تنقسم آراء العرب المعلقين على مآل الحرب الإسرائيلية الفلسطينية الأخيرة في قطاع غزة ما بين مناصر للمقاومة يرى أن كتائب المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام حققت نصرًا كبيرًا، وما بين معارض يرى أن حماس ومن حولها ورطوا الشعب الفلسطيني وأهل القطاع في حرب خاسرة لا فائدة منها.
ولأن أدب الحروب يقول إن أحد الأطراف في أي حرب لا يمكن أن يعتبر منتصرًا إلا في حال إعلان الطرف الآخر عن هزيمته، وإلى جانب المؤتمرات الصحفية الحزينة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، جاءت تصريحات رئيس تجمع مستوطنات شاعر هنيغيف المحاذية للقطاع “ألون شوستر” لتؤكد أن إسرائيل منيت بهزيمة استراتيجية فادحة.
فشل الاستراتيجية الإسرائيلية:
وفي تصريحاته الحديثة، قال ألون شوستر: “إن خروج 13 حمساويًا من باطن الأرض خلال الحرب عبر أحد الأنفاق دمر جهد 13 سنة من جهود استقطاب الإسرائيليين للسكن في هذه المنطقة”، مضيفًا: “الـ 13 عام الأخيرة شهدت نموًا وازديادًا في أعداد سكان مستوطنات غلاف غزة؛ ولكن اكتشاف النفق الذي دخل منه 13 حمساويًا بداية الحرب تسبب في خلق صدع وجروح لا تندمل لدى سكان الغلاف”.
ومضى ألون قائلاً: “نجح الإرهاب في مهمته بتهديد وإخافة السكان، فتهديد الأنفاق أصبح واقعًا لا يمكن المجادلة فيه، وتركت الأنفاق شعورًا بانعدام الأمن، ودورنا من الآن فصاعدًا هو السعي لإعطاء هؤلاء ما يستحقونه من العيش بشكل طبيعي”.
وواقع المشهد في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة هو أن الاحتلال الإسرائيلي بذل جهدًا كبيرًا لدفع الإسرائيليين للإقامة في غلاف غزة وذلك عبر تشييد آلاف الوحدات السكنية وتحويل الصحاري والسهول إلى مدن حديثة متقدمة، ثم اجتهد لسنوات في إقناع الإسرائيليين بأنهم سيكونون في مأمن من صواريخ المقاومة بفضل القبة الحديدية التي كلفت إسرائيل وأمريكا ملايين أو ربما مليارات الدولارات.
وعند بدء المواجهة اكتشف الإسرائيليون أنهم ليسوا في مأمن من الصواريخ، وأن حدائق منازلهم قد تنبت أنفاقًا يخرج منها المقاومون الفلسطينيون لقتلهم أو أسرهم في أي وقت، وحتى إذا أصر معارضو المقاومة الفلسطينية على عدم وصف فعلها هذا بالنصر فإنهم غير قادرون على إنكار هزيمة إسرائيل .. في هذه النقطة على الأقل.
الخبرة القتالية:
وبعيدًا عن جدلية النصر والهزيمة، حصلت كتائب المقاومة الفلسطينية على كنز عسكري تبحث عنه كل القوى العالمية فلا تدركه وهو “الخبرة القتالية”، وهو كنز يعجز الجيش الأمريكي نفسه على الحصول عليه، فرغم إنفاق البنتاغون الأمريكي لمليارات الدولارات سنويًا لتنظيم 35 مناورة عسكرية سنويًا بهدف “رفع مستوى الكفاءة القتالية لدى الجندي الأمريكي”، فإنه لا يبلغ هذه الغاية لأن المناورات العسكرية تبقى عمليات وهمية ولا يمكن أن تكسب الجندي الخبرة القتالية التي يكتسبها من خلال مشاركته في المواجهات العسكرية المباشرة.
وخلال حرب غزة الأخيرة، حصل المقاتل الفلسطينية على شهر كامل من الخبرة العسكرية الحقيقية، جرب خلالها تصويب بندقيته نحو أعدائه وجرب الضغط على الزناد لإصابة الدبابات الإسرائيلية بمختلف القذائف، وجرب اقتحام المعسكرات الإسرائيلية والخروج منها، وجرب الهروب من صواريخ الطائرات، حتى أنه جرب تحدي القبة الحديدية واستنزاف قدرتها الدفاعية وتعرية عيوبها.
وبعد تجربة 30 يومًا من الحرب، وكما ساهمت الإصابات المتتالية لمحمد الضيف في تصعيده من مقاتل إلى قائد إلى قائد عام في كتائب القسام، سيتحول مئات المقاومين الذين تعرضوا لإصابات متفاوتة خلال الحرب إلى قادة ومدربين عسكريين يقودون ويشرفون على كتائبهم لا بأذهان تنظيرية فقط وإنما بأذهان تنظيرية مزودة بالتجربة والخبرة .. وهذا مكسب لا يمكن أن ينكره إلا من قرر أن ينكر لأجل الإنكار لا غير.