ما من شك أن التشجيع على العنف عادة من عادات ترامب، وليست أوصافه للمتظاهرين بالبلطجية وتهديده إياهم بإطلاق النار بالجديدة، فقبل ذلك بسنوات، أوصى أفراد الشرطة في خطاب أمامهم بعد توليه الرئاسة بستة أشهر في يوليو/تموز 2017 بأن “لا يكونوا لطفاءً” مع المشتبه بهم وأن لا يضعوهم في سيارات الشرطة برفق وإنما “بخشونة”.
يعود جزء من ذلك إلى أن حملته الانتخابية قبل ثلاث سنوات وحملة إعادة انتخابه الحالية اعتمدتا إلى حد كبير على قاعدة انتخابية تقدس أفراد الشرطة وضباط مكافحة الهجرة غير الشرعية وتعدهم أبطالًا، وتضم عددًا كبيرًا من أفراد الشرطة ومن داعمي رؤية ترامب (اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى MAGA) ومنهم عنصريون ومتطرفون بيض.
جزء كبير من هذه الفئة يؤمن بسمو العرق الأبيض ويؤيد العنف بحق الأقليات التي يعتقد أنها تميل بطبيعتها إلى البلطجة والإجرام والركون إلى المساعدات الحكومية بدلًا من العمل، ومن هؤلاء المتطرفين الثلاثة البيض الذين لاحقوا الشاب أحمد أربري في برونسويك بولاية جورجيا كما يلاحقون الطريدة، اثنان منهم أب وابنه أطلقا النار على أحمد وهو يهرول، والثالث كان يصورهم، وحجتهم أنهم كانوا يؤدون مهمة الشرطة ويحاسبون مجرمًا رغم أنه كان أعزل وفي حاله!
لكن ما يُعقد المشهد إلى أقصى حد ويسلط الضوء على مشكلة بنيوية في نظام إنفاذ القانون الأمريكي (law enforcement)، هو الاتفاق الضمني بين أجهزة إنفاذ القانون من ادعاء عام وشرطة ومكافحة الهجرة غير الشرعية وحتى المحاكم، والمتطرفين، على ظلم الفئات الأضعف التي لا تقتصر على ذوي الأصول الإفريقية.
يتمثل هذا الاتفاق واضحًا فيما فعله المدعي العام برونسويك بعد مقتل أحمد أربري، حيث طلب من الشرطة أن لا تعتقل المتطرفين البيض الذين قتلوه. وبعد اشتعال الاحتجاجات والضغوط من الرأي العام تحركت المسألة قليلًا. ورغم فصل الشرطي قاتل جورج فلويد وثلاثة أفراد شرطة كانوا حوله من عملهم، فإنهم لم يكونوا ليخضعوا للمساءلة القانونية لولا اشتعال الاحتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ترامب ابن المنظومة العنصرية يفعل ما كان يفعله دائمًا، لكنه الآن أكثر شهرة وتأثيرًا، فهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
حتى تقرير الطبيب الشرعي الصادر عن شرطة منيابوليس بحق حالة فلويد ذكر أنه لم يعثر على دلائل ملموسة على حدوث اختناق أو خنق، وأشار إلى “وجود دلائل على أمراض قلب وارتفاع ضغط دم واحتمال وجود مسكرات”! لكن عائلة الضحية عندما شرحت الجثة عند جهة مستقلة خاصة تبين أن سبب الموت هو الخنق بسبب الضغط على رقبته.
تتضح العنصرية المؤسساتية في مدينة منيابوليس التي تم فيها وحدها منذ عام 2012، تقديم أكثر من 2600 شكوى ضد سلوك الشرطة، ولكن 12 منها فقط أدت إلى تأديب فرد شرطة. وكانت أقصى عقوبة ألحقت بشرطي هي توقفه عن العمل لمدة 40 ساعة، مع العلم أن المحافظ والعمدة ورئيس الشرطة من الحزب الديمقراطي.
ترامب لم يزرع بذور الإفلات من العقاب في نظام إنفاذ القانون والقضاء الأمريكي، لكن مصالحه التقت مع مصالح الفئات التي يفضلها هذا النظام، أما الفئات الأضعف التي يسحقها هو والمنظومة الاقتصادية والتنموية فهي التي يستهدفها بتصريحه الذي يهددها فيه بإطلاق النار ويدعو إلى مزيد من الضغط عليها.
آخر ما حُرر من دعوات ترامب للعنف حديثه في تسجيل صوتي إلى محافظي ولايات أمريكية حدثت فيها مظاهرات، حيث طالبهم باستخدام مزيد من القوة والحزم، وعرض إرسال الحرس الجمهوري لمساندتهم، وقال: “إذا لم تسيطروا على مدنكم وولاياتكم، فستذهب وستذهبون معها”. لكن المحافظين طلبوا منه تخفيف لهجته التي تقسم البلاد.
قبل شهر من الآن، تظاهر الآلاف من البيض شاهرين أسلحتهم ودخلوا مجلس نواب ولاية ميشيغان الأمريكية، وأرهبوا الحاكمة الديمقراطية للولاية التي لم يتمكن موظفوها وضباط الأمن في المجلس إلا من ارتداء السترات الواقية من الرصاص. ترامب وصف سلوك هؤلاء بالتحضر وقال إنهم “أناس جيدون جدًا”.
وهنا يتضح الأمر وتبدو المفارقة مفهومة في هذا السياق: ترامب ابن المنظومة العنصرية يفعل ما كان يفعله دائمًا، لكنه الآن أكثر شهرة وتأثيرًا، فهو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.