تصاعد اهتمام دول الخليج في العقد الأخير بمجال الاستثمار الرياضي وأضحى ركيزة أساسية وفي سلم أولوياتها، وهي تجارب لا تزال محل جدل ونقاش مستمرين، بعدما أفرزت انقسامًا عربيًا وأوروبيًا بين مؤيد لها وداعم لاستمرارها ومعارض يشكك بجدواها والأهداف المرجوة منها.
وتُبدي دول خليجية، وعلى رأسها قطر والإمارات والسعودية، اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار الرياضي وتضعه كجزء من سياستها الخارجية على غرار تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط والغاز وتعزيز قوتها الدبلوماسية الناعمة وتحسين صورتها في الساحة العالمية.
ولم تعد الرياضة وفي القلب منها اللعبة الشعبية الأولى في العالم، وهنا يدور الحديث عن كرة القدم، مجرد لعبة للتسلية والاستمتاع، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من عالم المال والأعمال، وباتت تسير في خط متوازٍ مع الاقتصاد، تحسب أدق تفاصيلها بالورقة والقلم.
أندية بملكية خليجية
وبالنظر إلى الساحة الأوروبية، تبرز أندية لها حضور وازن محليًا وقاريًا بفعل الضخ المالي الخليجي، حيث تستحوذ الدوحة وأبوظبي وبدرجة أقل الرياض على ملكيتها وأغلب أسهمها ما يجعلها صاحبة القرار الأول والأخير، ونتيجة لذلك، خطفت أندية باريس سان جيرمان الفرنسي ومانشستر سيتي الإنجليزي الأضواء في القارة العجوز، وتقترب السعودية ممثلة بصندوق الاستثمارات من امتلاك نيوكاسل يونايتد أحد أندية الدوري الإنجليزي الممتاز.
كما تمتلك دول الخليج أندية أقل شهرة وشعبية من تلك صاحبة الشعبية والجماهيرية كأندية خيتافي وملقة وألميريا في إسبانيا وبورتسموث وشيفيلد يونايتد بإنجلترا وغيرها.
وما يعزز الاهتمام الخليجي بالاستثمار في المجال الرياضي ويؤكد أهميته لدى دوائر صنع القرار، وجود أمراء وأعضاء في الأسر الحاكمة الخليجية أو مقربين منها كملاك للأندية الأوروبية.
استثمار قطري
وبموازاة امتلاكها شبكة قنوات “بي إن سبورت” وتوسعها في مختلف القارات، وضعت الدوحة نصب عينيها امتلاك أحد الأندية الرياضية الأوروبية، ليكون خيارها نادي العاصمة الفرنسية باريس سان جيرمان الذي اشترته هيئة قطر للاستثمارات الرياضية عام 2011، ويرأسه القطري ناصر الخليفي.
ومنذ تلك اللحظة، فرض العملاق الباريسي هيمنته على البطولات المحلية وبات منافسًا على الساحة القارية، بفضل النجوم والأسماء اللامعة التي جلبتها الإدارة القطرية في سوق الانتقالات.
كما يستحوذ عبد الله بن ناصر آل ثاني، وهو أحد أعضاء الأسرة الحاكمة في قطر، على نادي ملقة، وهو أحد أعرق الأندية الأندلسية وتأسس عام 1904، وكان قد حقق إنجازًا عام 2013 عندما بلغ ربع نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة بتاريخه.
أما على صعيد رعاية القمصان، فكانت مؤسسة قطر أول راعٍ رسمي في تاريخ نادي برشلونة الإسباني، بين عامي 2011 و2013، قبل أن يحل شعار الخطوط القطرية وهي الناقلة الوطنية للدولة الخليجية، على صدر قميص العملاق الكتالوني، للفترة بين عامي 2013 و2017، كما رعت “القطرية” نادي الأهلي السعودي سابقًا، فيما لا تزال رعايتها مستمرة لنادي السد القطري.
ولم يكن برشلونة العملاق الأوروبي الوحيد الذي يحظى برعاية الناقلة القطرية؛ إذ لحقه ناديا العاصمة الإيطالية والفرنسية، وهنا يدور الحديث حول روما وسان جيرمان تواليًا، كما أنها تعتبر أحد الشركاء البلاتينيين لبايرن ميونيخ الألماني، فضلًا عن رعاية بوكا جونيورز أحد أعرق أندية الأرجنتين وامريكا الجنوبية.
حضور إماراتي
أما الإمارات، فقد أثبتت حضورها رياضيًا بوضع يدها على نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، منذ عام 2008، إذ تملكه مجموعة أبوظبي المتحدة للاستثمار والتطوير المملوكة بدورها من منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة.
ويرتبط النادي الإنجليزي باتفاقية رعاية طويلة الأمد مع شركة “طيران الاتحاد”، وهي المملوكة لحكومة أبوظبي، حيث تشمل الصفقة رعاية قميص الفريق وقمصان التدريبات، وحقوق تسمية الفريق وأكاديميته للناشئين.
وتستحوذ مجموعة “الإمارات الملكية” التي يملكها بطي بن سهيل آل مكتوم، على نادي خيتافي ثالث أكبر فرق العاصمة الإسبانية بعد القطبين، ريال مدريد والأتلتيكو، وذلك من عام 2011.
كما دخلت “طيران الإمارات”، وهي المملوكة بالكامل لحكومة دبي، عالم الاستثمار الرياضي بقوة، برعايتها أندية كبيرة في القارة الأوروبية على صعيد كرة القدم، إضافة إلى رياضات أخرى كسباقات السرعة فورمولا 1 منذ عام 2013، والتنس والغولف والرغبي وغيرها.
ومنذ عام 2006، ترتبط “طيران الإمارات” بشراكة طويلة الأمد مع أرسنال أحد أبرز الأندية اللندنية، وتم تمديدها في فبراير 2018 حتى صيف عام 2024، ويُطلق اسم “الإمارات” على ملعب الفريق اللندني، وفق اتفاقية أبرمت عام 2012 وتمتد حتى 2028.
ولم يقتصر حضور الناقلة الإماراتية على الدوري الإنجليزي الممتاز فحسب، بل رعت قميص باريس سان جيرمان خلال الفترة بين عامي 2005 و2019، فيما لا تزال رعايتها مستمرة للعملاق الإيطالي ميلان، وبنفيكا أحد أشهر الأندية البرتغالية، إلى جانب هامبورغ كأحد أندية الدوري الألماني وأولمبياكوس اليوناني.
أما الرعاية الأضخم لـ”طيران الإمارات” فكانت لنادي العاصمة الإسبانية ريال مدريد وكبير القارة العجوز الأكثر تتويجًا بلقب دوري أبطال أوروبا، حيث بدأت الشراكة بين الطرفين منذ العام 2011، ولا تزال مستمرة حتى الآن.
دخول سعودي
بعد وقت طويل من المنافسة القطرية – الإماراتية والاستثمار رياضيًا، بدأت تلوح مؤخرًا مؤشرات على اهتمام سعودي متزايد بالرياضة، في ظل قرب إتمام صفقة استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على نيوكاسل يونايتد.
كما يملك عبد الله بن مساعد آل سعود، وهو أحد أمراء العائلة الحاكمة في السعودية، نسبة من أسهم شيفيلد يونايتد أحد أندية “البريميرليغ”، منذ سبتمبر 2013، قبل أن يكمل استحواذه على النادي بعد ستة أعوام بالتمام والكمال.
وفي نوفمبر 2019، بات تركي آل الشيخ، المالك الوحيد لنادي ألميريا الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية الإسباني باستحواذه على 99.8% من الأسهم.
ويعد “آل الشيخ”، مقربًا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويتولى عدة مناصب بارزة منها مستشار بالديوان الملكي ورئيس هيئة الترفيه، كما ترأس هيئة الرياضة في السعودية في الفترة بين سبتمبر 2017 وديسمبر 2018.
ما سر الاهتمام الخليجي؟
وفي هذا الإطار، يقول الصحفي الرياضي التونسي زياد عطية، إن تطور الاستثمار في القطاع الرياضي حتم على بعض دول الخليج دخول هذا العالم والمشاركة فيه كطرف فاعل وحيوي عبر شركات الطيران.
ويعتقد عطية في حديثه لـ”نون بوست”، أن ذلك جاء بحثًا عن اكتساب حلول إضافية لمعالجة الأزمات والمشاكل التي قد تعترض هذه الدول في فترات معينة، مبينًا أنها تجربة قد تمكنها من عائدات ضخمة وتسويق جيد.
وعن تقييمه للاستثمار الخليجي في المجال الرياضي، يرى المعلق الرياضي التونسي أن النجاح في هذا القطاع “نسبي، وبدرجات مختلفة مع احتدام التنافس والتغييرات التي تطرأ على العالم ككل”، وبحسب عطية، يمكن اعتبار تجربة استثمار شركات الطيران الخليجية في عدد من الفرق الأوروبية “ناجحة إلى حد ما منها شركة الطيران القطرية وطيران الإمارات”.
أما عن أبرز المكاسب المحققة من تلك التجرية، يقول عطية إن تعزيز الصورة الإيجابية لكرة القدم بالخليج العربي يأتي في المقام الأول، كما أن دول الخليج نجحت في الترويج والتسويق لنفسها كدول قادرة على ريادة العالم في بعض الجوانب باللعبة الشعبية الأولى في العالم.
واستدل المعلق التونسي بكلامه بنجاح قطر في الحصول على تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022 وتحضير نفسها بشكل جيد جدًا على مستوى البنية التحتية، مؤكدًا أن كل هذا يعود إلى عوامل عديدة ومنها الاستثمار رياضيًا، كما أشار إلى نجاح الإمارات في كسب الكثير من الأشواط في هذا المجال.
وإضافة إلى ذلك، حققت دول خليجية نجاحات اقتصادية كعائدات مالية مهمة وتزايد المسافرين وإقامة شراكات قوية وعلاقات مع كبرى أندية العالم، وفق الصحفي التونسي، لكن هذا النجاح يبقى نسبيًا ويفرض دعمًا إضافيًا في استثمار الفكرة لتحقيق نجاحات أفضل وأكبر، كما يقول عطية ومنها تنفيذ جملة من التصورات الحديثة عبر فتح سبل تعاون جديدة بين شركات الطيران الخليجية والفرق الأوروبية الكبرى.
وضرب مثالًا بتنظيم دورات عالمية كبرى في فترة الراحة الصيفية تضاهي نظيرتها في شرق آسيا خصوصًا بالصين واليابان ما يوفر مزيدًا من الأرباح باستقطاب مضاعف للجماهير وتحقيق رحلات سفر عكسية لحضور اللقاءات من أوروبا نحو دول شركات الطيران.