دعت إيران يوم الأربعاء الماضي كل من روسيا والصين، إلى بذل المزيد من الجهود من أجل مقاومة محاولات الولايات المتحدة، تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، الذي من المقرر أن ينتهي في شهر أكتوبر من هذا العام، بموجب الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى عام 2015، إذ اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موقفًا أكثر صرامة في إطار الأمم المتحدة، لتمديد وتعزيز الحصار المفروض على إيران، محذرة من أن رفعه سيسمح لطهران بالحصول على أسلحة، ويمكن أن تؤجج الصراعات في الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمة بثها التليفزيون الرسمي الإيراني في ذات اليوم، إلى ضرورة وقوف باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وتحديدًا روسيا والصين، في وجه هذه المحاولات الأمريكية.
تشير وجهة النظر الأمريكية، إلى أن الظروف الإقليمية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط اليوم، إلى جانب عدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران بشأن القضايا التي دفعت الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018، تجعل الولايات المتحدة غير مقتنعة بمسألة رفع الحظر عن تصدير الأسلحة إلى إيران، خصوصًا أن الولايات المتحدة لم تعد اليوم طرفًا في الاتفاق النووي، والأكثر من ذلك، هددت الولايات المتحدة بأنها ستقف في وجه أي محاولات لرفع الحظر، وذلك عبر استخدام حق النقض الفيتو، ولن تكون جزءًا من توجه إيران لإعادة إحياء الصراعات في الشرق الأوسط.
بداية القصة
منذ أن قبلت إيران بالاتفاق النووي الموقع مع القوى الكبرى عام 2015، كانت تتطلع إلى رفع الحظر المقرر على استيراد أو شراء الأسلحة في أكتوبر 2020، وهو الأمر الذي سيساعد على تحديث القدرة العسكرية التقليدية الإيرانية، التي يعود بعضها إلى ما قبل ثورة عام 1979، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إيران في هذا الإطار، فإنها لا تلبي احتياجات المعارك الحديثة، فمؤسسة الصناعات الدفاعية الإيرانية، تنقصها الكثير من التكنولوجيا العسكرية، لتنتج أسلحة ومعدات متطورة، وهو ما أظهرته المواجهات المتقطعة مع الولايات المتحدة، سواء في العراق أم مياه الخليج العربي.
كما أن قدرتها على إدخال التقنية العسكرية المهربة، تبدو صعبة أيضًا، بسبب القيود الاقتصادية والجيوسياسية المفروضة عليها على حد سواء، بما في ذلك تأثير العقوبات الأمريكية وتداعيات جائحة فيروس كورونا والحذر من جانب الموردين المحتملين.
اعتمدت إيران وسائل غير متماثلة، لتعويض الحظر المفروض على الأسلحة، عبر تسخير العديد من الميليشيات في لبنان والعراق واليمن وسوريا، للتأثير ورفع تكلفة الهجمات المحتملة عليها
وعلى الرغم من حالة التفاخر التي تبدو على تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وتحديدًا قادة الحرس الثوري الإيراني، بتطوير أسلحة وقدرات إستراتيجية عسكرية، دافعت عن وحدة أراضي بلادهم ووسعت نفوذهم الإقليمي، بجزء صغير من تكلفة ميزانيات الدفاع الإيرانية، عند مقارنتها بالميزانيات العسكرية لدول الجوار، فإن حالة التفاخر هذه تخضع للعديد من الأسئلة والاستفسارات عندما تندلع أي مواجهة مسلحة بين إيران والولايات المتحدة أو إحدى دول الجوار، بشأن مدى فاعلية هذه الأسلحة وتأثيراتها.
ففي مقالة افتتاحية نُشرت بصحيفة نيويورك تايمز عام 2017 ، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “لمعدات عسكرية جميلة” بمليارات الدولارات، للعديد من الدول العربية، لم يؤد إلى توفير الأمن لتلك الدول، وفي مقابل ذلك، اعتمدت إيران وسائل غير متماثلة، لتعويض الحظر المفروض على الأسلحة، عبر تسخير العديد من الميليشيات في لبنان والعراق واليمن وسوريا، للتأثير ورفع تكلفة الهجمات المحتملة عليها، من خلال الهجمات التي ينفذها حلفاؤها بالوكالة، وهي صورة أصبحت واضحة للعيان بعد اندلاع حركات التغيير العربي عام 2011، إذ تمكنت من نقل الأسلحة إلى حلفائها، رغم الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة عليها.
جهود ذاتية لتحدي الحظر
طورت إيران قدرات إلكترونية مهمة جزئيًا، كرد فعل على هجمات فيروس Stuxnet عام 2005، على بنيتها التحتية النووية، كما أحرزت تقدمًا مهمًا في برامج الصواريخ الباليستية والمركبات الجوية غير المسلحة، بناءً على منصات مستوردة من روسيا والصين وكوريا الشمالية، وفي مجال صناعة الطائرات دون طيار، حققت أيضًا تقدمًا ملحوظًا، وهو ما أكدته هجمات الطائرات دون طيار على مصنع بقيق السعودي في سبتمبر 2019، ما أدى إلى إيقاف نصف الإنتاج اليومي للنفط في السعودية، كما نجحت أيضًا في إطلاق قمر عسكري إلى المدار الخارجي، بعد عدة عمليات إطلاق فاشلة.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن برنامج تطوير الصواريخ الباليستية في إيران غير خاضع للحظر المفروض من الأمم المتحدة عليها، وهو ما دفعها إلى إنتاج العديد من الأجيال المتطورة لهذه الصواريخ، ونتيجة للكثافة التصنيعية المستمرة وغياب التقنية المطلوبة في صناعة الصواريخ، كما هو الحال في الصناعات الصاروخية بروسيا والولايات المتحدة، واجهت إيران تحديات كبيرة في هذا المجال، وهو ما ظهر واضحًا خلال أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير الماضي، عندما ظنت الدفاعات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني، أنها صاروخ أمريكي معادٍ.
تبدو قدرة الولايات المتحدة على تمديد الحظر الدولي على إيران كبيرة جدًا
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إيران للحصول على منظومة صواريخ S-400 الروسية، فإنها تواجه مشاكل كبيرة في هذا الإطار، خصوصًا في توفير الغطاء المالي لهذه المنظومة، فضلًا عن تردد روسيا بتزويد إيران بهذه المنظومة الصاروخية، بسبب ضغوط كبيرة مارستها “إسرائيل” عليها في الآونة الأخيرة، وهو موقف قد يدفع إيران للحصول على بعض معدات هذه المنظومة، مثلما فعلت سابقًا مع رادارات Kasta وNebo SV الروسية.
لا بد من القول هنا، إنه على الرغم من الحظر الدولي المفروض على إيران، في مجال استيراد الأسلحة من الخارج، فقد تمكنت من التعايش مع هذه الحالة الإستراتيجية، عبر العديد من الوسائل والأدوات، كما أنها تمكنت من تزويد حلفائها بالعديد من المعدات العسكرية التي كانت سببًا في استمرار الحروب التي يخوضونها في الشرق الأوسط، ولنا بالدور الذي لعبته الأسلحة الإيرانية في سوريا ولبنان واليمن خير مثال على ذلك.
والأكثر من ذلك تبدو قدرة الولايات المتحدة على تمديد الحظر الدولي على إيران كبيرة جدًا، في ظل حالة العجز الذي يعانيه باقي أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين لم يتمكنوا من التصدي لسياسة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران خلال الفترة الماضية، كما أن حلفاء إيران، وتحديدًا روسيا والصين، تبدوان اليوم أكثر رغبةً في إضعاف إيران وليس تدميرها، لاستحقاقات إقليمية بدأت تفرض نفسها على الساحة، وأهمها الحديث عن سوريا ما بعد الحرب أو الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، فيما يبدو توجهًا دوليًا لتقسيم المغانم بعيدًا عن أي تأثيرات إيرانية متوقعة، وهو ما يتضح من رفض روسيا إعطاء إيران قرضًا بقيمة 20 مليار دولار، بعد أن رفض البنك الدولي طلبًا إيرانيًا سابق في هذا الإطار.