ترجمة وتحرير نون بوست
كانت الآثار الناجمة عن تفشي فيروس كورونا كارثية في كل مكان، ولكن في الشرق الأوسط يبدو أن الوضع ينذر بنشوب عاصفة. ففي منطقة تعاني بالفعل من الصراعات التي طال أمدها وانهيار البنية التحتية وارتفاع أعداد اللاجئين وهشاشة شبكات الأمان الاجتماعي وانهيار أسعار النفط يبدو أن الخسائر البشرية والاقتصادية للوباء ستكون القشة التي قد تقسم ظهر البعير.
في الواقع، تشير التوقعات الاقتصادية الإقليمية لصندوق النقد الدولي إلى نمو سلبي للناتج المحلي الإجمالي لجميع دول المنطقة تقريبًا. ومن المتوقع أن تشهد اقتصاداتها أكبر تراجع لها منذ أربعة عقود. إن مدى عمق الأزمة ومدتها غير مؤكدين، إلا أن ارتفاع معدل البطالة في المنطقة إلى جانب ارتفاع الدين العام والخارجي يرسم صورة قاتمة للمستقبل.
تسعى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، التي تضمن عادة تدفقات رأس المال وفرص العمل للدول الأكثر فقرا في المنطقة، للتغلب على أزمة انهيار أسعار النفط. وبالتالي، سيقلص الوباء وانخفاض أسعار النفط ما يقدر بنحو 323 مليار دولار من اقتصاد العالم العربي، مما يقلل من احتمالات مساعدة الاقتصادات المجاورة وتوفير فرص عمل للمهاجرين.
حسب البنك الدولي، ستنخفض التحويلات العالمية بنحو 20 في المئة هذا العام. وقد يميل العديد من المهاجرين الاقتصاديين إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية، مما سيؤدي إلى تفاقم أوضاعهم المتضررة بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، تلقت السياحة ضربة موجعة، علما بأنها تمثل مصدر دخل مهم في مصر والأردن وفلسطين.
يبدو أن بن سلمان له اليد العليا – لكن اللعبة لم تنته بعد، حيث لا يزال راعيه الرئيسي، إدارة ترامب، مشغولاً بالكارثة الداخلية الناجمة عن سوء التعامل مع جائحة كورونا والانتفاضة الجماعية حول العنصرية
سترتفع ديون الحكومات العربية بنسبة 15 بالمئة لتبلغ 1.46 تريليون دولار هذا العام، وذلك حسب صندوق النقد الدولي، فيما سترتفع أيضا تكلفة الاقتراض بشكل كبير. وفي الآن ذاته، باءت بالفشل جهود الهدنة العالمية التي يحركها الوباء لوقف النزاعات المسلحة.
المملكة العربية السعودية ومصر
إذا تغاضينا مؤقتًا عن الدول التي انهارت تقريبًا مثل سوريا واليمن وليبيا، يجب أن نولي اهتماما خاصا بالسعودية ومصر ولبنان والعراق. وعلى رأس القائمة المملكة، حيث تشير آخر التقارير إلى اقتراب صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، مما أثار الصراع على السلطة داخل عائلة آل سعود.
حتى الآن، يبدو أن بن سلمان له اليد العليا – لكن اللعبة لم تنته بعد، حيث لا يزال راعيه الرئيسي، إدارة ترامب، مشغولاً بالكارثة الداخلية الناجمة عن سوء التعامل مع جائحة كورونا والانتفاضة الجماعية حول العنصرية والعنف تجاه الأمريكيين السود.
مسلمون يؤدون الصلاة مع الحفاظ على مسافة بينهم بجانب الكعبة في المسجد الحرام، مكة المكرمة في 27 نيسان/ أبريل.
يمثل الاقتصاد السعودي أيضا مصدر قلق كبير، حيث أضر انهيار أسعار النفط والنفقات الهائلة والحرب في اليمن بخزائن المملكة بشدة. في غضون خمس سنوات، تآكلت احتياطياتها من العملة من 732 مليار دولار إلى 499 مليار دولار، بينما ارتفعت ديونها بشكل كبير من 12 مليار دولار إلى 183 مليار دولار. بعد تعليق العمرة، قد يتأثر الحج أيضًا بالوباء، مما يزيد من تقلص الإيرادات السعودية. أما المشاريع الكبيرة، مثل مشاريع رؤية 2030، فتواجه إمكانية تخفيض كلفتها.
في غضون ذلك، تضررت مصر بشدة من توقف قطاع السياحة، وانهيار نشاط القطاع الخاص غير النفطي في نيسان/ أبريل بالإضافة إلى ضعف الطلب الداخلي، خاصة أن الحكومة تواجه الوباء من خلال فرض حظر التجول. كما أثر انخفاض حجم التجارة العالمية إلى جانب انهيار أسعار النفط على عائدات قناة السويس، في حين أدى الركود العالمي إلى خفض تحويلات المهاجرين من دول مجلس التعاون الخليجي. كانت مصر، التي تبحث الآن عن حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، في حالة توازن هش وفي حال شهدت انفجارا اجتماعيا، فإن ذلك سيرسل موجات صدمة لجميع أنحاء المنطقة.
لبنان والعراق
يقترب لبنان من مواجهة تصفية حسابات ضخمة، أما النخبة الكليبتوقراطية التي تمعشت من البلد لعقود فهي على حافة الهاوية. فعلى سبيل المثال، أعضاء هذه النخبة الذين لم يتم المساس بهم منذ فترة طويلة، على غرار محافظ البنك المركزي رياض سلامة، يقع استجوابهم الآن.
هاجم المواطنون الذين حرموا لأشهر من الوصول إلى مدخراتهم البنوك، كما انخفضت قيمة الليرة اللبنانية إلى النصف، بينما تلوح الأزمة الغذائية في الأفق. في المقابل، لا تنبئ الاكتشافات النفطية التي كان من المفترض أن تشكل دعما للاقتصاد بإمكانية إحداث تغيير جذري. في الأثناء، تحاول حكومة حسن دياب الجديدة الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، على الرغم من أنه لم يتضح بعد كيف يمكن للعقوبات الأمريكية ضد النظام المصرفي في البلاد أن تعقد مثل هذا المسعى.
يجب أن يدرك الاتحاد الأوروبي أنه بالنسبة لملايين الأشخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن الانتقال إلى أوروبا التي تضررت بشدة من الوباء يمكن أن يبدو أفضل من البقاء في بلدانهم الأصلية
لا يزال العراق، الذي أسس أخيرًا حكومة جديدة، بمثابة رقعة شطرنج للمنافسة بين الولايات المتحدة وإيران. إن التوترات العالية، واستئناف تنظيم الدولة لعملياته، فضلا عن انهيار أسعار النفط يضر أكثر بالاقتصاد الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط الخام. وفي حين تم تخفيف الاحتجاجات الشعبية مؤقتًا بسبب انتشار الوباء دون إحداث تغييرات كبيرة، فإنه من المحتمل أن يواجه العراق عودة الاحتجاجات خاصة الآن بعد انتهاء شهر رمضان.
السيناريو الكارثي
مثلما حدث في العقدين الماضيين، بشكل رئيسي – ولكن ليس فقط – من باب المجاملة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط، فقد تكون أوروبا مرة أخرى ضحية الضرر الجانبي الناتج عن الاضطرابات الإقليمية.
يوجد الملايين من اللاجئين الذين فروا من الحرب الأهلية السورية بالفعل في تركيا والأردن ولبنان. وقد يتزايد تدفق اللاجئين إذا لم يتم تمويل برنامج إعادة إعمار سوريا، أو تصاعدت التشنجات الداخلية في العراق، أو انهار الاقتصاد اللبناني بالكامل.
يجب أن يدرك الاتحاد الأوروبي أنه بالنسبة لملايين الأشخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن الانتقال إلى أوروبا التي تضررت بشدة من الوباء يمكن أن يبدو أفضل من البقاء في بلدانهم الأصلية، أو في البلدان المجاورة حيث وجدوا مأوى مؤقتًا. كما تظهر التجربة الحديثة، لن تكون هناك جدران أو دوريات بحرية كافية لاحتواء هذه الموجة البشرية.
تلوح في الأفق معركة ضارية بين الفقراء من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة في شوارع أوروبا، حيث ستندلع حالة ركود ما بعد كوفيد-19 وستنتشر كراهية الأجانب وستعود القومية للصعود مجددا. لذلك، يجب أن يكون سيناريو بهذه الكارثية ضمن مخطط سياسة جميع عواصم الاتحاد الأوروبي. وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل.
المصدر: ميدل إيست آي