“الله أكبر حرية”، “سوريا حرة حرة وروسيا تطلع برا”، “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد”.. عودٌ على بدء، تصدح هذه الهتافات مجددًا في مظاهرات محافظة السويداء السورية هذه الأيام، تلك الشعارات تعودها السوريون في بداية انتفاضتهم عام 2011، وبالطبع فهذه المظاهرات الاحتجاجية في السويداء ليست الأولى، ولكنها الأبرز في الآونة الأخيرة خاصةً في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي والقبضة الأمنية المتزايدة لنظام الأسد.
وضعٌ مأساوي جديد تعيشه سوريا، فالليرة السورية في أدنى مستوياتها والغلاء يطال أبسط المقومات المعيشية، وتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات لرجالٍ يشكون الحالة التي وصلت إليها أحوال الناس، يبكون رغيف الخبز، ولا تقتصر هذه الحالة على منطقة معينة دون أخرى، فالحالة تعم البلاد من مناطق سيطرة النظام إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمالي سوريا وصولًا إلى مناطق سيطرة الوحدات الكردية.
مظاهرات متجددة
خرجت مظاهرات في مناطق متعددة من سوريا تنادي بإسقاط النظام والحرية وتطالب بتحسين الوضع المعيشي المتردي، حيث انطلق مواطنون في مدينة السويداء بمظاهرات تندد بالوضع المعيشي المتدني، محملين النظام السوري سبب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
وبحسب التسجيلات التي وردت من المدينة طالب المتظاهرون بإخراج روسيا وإيران من سوريا، كما طالبوا بتغيير النظام الحاكم، فيما تستمر المظاهرات بالوقت الذي دفعت فيه قوات الأسد بتعزيزات أمنية إلى المدينة.
يُذكر أن المظاهرات في المدينة ذات الغالبية الدرزية هي امتداد للمظاهرات التي خرجت في الشهر الأول من هذا العام تحت عنوان “بدنا نعيش”، وكانت تلك الاحتجاجات التي استمرت لعدة أيام احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع المعيشية، إلا أن تلك الاحتجاجات لم يتم فيها رفع أي هتافات ذات طبيعة سياسية وكانت في مجملها تنديدية بالواقع الاقتصادي، عكس الشعارات المرفوعة في هذه الأيام.
لاقت مظاهرات السويداء حفاوةً كبيرةً لدى شريحة واسعة من السوريين، وبشأن المدينة ومظاهراتها يقول الباحث والكاتب السوري أحمد أبازيد: “مدينة السويداء تحت سيطرة النظام نظريًا، وتحت نفوذ إيران وروسيا وميليشيات محلية. مظاهرات اليوم امتداد لحراك معارض بدأ هناك منذ بداية الثورة، وتأتي بعد انهيار متزايد في الليرة السورية وتدهور الأوضاع المعيشية”.
تضامنت العديد من المدن مع حراك السويداء كمدينة الأتارب في المناطق المحررة من سلطة بشار الأسد، ورفع المتضامنون شعارات تؤكد وحدة الشعب السوري واستمرارية الثورة، كما أكدوا أهمية المظاهرات الجارية في المدينة.
انتقالًا إلى جارة السويداء، خرجت مظاهرة في مهد الثورة السورية، محافظة درعا، حيث شهدت مدينة طفس الخاضعة لسيطرة نظام الأسد خروج مظاهرة، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وسوء الأوضاع المعيشية التي بات يعاني منها المدنيون، ورفع المتظاهرون لافتات كتبوا عليها العديد من العبارات، مثل: “نظام لا يستطيع ضبط الأسعار فليرحل من هذه الديار” و”في كل دول العالم يفنى شخص من أجل الشعب”.
أما في مدينة إدلب التي تقع تحت سلطة المعارضة السورية، خرجت مظاهرةٌ ليلية حاشدة، ترفع شعارات ضد هيئة تحرير الشام وضد الواقع المعيشي المتردي في تلك المناطق المنهكة أصلًا، الجدير بالذكر أن شمالي سوريا يعاني من أزمة إنسانية كبيرة وقد خرج لتوه من حرب طاحنة شنها جيش النظام وروسيا وإيران على إدلب وريفها، وبالأزمة الاقتصادية الكبيرة الآن يكون قد أُحكم الخناق على هذه المنطقة من النواحي كافة.
إضافةً للمظاهرات في السويداء وإدلب، وصل الحراك سريعًا إلى عدة مناطق في دير الزور شرقي سوريا التي تقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” والمعروفة باسم “قسد”، طالبت تلك المظاهرات بتحسين الوضع المعيشي منددين بفساد الوحدات الكردية، وبحسب المصادر فقد قُتل شخص وأصيب آخرون بتفريق ميلشيات قسد لتلك المظاهرات.
تدهور الليرة
وصل سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار شمالي البلاد إلى 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد اليوم الإثنين، أما في مناطق سيطرة النظام فبلغ 3100 ليرة سورية، ومعظم التوقعات تشير إلى أن هذا التدهور مستمر ولن يتوقف قريبًا، وذلك بفعل اقتراب تطبيق قانون قيصر والمشكلة الحاصلة بين رامي مخلوف وبشار الأسد التي أثرت بشكل متسارع على الاقتصاد السوري.
دعت مستشارة رئيس النظام السوري بثينة شعبان، الشعب السوري إلى “الصمود أمام تداعيات الأزمة الاقتصادية وقانون قيصر”، وذلك بعد التدهور الكبير في العملة والوضع المعيشي، غير أن مغردين تداولوا صور ابن شعبان برفقة سيارات فارهة، في خضم هذه الأزمة.
عماد خميس رئيس حكومة بشار الأسد علق على انهيار سعر العملة والوضع الاقتصادي السيئ قائلًا: “نتواصل مع الدول الصديقة ونعمل معها ضمن العديد من العناوين، أحدها الحصول على قروض”، وأكد خميس قائلًا: “لتثبيت سعر الصرف من العام 2017 وحتى العام الحاليّ يتطلب 20 مليار دولار”، وبرر خميس ارتفاع الأسعار بشكل كبير بانعكاس انخفاض العملة عليه.
إغلاق الأسواق
شهدت الأسواق السورية في مناطق النظام ارتفاعًا هائلًا في أسعار السلع كافة، ليؤدي ذلك إلى توقف الحركة في الأسواق، في الوقت الذي رفعت الصيدليات أسعار الأدوية بشكل كبير قبل أن تغلق أبوابها بسبب فقدان عدد من الأدوية وانقطعت أهم الأدوية التي يحتاجها مرضى الضغط والسكري والربو والسرطان وغيرها من الأمراض المزمنة، وذلك مع استمرار انهيار الليرة.
وفقًا لـ”أورينت“، أغلقت المحال التجارية العاملة في بيع الجملة، بأسواق الحريقة ومدحت باشا والبزورية بالعاصمة دمشق. وبحسب بعض التجار فإن “إغلاق المحال في الوضع الحاليّ يعتبر أقل ضررًا من خسارة ثمن البضائع الموجودة لديهم في المستودعات، لأنهم سيبيعون اليوم بسعر وسيشترون غدًا بسعر أعلى، وهو ما سيعرضهم لخسارة كبيرة”.
توعدت وزارة التجارة في حكومة النظام السوري بمحاسبة أصحاب المحلات الذين توقفوا عن البيع، وقال معاون وزير التجارة الداخلية جمال الدين شعيب: “لن يتم التساهل مع أي فعالية تغلق من صاحبها لأي سبب من الأسباب، وستكون العقوبة إحالة المخالف إلى القضاء”، وطلب شعيب من المواطنين “التعاون في كشف مختلف أنواع المخالفات، سواء الأسعار أم المواصفات أم الإغلاق دون مبرر، من خلال تقديم الشكاوى عبر الأرقام المخصصة”.
إلى ذلك دعت عدة مجالس محلية في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا ومنها المجلس المحلي لمدينة مارع إلى اعتماد الليرة التركية والدولار الأمريكي في التعاملات المالية، وذلك نتيجة لانهيار قيمة الليرة السورية أمام باقي العملات، وما يحدثه الانهيار من خلل في الاتفاقات المالية وصعوبة في عمليات تداول السلع والخدمات بين الأهالي.
ودعا بيان مجلس مارع المحلي “لتثبيت أسعار البضائع والاتفاقات المالية الصغيرة والمتوسطة وأجور عمال اليومية ومهن البناء والمهن المشابهة، إضافة إلى أجور عمال اليومية في الزراعة وأسعار المحاصيل بالليرة التركية، وثتبيت الاتفاقات المالية الكبيرة فقط بالدولار الأمريكي”.
أما في مناطق حكم الوحدات الكردية فقد قررت هذه الوحدات تأجيل تحديد سعر شراء المحاصيل من المزارعين، بسبب التراجع المتواصل لقيمة الليرة السورية، وفي بيانها طالبت “الإدارة الذاتية”، المزارعين بمواصلة توريد محاصيلهم إلى المراكز المحددة في مناطق شمال شرقي سوريا، مشيرة إلى أنها ستتخذ قرارًا بعد تسليم جميع المحاصيل يحدد فيه سعر الشراء.
قانون قيصر يقترب من التطبيق
مع اقتراب تطبيق قيصر الأمريكي الذي يفرض عقوبات شديدة على النظام وداعميه، تسود حالة من الترقب والتخوف بازدياد الوضع سوءًا، وبات النظام السوري يضع كل التبعات الاقتصادية ويعزوها لهذا القانون الذي لم يُطبق حتى الآن، وصرح حساب السفارة الأمريكية في دمشق على تويتر: “لا يستطيع بشار الأسد ونظامه التستر على الحقيقة – منذ أكثر من 9 سنوات – شنوا حربًا دموية ضد الشعب السوري، ودمروا المنازل والمدارس والمحلات التجارية والأسواق العامة”، مؤكدةً أن “حرب النظام دمرت الاقتصاد السوري، وليس العقوبات الأمريكية أو الأوروبية”.
المعارض السوري يحيى العريضي قال: “أُعطي نظام الأسد ستة أشهر قبل نفاذ قانون قيصر، كي يقوم بما يحول دون فرض العقوبات، ولكنه بكل عنجهية وغباء تجاهل ذلك. أي وجع سيخلقه القانون هو من صناعة يد النظام حصرًا. يزول الأذى الحقيقي عن السوريين بزواله. نقطة، انتهى”.
يضيف المعارض السوري رضوان زيادة: “الأسد يقول إنه سيواجه قانون قيصر بشموخ، نفس اللغة العفنة التي اعتاد استخدامها على مدى خمسين عامًا، الليرة ستنهار إلى ما يفوق 3000 للدولار الواحد وطوابير الغاز والخبز والبنزين ستصبح عذابًا يوميًا لكل سوري، وكل هذا الشموخ من أجل أن يبقى الأسد ويفنى السوريون، سحقًا لهذا الشموخ”.
بدوره يقول الناشط السوري عبادة صنوفي: “حملتم الناس من القهر والذل والجوع والرعب ما لا يمكن لبشرٍ تحمُله، ثم تطلبون منهم الصمود في مواجهة قانون قيصر! وهل أبقيتم أيًا من مقومات الصمود! بل من أسباب الحياة الإنسانية! ثم ما هي القضية المقدسة التي سيصمد في سبيلها هذا الشعب المنكوب؟! لكل شيء حدود إلا العهر”.
أخيرًا، في حديثٍ لي مع أحد السوريين الذين يقطنون دمشق، قال لي: “سقالله أيام الحرب، كان كل شيء متوافرًا”، مضيفًا أنه لا يستطيع شراء السلع الأساسية كمادة السكر فضلًا عن الفواكه والخضار، كما أنه لا يستطيع شراء الأدوية الخاصة بأمه، حالة هذا الشاب أصبحت عامة والقادم لا ينذر بخير للشعب السوري في ظل تعنت النظام وتمسكه بكرسي السلطة وسياسته القائمة على سحق الشعب وكرامته وسلب أسباب الحياة منه.