وستشمل التحركات الاحتجاجية للاتحاد عدة قطاعات حيوية من بينها الصحة والنقل والبريد والاتصالات والفلاحة والكيمياء، فضلًا عن الإعلام والتجهيز والتغطية الاجتماعية.
اتحاد الشغل قرر بدوره الدخول في تحركات احتجاجية، والحال أن حكومة إلياس الفخفاخ ما زلت جديدة والاقتصاد الوطني في حالة توقف كلي منذ نحو شهرين ونصف، نتيجة حالة الإغلاق التي تعرفها البلاد بسبب انتشار فيروس كورونا.
ففي الوقت الذي كان حريًا باتحاد الشغل معاضدة مجهودات الدولة للخروج من هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، حيث يتوقع تراجع النمو بنسبة تقارب 4%، قرر الدخول في إضرابات عمالية حتى يساهم في تأزيم الوضع أكثر بما يخدم قوى الثورة المضادة الطامعة لإرباك الوضع في البلاد لضرب مؤسسات الدولة الشرعية.
خدمة قوى الثورة المضادة
هذه الحرائق التي تأكد أن معظمها بفعل فاعل، وهذه الإضرابات التي تأتي وتونس في أمس الحاجة لكل ساعة عمل إضافية لإنقاذ اقتصادها المتعثر نتيجة فيروس كورونا، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الغاية واحدة وهي خدمة قوى الثورة المضادة.
فبعد أن راهنت قوى الثورة المضادة في الداخل والخارج على ترويج الإشاعات وكيل التهم في حق زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (أنصفه القضاء البريطاني وحكم لفائدته في قضية ضد صحيفة إماراتية)، وتعطيل عمل مجلس نواب الشعب، ها هي الآن تراهن على الحرائق والإضرابات العمالية.
تسعى كل من الإمارات وحلفائها إلى تقويض الاستقرار في تونس والعمل على تغيير نظام الحكم خاصة بعد نكستهم الأخيرة في ليبيا
كل هذا من أجل تهيئة الطريق أمامها قبل النزول إلى الشارع والاعتصام أمام مقر البرلمان بباردو لحله وحل حكومة الفخفاخ معه وتغيير دستور فبراير/شباط 2014، في إطار ما سمي بـ”ثورة الجياع”، أسوة بما حصل صيف سنة 2013.
وتسعى قوى الثورة المضادة التي سبق أن تحدثنا عنها في تقرير سابق لنون بوست إلى تشكيل “هيئة إنقاذ وطني” وعزل الحكومة وحل مجلس النواب الذي يرأسه راشد الغنوشي وتكليف الجيش مؤقتًا بتسيير شؤون البلاد من أجل ضرب المسار الديمقراطي الذي تعرفه البلاد منذ يناير 2011.
إلى جانب ذلك، يسعى هؤلاء إلى حل الأحزاب الحاكمة المنتخبة شعبيًا والمطالبة بمحاسبتهم وإقصائهم من المشهد السياسي في البلاد وتعليق العمل بالدستور ومراجعة قوانين ما بعد الثورة وإعادة صياغته والمصادقة عليه باستفتاء شعبي وتحرير الإعلام من هيمنة اللوبيات والولاء السياسي، وفق قولهم.
الإمارات تتزعم قوى الثورة المضادة
هذه التحركات المشبوهة في توقيتها تتزعمها دولة الإمارات العربية المتحدة، ويظهر ذلك جليًا من خلال متابعة إعلامها الذي يخصص أغلب وقته لتجييش الشارع التونسي وبث الإشاعات والأخبار الكاذبة، مستغلة الوضع الذي تمر به البلاد.
تونس التي تمثل مهد ثورات الربيع العربي ويشار إليها بوصفها التجربة الناجحة في المنطقة رغم هشاشتها وعيوب التحوّل الديمقراطي الذي اكتنف مسارها، لم تغب يومًا عن أجندات الدول المعادية للتغيير الديمقراطي، على رأسها الإمارات.
تسعى كل من الإمارات وحلفاؤها من خلال تحريك آلتهم الدعائية وإطلاق حملات التشويه التي تستهدف المؤسسات السيادية والشخصيات السياسية، إلى تقويض الاستقرار في تونس والعمل على تغيير نظام الحكم خاصة بعد نكستهم الأخيرة في ليبيا.
تدخلات الإمارات في تونس، جعلت المسار السياسي والتنموي في البلاد عرضة لهزات كثيرة وحرمت البلاد من الاستقرار اللازم لتحقيق أي تقدم، لكن مع ذلك يصر التونسيون على حماية ثورتهم ووضع حد لكل من يتطاول عليها ويسعى إلى وضع حد لها.