تعتبر دائرة المفاهيم والمصطلحات من أهم ميادين الصراع الفكري والثقافي عبر التاريخ وستظل كذلك إلى أن يشاء الله، فإن أول ما تصاب به الأمم في أطوار تراجعها الفكري والمعرفي مفاهيمها.
ولم يسجل التاريخ قضية من قبل تجمعت فيها الأحقاد العالمية والمتناقضات الدولية مثلما سجل في قضية فلسطين.
فاليهود يشكلون مصطلحاتهم على أساس توراتي تلمودي، ورؤية الغرب تصدر عن تصور إنجيلي، فَلِمَ يُصر العرب والمسلمون على أن يفرغوا مصطلحاتنا من العامل الإسلامي؟
ذلك لأن الدين هو المحرك الأساسي لقيام دولة إسرائيل المزعومة، ولا يمكن فصل التعبيرات والإيحاءات الدينية عن المصطلحات السياسية والاجتماعية، فكل ما هو سياسي عندهم ينطلق من مبادئ دينية منبعها توراتهم وتلمودهم.
وأول ما يتأثر بعمليات الصراع هي المفاهيم والمصطلحات، وأهم الأمراض التي تعتريها الميوعة ثم الغموض؛ فالميوعة تنشأ عن تساهل الأمة في مفاهيمها فقد تستعير اسمًا أو مصطلحًا من نسق معرفي آخر بطريق القياس القائم على توهم التماثل والتشابه، لتتداوله مع مفاهيمها كمفهوم أو مصطلح مرادف مساوِ أو بديل.
والأدهى أن الأمة قد تتناسى خصوصيتها المعرفية وتخلط بين ما هو مشترك إنساني وما هو من الخصوصيات الملِّية؛ فتتساهل في استعارة المفاهيم من غيرها حتى تفقد خصوصياتها فتدخل مفاهيمها دائرة الغموض والارتباك فتتعدد الكلمات التي تستعمل للتعبير عن مضامين ومعانِ واحدة في ظاهر الأمر، وحقيقة الأمر أنها ليست واحدة؛
وبذلك يتم إهدار فاعلية عقول أبناء تلك الأمة، وينشأ جيل فاقد هويته، ضال، تائه ومتخبط، ويهبط بذلك المستوى العقلي والنفسي وتضطرب شخصية هذه الأمة.
ويحدث ذلك في فترات المقاربات والمقارنات بين ثقافات الأمم الغالبة والأمم المغلوبة، وهذا ينطبق على الصراع العربي الإسرائيلي، فنجد على سبيل المثال مصطلحات مستحدثة مثل الشرق الأوسط وحائط المبكى والصواب أن نقول المشرق العربي الإسلامي وحائط البراق.
وشحن المصطلح القديم بدلالة جديدة مغايرة لدلالته الأصلية، أو نقل مصطلح ذي دلالة محددة ضمن ثقافة ما إلى أخرى، أفضى إلى اضطراب كبير في ثقافتنا الحالية قاد إلى غموض تام في دلالة المصطلح، وسوء استخدام واضح في أهم حقول الفكر.
إن سمة الخلط والغموض والارتباك التي تمس جميع الممارسات التي تتصل بأمر المصطلح، تفاعلت فأصبحت مشكلة أساسية من مشكلات الوعي، وهو أمر يرتبط بسببين هما: الأصالة والمعاصرة.
وختامًا … يجب علينا مواجهة – بل ومحاربة – المصطلحات التي يحاربنا بها الكيان الصهيوني (إسرائيل)، وهذا يستلزم منا إدراك البعد التاريخي عند وضع المصطلح، وبخاصة عند الوقوف على المسميات والتعريفات، والتي قد تثبت ما تزعمه إسرائيل من الأحقية التاريخية في أرض فلسطين.
فإذا أردنا أن نقاوم هذا العدو ونتصدى له ولمخططاته، فلا بد من فهمه حق الفهم كما يعرف هو نفسه، لا كما يقدم نفسه للعالم، وعلينا ألا نقوم نحن بتحسين صورته أمام العالم وأمام شعوبنا.