تستعد تونس لإعادة فتح حدودها الخارجية، بعد نحو 3 أشهر من الإغلاق نتيجة فيروس كورونا. فتح الحدود يعني عودة السياحة واستئناف نشاط العديد من القطاعات المرتبطة بهذا المجال، لعل تونس تنقذ اقتصادها الذي يشهد إحدى أسوأ أزماته عبر التاريخ، فالرهان كبير على السياحة هذه الفترة.
تونس آمنة
رئيس الحكومة التونسية، إلياس الفخفاخ، يأمل عودة السياحة ببلاده مطلع يوليو/تموز المقبل، نفس الأمر بالنسبة إلى وزير السياحة محمد علي التومي الذي أكد استعداد بلاده لاستقبال السياح من جميع دول العالم في يوليو/تموز المقبل (دون ذكر يوم بعينه)، بعد نحو 3 أشهر من الإغلاق ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا.
لاستقبال المسافرين وضمان صحتهم، تم تفعيل بروتوكول صحي يتضمن الإجراءات الصحية التي يتوجب اتباعها من السياح الراغبين في قضاء عطلاتهم بتونس، ومن هذه التدابير، وجوب احترام التباعد بين الطاولات والمظلات على الشواطئ والمسابح، وتجنب التجمّعات سواء داخل الفندق أو خارجه، وسيُطالَب السائح بأن يجلب معه إلى جانب الكريم الواقي من الشمس، سائلًا مطهرًا يلازمه حيثما تنقل.
وقال وزير السياحة محمد علي التومي: “أعدت تونس تصنيفًا جديدًا أطلقت عليه Ready and Safe (جاهز وآمن) وهو تصنيف إجباري تم وضعه بحسب المعايير الدولية يتعين على كل الناشطين في القطاع الالتزام به”.
إنقاذ الموسم السياحي، يعني وفق السلطات التونسية، إنقاذ جزء مهم من النسيج الاقتصادي في البلاد
وتستعد تونس لفتح الحدود بالكامل أمام الرحلات الدولية بدءًا من يوم 27 من يونيو/حزيران الحاليّ، وكانت السلطات قد أذنت الشهر الماضي بفتح المطاعم والمقاهي والمنشآت السياحية وألغت حظر التجوال الليلي، في إطار إجراءات التخفيف من الحجر الصحي.
وقبل أيام قليلة، كشفت مجلة وموقع “فوربس” الأمريكي أن تونس تعد من بين البلدان السبع التي لديها القدرة على أن تصبح من أحسن الوجهات السياحية في العالم بعد جائحة “كورونا”.
واعتبر موقع “فوربس” “أن تونس منفتحه على شواطئ البحر الأبيض المتوسط الخلابة ولديها الآثار القديمة والمطبخ المغاربي وتقدم نفسها كوجهة للراغبين في اكتشاف ثقافة شمال إفريقيا النابضة بالحياة والفريدة من نوعها”.
وتعد آثار قرطاج بالنسبة لهواة التاريخ والحضارات الإنسانية واحدة من أهم المواقع الغنية بالكنوز الأثرية التي يتوجب زيارتها في حين يمكن للمغامرين الأكثر جرأة أن يسافروا جنوبًا إلى الصحراء حيث يمكن التعرف أيضًا على بقايا المساكن البربرية التاريخية.
الاستفادة من نجاح السيطرة على كورونا
بدأت تونس حملتها الترويجية في الخارج، خاصة في الجزائر وألمانيا، بقصد حث السياح هناك على القدوم إليها والتمتع بإجازة جميلة في هذا البلد الآمن صحيًا وفق الأمين العام للمنظمة العالمية للسياحة زوراب بولوليكاشفيلي.
وتعمل تونس على الاستفادة من نجاحها في السيطرة على فيروس كورونا للترويج إلى وجهتها الصحية، حيث نجح هذا البلد العربي في السيطرة على وباء كورونا في وقت ما زالت فيه كبرى الدول المتقدمة تعاني من هذا الوباء الذي فتك بمئات الآلاف عبر مختلف الدول.
بدورهم، يأمل المهتمون بالشأن السياحي في تونس في استغلال تحسن الوضع الصحي ببلادهم وارتفاع نسبة الشفاء في توجيه رسائل إيجابية للسياح الأجانب والمحليين الذين يخططون لقضاء إجازاتهم الصيفية بعد انقضاء فترة الحجر الصحي وإعادة فتح المجالات الجوية والبحرية، خاصة أن وجهات مهمة منافسة لتونس في محيطها المتوسطي، على غرار إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، لا تزال ترزح تحت تأثير تداعيات فيروس كورونا.
أكدت وزارة الصحة التونسية، أمس الثلاثاء، ولليوم السادس على التوالي، خلوها من أي إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد، وبحسب آخر تحديث للوزارة، لم تسجل مخابر تونس أي إصابة جديدة محليًا ونفس الشيء بالنسبة للوافدين من الخارج، ليستقر عدد الاصابات عند 1087 إصابة منذ بدء تفشي الفيروس، منها 982 شخصًا تماثلوا للشفاء حتى اليوم، في حين استقر عدد الوفيات عند 49 حالة.
تأمل تونس في أن تستغل هذا الوضع، حتى تفرض نفسها مجددًا في هذا المجال، خاصة أن صناعة السياحة العالمية تشهد تباطؤًا غير مسبوق، وهو ما يفتح الباب لتونس لأن تكون دولة إقليمية رائدة في هذا المجال الحيوي.
وتحتل تونس، بفضل إطلالتها الساحرة على البحر الأبيض المتوسط وشريطها الساحلي الممتد على طول نحو 2300 كيلومتر، والتنوع الثقافي والطبيعي الذي تزخر به، مكانة مهمة في صفوف الدول السياحية المتميّزة التي يقصدها ملايين السياح من كل أنحاء العالم، منذ سنوات طويلة.
السياحة الداخلية
في حال لم يأت العدد المطلوب من السياح الأجانب، وهو أمر متوقع، سيكون الاعتماد كليًا على السياحة الداخلية، حتى يتم إنقاذ الموسم السياحي الذي تضرر بشدة نتيجة لتفشي فيروس كورونا، على الرغم من أن البلد الواقع في شمال إفريقيا يعد من أقل البلدان تأثرًا بالوباء في محيطه.
ودفع الأذى الشديد الذي أصاب قطاع السياحة الحكومة للتفكير في كل الاحتمالات منها الاعتماد على السياحة الداخلية، وسبق أن أكد وزير السياحة أن وزارته ترى إمكانية أن يكون التونسيون الحل لإنقاذ السياحة، لذلك ستلجأ إلى إقناعهم للإقبال على السياحة.
النتائج الصحية الجيدة التي حققتها تونس في مكافحة جائحة كورونا، أحيت آمال قطاع السياحة بتحقيق انتعاشه
عادة ما تمثل السوق الداخلية 20% من عائدات القطاع، وتأمل سلطات البلاد أن تتطور هذه النسبة وترتفع أكثر، فيما يأمل العديد من التونسيين أن يجدوا تسهيلات في النزل تضاهي التسهيلات والامتيازات التي يتمتع بها السائح الأجنبي.
إنقاذ الاقتصاد
إنقاذ الموسم السياحي، يعني وفق السلطات التونسية إنقاذ جزء مهم من النسيج الاقتصادي في البلاد، نظرًا لأهمية هذا القطاع، حيث يعمل به نحو نصف مليون شخص ويساهم بنحو 14% من الناتج الداخلي الخام.
قبل جائحة كورونا، كانت السلطات التونسية تأمل أن تحقق هذه السنة أرقامًا قياسية في المجال السياحي، فقد كانت تخطط لجلب أكثر من 10 ملايين سائح خلال هذا العام، مقارنة بـ9 ملايين و400 ألف سائح قدموا إلى البلاد عام 2019 بعد تعافي القطاع من الضربات التي سببتها العمليات الإرهابية التي استهدفت البلاد.
هذه الأرقام ظهرت جليًا في بداية السنة، فإلى حدود مارس/آذار الماضي كانت السياحة التونسية تسجل تطورًا في حجم الإيرادات، لتزيد بنحو 5% على أساس سنوي لتبلغ 960 مليون دينار (335 مليون دولار) مقارنة بذات الفترة من العام الماضي 2019.
كما ارتفع أعداد الوافدين بداية السنة، فخلال الفترة الممتدة من بداية يناير/كانون الثاني إلى 10 من مارس/آذار 2020، أي قبل الحجر الصحي الشامل، توافد قرابة مليون و222 ألف سائح، بارتفاع يقدر بـ7.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019.
كانت السلطات تتوقع تواصل هذا الارتفاع خلال باقي أشهر السنة، خاصة في الصيف، إلا أن فيروس كورونا غيّر كل المعطيات بعدما توقفت الحجوزات نهائيًا منذ منتصف مارس/آذار الماضي، وبدأت الخسائر في الارتفاع.
من شأن تعافي السياحة التونسية أن يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد انكماشًا بأكثر من 4.2% هذا العام، في أسوأ ركود منذ استقلالها في 1956، وكان البنك الدولي قد توقع نمو الاقتصاد التونسي في 2020 و2021 بنسبة 2.2% و2.6% على التوالي.
النتائج الصحية الجيدة التي حققتها تونس في مكافحة جائحة كورونا، أحيت آمال قطاع السياحة بتحقيق انتعاشه في حال استغلال هذا النجاح بالحملات الدعائية لجلب الزوار إلى البلاد باعتبارها وجهة آمنة صحيًا.