تغييرات قادمة.. لا مكان لحفتر في مستقبل ليبيا

قوات الوفاق تحكم السيطرة على غرب ليبيا

تشهد موازين القوى في ليبيا تغيرات كبرى في الفترة الأخيرة، إذ حولت حكومة الوفاق الوطني الشرعية إستراتيجيتها القتالية من الدفاع والقبول بالحصار إلى الهجوم وافتكاك المدينة تلوى الأخرى من ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة العاملين معه، ما يؤشر لتغيرات كثيرة بالمشهد الليبي في قادم الأيام.

الجفرة وسرت قادم المحطات

آخر المدن التي تستعد القوات الحكومية اقتحامها هي مدينة سرت الساحلية الإستراتيجية، حيث قالت قوات الوفاق إنها رصدت ما سمتها “حركة ذعر وهروب كبيرة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمرتزقة من مدينة سرت” التي تقع في الشمال على الساحل بين طرابلس وبنغازي.

وأكدت عملية “بركان الغضب” التابعة لقوات الوفاق في بيان أصدرته مساء الجمعة، أن أعيان مدينة سرت (450 كيلومترًا شرق طرابلس) عرضوا تسليم المدينة لقواتها، بالتزامن مع ذلك أعلن الناطق باسم قوات حكومة الوفاق، عقيد طيار محمد قنونو، تنفيذ سلاح الجو خمس ضربات قتالية جنوب سرت استهدفت آليات مسلحة تابعة لقوات القيادة العامة، من بينها مدرعات إماراتية.

بالتزامن مع ذلك أعلنت غرفة عمليات تأمين وحماية سرت والجفرة التابعة لحكومة الوفاق بدء عملية “دروب النصر” لاستعادة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، وقال الناطق باسم قوات حكومة الوفاق العقيد طيار محمد قنونو: “صدرت التعليمات لقواتنا ببدء الهجوم والتقدم والضرب بقوة وحزم لكل بؤر المتمردين في الوشكة وسرت”.

عقب هذه الانتصارات المتتالية وانهيار قوات حفتر في أغلب نقاط تمركزها، تعهد رئيس حكومة الوفاق الوطني الشرعية فايز السراج بمواصلة المعركة

بداية العملية لاستعادة سرت وعرض أعيان المدينة تسليمها إلى قوات الوفاق، جاء ساعات قليلة بعد سيطرة القوات الحكومية على آخر معقل رئيسي لقوات حفتر قرب طرابلس وهو مدينة ترهونة (90 كيلومترًا جنوب شرق طرابلس) بعد دخولها من أربع جهات دون مقاومة.

وتعد ترهونة آخر معاقل ميليشيات حفتر في الغرب، حيث كان يستخدمها كنقطة مركزية لنشاطه العسكري في الغرب الليبي (طريق إمداد وقاعدة إستراتيجية لهجماته على طرابلس)، وفق غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية التابعة لحكومة الوفاق المدعومة أمميًا.

كما بسطت قوات حكومة الوفاق سيطرتها على مدينة بني وليد (180 كيلومترًا جنوب شرق طرابلس) وسط استقبال أهالي المدينة، وتم السيطرة على مطارها المدني الذي تستخدمه قوات حفتر لأغراض عسكرية، وقاعدة خلفية لها للإمداد والعبور نحو قاعدة الجفرة الجوية (وسط)، وتم كل هذا بعد يوم واحد فقط من إعلان الوفاق سيطرتها الكاملة على العاصمة طرابلس.

كل الاحتمالات العسكرية مفتوحة

عقب هذه الانتصارات المتتالية وانهيار قوات حفتر في أغلب نقاط تمركزها، تعهد رئيس حكومة الوفاق الوطني الشرعية فايز السراج بمواصلة المعركة لحين استعادة كل أراضي ليبيا، وعدم الاقتصار على المدن الغربية التي تم استرجاعها من ميليشيات حفتر المتمردة.

بدوره، حذر الناطق باسم قوات حكومة الوفاق العقيد طيار محمد قنونو في تغريدة على تويتر من أن ليبيا ستكون مقبرة لمن اختار أن يتمرد عليها ويهدد أمنها وسلامتها، وفق تعبيره، وأكد أن أي هدف يشكل خطرًا – ثابتًا كان أو متحركًا – سيتم استهدافه وقصفه على امتداد الأراضي الليبية دون استثناء، ولا يوجد أي خط أحمر.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك، أن كل الاحتمالات على المستوى العسكري تبقى مفتوحة وقد نشهد تقدمًا إضافيًا لقوات الوفاق الوطني، دون أن يكون معروفًا إلى الآن فيما إذا كان سيمتد إلى مناطق الشرق الليبي أم لا.

أوضح هاني مبارك في حديث لنون بوست، أن هذا الأمر يتوقف على جاهزية قوات الوفاق من ناحية والضغط الدولي لإجراء حوار وطني ليبي ليبي، ويعتقد مبارك أن الفرضية الأكثر ترجيحًا هي تقدم الوفاق أكثر نحو الشرق خاصة أن لدى حليفتها الإستراتيجية تركيا تفويضًا أمريكيًا أطلسيًا.

الناشط السياسي الليبي عصام زبير أكد من جهته أن حكومة الوفاق لن تتوقف عند هذه النقطة، فهي ستواصل زحفها لاستعادة كامل الأراضي الليبية، فلا مكان لحفتر في أي تفاوض أو جلوس على الطاولة في المرحلة القادمة.

وتوقع زبير أن تتوجه قوات الوفاق إلى قاعدة الجفرة العسكرية في وسط البلاد ومن ثم إلى الحقول النفطية لإعادة السيطرة عليها وبعدها الاتجاه إلى الجنوب وبنغازي والرجمة في الشرق ليتحقق النصر الكبير.

الروس يتركون حفتر وحيدًا حفاظًا على مصالحهم

يرى هاني مبارك أن الخطأ الفادح الذي ارتكبه المحور المصري الإماراتي الأردني وربما دعا روسيا لجس النبض فيه من أجل الشروع في تنفيذه، هو الاندفاع لمحاولة إعادة وضع قواعد جديدة للاشتباك في ليبيا اعتقادًا منهم أن ترامب وهو بصدد ترتيب إعادة انتشار الوجود الأمريكي عبر العالم سيقبل بذلك.

الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني الشرعية والمخاوف الأمريكية الأوروبية من نفوذ روسي قوي شمال إفريقيا، عجل بانهيار خليفة حفتر

يؤكد مبارك أن روسيا تركت حفتر وحيدًا نظرًا للتطورات الحاصلة، حيث يقول في هذا الشأن “صحيح أن موسكو لوحت بإمكانية المجازفة بدخول اللعبة غير أنها تعي أن الولايات المتحدة لن تقبل مطلقًا بأن تقترب روسيا من جنوب أوروبا ولذلك ها هي تترك قوات حفتر تتقهر دون أن تحرك ساكنًا”.

هذا الأمر لا يمنع، وفق هاني مبارك، من اعتراف أمريكي ببعض المصالح الروسية التي ستدفع روسيا للاكتفاء بها وهو ما قد يترتب عليه انتهاء الدعم الروسي للإمارات ومصر للاستمرار في مشروعهما داخل ليبيا وترك حفتر لمصير مجهول، إذ يمكن لروسيا تحقيق تلك المصالح إما عن طريق طرف آخر مثل عقيلة صالح أو حتى عن طريق التعامل المباشر مع طرابلس.

لا مكان لحفتر في ليبيا المستقبل

يتبين مما يحصل في ليبيا مؤخرًا، تغيير كلي لموازين القوى في البلاد ووجود خريطة سياسية جديدة في ليبيا لن يكون لخليفة حفتر أي مكان فيها، خاصة بعد فشله في تحقيق أهدافه العسكرية وعلى رأسها السيطرة على طرابلس.

حفتر، كان يمني نفسه بالسيطرة على العاصمة أو حتى حصارها حتى يفرض رؤيته وشخصه على المشهد السياسي القادم في البلاد، لكن فشل في ذلك ما جعل أكبر القوى التي كانت تدعمه ترفع يدها عنه، فلا فائدة مرجوة منه.

في هذا الشأن يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك: “وفقًا لما نرى ونسمع فإن حفتر لن يكون رجل المرحلة القادمة لأنها مرحلة لقاء ومفاوضات المنطقتين الغربية والشرقية وحفتر أساسًا لن يكون ممثلًا للمنطقة الشرقية باعتباره ينتمي أساسًا إلى مناطق الإقليم الغربي”.

بدوره أكد عصام زبير، أن الدول الداعمة لحفتر على رأسها روسيا بدأت ترفع يدها عن المتمرد حفتر القادم من الشرق، وتسعى للحل السلمي حتى تحافظ على مصالحها في إعادة بناء ليبيا.

الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني الشرعية والمخاوف الأمريكية الأوروبية من نفوذ روسي قوي شمال إفريقيا، عجل بانهيار خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب وتراجع الدعم الخارجي له، ما يعني وجود تغييرات كبيرة قادمة في المشهد السياسي الليبي.