الدعايا السعودية تشيطن الإسلام والقضية الفلسطينية

ترجمة وتحرير نون بوست
أشار مؤخرًا تقرير لقناة السعودية 24 الإخبارية إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تدعم الانفصاليين في مدينة عدن جنوب اليمن، وهو اتهام كاذب ورديء، فمن المعروف أن الإمارات تدعم هؤلاء الانفصاليين وهي أيضًا دولة معادية للإخوان المسلمين.
في فلسطين، يصنف الإعلام السعودي حركة حماس بأنها جماعة إرهابية ويتهمها باحتجاز أهل غزة كرهائن لتنفيذ جدول أعمالها.
هاتان مجرد طريقتين من الطرق التي تستخدمها وسائل الإعلام السعودية لنشر دعاياها السخيفة، حيث تتجه الحكومة نحو حملة واسعة لتجديد صورتها والتحكم في سرد رواية سياستها محليًا وخارجيًا، هذه الحملة المنافقة تنبع من الرغبة في تضليل الواقع والسيطرة عليه وتشويهه، في محاولة لحماية مصالح السعودية.
رقابة صارمة
ليس هناك أبدًا مثل حرية التعبير في السعودية، فهناك قيود ومراقبة شديدة على الإنترنت مع مراقبة أيضًا للكتب والصحف والمجلات والأفلام والتليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، كما تعمل وسائل الإعلام كأبواق دعائية للدولة.
ما يجعل الوضع أكثر سوءًا هو الموقف الرسمي الذي يرى أن أي انتقاد للحكومة خطر محتمل وخطيئة وزعزعة للاستقرار، إن حملة القمع ضد الأصوات السعودية المستقلة شديدة للغاية حتى لو كانت تلك الآراء تُعرض بشكل غامض دون أي إشارة واضحة للسلطات السعودية.
لأن السياسات السعودية تميل هذه الأيام لأن تكون غير متوقعة، فإن الأمر ينتهي بأن تناقض الدعايا الموالية لها نفسها
تعرض عشرات المثقفين ورجال الدين البارزين للاعتقال، بما أسمته هيومن رايتس ووتش “حملة قمع منسقة ضد المعارضة”، تحتل المملكة العربية السعودية المركز الـ170 من بين 180 دولة في قائمة حرية الصحافة العالمية لعام 2020.
في هذه الأجواء القمعية تم استبدال وسائل الإعلام المهنية بالدعايا التي تخدم النظام وتعزز من نظرته العالمية، وتشيطن منافسيه على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
هناك رواية واحدة فقط للأحداث يتم الترويج لها ونشرها، لكن لأن السياسات السعودية تميل هذه الأيام لأن تكون غير متوقعة، فإن الأمر ينتهي بأن تناقض الدعايا الموالية لها نفسها، فقديمًا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حليفًا وثيقًا، أما الآن فهو الخليفة العثماني الذي يرهب المنطقة للخضوع له.
أما نظام الأسد في سوريا فقد كان من قبل وحشًا يجب إسقاطه، أما الآن، فقد أخبرونا أنه من الممكن إعادة تأهيله وربما يصبح حليفًا لنا ضد تركيا، يجب أن يبرر الناطق باسم الحكومة تلك التناقضات السخيفة التي أصبحت مثارًا للسخرية على تويتر.
المتصيدون السعوديون
حتى منصات التواصل الاجتماعي لم تنج من حملة القمع السعودية على حرية المعلومات، فجهود وسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل التواصل السياسي في المملكة تم تدميرها من خلال التدخل والمراقبة المستمرة من الحكومة.
يعد تويتر على وجه التحديد تهديدًا يجب ترويضه وضبطه واستخدامه للسيطرة على المعارضة، ورغم أن تويتر يعدم بشكل دوري تلك الحسابات المرتبطة بشبكة المعلومات الزائفة تلك، فإن جيش المتصيدين السعودي ما زال قويًا ويتلاعب بالإعجابات وإعادة التغريد لنشر الدعايا وتقديم انطباع خاطئ عن شعبية السياسات السعودية.
لقد أصبح الإسلاموفوبيا مزدهرًا في أروقة السلطة السعودية أكثر حتى من حركات اليمين المتطرف في برلين أو باريس
رغم ذلك فمثل هذه الإجراءات لا تخدم مصالح الدولة، فهي بدلًا من ذلك تحجب وسائل رئيسية يمكن من خلالها تتبع وتعقب الآراء العامة، من المعروف أن المملكة العربية السعودية لا تملك مجتمعًا مدنيًا ولا تمثيلًا هيكليًا حقيقيًا للجمهور، ولا منافذ للتأثير على عملية صنع القرار.
إن الدافع وراء الدعايا السعودية أن الإخوان المسلمين أو ما يطلق عليه “الإسلام السياسي” يشكلون عدوًا رئيسيًا للمملكة، ولهذا السبب دعمت المملكة انقلاب 2013 الدموي بمصر الذي أطاح بأول حكومة ديمقراطية منتخبة في البلاد، وهو أيضًا سبب عدائها لقطر التي وقفت بجانب الديمقراطية المصرية والعربية بشكل عام، وكذلك تركيا التي اتخذت موقفًا مماثلًا.
ازدهار الإسلاموفوبيا
يبدو أن السلطات السعودية أصبحت مهووسة بالإسلام نفسه، حيث حرضت قناة العربية الفضائية المملوكة للدولة ضد المساجد والمؤسسات الإسلامية في الغرب، وادعت أنها خطيرة ولها علاقة بالإخوان المسلمين وتحصل على تمويل من قطر وتركيا.
فمن المتاحف السويسرية وحتى المدارس الثانوية الفرنسية، تتعرض المؤسسات لفقدان مصداقيتها لعلاقتها بالمجتمعات الإسلامية المدعومة من قطر، لقد وصفت “العربية” الحضور المسلم بأكمله في أوروبا بأنه يمتلك انتماءات إرهابية، لقد أصبح الإسلاموفوبيا مزدهرًا في أروقة السلطة السعودية أكثر حتى من حركات اليمين المتطرف في برلين أو باريس.
تحتاج السعودية الآن لشبكتها الدعائية أكثر من أي وقت مضى، حيث إنها ما زالت في صراع مرير مع إيران من أجل الهيمنة الإقليمية، حتى إنها اتجهت للحصول على دعم “إسرائيل” تحت مفهوم “عدو عدوي هو صديقي” (أو ربما استغلت المملكة هذا الأمر لتأسيس علاقات دافئة مع “إسرائيل”)، لكن هذه الخطوة سيكون لها نتائج عكسية على المملكة.
هذه المشاعر القومية المتطرفة بين الشباب ليست ببساطة مجرد حركة شعبية عفوية لكنها مبادرة تقودها الدولة تحت رعاية ولي العهد
هذا النهج الموحش قصير النظر للنظام السعودي أدى إلى سياسة كارثية أخرى وهي الانقلاب على القضية الفلسطينية لصالح اتفاقية القرن التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما اتجهت المملكة أيضًا نحو قمع العشرات من أنصار حركة حماس الفلسطينية داخل البلاد.
مهمة مستحيلة
تدور الدعايا السعودية حول موضوع رئيسي: نشر المشاعر القومية المتطرفة بين الشباب، فشعارات مثل “السعودية للسعوديين” و”السعودية العظيمة” و”السعودية أولًا” ساهمت في خلق رواية جديدة تصفها المحللة مضاوي الرشيد بأنها “ليست ببساطة مجرد حركة شعبية عفوية لكنها مبادرة تقودها الدولة تحت رعاية ولي العهد”.
هذا الشعور القومي الجديد لا يدعو فقط للانفصال عن التقاليد الدينية القديمة المحافظة، بل الانفصال عن أي التزام تجاه القضايا العربية والإسلامية خاصة القضية الفلسطينية بما في ذلك وضع المدينة المقدسة “القدس”.
تتراوح تكتيكات الدعايا السعودية بين المعلومات المضللة والأكاذيب الصريحة إلى الشيطنة والشتائم واستخدام كبش فداء.
أطلق المعلقون والنشطاء بدعم من جيش المتصيدين السعودي هاشتاغًا على تويتر يهدف إلى نزع الشرعية عن القضية الفلسطينية بشعارات مثل “فلسطين ليست قضيتي”، إن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وفي الوقت نفسه إظهار “إسرائيل” بشكل ملائم يعد مهمة مستحيلة، لكن النظام السعودي يواصل الإضرار بمصالحه.
إن الحرب السعودية على الربيع العربي والإخوان المسلمين دمرت شرعيتها سياسيًا وأخلاقيًا، لقد أصبح الوضع حزينًا وسخيفًا.
المصدر: ميدل إيست آي