ترجمة وتحرير: نون بوست
حتى الحرب العثمانية الروسية في 1877 و1878، كان الشعب البوسني المسلم، الذي كان يعيش على الأرض العثمانية الفعلية، يواجه صعوبات كبيرة بسبب الاحتلال والضغوط التي مر بها في أوائل سنة 1878. في أوائل نيسان/ أبريل سنة 1878، وقع إرسال 60 ألف لاجئ قدموا إلى الأناضول من البوسنة إلى مقاطعات مختلفة، وتوفي 18 ألف مهاجر بسبب الأمراض المعدية أثناء طريق الهجرة. وقع تضمين جميع المسلمين الذين يعيشون في هذه الجغرافيا في الجيش نتيجة لقانون “الدفاع المؤقت” الذي سنته الحكومة النمساوية سنة 1881، والتي تولت الإدارة في البوسنة بعد أن تركتها النمسا مؤقتا بموجب معاهدة برلين في 13 تموز/ يوليو سنة 1878.
مع ذلك، لم يرغب البوسنيون في أن يكونوا جنودا لجيش بلد “مسيحي”، أو أن يظلوا في صفوف هذا الجيش بسبب تحفظاتهم على موضوع الطعام والشراب والعبادة. تسبب هذا الوضع في اندفاع هجرة جماعية جديدة نحو الأناضول بين المسلمين البوسنيين، وكانت الإدارة العثمانية، وخاصة سلطانها، مصممة على رعايتهم. قال السلطان عبد الحميد الثاني في قضية الشعب البوسني: “لا يمكن التفكير في أن العثمانيين سيظلون غير مبالين بمثل هذه المواقف الكارثية التي تحدث لنصف مليون مسلم من البوسنة والهرسك، فهم الأكثر إخلاصا وصداقة للدولة العالية”.
وفقا للبروتوكول الموقع بين الطرفين بعد الضم الفعال للبوسنة والهرسك في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 1908 من قِبل النمسا، واعتراف الباب العالي بهذا الضم في نيسان/ أبريل سنة 1909، كانت الهجرة من البوسنة والهرسك إلى تركيا مفتوحة، كما كان للاجئين حرية التصرف في عقاراتهم ودخلهم ودفع الالتزامات بشكل مباشر أو من خلال طرف ثالث. وبعبارة أخرى، فإن مسلمي البوسنة يوجهون تركيزهم في كل مرة يعلقون فيها إلى المناطق الأكثر أمانا وهي الجغرافيا العثمانية.
المساعدات من البوسنة
جمعت المساعدات للهلال الأحمر التركي من البوسنة والهرسك وإرسالها أثناء حرب طرابلس سنة 1911. كما وقع إعادة هيكلة وتنظيم جمعية الهلال الأحمر في 20 نيسان/ أبريل 1911 أثناء الفترة الدستورية الثانية. وقد صادفت حرب طرابلس التي اندلعت في 29 أيلول/ سبتمبر 1911 عدم استعداد جمعية الهلال الأحمر مما جعل المجتمع يقف على أهبة الاستعداد وينظم مؤتمرات استثنائية على التوالي لجمع المساعدات. كانت الأموال والإمدادات في خزينة الجمعية غير كافية، لذلك وقع طلب المساعدة من العديد من البلدان في الخارج.
خلال هذه الفترة، كان على رأس البلدان التي قدمت المساعدة للهلال الأحمر مصر والهند، إلى جانب مسلمي البوسنة. في حين لم يكن هناك سوى 146.11 ليرة تركية في خزنة الجمعية قبل حرب طرابلس، وصلت هذه الأموال إلى 268.873 ليرة بدخول سنة 1914 بعد إرسال المساعدات تلك السنة.
دعا جمال الدين أفندي في مقاله المسلمين البوسنيين إلى وجوب إنشاء لجان في كل مكان لمساعدة الهلال الأحمر
جعلت المساعدات من البوسنة سنة 1911 الإدارة العثمانية سعيدة للغاية. في المقابل، قامت الدولة العثمانية بتقديم المساعدة المالية اللازمة لإغاثة البوسنيين الذين تضرروا في حريق بلدة فيسوكا البوسنية على الفور عن طريق إرسالها لوزارة الخارجية، وذلك تعبيرا لشكرهم على مساعدة مسلمي البوسنة الذين قدموا إعانات للهلال الأحمر وتعبيرا عن التعاطف الإنساني. وكان ذلك بناء على القرار الذي اتُخذ في 27 كانون الثاني/ يناير 1912.
جرى تقديم طلب بإنشاء مركز لجمع المساعدات لصالح الهلال الأحمر في البوسنة والهرسك التي تحتلها النمسا، ولكن إنشاء فرع للهلال الأحمر هناك لم يكن ممكنا. لذلك، جُمعت المساعدات وأُرسلت إلى اسطنبول من خلال اللجان المنشأة. وفي سنة 1912، وقع تشكيل لجنة للهلال الأحمر في سراييفو، حيث كان هاجي صالح أفندي هو رئيسها وسيراتش زاده محمد طيب أفندي أمينها العام، وأعضائها هاجي أحمد أفندي وهاجي أبدي أفندي وعاصم أغا وأبدي أغا. وسنة 1912، جمعت هذه اللجنة 300 ألف كرون أو 15000 ليرة عثمانية، وأرسلتها إلى اسطنبول نيابة عن الهلال الأحمر.
بجانب تركيا خلال حرب البلقان
في هذه الفترة، كان يقع تسجيل الأنشطة التي يقوم بها الهلال الأحمر في البوسنة عن طريق كتابات رئيس الأمة، جمال الدين أفندي، ومحرري صحيفة “مصباح”، والتي كانت تترجم للتركية من قِبل صالح صفوت باستش أفندي. وقع الإعلان عن المساعدات التي جُمعت في صحيفة “مصباح”، كما كان يقع تشجيع المسلمين على جمع المساعدة والاهتمام بأعمال التنظيم.
كتب جمال الدين أفندي في العددين الثالث والرابع لجريدة “مصباح” لشهر كانون الأول/ ديسمبر سنة 1912 مقالا بعنوان “إعانة الهلال الأحمر” قال فيه: “من الواضح أن الهجمات على الدولة العثمانية العظيمة كانت تهدف إلى تدمير العالم الإسلامي، لأن تركيا هي أمل الخلاص لجميع المسلمين. فتركيا هي قلب العالم الإسلامي. إن المسلمين يعتمدون على بقاء حكومة تركيا للأبد حتى يستطيعوا العيش كمسلمين”.
دعا جمال الدين أفندي في مقاله المسلمين البوسنيين إلى وجوب إنشاء لجان في كل مكان عبر طلبه مساعدة الهلال الأحمر. جمع المسلمون البوسنيون ألفي ليرة، إضافة إلى دفع دميرجي هاجي أبدي أفندي النفقات الضرورية لجمع المساعدة وإرسالها إلى سراييفو. في المقابل، حث صالح صفوت بيسك في مقاله الرئيسي في صحيفة “مصباح” لشهر آذار/ مارس سنة 1913 البوسنيين إلى مساعدة الهلال الأحمر في المحاربة بجانب تركيا في حرب البلقان للدفاع عن الخلافة وخاصة في قضية المهاجرين من الروملي. وقد أعرب أيضا عن تقديره لجهود مسلمي الموستار في هذا الموضوع.
بهذه الطريقة، يكون قد أرسل المسلمون البوسنيون ما مجموعه 3095 ليرة عثمانية و15 قرشا أو 62 ألف كورونوس نمساوي إلى الهلال الأحمر عن طريق بنك المسلمين البوسنيين لاندز والبنك الإسلامي لسراييفو والقنصلية العثمانية.
وقع جمع ذلك المبلغ كالتالي: 271 ليرة من بلدة بيليينا في 28 كانون الأول/ ديسمبر 1912، و78 ليرة من جاجسي والمناطق المحيطة لها سنة 1913، و385 ليرة من دائرة تريبينيي في 13 شباط/ فبراير 1913، و1.473 ليرة من دائرة بيلينا في 8 آذار/ مارس 1913، و650 ليرة من روغاتيكا في آذار/ مارس 1913، و38 ليرة و15 قرشا من قريتي أفتوناك ومولا التابعتين لدائرة جاكو في 18 آذار/ مارس 1913، و200 ليرة من صالح صفوت باستش عن طريق “دار القراءات الإسلامية” في بلدة جوباتاك سنة 1213، وذلك وفقا للأخبار التي تداولتها صحيفة “مصباح”. وقد كان على رأس من قدموا تلك المساعدات الأساتذة والمعلمين والأئمة البوسنيين.
جعلت الإسعافات الأولية من البوسنة في سنة 1911 الإدارة العثمانية سعيدة للغاية.
مثال رائع على الكرم والأخوة
وقع نشر أسماء مسلمي البوسنة والهرسك الذين أرسلوا مساعدات مباشرة إلى جمعية الهلال الأحمر العثماني بعد حروب غرب طرابلس والبلقان، إضافة إلى مكان إقامتهم والمبلغ الذي أرسلوه في كتاب الهلال الأحمر لسنتيْ 1913 و1914. وخلال هذه الفترة، أرسل مسلمو البوسنة ما مجموعه 6210 ليرة عثمانية إلى اسطنبول. وكان من بين المدن والإدارات التي قامت بإرسال المساعدات سراييفو وبانيا لوكا وديربنت وغراداك وتيسانج وروجاتيكا وغلاموك وجاكو وكونجيك وهارسوفا وكوبرو ودوني فاكوف. كان هناك أيضا أولئك الذين أرسلوا مساعدة خاصة للجنة الهلال الأحمر في سراييفو بوسنة، مثل حافظ محمد أفندي عضو المجلس العلمي، وكاباناكوفيتش أحمدوف، أحد المسلمين البوسنيين.
أظهرت العديد من الجمعيات سخاء وأخوة كبيرين عن طريق جمع 25 ألف ليرة وإرسالها إلى الهلال الأحمر بعد حرب طرابلس والبلقان حتى نهاية سنة 1913، وذلك وفقا لرسالة “الشكر” المرسلة من المقر الرئيسي لجمعية الهلال الأحمر العثماني. وفي المقابل، وقع شكرهم على سلوكهم الإنساني ومساعدتهم تلك. بعد ذلك، تم تأسيس جمعية الهلال الأحمر فعليا في سراييفو، وقام الرئيس الثاني لجمعية الهلال الأحمر العثماني الدكتور باسيم عمر بتقديم الشكر لنساء سراييفو في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1914 على مساعدتهن ودعمهن للهلال الأحمر من خلال صحيفة “مصباح”.
وفقا للتقارير التي توصلنا إليها من وثائق الأرشيف العثماني، فقد أرسل مسلمو البوسنة مساعدات إلى الهلال الأحمر في اسطنبول لما مجموعه 20 مرة من 16 نيسان/أبريل 1913 إلى 16 تموز/يوليو 1918، معظمها كان خلال الحرب العالمية الأولى. في هذه الأثناء، وقع إرسال مساعدات من البوسنة إلى جمعيات الدفاع القومي والأسطول البحري.
وقع اكتشاف أمراض معدية مثل الجدري والحمى والتيفوس بين المهاجرين البوسنيين عقب التحقيق الذي أجري في مقاطعتي تشاتالجا وكونيا، أين استقر المهاجرون البوسنيين.
أرسلت البوسنة الآلاف من الليرات إلى الهلال الأحمر خلال هذه الفترة، خاصة سنة 1914 وما بعدها. وتعاونت لجنة الهلال الأحمر برئاسة القنصلية العثمانية في سراييفو مع الحكومة النمساوية وجمعت آلاف الكرون من مختلف الأنشطة وأرسلتها إلى الهلال الأحمر في اسطنبول.
المهاجرون في طريق الهجرة
حصلت شخصيتين مرموقتين من سيدات البوسنة والهرسك المسلمات في 9 شباط/فبراير 1916 على وسام الشفقة، وحصل كذلك أحمد أفندي كرم أغيتش من بلدة فارشيه في البوسنة على ميدالية الهلال الأحمر في 28 آيار/مايو 1917، وفقا لقرار مجلس الوكلاء، لتقديمهم المساعدات. كما قدم الهلال الأحمر ميدالية ذهبية إلى رئيس العلماء في البوسنة، جمال الدين أفندي، لدوره في جمع مئات الآلاف من الكرون لجمعية الهلال الأحمر حتى سنة 1919.
كبادرة شكر على هذه المساعدات، قامت جمعية الهلال الأحمر بالإهتمام باللاجئين البوسنيين الذين هاجروا إلى الأراضي التركية سنة 1924. وفي يوم 9 نيسان/أبريل 1924، قامت الجمعية بإعلام حكومة الجمهورية التركية بإنتشار الأمراض المعدية في حالة عدم اتخاذ التدابير ضد تلك الهجرات الجماعية التي تحدث من البوسنة إلى الأناضول. أولا، وقع عمل دراسات حول الأدوية اللازمة حتى يصل المواطنون البوسنيون الذين استعدوا للهجرة إلى الأراضي التركية سالمين دون تعرضهم للمرض. وفي 27 نيسان/ أبريل، قدمت جمعية الهلال الأحمر لممثلي المهاجرين في كل منطقة طريقة للتحقق من المرض.
وقع اكتشاف أمراض معدية مثل الجدري والحمى والتيفوس بين المهاجرين البوسنيين عقب التحقيق الذي أجري في مقاطعتي تشاتالجا وكونيا حيث استقر المهاجرون البوسنيين. وقد جاء في تقرير مسؤولي الهلال الأحمر لكل منطقة، والمؤرخ في 14 أيار/مايو 1924، أن المستشفى الذي قاموا بإنشائه في إزميت لم يكن كافيا. كما أوضح التقرير أهمية نقل المرضى الذين يحملون المرض المنتقل عن طريق اللمس وذلك على وجه السرعة. وفي تقرير آخر بتاريخ 12 تموز/يوليو 1924، طلبت جمعية الهلال الأحمر إرسال الأطباء والمعدات الطبية اللازمة للمهاجرين البوسنيين من أجل علاج أولئك الذين انتقلت إليهم الأمراض الموبوءة مثل الجدري والحمى والتيفوس.
المصدر: مجلة ١٨٦٨ الصادرة عن الهلال الاحمر التركي