” أخيرا تدخل الجيش ….لقد تأخركثيرا ، ماذا كان ينتظر ؟ أن تحترق البلد بأكملها حتى يتدخل !! “
هذا هو منطق رجل الشارع العادي إزاء ما جرى ، البلاد دخلت في حاله استقطاب سياسي حاد و لا علاج منه ، كل طرف متمسك بآرائه إلى نهاية المدى ولا يقبل الاقتراب منها ، و هذا الانقسام بدا واضحا في الشارع ، الكليات ، النقابات،…إلخ في كل المجتمع ، و كان مصحوبا بحالات عنف سياسي يوميا بين الطرفين لايستطيع أحد التدخل لمنعها ، و المجتمع بأكمله يتابعها يوما بعد يوم وهو يتحسر على الدولة التي تنهار بسبب صراعات ايديولوجية و سياسية و لأنها ساحة لأحد أهم المعارك السياسية على مستوى العالم . وماالذي نستفيده نحن كمواطنين لا انتماء سياسي لنا و لا تشغلنا السياسة كثيرا من هذاالصراع ؟
لا شئ غير أن البلد تحترق و الجميع ينظر .
من أجل ذلك تدخل الجيش ……
اجتمع رئيس الأركان بقادة الجيش و أخبرهم أننا عازمونعلى التدخل لحماية أمن البلد من الخطر ، و أننا لا يمكن أن نسكت أكثر من ذلك ، ودورنا التاريخي يوجب علينا ذلك ، كما أننا بالأساس المعنيون بالحفاظ على هذه الدولةإلى أخر المدى ضد محاولات تقسيمها أو نشوب حرب أهليه أو جرها في طريق غير الطريق الذياخترناه لها …..وبالتالي فإننا سنتدخل للإيقاف ما يحدث بالبلاد من فوضى و بدايةحرب أهليه .
عندما بدا على احد الجنرالات التردد من عواقب ما قد يحدث، و أن الموضوع به الكثير من المخاطر التي قد تتعرض لها البلاد أو يتعرض لها الأفرادالقائمون على تنفيذ هذه الأوامر ، كان الرد من قائد الأركان بنفسه : أنه لا تهاونفي الحفاظ على الدولة و هيبة الدولة ، و أن أي يد ستمتد إلى أي منكم اعتراضا علىما قمتم به سوف يكون عقابها هو إعدام كلأفراد هذا التيار السياسي في الميادين العامة !!
ثم نظر لباقي الأعضاء قائلا مضيفا : من أربع أيام فقط كانت مظاهرات الإسلاميين الحاشدة تهتف ضد إسرائيل جهارا نهارا في الشوارع لأنهاضمت القدس إليها ، المظاهرة كبيرة جدا و هي محاوله لاستعراض القوة بدون أدنى شك ، وأصواتها لا تزال في أذني حتى الآن ….فماذا ننتظر أكثر من ذلك ، أن تخرج المظاهرة القادمة للمطالبة بتطبيق الشريعةالإسلامية !!
قضى الأمر …
وبدا بوضوح أن قائد الأركان ماضي بقوة في تنفيذ ما يريد بغض النظر عن أي شئ أخر .
وبالفعل تحركت الدبابات في الشوارع وصدر البيان الأوللهذا الانقلاب العسكري منتهيا إلى :”أيها المواطنون الأعزاء ، لكل هذه الأسباب .. اضطرت القوات المسلحة لانــتزاعالـسلطة بهــدف حماية وحدة البلد والأمة وحقوق الشعب وحرياتهوضمان امن الناس وحياتهم وممتلكاتهم وسعادتهم ورخائهمولضمان تطبيق القانون والنظام – وبتعبير أخر استعادة سيادة الدولة بشكل نزيه ” “
ومن أجل تحقيق هذه الغايات فإنه قرر :
– إقالة الحكومة
– حل البرلمان
– فرض حظر التجوال في البلاد ومنع مغادرتها .
– إعلان الأحكام العرفية .
وكان استقبال هذا الانقلاب كما هومتوقع لدى الشعب هو :
الشعور بالارتياح !
” أخيرا تدخل الجيش “
كان هذا الشعور بالطبع أقوى ما يكونلدى قيادات الجيش و الشرطة معا التى باركت هذه الخطوة ، و أيدتها رغم أنها تأخرتكثيرا ، في إثناء ذلك تلقى بول هانز مدير مكتب أنقرة في و كاله الاستخبارات الأمريكيةمكالمة يحمل صاحبها صوت الفرح و السرور :
-بول ، لقد أنجز أصدقائك الهمة بنجاح .
وهو ما دعا البعض للحديث عن أن هذا الانقلاب تم بتنسيق مع المخابرات الأمريكية من أجل ضمان أن تظل تركيا في المعسكر الغربي و أن تضمن لهاحليفا قويا في المنطقة بعد أن فقدت الولايات المتحدة حليفها الأقوى في المنطقة”إيران ” بعد الثورة الإيرانية عام 1979، و أن كل ما تم من صراع حزبي وايدلوجي و عنف سياسي ، و ما حدث طوال ال3سنوات السابقة على الانقلاب من عدم الاستقرار هو من أجل تهيئة الجو للانقلاب وتوفير المناخ المناسب لنجاح الانقلاب ، لكن المؤكد في كل هذه المعلومات و الآراءحول الدور الأمريكي في هذا الانقلاب العسكري أنه قبل نزول الجيش للشارع بساعة اتصلت قيادهالجيش التركي بالولايات المتحدة لتخبرهم أنها قد بدأت خطوات الانقلاب العسكري .
وهكذا يصبح كنعان إيفرين رئيسالأركان بالجيش هو صاحب الانقلاب العسكري الثالث في تاريخ تركيا و الذي تم في 12سبتمبر 1980 .
لفهم ما حرى فإننا بحاجة إلى العودةإلى الوراء قليلا …
كانت تركيا هي ساحة كبرى بين القوىالشرقية ( بقياده الاتحاد السوفيتي ) و القوى الغربية ( الأطلسي و الولايات المتحدة) ، و لوقوع تركيا في أطراف القارة الأوربية و على حدود الاتحاد السوفيتي فإن هذاالموقع على أطراف الصراع جعلها نفسها ساحة يحاول كل طرف أن يجرها إليه ، و بالتاليفإن التيارات اليسارية الشيوعية كانت تعمل بقوة داخل تركيا من اجل دفع الدولة والمجتمع للتوجه شرقا في اتجاه الاتحاد السوفيتي و كان يقابلها التيارات القوميةاليمينية التركية المتطرفة التي لا ترى انتماء للتركي إلا لتركيا ، هذا التنافس الذي بدأ يزداد يوما بعد يوم ويأخذ أشكال أكثر عنفا و أكثر قوة أدى إلى حاله انقسام كبيرة في المجتمع التركي خاصةو هو مصحوب بالاقتتال في الشوارع ، و الاغتيالات و التهديدات و المظاهرات التي لاتتوقف على أي سبب و بدون سبب . وبدا أن هذا الانقسام يسير في طريقه دون أن يوقفه أحد و أنه سيدخلالبلاد في طريق الحرب الأهلية لا محالة و التي كانت بدايتها قد بدأت تظهر في الأفق.
كانت هذه الظروف مناسبة جدا لتدخلالجيش في السياسية في تركيا ، و هو المعروف عنه أنه هو الحاكم الفعلي للبلاد و أنه يتدخل متى يريد ليغير ما يريد في الوقت الذييريد ! وهو قد تدخل قبل هذه المرة :مرتين قبلها ( عام 1971 ، عام 1960 ) وكانت هذه المرة الثالثة ، و قد قالبعض المراقبين إن الجيش في تركيا يتدخل في السياسة التركية لتعديل مسارها كما يريدهو مرة كل عشر سنوات !
لم يكن تدخل الجيش في المرتينالسابقتين مبرر سياسيا على أي حال ( هل تدخل الجيش في الحكم ، يمكن أن يكون مبررا؟) لأنهما كانا ضد رئيس دوله منتخب لم يقم شئ يضر تركيا ولا أمنها القومي و هو علمانيبالأساس و ابن للدولة التركية الحديثة و حكم عليه في النهاية بالإعدام ( عدنان مندريس 1960 ) و ضد حكومة منتخبة فيالمرة الثانية مشكله من حزب العدالة بقياده سليمان ديمريل العلماني الذي سيصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية التركية في التسعينات و واحد من أهم السياسيين في تاريخ تركيا .( سليمان ديمريل-1971 ) .
لم يكن تدخل الجيش في المرتينالسابقتين مبررا لدى رجال السياسة ولدى رجل الشارع العادي ، لكنه هذه المرة في 1980كان يلاقي في بدايته ارتياحا لدى قطاعات من الشعب غير مسيسة تخشى على الدولة التركيةمن الانهيار و تخشى من الحرب الأهلية المحتملة .و في المرتين السابقتين لم يكن لدىالجيش حرج من التدخل بدون سبب ، أما و قد وجد السبب الآن الذي يمكن أن يكون حجهللتدخل فإن الأمور تصبح أيسر على قياده الجيش .
و لأن القيادات السياسيةالتركية أصبحت معتادة على تدخل الجيش بانتظامعبر انقلابات عسكرية في الحكم فإنها استقبلت الخبر بطريقه عادية جدا ، و كأن أمرعاديا يحدث كل يوم لا غرابه فيه قد تم في تركيا ، سليمان ديمريل رئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة ، و نجم الدين أربكان رئيس حزب السلامة الوطني ، و بولنت أجفيترئيس حزب اليسار الديمقراطي لم يبدى أيمنهم مقاومه كبيرة أو اعتراض يذكر ضد ما جرى والوحيد الذي أبدى مقاومة كان ألبأصلان توركيش رئيس حزب الحركة القومية الذي اختفى لمده يومين لكنه مع تهديد مباشر من رئيس الانقلاب كنعان ايفرين ضده سلم نفسه للسلطات بعد اختفاءه بيومين !
بعدها بفترة أطلق سراح ديمريل واجفيت ، لكن اربكان ( بالتأكيد !) وتوركيش تعرضا للسجن ، و عندما شعر أيفرين قائدالانقلاب أن السياسيين قد يسببوا له “وجع الرأس ” فقد أصدر قراربحرمانهم من العمل بالسياسة لمدد من 5 إلى 10 سنوات و حل الأحزاب القائمة رغم أنه _تقريبا_لا أحد منها أبدى أي مقاومهتذكر تجاه الانقلاب العسكري .
الساحة بدت مهيأة الآن بامتيازلكنعان إيفرين ليفعل في تركيا ما يشاء ….
أنشاء حزبين سياسيين احدهما لليمينو أخر لليسار و على رأس كل منهم عسكري ! ونص في الدستور الجديد على إنشاء مجلسالأمن القومي التركي بعضوية عدد من المدنيين و أغلبية عسكريين و يجتمع هذا المجلسكل شهر من أجل “الحفاظ على الدولة ” و يصدر “توصيات “للقائمين على الحكم . و كان لهذا المجلس قبل إقرار الدستور الجديد الحق في إصدار أيقانون دون أن تكون هناك أي إمكانية للطعن على هذا القانون بعدم الدستورية . كماأنه ضاغ دستور أجمع الجميع على أنه أسوأ دستور في تاريخ تركيا ….وغيرها منالقرارات السياسية .
لكن الأهم كانت في الإجراءاتالعملية على أرض الواقع ….لم تزل حملات الاعتقال و إغلاق الجمعيات الأهلية ومحاكمة السياسيين مستمرة طوال 3 سنوات متصلة ، وتقول لجنه تم تشكيلها من قبلالبرلمان التركي للتحقيق في نتائج هذا الانقلاب العسكري و أصدرت تقريرها في 2002أنه خلال هذا الانقلاب العسكري تم :
– اعتقال 650000 مواطن
– مليون و 600 ألف مواطن تموضع أسمائهم في القوائم السوداء .
– 230 ألف مواطن تم محاكمتهم .
– تم تحويل 7 ألاف مواطن للمحكمة بتهم تقتضى العقوبة أنتكون الإعدام ، حكم بالفعل على 517 منهم بحكم الإعدام و تم تنفيذه في 50 منهم (كان من ضمنهم 25 ناشط سياسي)
– تم محاكمة أكثر من 98 ألفمواطن بتهمة الانتماء إلى منظمات يسارية أو يمينية أو إسلامية .
– لم يتم إصدار جوازات سفر (بما يعنى المنع من السفر )ل388 ألف مواطن .
– تم فصل 30 ألف عامل منشركاتهم بسبب الاشتباه في انتمائهم السياسي .
– تم إبعاد 30 ألف مواطن خارجالبلاد .
– تم رفع الجنسية التركية عن14 ألف مواطن .
– توفي 300 شخص في ظروف غامضةدون معرفه سبب الوفاة ، و توفى 171 تحت التعذيب. وتوفي 14 شخص خلال إضرابات عنالطعام ، و صدر تقرير ل 93 مواطن أن سبب الوفاة هو “الانتحار ” !
– وللمحبي الفن : تم منع أكثرمن 900 فيلم سينمائي .
– وللمدافعين عن الصحافة وحرية الرأي و التعبير : سجن 31 صحفي ، و اغتيل 3 صحفيين ، وتم مهاجمه 300 صحفي ،وتم منع إصدار الصحف في بعض الأيام فيما مجموعه يصل إلى 300 يوم .
وغيرها كثير ….
يضاف إلى ذلك أن مجلس الأمن القومي التركي_الذي كان مشرفا على إدارة البلاد في ذلك الوقت _أصدر أو عدل 800 قانون خلال فترهحكمه التي بلغت 3 سنوات ،مع العلم بأنه_طبقا لقراراته _لا يجوز الطعن على أي هذه القوانين أو تعديلاته بعدم الدستورية !
وغيرها الكثير من الإجراءات التياتخذها ايفرين من أجل ” الحفاظ على الدولة ” .
كنعان إيفرين لم يكتفى بذلك بل قام_بالطبع_بنعديل الدستور ، و كتب دستور على المقاس ، بلجنة معينه بالطبع ونصت هذهالتعديلات على عدم محاكمة قاده الانقلاب العسكري على ما ارتكبوه ، و على أن يكونايفرين هو رئيس الجمهورية بعد الموافقة على الدستور الجديد ّ! و تمت دعوة الناخبينللاستفتاء في 1982 و بالطبع كانت نسبة الموافقة على الدستور بنسبة 92 % .
بعد الموافقة على الاستفتاء …
تم التمهيد للانتخابات البرلمانيةمن أجل إنهاء المرحلة الانتقالية ، و من أجل إجراء هذه الانتخابات تم منع كل رؤساءالأحزاب السياسية الرئيسية من ممارسة الحياة السياسية ، و حظر كل الأحزاب السياسية، و لا يتم الموافقة لأي حزب إلا بعد موافقة مجلس الأمن القومي_ الذي كان يديرالبلاد وقتها _ و الذي لم يوافق إلا على 3 أحزاب فقط ، يترأس اثنان منهم شخصيةعسكرية ، و الحزب الثالث بقياده تورجت أوزال باسم “الوطن الأم ” .
تورجت أوزال هو وجه مدني له خلفية اقتصاديةشارك من قبل في حكومة سليمان ديمريل قبل الانقلاب العسكري ، و جاء به ايفرين منأجل مساعدته اقتصاديا في إدارة البلاد بعد الانقلاب العسكري .
أجريت الانتخابات البرلمانية في 1983 ، و لأن الناخب التركي لم يكن لديهخيارات كثيرة في الأحزاب و الشخصيات ، فإنه انحاز للوجه “المدني “الوحيد المتاح أمامه حتى لو جاء برضا العسكر ، و حصل حزبه في الانتخابات على الأغلبيةو شكل الحكومة .
بعد الانتخابات البرلمانية المشهد يبدو الآن للعسكر بعد 3 سنوات من الانقلابالعسكري أن الأمور كلها قد صارت إلى ما يريدونه أو أكثر :
– انقلاب عسكري كامل برضا شعبيو سكوت سياسي .
– قوانين _على المقاس_ بضمانعدم الاعتراض عليها من أحد .
– دستور تحت الطلب ، بنسبهموافقة كبيرة !
– رئيس وزراء قادم برضا عسكري.
– منع كل السياسيين المؤثرينمن العمل السياسي ، و حظر العمل الحزبي الذي لا يرضى عنه العسكر .
– كل من عارض الحكم العسكريتمت معاقبته : شنقا أو قتلا أو سجنا ،أوطردا ، أو منعا ، أو تعذيبا ، أو تهديدا ….إلخ .
لكن بعد 10 سنوات من الانقلاب العسكري كانت الأمور قد تغيرت :
عاد كل رموز العمل الحزبي الكبار ( سليمان ديمريل وأربكان ….إلخ ) للعمل السياسي ، و كانوا على رأس السلطة في تركيا مرة أخرى (سليمانديمريل على سبيل المثال عاد للحياة السياسية عام 1987وبعدها بشهور أصبح رئيس حزب ،ثم رئيس للوزراء و في أوائل التسعينات وبعد وفاه تورجت اوزال _و الذي كان رئيسالدولة وقتها_ أصبح ديمريل الرئيس التاسع لتركيا ) ، و عادت الانتخابات مرة أخرىبعد أن أسس هؤلاء القادة أحزاب جديدة بأسماء جديدة لكن بنفس الفكر السياسي والأيديولوجيا التي منعها العسكر من 10 سنوات ……….نفس البرامج ، بنفس القادة، بنفس الهياكل تقريبا لكن بأسماء مختلفة !
لم يفلح منع السياسيين من قبل العسكر في وقف أفكارهم ،بل ذهب العسكر و انقلابهم و بقيت الأفكار .
لو كنت ترى أن كل ما جرى في تركياخلال الانقلاب العسكري عام 1980 لا وجه للشبه بينه و بين ما تم في مصر في 3 يوليو2013 ، فإني أقترح عليك أن تقرأ معي هذه القصة لعلك تجد أي وجه للشبه .
بعد رفع الحظر عن رموز العمل السياسي و منضمنهم اربكان بعد استتباب الأمر للانقلابالعسكري انشأ حزب جديد باسم ” الرفاه” ، و دخل بهذا الحزب الانتخابات المحلية عام 1995 وحصل على 19% ، يضاف إلى ذلك أنه حصل على 6بديات من 15 ، من ضمن هذه البلديات أنقرة العاصمة السياسية ، و اسطنبول العاصمةالتاريخية لتركيا ، ثم دخل في الانتخابات البرلمانية عام 1996و حصل على 21% من مقاعد البرلمان و كان هو الحزب الأول فيعدد المقاعد ، وبذلك يكون للمرة الأولى في تاريخ تركيا الحديث حزب يحصل علىالأغلبية في البرلمان له خلفية إسلامية واضحة ، و يكون للمرة الأولى اربكان علىرأس الحكومة التركية .
كان حزب الرفاه هو التجربة الثالثة لنجم الدين أربكان معتأسيسي الأحزاب ، في البداية كان حزبه الأول ( النظام الوطنى _1960) تجمعا لأعضاءالطرف الصوفية و الملتزمين دينيا ، كن الأمور تطورت قليلا مع الحزب الثاني (الخلاصالوطني ) حيث تبلورت الأمور أكثر على مستوى الحزب و على مستوى الأعضاء ، و كانأربكان شريكا في الحكم من خلال هذه الحزب .لكنه مع حزب الرفاه كانت الأمور قداختلفت كثيرا .
قدم أربكان للشعب التركي برنامج متكامل و رؤية متسقةبعنوان “النظام العادل ” كانت محور حملاته الانتخابية المتتالية ، كماأنه استطاع اجتذاب شرائح كبيرة من غير الملتزمين دينينا الذين كانوا الرافدالرئيسي لأحزابه السابقة ، فضم إليه القادمون من يمين الوسط من عند سليمان ديمريلو تورجت أوزل ، و من يسار الوسط الذي انهار مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، و يبنىالحزب داخليا بطريقه أكثر احترافا تتيح له التواصل مع جميع أعضائه الذين كانأغلبهم من الشباب الذي اعتمد عليهم طوال فترة الثمانينات وقت أن كان محروما منالعمل السياسي من أجل الانتشار وسط المجتمع التركي و إعادة بناء حزب جديد.
أصدقاء أربكان و الحركة الإسلامية رأوا فيما جرى”فرصة تاريخية ” للإسلاميين جاءت لهم بعد طول انتظار من أجل أن يقدموانموذجا للحكم ، و أن يعرضوا ليس لتركيا فقط بل للعالم كله تجربة الإسلاميين فيالحكم .
تركيا صاحبت التاريخ العلمانيالعريق و التي منعت الآذان باللغة العربية من أجل أن تعيد بناء الدولة التركيةالحديثة على أسس علمانية أصبح على رأس حكومتها المهندس نجم الدين أربكان مهندسالحركة الاسلاميه و رغما عن العسكر فو قادم من خلال انتخابات برلمانية نزيه شهدبها العالم “ويملك الشرعية كاملة ” .
أربكان حاول أن يستغل الفرصة إلىأكبر مدى ، إجراءات اقتصادية راديكالية من أجل إعادة بناء النظام الإقتصادى التركي، وإجراءات إدارية و دولاتيه من أجل القضاء على صور التمييز ضد الإسلاميين ،بالإضافة إلى محاوله بناء علاقات خارجية جديدةلتركيا تعيد بناء علاقتها مع الدول الإسلامية و العربية و العودة إلى العالمالإسلامي بقوة بعد انقطاع طويل . هذه الإجراءات وغيرها كثير لم ترضي العسكر ولا منخلفهم ….!
ورأى أن ما يحدث لا يمكن السكوتعليه كثير و إلا فإن تجربة أربكان في الحكم قد تؤدى إلى تغيير بنية النظام السياسيو الاجتماعي و الاقتصادي في تركيا ، و بناء علاقات خارجية تركيا على غير رضا الجيش….وغيرها و بالتالي فإن قياده الجيش اتخذت قرارها جيدا :
لا يمكن لأربكان بعد 11 شهرا منوصوله للحكم أن يستمر .
يجب أن يتدخل الجيش .
لكن الظروف اختلفت عما كان موجودافي عام 1980 ، و العالم لم يعد يقبل الانقلابات العسكرية بسهوله ، والظروفالداخلية في تركيا غير مهيأة كما كانت في السبعينات من أجل قبول فكرة انقلاب عسكري، و هكذا رأى الجيش أنه لا يمكن القيام بانقلاب عسكري متكامل و فضلت بدلا منه أنتقوم بانقلاب عسكري “ناعم ” .
و”ناعم ” لا يعنى أنه انقلابقام به ” نساء ” بدلا من الرجال ، ولكنه يعنى أنه انقلاب دون أن تتحركدبابة واحده و دون أن يخرج الجيش من ثكناته !!
وبعض السياسيين يطلق عليه “انقلاب مابعد حداثي “
كيف حدث هذا ؟
في 28 فبراير 1997 اجتمع مجلس الأمنالقومي وبعد مناقشات و تبادل الآراء قرر أنه يجب أن يتم وقف تجربة أربكان الآن وليس غدا ، و بالتالي فإنه استدعى أربكان و طلب منه التوقيع على مجموعه من الطلبات (18 طلب )التي رأى قيادات الجيش أنها يجب أن تتم من أجل المحافظة على النظامالعلماني في تركيا التي يحاول أربكان أن يغيرها ، كان الحوار الذى استمر لأكثر من8 ساعات واضحا و صريحا إما أن تقبل بهذه القرارات و توقع عليها و إما أن ترحل !
اربكان تحت الضغط قام بالتوقيع علىبعض هذه القرارات ، منها :
– أن يصبح التعليم الإلزامي الذيلا يحتوى على أي محتوى إسلامي لمده 8 سنوات بدلا من 5 سنوات حتى لا يتعرض الطفلإلى أي محتوى إسلامي .
– إغلاق مدارس القران الكريم .
– إجراءات أكثر تشددا من أجلتشديد عدم دخول المحجبات للجامعات .
أربكان _الطيب و صاحب النية الحسنه _ أعتقد أنه من خلالالتوقيع على هذه القرارات وموافقته علىجزء من طلبات الجيش أنه بذلك قد استطاع الإفلات من هذه العاصفة ، و أنه بذلك قدمنع الانقلاب العسكري و تدخل الجيش في السياسية ، لم يبدى اعتراضا كبيرا أمامالرأي العام التركي ، و لم يتحدث عن الشرعية ولا عن الأجيال القادمة التي يجب أنترانا في صورة مشرفه لا نقبل الدنية في ديننا ولا شرعيتنا …..إلخ
لكن حقيقية الأمر، أن رغم أن أربكان رضخ للجيش و لم يبدى اعتراضا و حاول التعامل مع الموقف بطريقه براجمتية و سياسية إلا أن القرار بالانقلاب كان قد اتخذ من قبل سواء قبل اربكان بطلبات الجيش أو رفضها .و أن ما قام به من قبول بعض هذه الطلبات قد أجل الانقلاب عليه لأيام فقط ….
وهكذا …
خرج أربكان من الحكم بعدها بثلاث شهور تحت ضغط الجيش ،وبعدهابشهور أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارا بإغلاق حزب الرفاه و منع نجم الدينأربكان من ممارسة العمل السياسي لمده 5 سنوات .
بعد التعديلات الدستورية التى جرت في تركيا في 2010
بدأت الدولة في إعادة فتح التحقيق مع قادهالانقلاب العسكري الذي تم في 1980 و ذلك في عام 2011 .
في يناير 2012 قبلت المحكمة التهمةالموجه لقاده الانقلاب ، و بدأت بالفعل إجراءات محاكمتهم على ما اقترفوه في حق تركيا منذ 32 سنه من الانقلاب في ابريل 2012