صدر عن الكونغرس الأمريكي في ديسمبر 2019، قانون قيصر الذي يستمد اسمه من الجندي السوري المنشق عن الجيش السوري الذي هرب أكثر من 50000 صورة، تثبت عمليات التعذيب في السجون السورية، إذ قادت مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان السورية والأمريكية، بداية مشروع القانون حتى دخوله الكونغرس الأمريكي عام 2016، وحصل القانون في النهاية على دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ ترواحت الفكرة الأساسية لهذا القانون، في تصعيد الضغط الاقتصادي على حكومة بشار الأسد، بطرق من شأنها معاقبة مجرمي الحرب وتقديم التنازلات السياسية بالشكل الذي يساعد في تحقيق انتقال سياسي طال انتظاره في سوريا.
فإذا كان الإطار السياسي لقانون قيصر واضحًا، فلن يكون القانون نفسه أكثر تعقيدًا، حيث تراكمت العقوبات الأمريكية على سوريا منذ عام 1979، وتسارعت بشكل كبير مع بداية الصراع في سوريا والحملة العسكرية التي قادها النظام منذ عام 2011، وضمن تلك السلسلة، يكمن حداثة قانون قيصر في نطاقه الواسع، ففي الوقت الذي استهدفت فيه الإجراءات السابقة عناصر فردية وقطاعات مختارة، فإنه على النقيض من ذلك، يسعى قانون قيصر لفرض ما يسمى بـ”العقوبات الثانوية” على الشركات من أي جنسية يتم تعاملها مع الجهات الخاضعة للعقوبات في قطاعات متعددة من الاقتصاد السوري، لا سيما الطاقة والبناء، وعلى هذا النحو، يهدف القانون إلى تعميق عزلة دمشق عن طريق ردع الاستثمار من أي شركة تجارية من بيروت إلى دبي إلى بكين.
ما الجديد في قانون قيصر؟
تستهدف سلطات العقوبات الجديدة في “قانون قيصر”، الكيانات التي تعمل لصالح نظام بشار الأسد في أربعة قطاعات هي: النفط/الغاز الطبيعي والطائرات العسكرية والبناء والهندسة، ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران العاملة في سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، يتطلب القانون من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحديد ما إذا كان “المصرف المركزي السوري”، هو كيان من النوع الذي يشكل “مصدر قلق رئيسي بشأن غسيل الأموال” عملًا بالمادة 311 من القانون الوطني الأمريكي، ويخضع معظم هذا النشاط أساسًا للعقوبات بموجب سلسلة من الأوامر التنفيذية التي صدرت في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، من بينها “الأمر التنفيذي رقم 13582” الصادر عام 2011، التي جمّدت أملاك الحكومة السورية والكيانات التي تزودها بالدعم التكنولوجي أو المادي أو المالي، والكيانات التي تعمل لصالحها أو تتصرف نيابة عنها.
فعلى سبيل المثال، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن “المصرف المركزي السوري” يخضع للعقوبات بموجب هذا الأمر، ويخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي أيضًا، وبشكل منفصل، وكذلك يخضع العديد من الأفراد والكيانات السورية للعقوبات الأمريكية القائمة على السلوك، لأسباب تتعلق بدعم الإرهاب أو الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان أو انتشار أسلحة الدمار الشامل أو غيرها من الانتهاكات.
كان لانهيار العملة اللبنانية نتيجة لقرب تطبيق قانون قيصر، دور كبير في تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية في بيروت مؤخرًا
وعلى النقيض من عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا، يسعى قانون قيصر إلى التضييق على إيران أيضًا، الحليف الرئيس للحكومة السورية، فعلى سبيل المثال، فرض عقوبات على أي حكومة أو كيان بموجب هذا القانون، يسهل بشكل كبير الحفاظ على أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية، ويمكن أن يستهدف الشركات الخاصة الإيرانية التي تحاول الاستفادة من الحرب، بالسيطرة على مختلف الموارد الطبيعية السورية والبنية التحتية في البلاد، بالإضافة إلى ذلك، يسمح نص القانون بمعاقبة أي حكومة أو كيان خاص، يسعى لمساعدة النظام السوري أو تقديم أي مساعدة من إيران في سوريا.
تداعيات القانون إيرانيًا
كان لانهيار العملة اللبنانية نتيجة لقرب تطبيق قانون قيصر، دور كبير في تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية في بيروت مؤخرًا، التي قد تؤدي إلى تدهور سريع للاقتصاد السوري، في ضوء الاحتجاجات الحاليّة في مدنية السويداء قبل أيام، إذ زعم المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، أن خسارة العملة السورية لقيمتها، جاء بسبب التحركات الأمريكية، وقال جيفري “يثبت انهيار العملة السورية، أن إيران لا تستطيع الحفاظ على نظام بشار الأسد، الذي لم يعد قادرًا على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة، أو تبييض الأموال في المصارف اللبنانية”، وفي الشهر الماضي ظل القمح والوقود المدعومان من الحكومة السورية، واستخدام الرصيد الناضب في المصارف اللبنانية، فيما بقيت خطوط التهريب من العراق ناشطة، حيث وفرت المواد في مناطق النظام السوري التي ارتفعت فيها الأسعار.
إن سياسة العقوبات هي الأداة المؤثرة لواشنطن في سوريا، وتحديدًا عندما يتعلق الأمر بالدور الإيراني وضرورة كبح جماحه في الشرق الأوسط، إذ تسعى الإدارة الأمريكية وعبر فرض تطبيق قانون قيصر، إلى إجبار إيران على سحب العديد من قواتها العسكرية من الساحة السورية، وذلك نتيجةً للكلف المالية العالية التي يتطلبها بقاء قواتها هناك على المستوى القريب، فتطبيق هذا القانون سيجعل عملية تهريب الأموال إلى سوريا صعب جدًا، وهو أهم ما تحتاجه إيران ونظام بشار الأسد في الوقت الحاضر، من أجل إدامة الفعل المسلح بالساحة السورية.
تشير الانهيارات المتوالية للعملات في إيران وسوريا ولبنان، إلى مدى التداعيات الكبيرة التي أفرزتها العقوبات الأمريكية على إيران وحلفائها
إذ أشار جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن “الأسد هو العامل الأول في الدمار الذي تشهده سوريا، لكن الموقف الأمريكي قائم الآن على سياسة لعبة الأمم، وضرورة منع إيران من الفوز في الحرب هناك”، وتابع: “ما أخشاه أن يقود قانون قيصر إلى عكس الأهداف التي شرع من أجلها، أي تغذية النزاعات السيئة للنظام، فالهدف الأمريكي المعلن من سياسة الضغط الأقصى هو تركيع النظام، لكنه يعرف كيف يتمسك بالسلطة، وكذلك من يدعمونه”.
تشير الانهيارات المتوالية للعملات في إيران وسوريا ولبنان، إلى مدى التداعيات الكبيرة التي أفرزتها العقوبات الأمريكية على إيران وحلفائها، فهذه العقوبات حجمت كثيرًا من القدرة الإيرانية على مواجهة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من محاولات تهريب العملة الصعبة وعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات التي بذلتها إيران في الفترة الماضية عبر الأراضي العراقية إلى سوريا، فمن شأن تطبيق قانون قيصر أن يوقف جميع عمليات الدعم العسكري والمالي للنظام السوري من إيران، وهو ما يشكل ضربة قوية للإستراتيجية الإيرانية في سوريا التي جاهدت خلال الفترة الماضية إلى بناء وجود دائم لها في الساحة السورية، وأن تكون جزءًا من علمية إعادة إعمار سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.