ترجمة وتحرير: نون بوست
تحدّثت عائلة أحد كبار مسؤولي المخابرات السعودية السابق عن معاناتها جرّاء اختفاء اثنين من أبنائها البالغين في الرياض، حيث وصف الوصي الوضع بأنه عمل انتقامي من ولي العهد محمد بن سلمان، لإجبار المسؤول على العودة من المنفى.
قال خالد الجبري، الأخ الأكبر للأشقاء، إن اختفاء عمر وسارة نجل وإبنة سعد الجبري في شهر آذار/مارس قد أظهر كيف يستخدم محمد بن سلمان وهو الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، الأبناء ضده. الأب، سعد الجبري البالغ من العمر 61 سنة هو مسؤول مخابرات متقاعد والساعد الأيمن لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف الذي حل محمد بن سلمان محله وليا للعهد. اختفت سارة وعمر بعد عشرة أيام من اعتقال محمد بن نايف هذه السنة.
في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، كشف الأخ الأكبر الذي يعيش الآن في كندا عن تفاصيل جديدة تتعلق بمحنة شقيقيه الذين عرفهما عامة الناس مؤخرَا عندما أصبحا من بين أبرز ضحايا عمليات التطهير التي قام بها محمد بن سلمان مؤكدا أن محنتهم انطلقت في اليوم الذي أصبح فيه محمد بن سلمان وليََا للعهد في سنة 2017 .
صرّح خالد الجبري قائلا :”الجميع يعلم بعمليات التطهير في شهر أيلول/سبتمبر سنة 2017 والتي بدأت بالمثقفين ثم “الريتز كارلتون”، لجين الهذلول والمدافعين عن حق النساء في القيادة وجمال خاشقجي والبقية، ولكن لا أحد يعلم أن عملية التطهير الأولى شملت عمر وسارة”. منذ البداية، تبيّن أن الهدف الحقيقي للأمير محمد هو سعد الجبري، الرجل الذي يعتقد أنه يمثل له تهديدًا خطيرًا.
عُرف عن الجبري علاقاته الوثيقة مع أجهزة المخابرات الغربية ودوره الكبير في تحسين قدرات الاستخبارات السعودية خاصة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. وفي تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أشاد به مسؤولون سابقون في الاستخبارات الأمريكية والبريطانية ووصفوه بالبطل الذي أنقذ العديد من الأرواح من هجمات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
كان الجبري هدفَا للأمير محمد بن سلمان لأسباب عديدة، من بينها معارضته لقرار شن حرب في اليمن كما نقلت تقارير صحفية إشاعات مفادها بأنه سرق أموالا من المملكة إضافة إلى ولائه السري لجماعة الإخوان المسلمين. لكن، نفت العائلة الجبري هذه المزاعم بشدة. وفي هذا الإطار، قال خالد إن بحوزتهم ” أدلة تبين أن كل الادعاءات التي تستهدف العائلة تحركها دوافع سياسية.. ونرحب بأي دعوى قانونية. لكن، كيف يبرر هذا الادعاء خطف طفلين؟”. وفي المقابل، رفضت السفارة السعودية في واشنطن التعليق.
بالنسبة لمتابعي الشأن السعودي، تندرج مثل هذه الاعتقالات في إطار صراع عن السلطة بين الحاكم السعودي وأعدائه المحتملين، لكن حادثة اختفاء الأبناء تمثل كارثة شخصية لعائلة الجبري. بدأ خلاف العائلة مع الأمير محمد بن سلمان في سنة 2017. هذا وقد فر سعد الجبري من المملكة، بحسب خالد، للابتعاد عمّا أطلقت عليه العائلة اسم لعبة “صراع العروش” بين الأمير محمد بن سلمان ومحمد بن نايف.
من جملة أفراد الأسرة البالغ عددهم ستة إخوة وأختين، لم يبق سوى عمر وسارة في المملكة في انتظار الموافقة على الحصول على تأشيرة طالب في الولايات المتحدة الأمريكية. وفقَا لرواية العائلة، تواصل محمد بن سلمان مع سعد الجبري قبل أيام من تعيينه وليَا للعهد وحاول إقناعه بالعودة، قائلاً إنه سيحصل على ترقية. لكن الجبري الذي كان متشككا في العرض أخبره أنه سيعود إلى المملكة في غضون أسابيع وعندما أصبح محمد بن سلمان وليَا للعهد، طلبت العائلة من سارة وعمر مغادرة المملكة.
من جهته، قال خالد: “ما فعلناه هو إخبار الأطفال بأخذ جوازات سفرهم والتوجه إلى المطار.” في حين أنهى عمر، البالغ من العمر 18 سنة آنذاك، إجراءات السفر، تم منع سارة من المرور من قبل السلطات وقيل لها إنها مُنعت من السفر “لأسباب أمنية”.
أكد خالد أن عمر قد قال:” لا أستطيع التخلي عن سارة.” ثم تلقوا أخبارا بأن عمر قد مُنع من السفر أيضا. قبل ساعة من ذلك، نُصّب الأمير محمد وليا جديدا للعهد. أضاف عمر: “تمثل أول أمر أصدره في منع الطفلين من السفر. وهو ما يوحي بما كان يكنه لوالدي، لم نكن نعرف ما إذا كان الإجراء المتخذ مؤقتا أو أنه سيتم العمل به إلى الأبد”.
تلقى سعد الجبري اتصالا مباشرا من الأمير محمد في أيلول/سبتمبر 2017، ليبلغه بأنه سيضطر إلى العودة إلى السعودية إذا أراد السماح لطفليه بالسفر. سافر سعد الجبري وزوجته إلى كندا بينما بقي عمر وسارة في الرياض وعادا إلى مدرستهما
في وصفه لشقيقته، يقول أخ سارة بأنها شابة يافعة وخجولة، ترعرعت وهي تكن حبا شديدا لوالدها، حيث لم تفوت أبدا فرصة تناول وجبة الإفطار معه. قال خالد إن عمر يتميز بإرادة قوية “وبحكمة تفوق سنه”، وهو حريص دائمًا على الخروج منتصرا من أي نقاش كما أنه محل الأنظار دائما.
كان لأثر المسافة وقع كبير علينا. “طوال تلك المدة، حاولنا اعتماد الوساطة السلمية لكن اختلفت حياتنا كثيرا عن ذي قبل. أصبحت المقاعد شاغرة على طاولة الغداء والعشاء، وفي كل عيد ميلاد”. كانت نادية الجبري تتحدث مع ابنتها المراهقة لساعات عبر الهاتف، وتتصل غالبًا في وقت متأخر من الليل وقتها يحين وقت استيقاظ سارة في الرياض، وتدفعها للذهاب إلى المدرسة في الوقت المحدد. قال خالد: “كانت المكالمات والرسائل النصية ومكالمات الفيديو مصدرنا الوحيد للشعور بالطمأنينة. كانت أمي تقضي ساعتين على الأقل في اليوم للتحدث مع سارة عبر الهاتف”.
في هذه السنة، في السادس من آذار/مارس، اجتمعت الأسرة لإجراء مكالمة فيديو للاحتفال بعيد ميلاد سارة التي تطفئ شمعتها العشرين. تذكر خالد كيف كانت سارة مسرورة ببطاقتها التي وقعتها العائلة بأكملها، وبهديتها التي كانت عبارة عن سوار جديد ما فتأت تلوح به عبر الكاميرا. وكانت تلك المرة الأخيرة التي رآها فيها. في ذلك اليوم، اعتُقل محمد بن نايف وغيره من السعوديين البارزين، واستُدعي عمر وسارة للتحقيق من قبل مسؤولي أمن الدولة.
في الاجتماع الذي أجري بعد بضعة أيام، مورس ضغط على الشقيقين لمحاولة إقناع والدهم بالعودة إلى السعودية. قال خالد: “كانت سارة خائفة”. “أخبرت أبناء عمها أنها خائفة لكنها لا تريد أن تخبر أمي. شعرت بعد ذلك الاجتماع أنه سيتم اعتقالهما”. بعدها، حاولت ناديا الاتصال بسارة في 16 آذار/مارس، لكن كان هاتفها مغلقا.
اتصل الشهود ليصفوا ما شاهدوه. فقد رأوا عشرات السيارات والمسؤولين يصلون إلى المنزل في الرياض في وقت مبكر من ذلك الصباح لأخذ الشقيقين. منذ ذلك اليوم، منتصف آذار/ مارس، لم يسمع صوت سارة التي بلغت العشرين ربيعا ولا عمر الذي يكبرها بسنة.
قال طبيب القلب، خالد الجبري، إن مسؤولي أمن الدولة والمحاكم الملكية في السعودية قد تجاهلوا محاولاتهم للحصول على إجابات، حيث أورد “لقد سألتهم عن مكان احتجازهما وحول ما إذا كانا بخير مؤكدا أنني بحاجة إلى طمأنة والدتهما. لكنهم يقرؤون الرسائل دون الإجابة عنها. لقد اختفى سارة وعمر ونحن لا نعرف شيئا عنهما. آمل أن يكونا معا، فكل منهما هو الصديق المفضل للآخر. يتملكنا الخوف، خاصة عند تخيل ما يمكن أن يفعله هؤلاء”.
طلبت عائلة الجبري المساعدة من أطراف عدة بمن فيهم حكومة الولايات المتحدة. فيعد كل من سارة وعمر مواطنين أوروبيين حيث حصلا في السابق على الجنسية المالطية. ورداً على سؤال متكرر من الغارديان عما إذا كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قد تدخل في هذا الصدد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية: “نحث حكومة المملكة العربية السعودية، وجميع الحكومات الأخرى، على ضمان المحاكمة العادلة، بعيدا عن الاعتقالات خارج نطاق القضاء. وندعو إلى التحلي بالشفافية واحترام سيادة القانون. لقد صرحنا علنًا بتوجسنا بشأن هذه القضايا، ونواصل القيام بذلك في اتصالاتنا الدبلوماسية الخاصة “. لكن حتى الآن، لم يأت ذلك بنتيجة.
المصدر: الغارديان