مع أن الموعد الطبيعي للانتخابات التركية هو النصف الثاني من 2023 إلا أن المعارضة التركية أو جزءًا منها يتحرك منذ أن فازت برئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول في مارس وحزيران 2019 وفقًا لفرضية وجود انتخابات مبكرة نهاية هذا العام أو في النصف الأول من العام القادم، حتى إن بعض زعماء المعارضة أعطوا عددًا من التلميحات والإيماءات باحتمال حدوث تغيير في الحكم سواء بالانتخابات “أم بطريق آخر” مما عرضهم للهجوم على أنهم يحرضون على حدوث انقلاب.
وفي الحقيقة يعتبر التفسير الأكثر منطقية لحديث الانتخابات المبكرة أن المعارضة تشعر بالخطر من أمرين: الأول هو انحلال التحالف الذي شكلته في الانتخابات البلدية بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطية وحزب السعادة، والثاني صعود شعبية الرئيس أردوغان بعد نجاحه في إدارة أزمة كورونا والنجاة بالبلاد بأقل الأضرار مقارنة بدول أخرى تعتبر أكثر إمكانات، فضلًا عن الإنجازات التي حققتها سياسته في سوريا وليبيا.
وهو الأمر الذي أشار له الكاتب التركي مليح ألتنوك في مقال له بصحيفة صباح حيث قال: “يمكننا القول إن موقف المعارضة التقليدي يتمثل في التظاهر بالرغبة في السباق مجددًا من أجل توجيه رسالة إلى أنصارها بأنها جاهزة وقوية”.
أما الفرضية الأخرى التي تستند إليها المعارضة فهي أن انتصارها في انتخابات البلدية جاء بعد ضربة اقتصادية تعرض لها الاقتصاد في 2018 وقد جنت المعارضة ثمرتها بالفوز في البلديات في 2019، ولذلك تعتقد أن الرئيس أردوغان قد يعجل بانتخابات مبكرة منعًا لتكرر سيناريو 2018-2019، خاصة لو تم جمع الرغبة في تجنب آثار المعاناة من الوضع الاقتصادي التي يتوقع أن يشعر بها المواطن التركي في نهاية 2020 وبداية 2021 مع الرغبة في الاستفادة من الشعبية التي حققها الرئيس أردوغان ووزراؤه في إدارة أزمة كورونا، فإن هذا يجعل المعارضة أكثر تأكدًا من وجود انتخابات مبكرة.
لكن لو نظرنا من الناحية المقابلة فإن خسارة الرئيس أردوغان 3 سنوات من الفترة الانتخابية الحاليّة من خلال التوجه لانتخابات مبكرة تجعل هذا الخيار غير منطقي، خاصة لو أضفنا له أن الانفتاح الذي بدأته الدولة في 1 من يونيو/حزيران الحاليّ سيخفف من آلام المعاناة الاقتصادية، فضلًا عن أن البلد لم تغلق بشكل كامل في المرحلة الماضية منذ مارس/آذار الماضي.
ومن ناحية سياسية فإن الحزبين الجديدين (حزب دواء بقيادة علي باباجان وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو) لم يشكلا قوة كبيرة. ولكن هذا الأمر له جانبين، فمن جانب ما زال الحزبان ضعيفين ومع افتراض أن يكونا أقوى بعد عامين فإن هذا يجعل إجراء انتخابات مبكرة أفضل، لكن إذا واصل الحزبان سيرهما بهذا الحضور فإن خيار الانتخابات المبكرة يكون أضعف.
لا يبدو في ظل المعطيات الحاليّة أن هناك انتخابات مبكرة في الأفق رغم كثرة الحديث عنها
ومن زاوية أخرى يمكننا القول إن أحمد داود أوغلو وعلي باباجان لن يسحبا الكثير من الأصوات من حزب العدالة قياسًا على الانتخابات الأخيرة لأن غالبية أنصارهما لم تصوت لمرشحي حزب العدالة في الانتخابات البلدية الماضية.
وبخصوص رؤساء البلديات الجدد أكرم إمام أوغلو أو منصور يفاش رئيسا بلدية إسطنبول وأنقرة والمرشح السابق للرئاسة محرم إينجه، فيمكن القول إنهم متخبطون سياسيًا ووقعوا في الكثير من الأخطاء خلال السنة الماضية، كما أن ترشح إينجه للرئاسة أفقده حقه في عضوية البرلمان، وتوجه إمام أوغلو أو يفاش للترشح سيجعل عودة البلدية لحزب العدالة أسهل لأن أغلبية المجلس البلدي من حزب العدالة وحليفه الحركة القومية.
ومن الناحية الشعبية فقد أظهرت استطلاعات مثل استطلاع كونسيوس أن 66.6% من الشعب يرفضون إجراء الانتخابات المبكرة، فيما يريدها نحو 33.4%.
وفي سياق الحديث عن الانتخابات المبكرة لا بد أن نشير إلى موقف رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الذي كان دوره مهمًا في مرات سابقة في التوجه نحو هذا الخيار، إلا أنه هذه المرة يبدو رافضًا لخيار الانتخابات المبكرة حيث قال مؤخرا: “هؤلاء الذين يحاولون إظهار أن تركيا تتجه لانتخابات مبكرة من خلال أجندة افتراضية، يقومون باستخدام هذا الأمر ضمن مخطط قذر ولنصب فخ بشكل معيب، نقول لهم إن لا أحد سينجر لهذا الخطاب والانتخابات ستجري في يونيو/حزيران 2023. ليس هناك حاجة لانتخابات مبكرة في تركيا والذين يروجون لمثل هذا الكلام ليسوا من الأوساط الديمقراطية أو من المعارضة الوطنية”.
ومع هذا فإن مشكلة المعارضة أكبر، حيث تحاول المعارضة وتحديدًا حزب الشعب الجمهوري الحفاظ على التحالف المعارض الذي قاد لفوز إمام أوغلو في البلدية، ولكن هذه المرة على نطاق تركيا كلها، وقد اجتمع كليجدار أوغلو مع زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشينار مؤخرًا خلال إجازة عيد الفطر، حيث بدأت الأخيرة تبتعد عن حزب الشعوب الديمقراطية قليلًا، كما أنها ترشحت في الانتخابات الرئاسية الماضية للرئاسة ومنعت ترشح عبد الله غول كمرشح موحد للمعارضة ومع وجود إشارات إلى تغير موقفها نحو التوافق على مرشح موحد إلا أن اسم هذا المرشح قد يسبب خلافًا، وفي الحقيقة لا يبدو أن هناك اسمًا حاضرًا للمعارضة يمكن أن يكون منافسًا حقيقيًا للرئيس أردوغان، فأغلب الأسماء المطروحة تبتعد شعبيتها بمسافة كبيرة عن الرئيس أردوغان وبعضهم وقع في أخطاء تجعل وصوله لهذا الموقع صعبًا جدًا.
ومع ذلك فإن الأمر الذي يخشى منه حزب الشعب الجمهوري هو تحالف جديد للحزب الجيد مع الأحزاب الجديدة، فالتنافر بين الحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطية قد يفتح الباب – كما يقول الكاتب الصحفي عبد القادر سلفي في حرييت – أمام تحالف بين الحزب الجيد وحزب دواء وحزب المستقبل وحزب السعادة، وهذا يضع الحزب الجيد أمام خيارين: إما الاستمرار في تحالف الشعب المعارض كما في الانتخابات الماضية أو التحالف مع الأحزاب الجديدة، وبالطبع يريد حزب الشعب الجمهوري الصيغة الأولى.
على كل الأحوال لا يبدو في ظل المعطيات الحاليّة أن هناك انتخابات مبكرة في الأفق رغم الحديث الكثير بشأنها، وتواجه المعارضة مشكلة في الحفاظ على وحدتها والأصعب هو في التوافق على مرشح توافقي يقبله مناصرو الأحزاب الثلاث المعارضة الرئيسية قبل أن يبدأ في منافسة الرئيس أردوغان.