أعلن ترامب يوم الإثنين الماضي من حديقة “روز غاردن” بالبيت الأبيض، أنّه حثّ جميع حكام الولايات على نشر الحرس الوطني بأعداد تكفي للسيطرة على الشوارع، في وجه المظاهرات التي اندلعت منذ قيام شرطي بقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد أمام الناس. اختار ترامب مواجهة العنف المرافق للمظاهرات بالقوة، ولتحقيق ذلك هدّد بنشر أفراد الجيش في الشوارع، قائلًا: “إذا رفضت مدينة أو ولاية اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حياة وممتلكات سكانهم، فإنني سأنشر جيش الولايات المتحدة الأمريكية، وسأحل المشكلة بسرعة لهم”.
قانون الانتفاضة
يحتاج ترامب إلى استخدام قانون يعرف بـ”قانون الانتفاضة” (The Insurrection Act) لتحقيق غايته، وهو ما أُقرّ في عام 1807، ويقضي بتمكين الرئيس الأمريكي من نشر القوات الأمريكية وقوات الحرس الوطني الفدرالية داخل الولايات المتحدة في ظروف معينة، مثل قمع الاضطرابات المدنية والتمرد.
وقد أُقرّ هذا القانون لإتاحة الفرصة لتدخل الرئيس الأمريكي بإرسال الجيش إلى أي ولاية لا تطبق القانون ولا تحمي سكانها، وحسب القانون ينبغي أن يصدر الرئيس في البداية إعلانًا يطلب فيه “من المتمردين التفرّق والعودة بسلام إلى منازلهم خلال وقت محدد”.
هناك قانون آخر يحكم هذه الحالة هو “قانون التجمعات” (Posse Comitatus Act) الذي يحدّ من سلطات الحكمة الفدرالية في استخدام أفراد الجيش لفرض السياسات محليًا داخل الولايات المتحدة، لكن قانون الانتفاضة احتفظ باستثناءات لتلك الحالة.
متى استخدمت الحكومة الأمريكية هذا القانون؟
من أشهر حالات تطبيق قانون الانتفاضة، حادثة إجبار مدرسة “لتل روك” في ولاية أركنسا على قبول الطلبة السود في صفوفها، إذ أمرت المحكمة العليا في عام 1954 بإعادة دمج الطلاب في المدارس الحكومية، وبعد ثلاث سنوات، رفضت مدرسة لتل روك دخول تسعة طلاب من أصل أفريقي. هذه الحادثة أثارت مواجهة بين حاكم الولاية أورفال فوبوس وبين الرئيس دوايت أيزنهاور صارت محط أنظار العالم.
عند وصول الطلاب التسعة إلى أبواب المدرسة، كان بانتظارهم عصابة من ألف طالب أبيض متظاهرين ضد مشروع دمج الطلاب. حاولت الشرطة إدخال الطلاب إلى المدرسة مما أثار مزيدًا من العنف دفع المدرسة لفصل الطلاب التسعة، وفي اليوم التالي، أمر الرئيس أيزنهاور الوحدة “101 أيربورن” التابعة للقوات البرية الأمريكية بمرافقة الطلاب إلى داخل المدرسة.
أشارت شبكة “أن بي سي نيوز” إلى أن عددًا من مساعدي الرئيس يطالبونه منذ أيام باستدعاء قانون الانتفاضة لنشر الجيش في الشوارع
ومن الحالات الشهيرة الأخرى، استدعاء الجيش الأمريكي وعدد من أجهزة الأمن الفدرالية بالإضافة إلى الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا لإنهاء اضطرابات مدينة لوس أنجليس في عام 1992، التي اندلعت بعد قيام محكمة بتبرئة أربعة من أفراد شرطة لوس أنجليس من تهمة استخدام العنف المفرط أثناء اعتقال المواطن من أصل أفريقي رودني كينغ بعد مطاردة الشرطة له، وتصوير ذلك. انتشرت صور رودني وأدت إلى خروج الآلاف في الشوارع واندلاع أعمال شغب.
لم تطلب ولاية أركنسا من الرئيس أيزونهاور إدخال الجيش، فقد تصرف من تلقاء نفسه، في حين طلبت مدينة لوس أنجليس تدخل الجيش الأمريكي لمساعدتها في إنهاء الاضطرابات. وحتى الآن لم تطلب أي ولاية أمريكية من الرئيس ترامب إرسال الجيش لمساعدتها في إنهاء التظاهرات، لكن ترامب طلب من الشرطة العسكرية يوم الإثنين التدخل في واشنطن العاصمة، لكنها المدينة الوحيدة التي يمكن للجيش دخولها دون سؤال حاكم ولاية، وقد نشرت فيها مجموعة بعدد يتراوح بين 200 و500 جندي، لمواجهة التظاهرات التي كان يواجهها حتى الآن أفراد الخدمة السرية والشرطة المحلية.
رئيس لجنة القوات المسلحة، قال: “إن نشر قواتنا المسلحة محليًا أمر جدي للغاية لا ينبغي التهاون فيه. إننا نعيش في ديمقراطية وليس دكتاتورية”، مطالبًا ترامب بـ “تهدئة التوترات في أنحاء البلاد وليس إشعالها”.
ردود الفعل إزاء قرار ترامب
حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو رد على تصريح ترامب بتغريدة قال فيها: “الرئيس يدعو الجيش الأمريكي للتدخل ضد المواطنين الأمريكان. وقد استخدم الجيش لإنهاء مظاهرة سلمية ليتمكن من التقاط صورة عند كنيسة. إن الأمر بالنسبة له لا يعدو كونه برنامج تلفزيون واقع. إنّه أمر مخجل”. وقد قصد كومو هنا قيام الشرطة بإخلاء فناة كنيسة سانت جونز بالعاصمة واشنطن من مظاهرة سلمية ومتظاهرين كانوا يتلقون العلاج وأحد القساوسة، ليتمكن من التقاط صورة أمام الكنيسة وهو يحمل الإنجيل بيده.
The president is calling out the American military against American citizens.
He used the military to push out a peaceful protest so he could have a photo op at a church.
It’s all just a reality TV show for this president.
Shameful.
— Andrew Cuomo (@NYGovCuomo) June 1, 2020
رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، الديمقراطي آدم سميث، طالب الرئيس بالتراجع عن تصريحه قائلا: “إن نشر قواتنا المسلحة محليًا أمر جدي للغاية لا ينبغي التهاون فيه. إننا نعيش في ديمقراطية وليس دكتاتورية”، مطالبًا ترامب باستخدام سلطته كرئيس في “تهدئة التوترات في أنحاء البلاد وليس إشعالها”.
وأشارت شبكة “أن بي سي نيوز” إلى أن عددًا من مساعدي الرئيس يطالبونه منذ أيام باستدعاء قانون الانتفاضة لنشر الجيش في الشوارع، وقد دعاه أحد حلفائه خارج البيت الأبيض، السيناتور توم كوتون من ولاية أركنسا، إلى استدعاء “إذا اقتضت الضرورة” لتتمكن القوات الأمريكية “من دعم أجهزة إنفاذ القانون المحلية لضمان انتهاء العنف الليلة”.