تركز السلطات التونسية جهودها في هذه الفترة الحرجة على حربها ضد فيروس كورونا للسيطرة عليه وإعادة نسق الحياة إلى طبيعتها علها تنقذ الاقتصاد الذي أصيب بالشلل المفاجئ نتيجة هذا الوباء، في الجهة المقابلة تسعى العديد من الأطراف، بالاستعانة بقوى أجنبية، إلى الإطاحة بالحكومة وحل البرلمان وبث الفوضى والعنف في البلاد.
لن نتحدث في هذا التقرير عن رئيسة الحزب الدستوري الحر سليل التجمع المنحل عبير موسي وسعيها المتكرر لضرب مجلس نواب الشعب وترذيل العمل البرلماني، فذلك خبزها اليومي ومصدر رزقها الذي تقتات منه منذ دخولها قصر باردو في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بل سنركز على الدعوات الأخيرة لحل البرلمان.
اعتصام 1 يونيو
مطلع شهر يونيو/ حزيران الحالي، وقف المحامي المعزول عماد بن حليمة قبالة البرلمان التونسي الذي يُعد أعلى سلطة منتخبة في البلاد، لقيادة اعتصام قال في البداية إنه مفتوح، للمطالبة بحل البرلمان وتغيير الدستور وتعديل النظام السياسي.
يذكر بأنه أوكلت للمحامي عماد بن حليمة، الذي سبق أن شطب اسمه من جدول الهيئة الوطنية للمحامين بتونس، التحضير لاعتصام أمام البرلمان شبيه باعتصام الرحيل سنة 2013، وشحن المواطنين ضد الدولة والحكومة ومجلس نواب الشعب.
وجدت هذه الدعوات احتفاء كبيرا من قبل الإماراتيين والحلف الموالي لهم وذبابهم الالكتروني
هذا الاعتصام لم يدم إلا دقائق معدودة، فقد تم تعليقه بسرعة نتيجة غياب الجماهير والمناصرين عن الحدث الموعود رغم التجييش الإعلامي والتحشيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من أسبوعين، بمعية الإعلام الإماراتي.
حراك الإخشيدي
لم تتوقف الاعتصامات هنا، فقد ظهر حراك أخر ينشط تحت اسم “حراك الإخشيدي 14 يونيو 2020 “، يسعى لحل البرلمان أيضا، ويطالب كذلك بحل مجلس نواب الشعب والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة وتشكيل حكومة لتصريف الأعمال، فضلا عن إجراء استفتاء على النظام السياسي والتوجه نحو نظام رئاسي ديمقراطي وتنقيح قانون الأحزاب.
ويقول القائمون على الحراك إنهم سينزلون إلى الشوارع والميادين يوم 14 يونيو/حزيران الحالي كما نزل من قبلهم مثل عماد بن حليمة وجماعته، بهدف إسقاط البرلمان الذي يرأسه زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي.
دعوات حل البرلمان، اعتبرها حركة النهضة صاحب أكبر كتلة في المجلس، غير دستورية ومدخلا أساسيا للفوضى في البلاد
يعود السبب في اختيار عبارة “حراك الإخشيدي” إلى الدفع بأنصار الرئيس قيس سعيد للمشاركة معهم في تحركهم، إذ يعرف سعيد بين التونسيين بالإخشيدي بعد أن استعمل هذه العبارة في المناظرة التلفزية مع منافسه نبيل القروي وقال حينها “أنا لن أقدم وعودا للشعب التونسي كوعود الإخشيدي للمتنبي”.
ائتلاف الجمهورية الثالثة
ثالث الدعوات جاءت عن طريق ائتلاف الجمهورية الثالثة (ائتلاف مدني)، الذي أعلن الدخول في اعتصام سلمي مفتوح، بداية من يوم 14 يونيو/حزيران الحالي في ساحة باردو قبالة مجلس نواب الشعب للمطالبة بحل البرلمان وجملة من المطالب السياسية الأخرى.
ويطالب الائتلاف بحل مجلس نواب الشعب من طرف رئيس الجمهورية، طبقا لمقتضيات الفصل 77 من الدستور وتكليف حكومة تصريف أعمال من الكفاءات غير المتحزبة من طرف رئيس البلاد، أسوة بمطالب حراك الإخشيدي.
كما يدعو إلى تكليف لجنة من رجال القانون الدستوري من قبل الرئيس قيس سعيد لصياغة دستور جديد يتضمن التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتعديل النظام الانتخابي لتكريس التمثيلية الحقيقية للشعب، وفق قول القائمين عليه.
حركات رجعية وعدمية
هذه الدعوات المتتالية التي تنادي بحل البرلمان وتعديل النظام السياسي في تونس إلى نظام رئاسي، يعتبرها الصحفي التونسي هشام بن أحمد حركات رجعية يراد من خلالها العودة بالبلاد إلى المربع القديم القائم على نظام السلطة الشمولية وحكم الحزب الواحد والفرد والرأي الأوحد.
ويضيف هشام إلى ذلك في حديثه مع “نون بوست”، “هذه الحركات البهلوانية المنادية بحل البرلمان ما هي إلا انقلاب على الثورة وعلى الشرعية الانتخابية التي تستمد منها السلطة التشريعية شرعيتها ومشروعيتها. “
هذه الدعوات من شأنها، وفق الصحفي التونسي، أن تكون “مدخلا للفوضى والعنف خصوصا أنها تأتي في فترة زمنية تميزت بنوع من انعدام الاستقرار على المستوى الإقليمي والعالمي، ما يؤجج الشكوك حول نية القائمين على هذه الدعوات ومدى استقلاليتهم عن الأجندات الخارجية التي طالما سعت منذ قرابة عقد من الزمن إلى إجهاض الثورة التونسية باعتبارها مهد ثورات الربيع العربي وباعتبارها أيضا الثورة الوحيدة التي لازالت منيعة وصامدة أمام رياح الفتن الخارجية. “
وأشار محدثنا إلى اختباء بعض الداعين لحل البرلمان وراء صورة الرئيس قيس سعيد، وأكد بن أحمد أن سعيد سبق له أن أعلن في مرات سابقة براءته من دعوات الانقلاب على البرلمان، كما نفى بعض مستشاري الرئيس ما روج من أخبار بخصوص علاقة مؤسسة الرئاسة ببعض الأطراف التي تريد إرباك المشهد السياسي في البلاد.
يعني ذلك، أن هذه الدعوات ما هي إلا نوع من أنواع الفتن والدسائس التي تهدف إلى إحداث صراع بين رئاسة الجمهورية ومؤسسة البرلمان وبالتالي تحريض المؤسستين الشرعيتين على بعضهما البعض.
دعوات غير دستورية
اعتبرت حركة النهضة، صاحبة أكبر كتلة في المجلس، هذه الدعوات غير دستورية، حيث قال زعيمها راشد الغنوشي إن هذه الدعوات خارج النص الدستوري وبعيدة عن القانون وفيها الكثير من الالتباس، وتُحيل في سياقها الحالي إلى مخططات لضرب الاستقرار في البلاد وإرباك مؤسسات الدولة وتعطيل مصالح المواطنين.
تسعى الإمارات جاهدة لبث الفوضى والعنف في تونس حتى لا ينعم شعبها الذي انتصر مؤخرا على وباء كورونا، بالاستقرار والحياة الكريمة
يرى الغنوشي أن هذه الدعوات تتقاطع مع أجندات محلية وإقليمية لتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه بلادنا، وإسقاط تجربة فريدة باتت تقضّ مضاجع الانقلابيين والفوضويين، مؤكدا أن الاحتجاج عندما يبتعد عن السلميّة والمطالب المشروعة يُؤدّي إلى الفوضى والمس بالأمن العام وتعطيل مؤسّسات الدولة ومصالح المواطنين.
بدوره، وصف رئيس الكتلة النيابية لحركة “النهضة” التونسية نور الدين البحيري، أصحاب دعوات حل البرلمان بـ”الحاقدين على الديمقراطية التونسية”، وقال البحيري إن “دعوات حل البرلمان ماهي إلا تعبير عن مرض نفسي، وحقد على الثورة والديمقراطية التونسية، ومحاولة لإرباك البلاد خاصة بعد هزيمة خليفة حفتر في ليبيا”.
احتفاء إماراتي
الملاحظ أن هذه الدعوات لم تجد صدى لها في تونس، فالجميع يعرف حجم الداعين لها والأطراف التي تقودهم وأهدافهم، لكن في مقابل ذلك وجدت احتفاء كبيرا من قبل الإماراتيين والحلف الموالي لهم وذبابهم الإلكتروني.
فقد انخرطت وسائل الإعلام العربية الممولة إماراتيًا بقوة على الخط وانخرطت في حملة التجييش ضد مؤسسات الدولة في تونس من خلال نشر تقارير منها المزيف ومنها المبالغ فيه، حتى تعطي هذه التحركات زخمًا وحجمًا أكبر مما يستحق.
قناة سكاي نيوز الإماراتية نشرت تقريرا بعنوان “اعتصام حتى حل البرلمان”.. أحزاب تونس تضيق ذرعا بالغنوشي”، في محاولة لنشر العديد من المغالطات والإشاعات التي لم تحدث سوى في مخيلة كاتب التقرير.
فيما كتب موقع صحيفة العين الإماراتية تقريرا بعنوان “تونس تردد هتاف عبدالناصر: “الإخوان مالهمش أمان”، تحدثت فيه عن مظاهرات قالت إنها اجتاحت مختلف مناطق تونس للتنديد بالنهضة وزعيمها الغنوشي، والواقع أن تونس لم تشهد أي مظاهرة من هذا القبيل.
كما نشرت نفس الصحيفة تقريرا أخر بعنوان “تونس حرة الإخوانجية بره“، إلى جانب مقالات أخرى تحتفي بشكل مبالغ فيه بشخصية عبير موسي، مستخدمة صفات من قبيل “المرأة الحديدية” و”امرأة بألف رجل” و”المرأة التي هزت عرش الإخوان”، وغيرها.
هذه المواقع وغيرها، تبين حجم الحقد الكبير الذي تكنه دولة الإمارات إلى الثورة التونسية، ذلك أنها تسعى جاهدة لمنع شعبها الذي انتصر مؤخرا على وباء كورونا، بالاستقرار والحياة الكريمة.