ترجمة وتحرير نون بوست
يحذر سيرج ستروبانتس، مدير العمليات بأوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط في معهد الاقتصاد والسلام الأسترالي، من أن العالم على أعتاب مرحلة قوامها الاضطرابات والتقلبات الخطيرة، موضحًا: “نحن في بداية ركود اقتصادي من شأنه أن يؤثر على الثقة في السياسة وفي العلاقات الدولية والحقوق المدنية ويزيد مستويات العنف”.
تسلط نسخة 2020 من مؤشر السلام العالمي الضوء على فيروس كورونا الذي يعد من بين العوامل التي سرعت وتيرة تدهور مؤشرات “السلام الإيجابي” التي حللها معهد الاقتصاد والسلام. للمرة التاسعة منذ صدور التقرير قبل 14 سنة، ساءت ظروف السلام بشكل عام، وذلك رغم الانخفاض الملحوظ في أعمال العنف المصنفة تحت عنوان الإرهاب.
في الواقع، إن انخفاض الاحتجاجات في الفترة بين 11 آذار/ مارس و11 نيسان/ أبريل بنسبة 90 بالمئة في جميع أنحاء العالم، لم يكن سوى اتجاه عام وعالمي. في المقابل، ارتفع العدد الإجمالي للاحتجاجات المناهضة للحكومة وأعمال الشغب والإضرابات العامة بنسبة 244 بالمئة في جميع أنحاء العالم ما بين 2011 و2019. ومن المتوقع أن تتفاقم النزاعات في ظل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا، التي تنضاف إلى آفة المجاعة والحرمان التي تتربص بمختلف المجتمعات بسبب أزمة المناخ. بناء على ذلك، قال ستروبانتس إن “الناس في حالة من عدم اليقين وهذا سيدفعهم إلى مطالبة حكوماتهم بإحداث تغييرات”.
تواجه الدول الـ 163 الواردة في التقرير (التي تمثل 99 بالمئة من سكان العالم) المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تنطوي على تفشي الوباء، مع تقسيمها إلى فئتين حسب ستروبانتس: دول ذات اقتصاد مرن ستكون قادرة على الاستثمار والتخفيف من تداعيات الجائحة، ودول اقتصاداتها هشة تواجه زيادة في الدين على الناتج المحلي الإجمالي أو الاعتماد بشكل خطير على الصادرات ذات القيمة المضافة المنخفضة والسياحة.
حذّر التقرير المتعلق بتداعيات فيروس كوفيد-19 من مخاطر تفاقم العنف نتيجة تضاعف نسبة البطالة وعدم الاستقرار السياسي والاستبداد
يعتقد سيرج ستروبانتس أن الحفاظ على مستويات منخفضة من العنف رهن كيفية استجابة الدول للأزمة مع منح الأولوية للنمو الاقتصادي من خلال توليد الإيرادات وتوزيع الإعانات، إلى جانب وضع تدابير تخفف من تأثير النشاط البشري على البيئة.
ينضاف الاستقطاب الاجتماعي الذي تعاظم خلال العقد الماضي نتيجة استخدام غالبية الحكومات في جميع أنحاء العالم أساليب وحشية لقمع مختلف التحركات إلى تداعيات جائحة كورونا والمشاكل الاقتصادية الأخرى مثل ارتفاع الأسعار التي تؤثر على الفئات الأكثر فقرا. ويشير ستروبانتس إلى أن صراعين من كل ثلاثة في أوروبا كانت غير عنيفة، ومن المرجح أن تؤدي جائحة كورونا إلى “تفاقم الاختلافات داخل مجتمعاتنا”.
يقرّ مدير معهد الاقتصاد والسلام بأن آفة المجاعة والحرمان الشديد التي أثرت بالفعل على 113 مليون شخص حول العالم قبل انتشار فيروس كوفيد-19، ستزداد نتيجة الكساد الاقتصادي. كما أن البلدان التي تشهد نزاعات مفتوحة وتعتمد كثيرا على المساعدات الإنسانية (مثل جنوب السودان أو أفغانستان أو ليبيريا أو بوروندي)، أو تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية (مثل الأرجنتين أو باكستان أو البرازيل)، أو أزمات سياسية واقتصادية مثل فنزويلا، ستؤثر بشكل خطير على مؤشرات السلام الإيجابية. ويؤكد التقرير أن “هذا الوباء سوف يقوض سنوات من التنمية الاجتماعية والاقتصادية في عدة بلدان، ما سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وأعمال العنف والصراعات”.
كما حذّر التقرير المتعلق بتداعيات فيروس كوفيد-19 من مخاطر تفاقم العنف نتيجة تضاعف نسبة البطالة وعدم الاستقرار السياسي والاستبداد. لا يمكن تسجيل بعض التحسن إلا بالحد من الإنفاق على المجال العسكري والاستثمار أكثر في السياسات الاجتماعية الذي بلت يمثل ضرورة ملحة بالنسبة للحكومات.
لا تزال كل من أفغانستان وسوريا والعراق وجنوب السودان واليمن في المراكز الأخيرة من تصنيف مؤشر السلام
تحتل إسبانيا المرتبة 38 في مؤشر السلام
في الوقت الذي يواجه العالم أزمة لم يسبق لها مثيل في القرن الحادي والعشرين، يُظهر تقرير معهد الاقتصاد والسلام تغييرات طفيفة في الدول التي تمتلك أعلى مؤشر للسّلام العالمي. في هذا السياق، تعد أيسلندا ونيوزيلندا والبرتغال والنمسا والدنمارك الدول الخمس التي حققت أفضل النتائج، وذلك بالاعتماد على 23 إحصائية تنقسم إلى ثلاثة مجالات: الأمن، والنزاعات الجارية، والعسكرة.
نظم سنة 2017 استفتاء 1 تشرين الأول/ أكتوبر في كتالونيا والقمع الذي شهدته المنطقة آنذاك، لتتراجع بذلك إسبانيا بـ 15 مركزا. وفي حين احتلت إسبانيا في حزيران/ يونيو من نفس السنة المرتبة 23 في مؤشر السلام، استأثرت في سنة 2020 بالمرتبة 38 رغم تسجيل تحسن مقارنة بالسنة الماضية. سجلت إسبانيا مستوى عال ومتوسط من عسكرة الحياة العامة (بما في ذلك قوات الأمن)، ومستوى متوسط على صعيد النزاعات الجارية، بينما تعاني نقصا على مستوى توفير الأمن للمواطنين. كما أن مؤشرات التكلفة الاقتصادية لمكافحة العنف منخفض مقارنة ببقية البلدان، حيث تمثل تقريبا 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 3254 يورو للفرد.
17 من أصل الـ 25 دولة الأولى في مؤشر السلام من الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها المنطقة الأكثر استقرارًا في العالم دون أدنى شك. يأتي بعد إسبانيا في التصنيف المملكة المتحدة واليونان وفرنسا وتركيا، التي تحتل المرتبة 150 في مؤشر السلام الأوروبي الذي يضم 163 دولة.
لا تزال كل من أفغانستان وسوريا والعراق وجنوب السودان واليمن في المراكز الأخيرة من تصنيف مؤشر السلام. على مدار السنة الماضية، كان المؤشر الأكثر نموًا هو مؤشر النازحين الذي سجل زيادة بنسبة 204 بالمئة منذ سنة 2008. وقد اضطر نحو 43 مليون شخص حول العالم إلى مغادرة منازلهم نتيجة النزاعات المسلحة أو الظروف المعيشية غير الآمنة في بلدانهم. وينضاف إليهم 22 مليون لاجئ وطالب لجوء، وهو رقم زاد بنسبة 116 بالمئة منذ سنة 2008.
المصدر: إل سالتو دياريو