ترجمة وتحرير نون بوست
توجد العديد من الأسباب التي تدعو للشعور بالإحباط في الوقت الراهن، حيث تعمل نشرات الأخبار كتذكير دائم بالخراب الذي تسببه جائحة فيروس كورونا على المستوى المحلي والوطني والعالمي، كما أن المخاوف الصحية والإحباط والوحدة وعدم الاستقرار المالي يؤثرون على الصحة العقلية على نطاق واسع، حيث يقول ثلثا الناس الذين شملهم استطلاع رأي حول تأثير جائحة فيروس كورونا أنهم شعروا بالتوتر أو الاكتئاب أو الوحدة أو اليأس خلال يوم واحد على الأقل من آخر سبعة أيام. كل ما نحتاجه هو جرعة مطردة من الإيجابية، أليس كذلك؟ أنت محق ولكن الإيجابية تأتي بأشكال مختلفة، ولا تعد جميع هذه الأشكال مفيدة بالنسبة لك.
ما هي الإيجابية السامة؟
ظهر مصطلح “الإيجابية السامة” منذ فترة، ولكن لم يعرف الكثير منا آثارها الخبيثة سوى عند مواجهة جائحة عالمية. في هذا السياق، تقول الطبيبة النفسية غاياني دي سيلفا المقيمة بكاليفورنيا في حوارها مع “هيلث”: ”يمكن وصف الإيجابية السامة بأنها إيجابية غير صادقة تؤدي إلى الأذى أو المعاناة التي لا داعي لها أو إلى سوء الفهم”.
في الواقع، توجد الإيجابية السامة في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الميمات، حيث تمثل عبارة “المشاعر الإيجابية فقط!” رسالة شائعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي قسم التعليقات مثل “يمكن أن يكون الوضع أسوأ” و “انظر إلى الجانب المشرق” بشكل متكرر.
في هذا الإطار، تقول الدكتورة دي سيلفا: “المثال الذي يتبادر إلى الذهن على الفور هو المنشورات التي تقول ‘إذا أعدت نشر هذا المنشور، سأتأكد من أن أحدهم يهتم… ‘ “. وتضيف دي سيلفا: “إن الناس يظهرون اهتمامهم بطرقهم الخاصة. لا توجد طريقة واحدة لإظهار الاهتمام”. توجد أيضا المنشورات التي تشير إلى أنه إذا لم تكن إيجابيا، فأنت تفعل شيئا خاطئا.
الإيجابية السامة في عصر فيروس كورونا
برزت هذه الظاهرة الثقافية، أي الإيجابية السامة، بشكل مفرط خلال فترة الإغلاق الشامل بسبب مرض كوفيد-19. حيال هذا الشأن، تقول الطبيبة النفسية المعتمدة من قبل مجلس نيويورك للطب النفسي، مارغريت سايدي في حوارها مع “هيلث”: “نحن نتلقى كما هائلا من الأفكار المتعلقة بكيفية استغلال هذا الوقت لكتابة رواية وتعلم لغة جديدة والعثور على حقيقتك من خلال التأمل، وأننا فشلنا بطريقة ما إذا لم نفعل هذه الأشياء”.
إذا عثر الناس على سلامهم الداخلي وعلى جوانب مشرقة لا نهاية لها وسط فترة الإغلاق، فهذا أمر مدهش. لكن الترويج المستمر لهذا النهج، حتى وإن كان مدفوعا بحسن النية، قد يصبح ساما. ووفقا للدكتورة سايدي، “يمكن لهذا النهج أن يجعل أي شخص لا ينظر إلى هذه الفترة على أنها فترة مدتها ثمانية أسابيع مخصصة لممارسة اليوغا، يشعر بأنه مخطئ. تنزع هذه الرسائل شرعية القلق والحزن اللذان نشعر بهما حول بلادنا والعالم في الوقت الحالي، مما يحرمنا من الحق في قضاء أيام سيئة في خضم هذه الأزمة”.
عندما نمنح أنفسنا الإذن بالسيطرة على العديد من الحقائق المتضاربة في أذهاننا في الوقت ذاته، يمكننا القضاء على التوتر بينها وإفساح المجال لجميع مشاعرنا
إذا لم تسمح لنفسك بالشعور بأي احساس إلى جانب السعادة أو الامتنان، وإذا منعت نفسك على الفور من الشعور بما يسمى بالشعور “السلبي”، فأنت لا تتعامل مع ما تشعر به حقا. في سياق متصل، أوضحت الأخصائية الاجتماعية المرخصة ومؤلفة كتاب “فورورد إن هيلز”، جيني مينبا أنه “بإمكانك أن تخفي هذه المشاعر ولكنها ستصبح مخيفة أكثر وستزداد قوة في أذهاننا على وجه التحديد لأننا لا نتعامل معها. هناك تعبير يقول إن ‘ضوء الشمس هو أفضل مطهر’، وهذا يعني أنه عندما نسلط الضوء على الأشياء التي تخيفنا، سواء كانت ذكريات أو عواطف أو مخاوف بشأن المستقبل، يمكننا حقا فحصها والتخلص من جزء من القوة التي تمكنها من التأثير علينا”.
علاوة على ذلك، أشارت مينبا إلى أهمية الاعتراف بإمكانية تملك جميع العواطف المتعددة والمعقدة لك في وقت واحد. بإمكانك أن تكون ممتنا لامتلاكك لمنزل يأويك، وأن تكره الوظيفة التي تستمر في الدفع لك من أجل التمكن من توفير هذا المنزل. بإمكانك أن تنهار لفقدانك لشخص بسبب فيروس كورونا، وأن تستمتع بالاسترخاء الذي يوفره الإغلاق في الوقت ذاته.
الطريقة الصحيحة لتكون إيجابيا
إذن ما هي الطريقة التي تتسم بخصائص صحية وودية أكثر؟ إن استراتيجية مينبا المفضلة لقبول وموازنة العواطف المتضاربة التي من المحتمل أن نشعر بها جميعا خلال الوضع الحالي وفي أي وقت، تتمثل في الواقع في استراتيجية ارتجالية قديمة تسمى “نعم.. و”. على سبيل المثال، يمكنك القول “لقد سئمت جدا من البقاء في الداخل مع عائلتي وأنا ممتن لأنني أستمتع بقضاء وقتي بصحبة عائلتي في المنزل” أو “أخشى ما يخبئه المستقبل وأشعر ببعض الإثارة على أمل أن تتغير بعض الأشياء نحو الأفضل”.
في هذا السياق، تقول مينبا: “عندما نمنح أنفسنا الإذن بالسيطرة على العديد من الحقائق المتضاربة في أذهاننا في الوقت ذاته، يمكننا القضاء على التوتر بينها وإفساح المجال لجميع مشاعرنا، الإيجابية والسلبية على حد سواء”. لذلك، يعد قول الحقيقة هو النهج البسيط والأفضل. حيال هذا الشأن، أشارت الدكتورة دي سيلفا إلى أن قول الحقيقة “دائما ما يكون ألطف. كذلك، من الأفضل الاعتراف بالألم الذي قد يعاني منه الشخص وسؤاله عما يحتاجه. من الممكن إظهار موقف إيجابي مع الاستمرار في التفاعل مع الآخرين بطريقة حساسة. وهذا ما يجعل من الإيجابية غير سامة”.
لسوء الحظ، لا تتوافق مواقع التواصل الاجتماعي مع الكثير من الحقائق. في هذا الصدد، أفادت الدكتورة سايدي: “حتى قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، كانت مواقع التواصل الاجتماعي أداة يمكن من خلالها للفئات الضعيفة أن تقارن أسوأ يوم لها بأفضل يوم لشخص آخر”. إذا كنت من أحد هؤلاء الذين يكافحون من أجل الحفاظ على إيجابياتهم في الوقت الحالي، فمن المهم أن تعرف أنك لست وحيدا، حتى لو جعلك انستغرام تشعر بذلك.
قد يكون من الصعب عليك حقا التعبير عما يخالجك على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مشاركة لحظاتك الأكثر تعاسة
أضاف المصدر ذاته:” بالنسبة لمعظمنا، هذه أول جائحة نمر بها، وبالتالي، لا يكون لدينا أي استجابة طبيعية لها”. وأردفت قائلة:” لا توجد كتب للمساعدة الذاتية حول كيفية اجتياز الجائحة بنجاح سوى محتوى وقع إنشاؤه من قبل الأشخاص الذين لم يشهدوا أبدا جائحة من قبل. لذلك، ينبغي أن نكون منفتحين على حقيقة أننا لا نعرف ماذا نتوقع من أنفسنا أو من بعضنا البعض”.
مع عدم وجود معيار للسلوكيات المناسبة خلال أوقات الإغلاق، غير غسل اليدين وارتداء قناع الوجه، فمن الطبيعي أن تمر بأيّام تشعر فيها بالامتنان والإنتاجية والإيجابية، وأيام لا ترى فيها أي ضوء في نهاية النفق. وفي سياق متصل، قالت سايدي إنه “عليك أن تكون مرنا وجاهزا لتعديل تعريفك ليوم إيجابي”. وأضاف المصدر ذاته “لا تخجل نفسك أو أي شخص آخر بسبب شعورك بالخوف أو الإرهاق. كما عليك أن تتوقع أنك ستواجه أوقاتا تجد فيها صعوبة في التعامل مع عدم اليقين بشأن هذه الجائحة أو الحفاظ على الصبر المطلوب لتعليم أطفالك في المنزل”.
بينما قد يكون من الصعب عليك حقا التعبير عما يخالجك على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال مشاركة لحظاتك الأكثر تعاسة، إلا أنها من المحتمل أن تكون مجرد خطوة إلى الأمام، وطريقة للخروج من الإيجابية السامة. في شأن ذي صلة، أوضحت الدكتورة سايدي: “من المؤكد أنك لا تدرك من هم الأشخاص الآخرين الذين قد تساعدهم من خلال اتخاذ هذه الخطوة، لكن من المحتمل أن تكون هناك ردود فعل إيجابية”.
كذلك، أردفت الدكتورة سايدي قائلة:” آمل أن تفسح كل المشاعر التي نشعر بها خلال هذه الفترة والأسئلة الوجودية التي ستطرح، الطريق أمام حوار حقيقي حول الأيام السيئة واللحظات التي تشعر بها بالضعف. كن إيجابيا عندما يمكنك ذلك، ولكن عليك تخصيص مساحة لأيام لا تستطيع فيها أن تكون كذلك”. خلاصة القول: سيكون الأمر أكثر لطفا وصحة إذا تخلصت من الإيجابية السامة وأفسحت المجال لبعض المشاعر للخروج للعلن.
المصدر: هيلث