ترجمة وتحرير نون بوست
كان محمد علي – بطل الملاكمة في الوزن الثقيل – يطفو كالفراشة ويلدغ مثل النحلة، لكن الملاكم العظيم كان صاحب فطنة حادة، وكان يسخر من خصومه بجملة واحدة ملائمة، لقد أحب أمريكا وغضب منها.
في عام 1967 عندما كانت حرب فيتنام لا تزال مشهورة بين الأمريكيين، قراره الواعي بعدم القتال جعله عرضه للتوبيخ من مؤسسات الدولة الرياضية والإعلامية والسياسية القوية.
طلبت أمريكا من الشاب الأسود أن يفعل ما قيل له، لكن علي – الذي لم يكن قد وصل لذروة مجده – رفض الخضوع، وبدلًا من ذلك واجه نظامًا فاسدًا ينظر إليه وإلى ملايين الأمريكيين الإفريقيين بلامبالاة.
قال محمد علي: “لماذا يطلبون مني أن أرتدي زيًا وأبتعد عشرات الأميال عن المنزل وأطلق القنابل والرصاص على الأشخاص الملونين في فيتنام، بينما يتعرض المواطنون الذين يطلقون عليهم “زنوج” في مدينة لويسفيل الأمريكية إلى معاملة مثل الكلاب ويحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية؟ لن أسافر عشرات آلاف الأميال للمساعدة في قتل وإحراق أمة فقيرة أخرى ببساطة ليواصل الأسياد البيض استعبادهم للملونين في كل أنحاء العالم، لقد حان الوقت لتنتهي مثل هذه الشرور”.
مع كل هذا التغيير الذي حدث منذ عام 1967 في أمريكا من خلال انتهاء التمييز المؤسسي وصعود الطبقة المتوسطة السوداء والتمثيل في الأفلام والتليفزيون والتمثيل الانتخابي بما في ذلك انتخاب أول رئيس أسود “باراك أوباما” في 2008، فإن القيمة الحقيقية لحياة السود ظلت كما هي.
أذى متراكم
كان الغضب الذي أعقب مقتل جورج فلويد – الذي مات بعد أن اختنق بواسطة ركبة ضابط شرطة أبيض الأسبوع الماضي – هو تعبير عن أذى متراكم منذ عقود وقرون من الاحتقار الجسدي والنفسي والعاطفي للمواطنين السود.
هناك من خرجوا وتظاهروا في صمت وهناك آخرون عاملوا قلاع الإمبراطورية – متاجرها وأسواقها – بالإضافة إلى معابد تلك الديمقراطية المستهلكة التي تديرها الشركات بازدراء، لقد أحرقوا أقسام الشرطة وقلبوا المركبات ودمروا واجهات المحلات، هذه الشوارع التي كانت خالية قبل أسبوع بسبب الخوف من المرض تم اجتياحها لتحقيق العدالة للآخرين.
رغم أن السياسيين المحليين وبعض النشطاء حذروا من الأوغاد، فإن الفرق بين المتظاهرين الجيدين والسيئين أصبح مصدرًا للارتباك، لكن ذلك كان وسيظل قصة قديمة عن الوحشية والمواطنين من الدرجة الثانية وحياة الأمريكيين السود التي يمكن التخلص منها والشرطة التي تحمي الأغنياء وتدعم ناهبي الشركات الذين يسيطرون على القشرة الخارجية الخادعة التي تُدعى الديمقراطية.
بالنظر إلى حياة السود والملونين التي تم تهميشها خلال جائحة كورونا في الولايات المتحدة، ومع وجود غالبية الوفيات بين المواطنين السود والمهاجرين الملونين، كما أن أغلبية من فقدوا وظائفهم كانوا من السود والنساء والمواطنين من أصول إسبانية، يعد ذلك إدانة مأساوية لهذا الانقسام المشين غير المفهوم الذي لا يمكن الدفاع عنه.
إنها أمة محاربة تفرض إرادتها من خلال العسكرة والانقلابات التي لا تعد ولا تحصى ومن خلال دعم الديكتاتوريات والسلطويات المتماشية مع أجندتها
هذا ما يحدث بينما تحقق طبقة المليارديرات عائدات أعلى ويطالب العامة البيض بفتح الاقتصاد دون قيود، إن ذلك يعد مظهرًا آخر من مظاهر إذلال المواطنين السود والملونين.
اسألوا العراقيين
في الأسبوع الماضي قال المؤلف الفيتنامي الأمريكي فيت ثان إنه بمجرد أن أصبح واضحًا أن أجساد السود والملونيين هي الأكثر تأثرًا بالفيروس، أصبح هناك اهتمام أقل بأهمية عدد وفيات الأمريكيين من الفيروس، حتى عبء الموت لا يتم مشاركته بشكل متساوٍ كما يحدث دائمًا في التاريخ الأمريكي.
بالنسبة لهؤلاء الذين يقعون في قاع برميل الإمبراطورية الأمريكية، لم تكن أفعال الشرطة في الأسبوع الماضي صادمة أو مفاجئة، اسألوا العراقيين والأفغان والفيتناميين الذي شهدوا الغزو الأمريكي، تحدثوا إلى الأطفال الذين قُتل آباؤهم وأمهاتهم المدنيون بواسطة الطائرات الأمريكية في باكستان والصومال.
اسألوا الفلسطينيين في سجن غزة المفتوح المدعوم بأموال دافعي الضرائب الأمريكية، إن حياة الآخرين ليست مهمة على الإطلاق، من يستطيع أن ينسى تعليق وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بشأن العراق عام 1998 عندما قالت: “حتى لو كانت العقوبات ضد العراق ستسبب وفاة نصف مليون طفل عراقي، فإن الثمن يستحق ذلك”.
يقول روبين كيلي في كتابه “ضبط نظام الكوكب: لما أدت أزمة الشرطة إلى حياة السود مهمة” إن الثقافة العسكرية الأمريكية تضع الشرطة والجنود في المقام الأول وتضع أفعالهم في إطار حفظ الأمن أو الدفاع عن النفس، ويضيف: “الحياة تحت الاحتلال تعني تحمل الحرب الدائمة التي تعني فعليًا أن جميع المدنيين مقاتلين ويصبح العقاب الجماعي نسيج الحياة اليومية”.
هذه عقلية المستعمر المستوطن الذي يحب أن ينسى بناءه للبلاد بالسخرة، كأقوى إمبراطورية في العالم، قامت فردانيتها القاسية وحريتها ورأسماليتها على امتياز القليل من الربح للعبودية الاقتصادية في مكان آخر.
إنها أمة محاربة تفرض إرادتها من خلال العسكرة والانقلابات التي لا تعد ولا تحصى ومن خلال دعم الديكتاتوريات والسلطويات المتماشية مع أجندتها، إن النيوليبرالية الأمريكية عمل مشين سمح بحروب دائمة في الشرق الأوسط، إنه تعقيد شامل للغاية حتى إن الشركات الأمريكية ستقوم بتفكيك المحتجين ضد وجودها كمنتج على لائحة الانتظار.
الابتسام مع الظالمين
إن هؤلاء الذين ثملوا من الشراب الأمريكي في حب قواتهم ويحملون قيمهم المحبوبة ويحمون مصالحهم المحبوبة هم من يكافحوا لاستيعاب المشهد خارج البيت الأبيض وفي مدينة نيويورك وفي كل مكان آخر.
أما البقية منا فإننا ندرك تمامًا كيف تعمل آلة الحرب الأمريكية عبر المحيطات ونؤطر حروبها كمسألة أمن قومي أو لنشر الديمقراطية.
لقد كان محمد علي حكيمًا بشأن الحقيقة، فقد قال ذات مرة: “أعلم أنني صنعت ذلك بينما يقع غالبية المواطنين السود في قاع الجحيم، لكن طالما أنهم ليسوا أحرارًا فأنا لست حرًا كذلك”.
بعد 5 عقود من ذلك، كان واضحًا أنه لا يوجد قدر من استرضاء السلطة ولا جهد لكي تصبح الحقيقة مستساغة لليبراليين البيض، يستحق مقعدًا على الطاولة، فالمواطن الأسود ما زال لا يستطيع التنفس.
إن قصة هذه الجائحة، فيروس كورونا ووحشية الشرطة في أمريكا هي قصة أمريكا التي تحط من الإنسانية وتمحو وتتجاهل وفيات الآخرين في كل مكان وفي داخلها أيضًا كما يظهر لنا التاريخ.
المصدر: ميدل إيست آي