ترجمة وتحرير نون بوست
تقول السلطة الفلسطينية إنها ستخفض رواتب عشرات آلاف الموظفين ورجال الشرطة، كما ستخفض التمويل الحيوي لقطاع غزة الفقير، وستحاكم أي مواطن إسرائيلي أو مواطن عربي من القدس يُقبض عليه في الضفة الغربية بمحاكم فلسطينية بدلًا من تسليمه لـ”إسرائيل”.
في محاولة يائسة لمنع الضم الإسرائيلي للأراضي المحتلة، تتخذ السلطة الفلسطينية خطوات استباقية لقطع التعاون مع “إسرائيل” وإجبارها على تحمل المسؤولية كاملة – كمحتل عسكري – عن حياة أكثر من مليوني فلسطيني في الضفة الغربية.
ربما تبدو هذه الإجراءات عاجزة، لكن القادة الفلسطينيين يعتقدون أنها قوية لكن ذات حدين لإرغام “إسرائيل” والمجتمع الدولي على التعامل بجدية والتراجع قبل فوات الأوان.
يقول حسين الشيخ الموظف الفلسطيني المسؤول عن العلاقات مع “إسرائيل” وأحد أقرب مستشاري الرئيس محمود عباس: “نحن لسنا عدميين أو حمقى ولا نرغب في الفوضى، إننا عمليون ولا نريد أن تصل الأمور لنقطة اللاعودة، هذا الضم يعني لا عودة للعلاقات مع إسرائيل”.
يضغط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل الضم تزامنًا مع خطة إدارة ترامب للسلام التي تفكر ظاهريًا على الأقل في كيان فلسطيني مستقل كجزء مما أسموه “حل واقعي لإقامة دولتين”، تعهد نتنياهو بضم ما يصل إلى 30% من الضفة الغربية وربما يفعل ذلك الشهر المقبل.
لكن بالنسبة للفلسطينيين، فالضم يخرق حظر الاستيلاء على الأراضي أحادي الجانب حسب اتفاقية أوسلو في التسعينيات، وسيسرق الكثير من الأراضي التي اعتمدوا عليها لإقامة الدولة، لهذا السبب يقولون إنه سيقتل أي أمل في حل إقامة دولتين بالنسبة لهذا الصراع.
ردًا على خطة الضم تعهد عباس بنبذ الالتزامات الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو منذ الشهر الماضي بما في ذلك التعاون الأمني مع “إسرائيل”، تهدف الإستراتيجية التي حددها الشيخ إلى تذكير “إسرائيل” بالعبء الذي يجب أن يتحملوه في حالة حل السلطة الفلسطينية، وأظهر استعدادهم للسماح بانهيار السلطة الفلسطينية في حالة تمرير هذا الضم.
يقول الشيخ: “إما أن يتراجعوا عن الضم وتعود الأمور لما كانت عليه أو عليهم أن يستمروا في عملية الضم ويصبحوا السلطة المحتلة للضفة الغربية بأكملها”.
وأضاف أنه في حالة تجريدهم من إمكانية إقامة دولة فإن السلطة الفلسطينية لن تقوم إلا بأعمال مدنية مثل إدارة المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة، مما يجعلها بالفعل عميلة للاحتلال الإسرائيلي، يقول الشيخ: “لن أقبل بأن يكون دوري تقديم الخدمات، نحن لسنا مجلسًا محليًا أو مؤسسةً خيريةً”.
بدأ الفلسطينيون بالفعل في الحد من التعاون الأمني واتخذوا خطوة مالية وأشاروا إلى أخرى التي قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية واضطرابات، في يوم الأربعاء أعلن الشيخ رفض السلطة الفلسطينية لقبول مئات ملايين الدولارات التي ترسلها “إسرائيل” شهريًا وتمول نصف الميزانية تقريبًا وهي عبارة عن الضرائب التي تجمعها “إسرائيل” نيابة عن السلطة الفلسطينية، وأضاف الشيخ: “هذه بالطبع أموالنا لكننا كنا نحصل عليها بموجب اتفاقات بيننا وبينهم”.
إن رفضها سيبعث بالسلطة نحو طريق الانهيار المالي وخفض الرواتب قسرًا وتسريح الموظفين ودمج الوكالات وربما إغلاق الحكومة، يقول جهاد حرب – محلل سياسي فلسطيني – إن رفض تحويلات الضرائب سيساهم في خلق الفوضى بالإضرار بسبل المعيشة مع ضعف سيطرة السلطة على موظفيها.
ويضيف حرب “ينظر الناس إلى الحكومة كشيء يحقق لهم بعض المنافع، فهي تقدم الرواتب وتوفر التعليم والرعاية الصحية والرفاهية، لكنها لن تستطيع أن تفعل أيًا من هذه الأشياء، سوف تخسر شرعيتها وسيتوقف الناس عن الاهتمام بها”.
بشكل منفصل قال الشيخ إن السلطة ستخفض أيضًا الأموال التي ترسلها إلى قطاع غزة – 105 ملايين دولار شهريًا – من أجل الرواتب ورسوم المرافق والنفقات الطبية، إن أي خفض سيؤدي إلى تقويض استقرار غزة التي تحكمها حماس فعليًا.
يقول حرب إنه وفقًا لأدلة التاريخ فإن هذه الخطوة ستسبب اضطرابات لـ”إسرائيل”، وأضاف “تخفيض الأموال المرسلة لغزة سيضغط على حكومة حماس التي سترد غالبًا بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.
ستقوم السلطة الفلسطينية بجعل إغلاق التواصل مكلفًا بطرق مهمة أخرى، بما في ذلك التوقف عن دفع رسوم عشرات الفلسطينيين الذي يسعون للعلاج الطبي في المستشفيات الإسرائيلية.
يقول فوزي عكرة الذي يعيش خارج مدينة رام الله في الضفة الغربية إن ابنه مياس – 12 عامًا – غير قادر على العودة إلى مستشفى هداسا في القدس لتلقي علاج سرطان النخاع العظمي، وأضاف: “أحتاج إلى بديل لكنه غير موجود”.
توقفت السلطة أيضًا عن منح تصاريح دخول الفلسطينين إلى “إسرائيل” لكنها لم تمنعهم من التقدم مباشرة إلى الإدارة العسكرية الإسرائيلية.
هذه السياسة خلقت مشهدًا فوضويًا ظهر في الخليل بالضفة الغربية الأسبوع الماضي عندما توجه آلاف الفلسطينيين إلى المكتب العسكري فجأة للحصول على تصاريح عمل في “إسرائيل”، هذا ما يؤكد وجهة نظر الفلسطينيين.
يقول الشيخ: “سأتراجع عن مسؤولياتي كل يوم، وأقول للإسرائيليين إذا استمر الوضع سيكون عليهم تحمل المسؤولية كاملة كسلطة محتلة، وسنعود إلى ما كان عليه الوضع قبل أوسلو”.
لا يوجد مكان لفحص هذه الإستراتيجية الفلسطينية أكثر أهمية من مجال التعاون الأمني، فمنذ الشهر الماضي توقف ضباط الشرطة المسلحون ورجال المخابرات الفلسطينية البالغ عددهم 30 ألف شخص، الذين يوفرن الحماية لعباس أيضًا، عن التواصل مع نظرائهم الإسرائيليين والأمريكيين، هذا القطع سيعزز التكهنات بشأن إذا ما كانت النتيجة السماح بموجة جديدة من العنف.
يقول الشيخ: “إذا قام أي شخص بارتكاب أخطاء في منطقتي فسأحاكمه في منطقتي، لن نسلم أي شخص إلى إسرائيل”
لكن الشيخ أكد أن الخدمات الأمنية ستستمر في حفظ القانون والنظام ومحاربة الإرهاب، لكنها ستعمل بمفردها، وقال: “سنمنع أي محاولة عنف أو فوضى ولن نسمح بإراقة الدماء، إنه قرار إستراتيجي”.
لكن التعاون الأمني مع “إسرائيل” كان وسيلة لتحقيق غاية سياسية، يقول الشيخ: “أريد السلام وإقامة دولتين، لكنني لست متعاونًا مع إسرائيل”.
أكدت حالتان يوم الخميس إصرار الفلسطينيين على تجنب المواجهات مع “إسرائيل”، فقد اكتشفوا خارج جنين عشرات القنابل الأنبوبية بعضها على الطريق الذي يستخدمه الجنود الإسرائيليون في مداهمات اعتقال الفلسطينيين.
وفي نابلس، عندما وصلت قافلة من القوات الإسرائيلية التي تنقل مئات المصلين اليهود لقبر يوسف، غادر الضباط السبع الذين يحرسون الموقع عند وصول القوات الإسرائيلية لتجنب أي مواجهة، ثم عادوا إلى مواقعهم بعد رحيل الإسرائيليين، لكن دون أي تنسيق.
وعند سؤاله كيف سترد القوات الأمنية إذا علم بنية فلسطينيين الهجوم على الإسرائيليين، قال الشيخ إنه سيقبض عليهم إذا كان داخل الضفة الغربية، أما في حالة وصول المهاجم إلى “إسرائيل” فإنه قد يحذرهم من خلال وسيط، لكن الخبراء الإسرائيليين قالوا إن مثل هذه التحذيرات غير المباشرة ليست مجدية.
يقول مايكل ملشتين، ضابط سابق في المخابرات الإسرائيلية: “لست متأكدًا من أن الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر أو أي منظمات أخرى على اتصال مباشر بالأطراف المناسبة في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، وحتى تصل المعلومات عبر قنوات ملتوية سيكون “الإرهابيون” قد نفذوا هجومهم بالفعل”.
يرى ملشتين أن وقف التواصل سيعرقل جهود منع العنف، وسيعزز من الشكوك في وجود أي ثقة، ويسمح للمتشددين باستغلال هشاشة الوضع ويصبح من السهل تصاعد حدة حدث طائش بدلًا من وقفه سريعًا.
يقول الشيخ أيضًا إن أي إسرائيلي سيُقبض عليه في الضفة الغربية لن يتم تسليمه للسلطات الإسرائيلية، قال مسؤولون في الأمن الفلسطيني ومسؤوليّن سابقين في قوات الجيش الإسرائيلي إن هناك عدة مواطنين عرب من القدس ومواطنين عرب من “إسرائيل” محتجزون بالفعل لدى السلطة الفلسطينية بتهم تتضمن تهريب السلاح.
يضيف الشيخ: “لن أسلمهم لـ”إسرائيل”، إذا كان هنا إسرائيلي يرغب في بيع المخدرات على أرضي، ألن أقبض عليه؟ إذا ارتكب أي شخص أخطاءً في منطقتي فسأحاكمه في منطقتي، لن نسلم أي شخص إلى إسرائيل”.
المصدر: نيويورك تايمز