ترجمة وتحرير نون بوست
في الـ5 من يونيو عام 2017 فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارًا على قطر وأغلقوا جميع الحدود البرية والبحرية والجوية، هذا العدوان غير المسبوق مزق العائلات وانتهك حقوق الإنسان وبدد الثقة بين قطر وبعض جيرانها العرب.
كانت الأزمة نقطة تحول في تطور حرب المعلومات، فقد كان انتشار المعلومات الخاطئة والأخبار الزائفة أمرًا أساسيًا في التحول لعصر ما بعد الحقيقة، حيث أصبح مناشدة العواطف وليس الحقائق العملة السياسية الأساسية، هذه السنوات الثلاثة الماضية تخبرنا أن الأسوأ لم يأت بعد.
ذريعة وسائل التواصل الاجتماعي
تتطلب معظم الأزمات ذريعة لها، فحرب أمريكا على العراق كانت ذريعتها امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل، أما حرب فيتنام فقد كانت بشأن حادثة خليج تونكين عام 1964 حينما زعموا أن سفن شمال فيتنام هاجمت سفن أمريكا.
تعد الذرائع أحداثًا مهمة مصممة لتوليد الدعم العام لما قد يعتبر قرارات سياسية غير شعبية مثل حرب أو حصار، قبل عام 2017 كانت هذه الذرائع تنتشر بشكل تقليدي عبر وسائل الإعلام والراديو والتليفزيون والصحف.
ما يميز أزمة قطر أنها كانت أول أزمة دولية تبدأ بشأن حملة اختراق ومعلومات مضللة مدبرة، كانت الذريعة هنا اختراق الوكالة الإخبارية التابعة للدولة، وهي حركة غير مسبوقة لكنها مصممة لتشويه سمعة قطر كموالية لإيران، وهو أمر سيحظى بالتعاطف في واشنطن تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب.
تستغل أنظمة الخليح القضايا السياسية العالمية المتعددة لنشر أجندتها المناهضة لقطر وإيران وتركيا
في أعقاب الاختراق، انتشرت عشرات آلاف الحسابات الوهمية لنشر وجهات النظر المناهضة لقطر وخلق صورة كاذبة توحي بأن هناك موجة من العداء الشعبي ضد قطر، ما بين مايو 2017 ومايو 2020 واصلت هذه الحسابات تشجيع الانقلابات والتلاعب بالتوجهات وتشويه سمعة قطر كمحارب فعال في الشرق الأوسط وتشويه الحقيقة بشأن أزمة الخليج.
بعد 3 سنوات وبمناسبة ثالث رمضان منذ الحصار انطلقت حملة معلومات مضللة ضخمة بقيادة السعودية باستخدام حسابات مزيفة ومتصيدين ومؤثرين مختارين بعناية لنشر معلومات مضللة عن انقلاب في قطر، حتى إنهم اخترقوا حسابًا مؤكدًا لمغني أمريكي ولاعب كرة قدم أمريكية محترف لنشر تلك المعلومات المضللة.
من فيروس كورونا إلى “ح4ياة السود مهمة”
رغم أن تويتر علق آلاف الحسابات المرتبطة بعملية المعلومات المصرية والإماراتية والسعودية، فإن حرب المعلومات لم تُظهر أي مؤشر على التراجع، فعلى العكس تمامًا، تستغل أنظمة الخليح القضايا السياسية العالمية المتعددة لنشر أجندتها المناهضة لقطر وإيران وتركيا.
هذا التأثير التراكمي لكل هذه المعلومات المضللة مثير للقلق في انتشاره، فمن الدوري الإنجليزي الممتاز وحتى فيروس كورونا، لم يبق إلا عدة قضايا.
فهؤلاء المنتقدون لاستحواذ صندوق الثروة السيادية السعودية المنتظر على نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم يُعدون موالين لقطر، تروج الحسابات المزيفة التي تتظاهر بأنه مشجعة للنادي البريطاني محتوى مناهض لقطر، في محاولة لتأطير معارضة الاستيلاء على النادي كأنها مجرد سياسات إقليمية وليست قرصنة أو مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان.
حتى إن أحد مشجعي النادي شوه سمعة خديجة جنكيز – خطيبة الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي – واتهمها بأنها جزء من محاولة قطرية تافهة لوقف استيلاء السعودية على النادي.
عندما يكتب أي صحفي رياضي عن نادي مانشستر سيتي المملوك للإمارات مثل روب هاريس من وكالة أسوشتد برس أو ميجويل ديلاني من الإندبندنت، فإنم يتعرض بشكل منتظم لتشويه سمعته كموالٍ لقطر ومتعاطف مع الإرهابيين.
ربما من أسوأ المظاهر المقلقة أن أنظمة الخليج تستغل القوة العاطفية لكرة القدم لمحاولة التأثير على فهم المواطنين البريطانيين للشؤون الخارجية.
حتى أزمة فيروس كورونا الحاليّة فقد تم تسييسها، ففي مارس الماضي اتهمت شبكة حسابات مزيفة قطر بنشر الفيروس في الأرجنتين، بينما روجت الصحفية السعودية نورا المطيري لنظرية مؤامرة فيروسية مدعية أن قطر أعطت الصين أموالًا لمساعدتها على تطوير المرض من أجل الإضرار باقتصاد السعودية والإمارات.
في أعقاب مقتل المواطن الأمريكي الإفريقي جورج فلويد، سرب المعارض القطري في الخارج خالد الهيل تسجيلًا لرئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم وهو يشير إلى الرئيس الأمريكي السابق أوباما بـ”العبد”.
يتناسب ذلك مع رواية الحصار بأن حمد بن جاسم هو مصدر الشر في المنطقة، لكنه يسعى إلى استغلال المشاعر المناهضة للعنصرية المتحدة عالميًا تحت عنوان “حياة السود مهمة”.
المعلومات المضللة
من المعتاد أن تضخم وسائل الإعلام الرقمية وسائل الإعلام القديمة، لكن في الشرق الأوسط تقوم وسائل الإعلام القديمة بتضخيم المعلومات المضللة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، عادة ما تصبح الدعايا غير فعالة بمجرد أن يعلم الناس أنها دعايا، لكن إذا كانت لتلك الدعايا جذور غامضة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها تمتلك مصداقية تفتقر إليها وسائل الإعلام المملوكة للدولة لأنه تظهر وكأنها منبثقة بشكل أساسي من المجتمع المدني.
المرحلة التالية من حرب المعلومات المضللة ستكون كارثية.
في الواقع، يتم تسهيل الوصول الأساسي للمعلومات المضللة التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي عبر منظمات إعلامية حسنة السمعة، فقد قامت منظمة “Saudi Research and Marketing Group” التي تربطها علاقة وثيقة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالوصول إلى اتفاق مع صحيفة الإندبندنت البريطانية لإدارة المواقع الإخبارية باللغة العربية والفارسية والأردية والتركية تحت العلامة التجارية “إندي”.
خلال حملة المعلومات المضللة “انقلاب قطر”، نشرت إندي قصصًا تحتضن معلومات مضللة عن الانقلاب دون أي نقد واستشهدت بحسابات علقها تويتر بعد ذلك.
قمة جبل الثلج
لكن في النهاية من يصنع تلك الرسائل المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ عادة لا نعرف ذلك، لكن وفقًا لصحيفة الغارديان فإن بعض الشركات البريطانية حسنة السمعة ظاهريًا التي تمتلك مكاتب فاخرة في حي مايفير، تدير عمليات دعايا شعبية زائفة وتصنع حسابات وهمية لتلميع سمعة محمد بن سلمان، وهذا مجرد جزء صغير من الأمر.
في الخليج، أدت القوى المتنامية لمحمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بالإضافة إلى لا مبالاة ترامب بالحقيقة والمؤسسات العالمية وحقوق الإنسان إلى خلق بيئة محمومة من المعلومات المضللة، يتكامل ذلك مع أزمة الخليج حيث ترفض الدول المحاصِرة أي انتقاد موجه لها وتعتبره نتيجة لحملة تقودها قطر الراعية للإرهاب.
مع هذا التزوير العميق عالي الجودة وتنامي صناعة المعلومات المضللة المعقدة، وتقليل العديد من الأنظمة حول العالم من قيمة الحقيقة، فإن المرحلة التالية من حرب المعلومات المضللة ستكون كارثية.
المصدر: ميدل إيست آي