ترجمة وتحرير نون بوست
“لا أستطيع التنفس”، هذا ما اكتفت بكتابته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ لأسباب انتهازية (وهي الكلمات الأخير التي لفظها جورج فلويد يوم السبت قبل أن يفارق الحياة) على تويتر ردا على تغريدة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس، التي سبق أن أظهرت دعم بلادها للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في هونغ كونغ.
يبدو أن بكين تحاول الركوب على المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة لتبرير ممارساتها الاستبدادية في المستعمرة البريطانية السابقة، وذلك من خلال المقارنة بين متظاهري مينيابوليس وأنصار الديمقراطية في هونغ كونغ، الذين أشادت بحراكهم واشنطن. وقد ورد في افتتاحية صحيفة الشعب اليومية إن “التصريحات المزدوجة للولايات المتحدة حول الأمن القومي غير مقبولة”.
إن لجوء الرئيس دونالد ترامب إلى الحرس الوطني الأمريكي لردع المحتجين وتهديدهم بتدخل الجيش يعد فرصة مناسبة للصين الاستبدادية. تسعى بكين إلى فرض “قانون الأمن القومي” المثير للجدل في هونغ كونغ الذي من شأنه أن يوفر وسائل قمع جديدة ضد “الإرهابيين” و”الانفصاليين” في الجزيرة. وقد انتقدت الولايات المتحدة هذه الممارسات. يأتي انتشار المظاهرات عبر الولايات المتحدة في وقت مناسب للقوة العالمية الثانية، وذلك في أعقاب التهديدات التي أصدرها البيت الأبيض بفرض عقوبات على الصين يوم الجمعة بعد اعتماد القانون الجديد.
انتقدت رئيسة هونغ كونغ التنفيذية، كاري لام، “المعايير المزدوجة” الأمريكية للطعن في قرار إدارة ترامب إلغاء الامتيازات التجارية التي يتمتع بها المركز المالي ردًا على القانون الأمني الوطني. ويوم الثلاثاء، شنت لام هجومًا مضادًا بهدف تبرير التشريع الجديد الذي تخطط بكين لفرضه على هونغ كونغ شبه المستقلة بحلول شهر أيلول/ سبتمبر، قائلة: “هناك أعمال شغب في الولايات المتحدة ونرى كيف كان رد فعل الحكومات المحلية. عندما شهدت هونغ كونغ أعمال شغب مماثلة، شاهدنا الموقف الذي اتخذوه”، وقد أثار تصريحها حفيظة السفارات الغربية.
من المفارقات أن وسائل الإعلام الرسمية الخاضعة للسلطة باتت تنشر دروسًا حول حرية الصحافة عن طريق اعتماد تويتر، الذي يخضع بدوره للرقابة في الصين
في حوار مع صحيفة “غلوبال تايمز”، قال لو شيانغ، الباحث في أكاديمية بكين للعلوم الاجتماعية، تبريرا لتمرير القانون الجديد إن “قوات الشرطة في هونغ كونغ أكثر تحضرا وانضباطا من الشرطة الأمريكية”. كما سخِرت صحيفة الشعب اليومية، التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي، من “السياسيين الأمريكيين” الذين أثاروا الأزمة السياسية في هونغ كونغ، وتخطوا أعمال العنف التي تجري على أراضيهم.
ردا على وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، صرح محرر “غلوبال تايمز” الذي كان في طليعة حملة الدعاية الصينية المعادية للغرب، هو إكسوجين: “هل يجب أن تدعم بكين المتظاهرين في الولايات المتحدة، كما مجّد هؤلاء مثيري الشغب في هونغ كونغ؟”.
في خضم الصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ما زالت تتخبط في تبعات جائحة كوفيد-19، لقيت أعمال العنف في مينيابوليس تغطية واسعة من قبل الصحافة الرسمية الصينية، ولاقت تفاعلا كبيرا على الشبكات الاجتماعية الصينية التي تمارس عليها السلطات رقابة شديدة. فقد شوهد هاشتاغ “أعمال الشغب في الولايات المتحدة” قرابة 1.7 مليار مرة، مثيرًا العديد من التعليقات الساخرة. وقد علّق أحد المستخدمين “أرسلوا حثالة الشباب (من هونغ كونغ) إلى الولايات المتحدة لترسكلهم الشرطة الأمريكية!”.
من المفارقات أن وسائل الإعلام الرسمية الخاضعة للسلطة باتت تنشر دروسًا حول حرية الصحافة عن طريق اعتماد تويتر، الذي يخضع بدوره للرقابة في الصين. وقد تم مشاركة مقطع فيديو حول الاعتقال المباشر لمراسل شبكة “سي إن إن” على مدرج مينيابوليس على منصة “ويبو”، وهو تويتر في نسخته الصينية، مرارا وتكرار وذلك من خلال مونتاج فيديو متقن نشرته صحيفة الشعب اليومية.
لأول مرة منذ ثلاثين عامًا، حظرت شرطة هونغ كونغ الوقفات الاحتجاجية على ضوء الشموع لإحياء ذكرى مذبحة ميدان تيانانمين الموافق للرابع من حزيران
إن فيديو الصحفي، الذي يبدو فارع الطول، أثناء اعتقاله من قبل الشرطة الأمريكية وتقييد يديه بالأصفاد يُذكّر بمقطع فيديو آخر صور في هونغ كونغ – التي تبعد 12 ألف كيلومتر- في تاريخ غير معروف. يظهر في الفيديو ضباط الشرطة الذين يرتدون خوذات وهم يتراجعون إلى الوراء بكل حذر تحت ضغط صف ممتد من كاميرات تحمل ملصق “صحافة” أمام ناطحات السحاب. يطرح جهاز الحزب الشيوعي هذا التقارب بين المشهدين من أجل التأكيد على قدرة قوات الشرطة على التحلي بـ “ضبط النفس” داخل الجزيرة التي تشهد اضطرابا شعبيا هائلا، وللتأكيد كذلك على الحاجة إلى فرض أساليب أكثر قوة.
لأول مرة منذ ثلاثين عامًا، حظرت شرطة هونغ كونغ الوقفات الاحتجاجية على ضوء الشموع لإحياء ذكرى مذبحة ميدان تيانانمين الموافق للرابع من حزيران/ يونيو 1989. إن هذا القرار، الذي تحدته حشود من هونغ كونغ يوم الخميس، بُرّر رسميا بضرورة احترام التباعد الاجتماعي لمنع تفشي الفيروس. لكن أنصار الديمقراطية اعتبروا هذه الحجة مجرد ذريعة، حيث أن حريتهم في التظاهر باتت مقيدة من خلال فرض هذا التشريع الأمني الجديد.
إن تمرد الأحياء ذات أغلبية من “السود” في المدن الأمريكية، يوضح “العنصرية” التي باتت “مرضا مزمنا” تعاني منه البلاد
الأزمة الأمريكية
تشكل الأزمة الأمريكية ذخيرة جديدة لنظام الرئيس شي جين بينغ على المستوى الداخلي، في وقت يؤكد فيه تفوق “النموذج الاشتراكي ذي الخصائص الصينية”، ويحاول جعل الناس ينسون الأخطاء التي اقترفها بخصوص حائجة كورونا، وذلك في ظل الصعوبات الاقتصادية. قال القاضي تشين داوين، وهو عالم سياسي مستقل، إن “الدعاية الحزبية تحاول اختلاق أساطير داخلية وتسليط الضوء على الفوضى في الغرب للحفاظ على الانطباع بأن الوضع في الصين أفضل بكثير، ولا يمكن مقارنته ببلدان أخرى”.
كشفت “غلوبال تايمز” أن المشاكل الحالية كشفت ثغرات النموذج الأمريكي، لا سيما عدم المساواة الاجتماعية، مشيرة إلى “فشل البيت الأبيض في إدارة أزمة كوفيد-19 بحصيلة وفيات تجاوزت 100 ألف شخص في الولايات المتحدة”، وهو رقم يبدو خياليا مقارنة بـ 4634 حالة وفاة التي أعلنت عنها بكين رسميًا.
إن تمرد الأحياء ذات أغلبية من “السود” في المدن الأمريكية، يوضح “العنصرية” التي باتت “مرضا مزمنا” تعاني منه البلاد، وذلك على حد تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان. لكن في نيسان/ أبريل، وجهت دول أفريقية أصابع الاتهام للسلطات الصينية بخصوص معاملتها التي اعتبرتها “عنصرية” بشأن مواطنيها ذوي البشرة السوداء في مدينة كانتون المعروفة باسم “مدينة الشوكولاتة”، الواقعة جنوب شرق الصين.
المصدر: لوفيغارو