ترجمة وتحرير: نون بوست
إن السموم مواد ضارة يمكن أن تؤدي إلى هلاك الكائنات الحية في حال امتصاصها أو استنشاقها أو ابتلاعها بكمية كبيرة. وفي حين أننا غالبًا ما نربط كلمة “كيميائي” بالسموم المصنعة، إلا أن المادة الكيميائية ليست ضارة لمجرد كونها مصنعة، ولا يمكن اعتبارها غير سامة فقط لأنها طبيعية. فالمواد الكيميائية سامّة سواء كانت مصنعة أو طبيعية. فعلى سبيل المثال، تعتبر مادة الديوكسينات وبعض المبيدات الحشرية والغازات العصبية من المواد الكيميائية الصناعية السامة، في حين أن البيلادونا والبوتولينوم والتيرودوتوكسين مواد كيميائية سامة ذات مصدر طبيعي. ومن المواد السامة الموجودة بشكل طبيعي في التربة مادة الأسبستوس والرصاص.
من بين المواد الكيميائية السبعة الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية:
– “ذيفان السجقية أ” تُستخرج من بكتيريا تسمى كلوستريديوم بوتولينوم.
– “المشنج الكزازي أ” تنتجه بكتيريا المطثية الكزازية.
– ذيفان الخُنّاق تسببه بكتيريا الخُنّاق الوتدية.
– الديوكسين (مادة كيميائية سامة مصنّعة).
– مسكارين يوجد في عدة أنواع من الفطريات.
– سم البوفوتوكسين يوجد في جلد أحد أنواع الضفادع.
– غاز السارين (مادة مصنّعة).
غالبًا ما يعتبر التوكسين علميًا نوعًا من السم الذي تنتجه الكائنات الحية. والمثير للاهتمام أن خمسة من أصل سبعة سموم فتاكة مصدرها الطبيعة. يمكن تصنيف السموم إلى سموم خارجية تفرزها الكائنات الحية مثل سموم بوفوتوكسين، وسموم داخلية تشكل جزءًا من البكتيريا مثل البوتولينوم.
تضر السموم بالكائنات الحية عندما تلمس أنسجة جسمها المركب السام أو تمتصه. وتضطلع السموم بوظيفتين رئيسيتين في الطبيعة: تمكين الحيوان من الافتراس للحصول على طعامه مثل العناكب والدبابير وقنديل البحر وشقائق النعمان البحرية، والدفاع عن نفسه من خلال شل حركة المفترس مثل نحل العسل والنمل والفراشات العظمية، والنباتات مثل البروكلي الذي ينتج سمًا لتثبيط الحشرات.
سموم نافعة
لكن هذا التقرير لا يسلط الضوء على السموم الخطرة، وإنما النافعة. فقد تمكن الإنسان من خلال الطب الحيوي من استخدام عدد من المواد السامة التي تنتجها الحيوانات لعلاج عدد لا يحصى من الأمراض والعلل.
سم الأفاعي لمحاربة مرض الزهايمر
إذا بدأت بروتينات أميلويد بيتا تتراكم في دماغ الإنسان، فإن النتيجة التي لا مفر منها هي إصابته بمرض الزهايمر، الذي يعد من أكثر أنواع الخرف شيوعًا. ولكن الأشخاص الأصحاء لا يصابون بهذا المرض بفضل إنزيم يحطم هذه البروتينات التي تترسب في الخلايا العصبية. لذلك، تسعى صناعة الأدوية إلى العثور على دواء يفعل هذه الإنزيمات عندما تظهر العلامات الأولى لمرض الزهايمر.
استمرت الأبحاث في هذا الموضوع دون جدوى حتى اكتشف العلماء أفعى راسيل الهندية التي يُنسب لها غالبية حالات الوفيات في العالم. فقد ثبت أن أحد جزيئات السم القوي الذي يفرزه هذا النوع من الأفاعي قادر على تحطيم بروتين أميلويد بيتا إلى أجزاء غير ضارة.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أفعى رأس الرمح “فير دي لانس” الأمريكية نوعا آخر من الأفاعي التي تنتج سما مضادا لمرض الزهايمر، عمل خبراء الطب الحيوي في جامعة موناش الأسترالية على تصنيعه في مختبراتهم. ومن المتوقع أن يتم القضاء على مرض الزهايمر إذا ما كانت التجارب السريرية لهذه السموم إيجابية. ولعل هذا الأمر الذي دفع ألبرت هوفمان، مكتشف دواء “ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك” وأول من أثبت تأثيره المهلوس، إلى التأكيد على أن “الفرق بين السم والدواء والمخدر هو الجرعة فقط”.
سم الرتيلاء لمعالجة ضمور العضلات
قد يجد الكثير من الأطفال صعوبة في المشي ويواصلون التحرك من خلال الزحف. عند التشخيص، يخبر الطبيب والدي الطفل بأنه يعاني من اضطراب وراثي يسمى حثل عضلي دوشيني الذي يؤدي إلى تدهور حالة عضلاته تدريجيًا. عند بلوغ سن الثانية عشرة، قد يضطر الطفل إلى التنقل على كرسي متحرك ومن غير المحتمل أن يتمكن من البقاء على قيد الحياة أكثر من 30 عامًا، حيث يتأثر القلب والحجاب الحاجز أيضًا على المدى الطويل.
لكن لحسن الحظ، يعمل فريق من الباحثين من جامعة بوفالو في الولايات المتحدة الأمريكية على مادة يمكن أن تعالج هذا المرض وهو سم رتيلاء تشيلي الزهرية الذي يحتوي على صنف من البروتينات تمنع تدهور خلايا العضلات، وذلك عن طريق تنظيم فتح القنوات الأيونية الحساسّة في الغشاء الخلوي. عادة ما تكون القنوات الأيونية مغلقة، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من ضمور العضلات، يؤدي الجين المعيب إلى بقاء هذه القنوات مفتوحة وفقدان الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم مما يتسبب في ضمور العضلات الذي لا يمكن إصلاح. وهنا يأتي دور سم الرتيلاء الذي يعمل على إغلاق المسام الحيوية للخلية. وعلى الرغم من أن هذا السمّ لن يعالج ضمور العضلات بشكل قطعي، إلا أنه سوف يبطئه مما يزيد من حركة الطفل المصاب به ويحول دون استعماله للكرسي المتحرك والموت المبكر.
سم شقائق نعمان البحر لإنقاص الوزن
تحت مياه البحر الكاريبي، قد يكون سمّ شقائق نعمان البحر الحل السحري للقضاء على السمنة، التي أصبحت آفة تقلق منظمة الصحة العالمية. أظهر جورج شاندي وزملاؤه من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية أن هذا السمّ يسد قنوات البوتاسيوم في الخلايا الليمفاوية في الجهاز المناعي التي تنظم معدل التمثيل الغذائي ووزن الجسم إلى جانب وظائف أخرى.
من خلال حقن الفئران التي يقوم نظامها الغذائي على كميات كبيرة من الدهون والسكريات بنسخة اصطناعية من الجزيء، لم يمنع الباحثون القوارض من اكتساب الوزن فحسب، بل تمكنوا أيضًا من تقليل مخازن الدهون في الجسم. بفضل هذا العلاج، حافظت الفئران على مستوى مستقر من جلوكوز الدم والكوليسترول. ويعتقد شاندي أن هذا التأثير المذهل المضاد للسمنة يرجع بشكل رئيسي إلى حقيقة أن الجزيء ينشط الدهون البنية أو الدهون الجيدة، التي تحرق السعرات الحرارية بدلاً من تخزينها. وفي حال وصل هذا الدواء إلى الصيدليات، يمكنه أن يجنّب العالم 300 مليون حالة من مرض السكري المتوقعة بحلول سنة 2030.
حلزون البحر ينتج مسكنا قويا للألم
جذبت السموم التي تسمح للحلزون المخروطي بشل حركة الأسماك اهتمام علماء الصيدلة. تستطيع هذه السموم تعديل نقل الإشارات بين الخلايا العصبية بطريقة انتقائية للغاية، أكثر من أي مادة يتم تصنيعها حتى الآن. قد يكون هذا السم مفيدًا في تهدئة الألم إذا استخدم بجرعات محددة بدقة. ويعتبر تأثير هذا المسكن أقوى بـ 100 مرة من المورفين، مع ميزة مزدوجة وهي أن هذه المادة لا تجعل الإنسان يدمن عليها وليس لها تقريبا أي آثار جانبية. وقد تكون هذه المادة مفيدة لأولئك الذين يعانون من آلام الأعصاب.
وقع اختبار سم هذا الحلزون بالفعل في جامعة روكفلر وجامعة يوتا في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعتقد الباحثون أن جسم هذا النوع من بطنيات القدم يمكن أن يحتوي على ما يصل إلى مليون مكون نشط يمكن استخدامه في صناعة العقاقير ليس فقط المهدئة وإنما أيضًا لعلاج مرض باركنسون أو الاكتئاب أو الفصام أو الإدمان على التبغ.
سحلية جيلا
يعالج سم سحلية جيلا فرط سكر الدم. تتغذى هذه السحلية ثلاث مرات في السنة بينما تحصل على طاقتها بقية الوقت من الدهون التي تخزنها في ذيلها. على الرغم من اتباعها نظاما غذائيا غير منتظم إلا أنها تحافظ دائمًا على مستويات جلوكوز ثابتة في جسمها. كيف ذلك؟ إن الإجابة في سم هذه السحلية الموجود في لعابها.
يعتبر دواء الإكسيناتيد المخصص لعلاج داء السكري النسخة الاصطناعية من هذا السم. يساهم حقن الدواء تحت الجلد في زيادة إفراز البنكرياس للأنسولين، وهو أحد الهرمونات التي تتحكم في مستويات السكر والذي لا يفرزه جسم المريض بداء السكري، خاصة النوع 1، أو لا ينتجه بشكل كاف بالنسبة للسكري من النوع 2. فضلا عن ذلك، يجعل هذا العقار عملية الهضم أبطأ مما يساعد على امتصاص أكبر قدر ممكن من الجلوكوز من الطعام.
إذا كنت لا تستطيع التوقف عن تناول الشوكولاتة، مما يجعلك تعاني من زيادة الوزن، فإن سم سحلية جيلا يمكن أن يساعدك أيضًا. فقد وجد الباحثون في جامعة غوتنبرغ في السويد أن جرعة منخفضة من دواء إكسيناتيد تعمل على السيطرة على مناطق المكافأة في الدماغ وتحد من الرغبة في تناول الطعام وتقلل من الشهية، الأمر الذي سيساعدك على التحكم في الوزن والتقليل من سلوكيات الإفراط في تناول الطعام.
سم الضفادع لمكافحة السرطان
من آلام الأسنان والسرطان إلى مشاكل القلب… لطالما استخدم الصينيون منذ آلاف السنين سموم الضفادع التي تفرزها من خلال الجلد لعلاج الأمراض. وقد ساهم العلم في إعطاء دفعة لهذه العلاجات من خلال شرح فعاليتها.
يعتبر ضفدع القرد الشمعي من أنواع الضفادع الأكثر إثارة للاهتمام، حيث يفرز بروتينات تنظم عملية تكون الأوعية الدموية الجديدة. يمكن استخدام نوع واحد من هذه البروتينات لمنع وصول الدم إلى الخلايا السرطانية، وذلك من خلال منع تكون أوعية جديدة لتزويدها بالأكسجين والعناصر الغذائية، الأمر الذي يساهم في توقف الورم عن النمو. لن يقضي هذا العلاج على السرطان، لكن من شأنه أن يجعله مرضًا مزمنًا. في هذا السياق، قال البروفيسور كريس شو من جامعة الملكة في بلفاست في أيرلندا، إنه “سيكون من المخزي أن يجد العلماء شيئا في الطبيعة قد يمثل دواء معجزة ولا يبذلوا قصارى جهدهم لاستخدامه”.
في الحقيقة، لا يحتوي سم هذا الضفدع على بروتينات تكافح مرض السرطان فحسب، بل يحتوي أيضا على نوع آخر من البروتين ينشط عملية تكون الأوعية الدموية الجديدة وقادر على “علاج جميع أنواع الأمراض التي تتطلب ترميم الأوعية الدموية بشكل سريع، على غرار التئام الجروح وزرع الأعضاء والقرح الناتجة عن داء السكري، والأضرار الناجمة عن السكتات الدماغية أو أمراض القلب”. وحسب شو، يمكن تطوير هذا الاكتشاف لمعالجة أكثر من سبعين مرضًا، يؤثر على نحو 100 مليون شخص في العالم.
يعد سم الدبابير من بين العلاجات الطبيعية الأخرى للأورام. ففي إطار البحث عن علاج لمحاربة سرطان الثدي لا تكون له آثار جانبية، وجد علماء من معهد برشلونة للأبحاث الطبية الحيوية أن الببتيد الذي يتم استخراجه من سم الدبابير يقضي على الورم أو على الخلايا المبرمجة المسببة له، بينما يحافظ على الخلايا السليمة.
سم العقرب مضاد للبكتيريا
ليس من قبيل الصدفة أن تكون العقارب منذ زمن بعيد من الكائنات الخطيرة التي تحدثت عنها روايات المصريين، واستعانت بها الإلهة اليونانية أرتميس للانتقام من أعدائها. يؤكد مظهرها المرعب والآثار المشؤومة لسمها دورها في هذه الأساطير. لكن اليوم، بات هذا الكائن محل اهتمام العلماء، حيث أنه تبين أن جزيئات الببتيد الموجود في سمها قادرة على تدمير البكتيريا في الجروح، مما يجعلها بديلاً محتملاً لمضادات الميكروبات.
رغم اكتشاف العقرب الذهبي في سنة 1879، إلا أن تأثيرات المضادات الحيوية الموجودة في سمه لم تكتشف إلا حديثا. في جامعة ووهان في الصين، استخدم العلماء السموم التي يفرزها العقرب الذهبي لمكافحة عدوى المكورات العنقودية التي طورت مقاومة للمضادات الحيوية. وقد وجدوا أن الببتيدات قضت على الميكروبات بطريقة فعالة للغاية، حيث غطت بروتينات السم الجراثيم بعشرات الكريات المجهرية التي تسببت في انفجار الكائنات الحية الدقيقة بعد الالتصاق بجدرانها. كان يجب تعديلها قليلاً حتى لا تسبب أيضًا انفجار خلايا الدم الحمراء.
سم الثعبان يمنع ارتفاع ضغط الدم
تعرف الغابات المطيرة الاستوائية في البرازيل بكونها أكبر المناطق التي تنبض بالتنوع البيولوجي، إلى جانب أنها موطن أكثر الحيوانات خطورة على هذا الكوكب. يعيش في هذه الغابة أفعى رأس الرمح، وهو ثعبان سام يصل طوله إلى متر ونصف تسبب لدغته انخفاضا فوريا في ضغط الدم. وقد أثبت عالم الصيدلة سيرجيو فيريرا قبل نصف قرن أن سم هذا الزاحف يفرز حمض براديكينين، وهو جزيء يتشكل في الصفائح الدموية المتعلقة بتمدد الشرايين. من هنا ابتكر دواء كابتوبريل، وهو أول دواء معتمد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في علاج فرط ضغط الدم.
يمكن لسم العنكبوت البرازيلي الجوال علاج مشاكل الانتصاب. إنه عنكبوت بحجم اليد قد يكون سمه أكثر فعالية من الحبة الزرقاء الشهيرة أو الأدوية الأخرى التي تعالج ضعف الانتصاب. إلى جانب الألم وفقدان السيطرة على العضلات، فإن أكثر الأعراض اللافتة التي يسببها السم هو الانتصاب المستمر والمؤلم للقضيب الذي يمكن أن يستمر حتى أربع ساعات. بعد إثبات أن هذا التأثير يرجع إلى زيادة ضغط الدم على مستوى العضو الذكري وزيادة إنتاج أكسيد النيتريك، حاولت كينيا نونيس وزملاؤها من كلية الطب بجورجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، استعمال سم هذا العنكبوت بجرعات منخفضة لعلاج ضعف الانتصاب، وقد حقق نتائج أفضل مقارنة بحبوب الفياجرا.
إيقاف الإيدز بسم النحل
يمكن القضاء على مرض الإيدز بسم نحل العسل الغربي. تفرز هذه الحشرة سمًا يسمى مليتينا، الذي يمكنه تدمير فيروس نقص المناعة البشرية دون الإضرار بخلايا الجسم. من أجل التثبت من صحة هذا الأمر، أجرى علماء من جامعة واشنطن بحثا يقوم على مهاجمة فيروس نقص المناعة البشرية بجزيئات نانوية من هذه المادة. وقد تمكن السم من اختراق الغشاء الواقي الذي يحيط بالفيروس حتى دمره تماما. حسب المؤلف المشارك في الدراسة جوشوا ل. هود فإنه “على عكس الأدوية التقليدية التي تمنع فيروس نقص المناعة البشرية من التكاثر ولا تقتله، يهاجم هذا العلاج جزءًا أساسيًا من هيكله ويقضي عليه”، دون أن تكون له آثار جانبية. لتجنب تلف الخلايا السليمة، أوضح هود أنه أضاف هياكل واقية على سطح الجسيمات النانوية تجعل الدواء يرتد عندما يتصل بالنسيج الطبيعي.
كما استخدمت مادة ميلتينا المستخرجة من سم هذا النحل لتدمير الأورام، حيث تُقلص حجم الورم الميلانيني بنسبة 88 بالمئة. حيال هذا الشأن، يقول عالم الأحياء في جامعة واشنطن بول شليسنغر إن “الخلايا السرطانية تتكيف وتصبح مقاومة للعديد من العوامل المضادة للأورام، ولكن من الصعب عليها إيجاد آلية لتجنب هذه الجزيئيات المميتة”. هناك بحث آخر يركز على مادة الأبامين، وهو جزيء من سم النحل يعرف بآثاره العصبية يمكن استخدامه لمكافحة الاكتئاب والخرف
المصدر: موي أنتريسنتي