ترجمة وتحرير: نون بوست
تظهر المزيد من الأدلة قيام الحكومة البريطانية بإنشاء منصات إعلامية دعائية على الإنترنت تستهدف الشابات كجزء من حملة سرية لمكافحة الإرهاب. وقد اعترف مسؤولون الأمن بأن صفحة فيسبوك وحساب إنستغرام تحت اسم “ستوش” قد أنشئت كجزء من برنامج مكافحة التطرف المثير للجدل في المملكة المتحدة. ويأتي هذا الاعتراف بعد تسعة أشهر من تأكيد المسؤولين أنه وقع إنشاء منصة إلكترونية مماثلة بعنوان “ذيس إيز ووك” كجزء من هذا البرنامج أيضًا.
اشتُقّ اسم “ستوش” من اللغة العامية الجامايكية، وتعني “تفوّق”، في حين أن مصطلح “ذيس إيز ووك” مستمد من عبارة “ابق يقظًا”، وهي كلمة من أصل أمريكي أفريقي تعني أنه عليك أن تكون على دراية بقضايا العدالة الاجتماعية والعرقية.
وفقا لمعلومات تقرير الشفافية الصادر عن فيسبوك، أنشئت صفحة ستوش على فيسبوك في 20 آذار/ مارس 2017. ولم يتم تحديث صفحات ستوش على فيسبوك أو إنستغرام منذ السادس من شهر آذار/ مارس 2018.
تُعرّف صفحة ستوش على فيسبوك نفسها بأنها صفحة “تهدف إلى توفير فضاء رقمي آمن للشابات على الإنترنت لرواية قصصهن، وسرد أطوارها بأنفسهم”. كما يرد في تعريف كل من صفحات “ستوش” و”ذيس إيز ووك” على موقع فيسبوك أنه وقع تأسيسها من قبل “شركة إعلام/ أخبار”. وفي الواقع، أنشئت هذه الصفحات من قبل شركة اتصالات مقرها لندن تسمى “بريكثرو ميديا”، بموجب عقد مع مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب، وهي وحدة تابعة لوزارة الداخلية البريطانية.
“مثل طائفة دينية”
تحدث أحد الأشخاص الذين عملوا في برنامج ستوش في “بريكثرو” عن كيفية تجنيد عدد من الأشخاص الذين يملكون عددًا كبيرًا من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي ليكونوا مؤثرين، ودفعوا لهم مقابل الترويج لصفحاتها باستخدام علامات التصنيف أو إعادة مشاركة المحتوى الخاص بها. ونوه هذا المصدر بأنهّ أجري بحث مكثف من خلال فحص استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للمؤثرين المحتملين – الذين لم يتجاوز سن بعضهم 16 – قبل أن يعمدوا إلى الاتصال بهم وطلب المساعدة منهم.
أضاف المصدر ذاته: “لم يخبرهم أحد بما يجري أو بشأن وزارة الداخلية”، مشيرا إلى أن “المديرين حذروهم من الحديث عن “بريكثرو” خارج المكتب، أو وضع أي معلومة عنها في سيرتهم الذاتية. ولم يقع إخبار الوافدين الجدد إلى بريكثرو بما يحدث. لقد تركوا ليكتشفوا ذلك بمفردهم”. وأورد المصدر نفسه “لقد كان الأمر أشبه بالانتماء إلى طائفة دينية. كان هناك الكثير من الارتياب الشديد حول المكتب، حيث كان الناس يمشون إلى الجانب الآخر من نهر التيمز لإجراء محادثات حول ما كانوا يفعلونه في العمل”.
في ذلك الوقت، كان مكتب “بريكثرو” في لندن يقع قبالة النهر بالقرب من محطة واترلو، على الضفة المقابلة للبرلمان والإدارات الحكومية القريبة بما في ذلك وزارة الداخلية. وفي حوار لها مع “موقع ميدل إيست آي البريطاني”، أشارت إحدى المؤثرات – وهي مدونة أزياء ونمط حياة تملك عشرات الآلاف من المتابعين على إنستغرام ويوتيوب، إلى أنه قيل لها إن ستوش مشروع يهدف إلى تمكين النساء عندما اتصلوا بها وطُلب منها تصوير فيلم في هذا الشأن، مؤكدة أنه “لم يقع إخباري بأي شيء عن الحكومة أو وزارة الداخلية”.
منذ ذلك الحين غيّرت “بريكثرو” اسمها لتصبح “زنك نت وورك“، وقد بدأ التغيير في أستراليا بعد التفطن إلى أن مسؤولي الشركة يحاولون إقناع المسلمين ورجل دين مسيحي بالترويج لسياسات الحكومة الأسترالية، دون إبلاغهم صراحة بعمل الشركة لصالح الحكومة. تشمل الأعمال الأخرى التي تقوم بها “زنك نت وورك” لصالح الحكومة البريطانية مراقبة “الأخبار الزائفة” الصادرة من روسيا.
‘مدونة لقواعد السلوك’
قال متحدث باسم “زنك نت وورك” إن الشركة تمد يد المساعدة لعملائها لإيجاد حلول لأكثر القضايا الاجتماعية تعقيدًا في العالم، مؤكدا: “إننا نحرص دائما على تحمل مسؤوليتنا في العمل بمنتهى الشفافية والتصرف بنزاهة. في سنة 2019، قمنا بمراجعة جميع العمليات الداخلية ومن ثم تأسيس مدونة لقواعد السلوك تحترم وكالة كل شخص يشارك في مشاريعنا بما في ذلك المؤثرين. ويعتبر دعم المجتمعات والعلامات التجارية والحكومات لتعزيز التغيير الاجتماعي الإيجابي القوة الدافعة لوكالتنا”.
من جهته، أكد مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب على أهمية الدور الذي يضطلع به في إنشاء “ستوش” بناءً على طلب قدمه فيصل قريشي، كاتب السيناريو والمنتج السينمائي البريطاني بموجب قانون حرية المعلومات في المملكة المتحدة. بعد أن طلب قريشي من وزارة الداخلية مدّه بأي معلومات احتفظت بها بشأن “ستوش”، جاء رد مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب ليؤكد احتفاظه بجملة من المعلومات لكنها تدرس إمكانية حجبها لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
ثم وضّحت الوحدة أن توفير المعلومات سيكبد قريشي الكثير. يطلب هذا الأخير الآن من مكتب مفوض المعلومات في المملكة المتحدة أن يمتثل للقانون ويكشف عن المعلومات. كما أشار مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي عند رفض الكشف عن المعلومات التي احتفظت بها عن منصة “ذيس إيز ووك” بموجب قانون حرية المعلومات.
لن تقدم الوحدة شرحًا حول سبب اعتقاد أن منصاتها “الإعلامية/ الإخبارية” الزائفة تحمي الأمن القومي البريطاني. مع ذلك، أظهرت سلسلة من التسريبات من داخل وزارة الداخلية ومن خلال المتعاقدين معها من القطاع الخاص أن أحد أهداف برنامج مكافحة الإرهاب هو “إحداث تغيير في المواقف والسلوك” بين المسلمين البريطانيين، وإنشاء وثيقة “تسوية الهوية الإسلامية البريطانية”.
من المعروف أن معظم العمل ينسقه قسم الدعاية السرية داخل مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب الذي يسمى “وحدة البحث والمعلومات والاتصالات”، حيث يتم تشغيل علماء النفس السلوكي وعلماء الأنثروبولوجيا، بالإضافة إلى متخصصي التسويق والوسائط الرقمية.
قبل أن يُكشف على أنه واحد من مبادرات مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب السرية لمكافحة التطرف، نشرت منصة “ذيس إيز ووك” مقاطع فيديو تحمل عناوين على غرار “جبل جليد يزن تريليون طن ينفصل عن القارة القطبية الجنوبية”، “الملايين من آكلي النمل يتم اصطيادها كل عام”، بالإضافة إلى عناوين أخرى مثل “حان الوقت لنلوم الإرهاب على التطرف وليس الإسلام”.
كما تضمن الموقع مناقشات قصيرة، حيث يجلس أربعة شباب على أريكة للخوض في مواضيع مثل “ما هي الأخبار الزائفة؟” تتخللها فيديوهات بعناوين على غرار “ماذا يعني ارتداء الحجاب بالنسبة لك؟”. وتركز الكثير من مواد صفحات “ستوش” على إنستغرام وفيسبوك على النساء اللاتي يوصفن بأنهن “نساء حقيقيات” و”تم تمكينهن”.
لعل من أبرزهن أنجيلا ديفيس، الناشطة الماركسية الأمريكية من أصول أفريقية، التي وصفت في صفحة “ستوش” على فيسبوك بأنها “مؤثرة” و”ذكية” و”رائعة”. كما برزت امرأة أخرى وهو الناشطة النسوية المصرية المخضرمة نوال السعداوي التي توصف بأنها “الحامية” و”القوية” و”العنيدة”.
شملت مشاريع مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب الأخرى غير المعترف بها فيلمًا عن الرياضيين المسلمين صُوّر في أفغانستان وباكستان دون إبلاغ المخرج بأنه يعمل مع الحكومة البريطانية، بالإضافة إلى البرامج التي تُبث على محطات الإذاعة المحلية في بريطانيا خلال شهر رمضان، وفضاءات أنشئت خلال معارض الطلاب الجدد في الجامعات.
المصدر: ميدل آيست أي