صدمة جديدة يتعرض لها الاقتصاد الإماراتي خلال الفترة الأخيرة، حين كشفت بيانات منصة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس لمعلومات الطاقة، الأربعاء 3 يونيو 2020 عن قفزة كبيرة في مخزونات المنتجات النفطية في الفجيرة بالإمارات، في الأسبوع المنتهي في الأول من يونيو، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز“.
ووفق تلك البيانات فإنه ما عاد بمقدور مخازن النفط في الفجيرة، مركز النفط وتزويد السفن بالوقود بالشرق الأوسط، تحمل المزيد من المادة الخام في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب بصورة كبيرة، جراء تبعات إستراتيجيات مواجهة فيروس كورونا المستجد التي أصابت الاقتصاد العالمي بهزة عنيفة في مقدمتها الاقتصاد النفطي.
وتأتي تلك البيانات في أعقاب الصدمة الكبيرة التي مني بها سوق النفط العالمي خلال الشهر الماضي، حيث شهد تحول أسعار العقود الآجلة، إلى سلبية، في سابقة هي الأولى في التاريخ، كما حدث مع النفط الأمريكي، لتنهي التعاملات عند ناقص 37.63 دولار للبرميل، في الوقت الذي تتزايد معدلات الإقبال على البيع بكثافة بعد أن امتلأت منشآت التخزين التي باتت مكلفة للغاية.
وأمام تلك الوضعية أضحت الدول المنتجة للنفط في مقدمتها دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية أمام سيناريو كارثي، فالخزانات الممتلئة مع استمرار الإنتاج المكثف في ظل تراجع الطلب العالمي على المادة الخام، هذا بجانب بعض التغيرات التي طرأت على خريطة تحالفات سوق النفط، تنذر بوضع حرج يضع تلك الدول في مأزق خطير قد يضطرها إلى غلق صنابير الإنتاج.
مستوى قياسي من التخزين
وعن أسباب وصول مستوى تخزين النفط إلى تلك الأرقام القياسية، نقلت الوكالة الإخبارية عن مصدرين تجاريين أن ضعف الطلب على المادة بسبب إجراءات العزل كان السبب الأبرز، هذا بجانب أوضاع السوق النفطي في السنوات الأخيرة، التي شجعت وبصورة كبيرة المنتجين على تخزين منتجاتهم النفطية للبيع حينما تكون الأسعار عالية.
وبحسب بيانات ستاندر أند بورز فإن مخزون المنتجات النفطية في منشأة الفجيرة ارتفع من 20.7 مليون برميل في يناير الماضي، إلى مستوى قياسي جديد في 18 مايو الماضي حيث بلغ 30.2 مليون برميل، ثم الوصول إلى مستوى قياسي آخر في الأسبوع الأول من يونيو الحاليّ حين وصل إلى 30.7 مليون برميل، فيما سجلت المخزونات الأسبوعية في الإمارة بصورة إجمالية ارتفاعًا قياسيًا خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة.
كما سجلت مخزونات نواتج التقطير الوسيطة التي تشمل زيت الغاز ووقود الطائرات، رقمًا قياسيًا جديدًا خلال الأسبوع الحاليّ حين وصلت إلى 5.997 مليون برميل، أما مخزونات نواتج التقطير الخفيفة التي تشمل البنزين فقد استقرت قرب أعلى مستوى في عام وبلغت 8.549 مليون برميل فيما بلغت مخزونات زيت الوقود المتبقي 16.164 مليون برميل.
غلق صنابير النفط
امتلاء خزانات الفجيزة لم يكن مفاجأة بالنسبة للمقربين من سوق النفط، حيث ذهبت الكثير من التوقعات إلى الوصول للحد الأقصى من طاقة التخزين بتلك الخزانات في غضون أيام معدودة، بعد أزمة تفشي كورونا، وهو ما كشفته شركة “تانك بنك إنترناشونال” العالمية المتخصصة في اللوجستيات، أبريل الماضي، حين حذرت من بلوغ صهاريج التخزين في الفجيرة طاقتها الكاملة للخام والمنتجات النفطية.
ورغم الأهمية اللوجستية للفجيرة كونها أحد الموانئ الرئيسية للإمارات، وهي نقطة مزدحمة لإعادة التزود بالوقود لناقلات تنقل الخام لمسافات طويلة من الخليج، إلا أن أزمة التخزين التي تتعرض لها حاليًّا كشفت حجم التهديد الذي يواجه خططها التنموية، الأمر الذي دفع بعض شركات النفط العاملة فيها إلى البحث عن مخرج لتلك الأزمة وذلك عبر بناء منشآت تخزين جديدة، وهو ما أقدمت عليه شركة بترول أبو ظبي الوطنية “أدنوك” التي بدأت في بناء منشأة أسفل جبال المنطقة من المقرر أن يكتمل بناؤها هذا العام.
المأزق الحاليّ الذي ربما يدفع البلاد إلى وقف إنتاجها النفطي لعدم وجود منشآت تخزين، لم يكن حكرًا على الإمارات فحسب، فهاهي السعودية تشارك حليفتها في الأزمة ذاتها، ما دفعها لاستئجار خزانات في دول أخرى مجاورة لتخزين منتجاتها النفطية فيها، وبحسب “بلومبيرج” فإن الرياض أرسلت نهاية الشهر الماضي، كميات كبيرة من النفط الخام لتخزينها في المستودعات بمصر، استعدادًا لبدء زيادة الصادرات إلى أوروبا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام سعودية محلية.
وقد نقلت الوكالة الأمريكية عن مصدرين مطلعين إنه سيعاد تصدير النفط السعودي عبر ميناء سيدي كرير المصري على ساحل البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا مباشرة، كجزء من خطة المملكة زيادة صادراتها للخارج في ظل أزمة كورونا، ومن جانب آخر تجنبًا للآثار المترتبة على امتلاء الخزانات النفطية التي تمثل عقبة كبيرة تهدد مستويات الإنتاج بالسعودية.
مأزق اقتصادي
القلق الذي يخيم على منظومة النفط في الإمارات، إنتاجًا وتخزينًا، يضع الاقتصاد الوطني في مأزق حقيقي، خاصة أن عوائد النفط تمثل الجانب الأكبر من الموارد الاقتصادية، وهو ما دفع العديد من المؤسسات المالية العالمية لتوقع حدوث تداعيات سلبية لهذه التطورات على مؤشرات النمو الاقتصادي الإماراتي.
في مذكرة بحثية له توقع بنك “أوف أميركا” حدوث ركود في دبي بنحو 5.5% عام 2020، خاصة أنها تواجه استحقاقات ديون بنحو عشرة مليارات دولار هذا العام، في حين يُتوقع أن تتراجع الإيرادات على غرار أزمة 2009، هذا بجانب توقع اتساع العجز المالي لدبي ليصل إلى 4.4 مليار دولار، بما يعادل 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يرتفع إلى 5.3% بحساب مدفوعات الفائدة على قرض من بنك الإمارات الوطني فرع دبي أكبر بنوك الإمارة.
البنك الأمريكي رجح أن يكون تمويل هذا العجز عبر قروض من بنك الإمارات الوطني في المقام الأول، وقد تستخدم دبي أيضًا 1.4 مليار دولار ودائع لدى البنك أو تصدر سندات من خلال طرح خاص، محذرًا من أن “خسائر متواصلة في الإيرادات قد تثير مخاوف حيال ملاءة الشركات إذا كان التعافي ضعيفًا”.
كما توقع أن تلجأ دبي إلى إمارة أبو ظبي الغنية بالنفط للحصول على دعم مالي منها بجانب المصرف المركزي، وكانت أبو ظبي قد قدمت دعمًا لدبي بعد أزمة 2009 بقرض حكومي قيمته 10 مليارات دولار، جرى تمديده في وقت لاحق، وسندات بقيمة 10 مليارات دولار أصدرتها دبي للبنك المركزي.
وفي 28 من أبريل الماضي كشفت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، تداعيات تفشي كورونا على النمو الاقتصادي في البلاد، لافتة إلى أنها ربما تشكل صدمة كبيرة للدول الخليجية التي تصنف عند مستوى (Aa2)، متوقعة أن تتعرض الإمارات بشكل خاص لآثار اقتصادية سلبية للغاية، لافتة إلى أن النمو السلبي والآثار المالية، ستكون أكثر حدة في دبي، بسبب اعتمادها على قطاعي السياحة والنقل.
تتناغم توقعات موديز مع تحذيرات مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” المالية الاستشارية ومقرها لندن من أن تداعيات سياسة الغلق الناجمة عن مواجهة تفشي الوباء قد خفض توقعاتها للنمو في الشرق الأوسط لعام 2020 بنسبة 0.5% لتصبح 2%، موضحة في تقرير لها أن “اقتصاد الإمارات هو الأضعف وتهدد التداعيات بإثارة مخاوف متعلقة بديون دبي”.
وفي تلك الأجواء غير التفاؤلية يترقب الإماراتيون ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، لا سيما أن التداعيات المترتبة على تلك الأزمة تجاوزت لغة الأرقام المعلنة عبر المنصات الإعلامية الرسمية المدعومة بصبغة تفاؤلية إلى حياة المواطن العادي في الشارع الذي يعاين على مرأى ومسمع موجات تسريح العمال وخفض الرواتب وتقليص الامتيازات الممنوحة له سابقًا.