احتوى البرنامج الوزاري لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على وعد بتهيئة الظروف لإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة في موعد أقصاه عام واحد بعد إكمال قانون الانتخابات في مجلس النواب، وذلك بإشراف ودعم من الأمم المتحدة، تلبيةً لمطالب المتظاهرين وإرضاءً لهم لإطفاء غضبهم غير المستكين، رغم عدم وجود أي نص دستوري يُتيح إجراء انتخابات مبكرة إلا بعد أن يحل مجلس النواب نفسه بأغلبية الثلثين قبل مدة أقصاها 3 أشهر من موعد إجراء الانتخابات.
هناك عدد كبير من العراقيل والمعطيات غير الإيجابية التي لا توحي بإجراء انتخابات مبكرة، وإن جرت فعلًا وتم التغلب على الظروف والمعطيات وتجاوز العقبات، فإنها ستجري لكنها لن تكون نزيهة ولا شفافة ولا عادلة.
مفوضية الانتخابات غير المستقلة
على وقع الاحتجاجات شُكلت رابع مفوضية للانتخابات في العراق، ولم تكن هذه المفوضية الجديدة استثناءً عن المفوضيات السابقة لا بمجالس إداراتها ولا بمكاتب موظفيها في المحافظات العراقية ولا بمجالس المفوضين فيها الذي لا بد أن يتشكل من قضاة مستقلين، لكن ما يجري دائمًا، أن تدعم الأحزاب قضاة في مجلس القضاء الأعلى وتتم الترفيعات بحقهم بناءً على اعتبارات سياسية ومحسوبيات حزبية، وعند ترشيح أسماء في القرعة التي ستشكل مجلس المفوضين، ستفرز ممثلين عن الأحزاب.
فمفوضية الانتخابات المستقلة المعنية بالانتخابات ونتائجها أصبحت ممثلية للأحزاب السياسية، وبالتالي ستسيطر نفس الأحزاب على العملية الانتخابية، فمن غير المتوقع بالمطلق إجراء انتخابات مبكرة نزيهة وشفافة وعادلة.
من جهة أخرى، رفض مجلس النواب “البطاقة البايومترية” طويلة الأجل التي تعتبر غير قابلة للتزوير – لحملها بصمة اليد وصورة للناخب – مما يعني أن البرلمان رافض للإصلاح ويؤيد بطريقة أو بأخرى حدوث خروقات وتزوير في الانتخابات المقبلة التي من المرجح أن تستخدم فيها البطاقات السابقة القابلة للتزوير والتلاعب.
العقبة المالية
إن إجراء انتخابات مبكرة يتطلب تخصيص ميزانية خاصة بها تقدر بمليار دولار أمريكي، لتهيئة مراكز الاقتراع والدعم الفني واللوجستي وتأهيل المفوضية الجديدة، والعراق يمر بأزمة اقتصادية حادة بعد انخفاض أسعار النفط – بعد جائحة كورونا – وهو يعتمد على 95% في موازنة الدولة على بيع النفط، فالعجز دفع الحكومة لتقليل الرواتب وطرح مشاريع للاقتراض الداخلي والخارجي، وقد تعتبر فكرة إجراء انتخابات في هذه الظروف ترف ديمقراطي بالنسبة للطبقة السياسية التي ينخرها الفساد وتسيطر عليها اللامبالاة.
غياب الإرادة السياسية واستشراء الفساد
إن الفاعل السياسي الشيعي هو المحرك لأي تغيير ممكن أن يحدث في البلاد، كإجراء انتخابات مبكرة، لكون الطبقة السياسية تعتبر التظاهرات خاصة بالمناطق الشيعية وهم المعنيون بأي تغيير، وهذا لا يخص المكونين السني والكردي، فالأحزاب الشيعية شبه متفقة على عدم إجراء أي انتخابات مبكرة وستعمل على وضع العراقيل أمام أي محاولات لإجرائها، لأنها تدرك أن نتائجها لن تكون في صالحها وأن الرأي العام غاضب عليها، وقد يمزق المحتجون المستمرون بالتظاهر أي لافتات تُرفع للأحزاب وشخصياتها البالية التي لم تقدم أي شيء لناخبيهم طوال سنوات من الوعود الكاذبة.
لا تزال وعود رئيس الوزراء حبرًا على ورق وليس من المتوقع أن يفتح الكاظمي جبهة مع لوبيات الفساد والميليشيات المتحالفة معها في مرحلة تُعد أساسًا لتكون مرحلة تهدئة بين واشنطن وطهران، لذلك استمرار الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وبقاء سطوة سلاح الميليشيات سائب دون ضوابط، سيعني تزوير الانتخابات ومشاركة الأحزاب بالانتخابات بقوة سلاح ميليشياتها، وهو ما لا يمكن أن يؤدي إلى انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بأي شكل من الأشكال.