يكتظ المشهد السياسي التركي الحاليّ بالعديد من الملفات والقضايا الساخنة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولعل الحدث الأبرز الآن هو إعلان وزارة الدفاع التركية عملية “المخلب-النسر” العسكرية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وهو التنظيم الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية منذ عام 1984.
بدأت العملية خلال الساعات الماضية بإطلاق ضربات جوية دمرت 81 هدفًا على جبال سنجبار وقرجيك وقنديل والزاب وأفشين باسيان وهاكورك، وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من العمليات العسكرية التي أطلقتها القوات التركية على مدار أكثر من 3 عقود ردًا على هجمات الحزب المكثفة طيلة تلك الفترة، فهل تقترب تركيا من القضاء على التنظيم؟
الأسباب والدوافع
قالت وزارة الدفاع التركية في بيان لها إن إطلاق العملية العسكرية جاء ردًا على تزايد وتيرة هجمات الحزب ومحاولاته المستمرة في استهداف مواقع عسكرية حدودية، والهدف منها ضمان أمن حدود تركيا وشعبها عبر تحييد عناصر الحزب، وذلك في إطار حق الدفاع عن النفس النابع من القانون الدولي.
فقد استهدف حزب العمال الكردستاني قبل نحو أسبوع حافلة تقل عمالًا في شركة لصيانة الطرق في ولاية وان جنوب شرقي تركيا، مما أسفر عن مقتل اثنين منهم وإصابة ثمانية آخرين، وقبل تلك الحادثة، قتل 5 مدنيين جراء انفجار عبوة ناسفة زرعها عناصر التنظيم في ولاية ديار بكر بإحدى الطرق في حي كولج.
تُعرف جبال قنديل شمالي العراق بكونها قاعدة أساسية لأذرع الحزب، حيث يُقيم عليه مراكز تدريبه ومعسكراته ومستشفى خاص لمعالجة المقاتلين
وبعد ساعات معدودة من تنفيذ القوات التركية مهامها، صرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن العملية انتهت بتدمير “أوكار الإرهابيين التي كانوا منها ينفذون استفزازاتهم ضد بلادنا وشعبنا ومخافرنا وقواعدنا العسكرية، ويحاولون انطلاقًا منها شن هجمات إرهابية”، مهنئًا طياري سلاح الجو بهذا الانتصار بعد عودتهم إلى قواعدهم العسكرية سالمين، قائلًا: “لقد تكللت عملية المخلب-النسر بالنجاح بفضل تضحياتكم وبطولاتكم”.
Ani hava harekâtıyla terör yuvalarının yerle bir edildiği #PençeKartalOperasyonu’ndan ilk görüntüler. ?? #MSB #TSK pic.twitter.com/U0yp0kgx6H
— T.C. Millî Savunma Bakanlığı (@tcsavunma) June 15, 2020
وأشار بيان الوزارة إلى أن العملية التي تسببت في خسائر كبيرة للتنظيم الإرهابي، اعتمدت فيها على ذخائر محلية الصنع، مؤكدةً مراعاتها وحمايتها لأرواح المدنيين وأملاكهم، فقد ركزت ضرباتها بشكل رئيسي على معاقل مقاتلي الحزب، إذ تُعرف مثلًا جبال قنديل شمالي العراق بكونها قاعدة أساسية لأذرع الحزب، حيث يُقيم عليه مراكز تدريبه ومعسكراته ومستشفى خاص لمعالجة المقاتلين، كما تنطلق منه عملياته ونشاطاته العسكرية على مر التاريخ ولذلك يعد تطهيره من أهم الأولويات التي قد تزيد في إضعاف الحزب.
العمليات العسكرية التركية ضد الإرهاب
منذ تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1974، والعلاقات مع الحكومة التركية تشهد مستويات حادة من الصراعات الدموية التي تخللها الكثير من المفاوضات ومبادرات وقف إطلاق النار، لكنها سرعان ما تعود إلى المربع الأول القديم وتبدأ المواجهة من جديد.
وخلال ربع قرن تقريبًا، حاولت تركيا حماية أمنها وحدودها من هجمات الحزب الإرهابي، من خلال تنفيذ عدة عمليات عسكرية، تهدف جميعها إلى القضاء على الإرهاب، بغض النظر عن اسم أو شكل التنظيم، ولذلك تعددت في بعض الأحيان جبهاتها مستهدفةً حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وغيرها من التنظيمات التي تعتبرها إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ووفقًا لتقرير نشرته الجزيرة جاء ترتيب العمليات وسياقها كالتالي:
عملية الفولاذ (20 من مارس/آذار – 4 من مايو/أيار 1995)
بدأت القوات المسلحة التركية هجومًا مسلحًا في شمال العراق بقوات قوامها نحو 35 ألف فرد، مستهدفة حزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة تمرد في جنوب شرق تركيا من قواعد بشمال العراق.
عملية المطرقة (12 من مايو/أيار – 2 من يوليو/تموز 1997)
أرسلت تركيا 30 ألف جندي إلى شمال العراق لقتال وحدات حزب العمال الكردستاني، ودعم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني.
عملية الفجر (25 سبتمبر/أيلول – 15 أكتوبر/تشرين الأول 1997)
بدأ الآلاف من القوات التركية مدعومين بقوة جوية عملية الفجر، حيث استهدفوا معسكرات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
عملية الشمس (21-29 من فبراير/شباط 2008)
عبر الآلاف من القوات التركية الحدود إلى شمال العراق لمهاجمة المقاتلين الأكراد الذين يستخدمون المنطقة العراقية كقاعدة للتخطيط لهجمات ضد تركيا، وقال مسؤول عسكري تركي كبير إن نحو 8 آلاف فرد شاركوا في العملية.
عملية شاه الفرات (21-22 من فبراير/شباط 2015)
عملية في شمال سوريا لنقل ضريح سليمان شاه (جد مؤسس الدولة العثمانية) إلى منطقة خاضعة لسيطرة تركيا بالقرب من الحدود، وإجلاء 38 من الحراس يواجهون تهديدات من تنظيم الدولة الإسلامية.
عملية درع الفرات (24 من أغسطس/آب 2016 – 31 من مارس/آذار 2017)
أخرجت القوات التركية و1500 من قوات الجيش السوري الحر المعارض المدعوم من تركيا مقاتلي تنظيم الدولة والوحدات الكردية من المنطقة الحدودية، وسيطرت القوات التركية على المنطقة بين عفرين ومنبج وأبعدت وحدات حماية الشعب الكردية إلى شرقي نهر الفرات وأخرجت مقاتلي تنظيم الدولة من جرابلس ودابق والباب في محافظة حلب بشمال غرب سوريا.
عملية غصن الزيتون (20 يناير/كانون الثاني – 24 مارس/آذار 2018)
انضم نحو 25 ألفًا من أفراد الجيش السوري الحر للقوات التركية للسيطرة على بلدات وقرى عربية خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية وأيضًا على منطقة عفرين بمحافظة حلب في شمال غرب سوريا.
عملية نبع السلام (9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ولا تزال مستمرة)
بدأت تركيا وقوات الجيش السوري الوطني المتحالف معها عملية عسكرية في شمال شرق سوريا بهدف طرد قوات سوريا الديمقراطية – التي يقودها الأكراد – وإقامة منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترًا من الحدود تعتزم أنقرة إعادة توطين اللاجئين السوريين بها.
وتقول تركيا إن الوحدات الكردية – الفصيل الرئيس في قوات سوريا الديمقراطية – لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
هل تنجح تركيا في تطهير المناطق الحدودية من الإرهابيين؟
حصدت تركيا ثمار تلك المواجهات، محققةً نتائجًا عالية، إذ قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو إن عدد الإرهابيين من منظمة “بي كا كا” الموجودين داخل البلاد انخفض إلى 445 إرهابيًا، وفي وقت سابق، صرح الوزير التركي بأنه خلال عامي 2017 و2018 بلغت حصيلة خسائر الحزب الكردستاني نحو 732 قتيلًا، ومع عدم توفر إحصاء دقيق ومحدث حول أعدادهم الحالية، سواء داخل تركيا أو في شمال العراق، فمن المرجح أن يكون هذا العدد تضاعف مع مواصلة تركيا الحرب التي تشنها على المسلحين الأكراد.
ولا تعتمد تركيا في حربها على الإرهاب فقط على القوة العسكرية، وإنما تنتظر الحكومة إنهاء الجدار العازل الحدودي بين محافظتي آغري وايغدير التركيتين مع جارتها الشرقية إيران بحلول نهاية العام الحالي، إذ اكتملت 75% من إجمالي أعمال البناء التي تمتد على مسافة سبعين كيلو مترًا لوقف تسلل المقاتلين الأكراد الذين تصفهم بالإرهابيين إلى أراضيها.
تنقذ هذه المحاولات، يمختلف أشكالها، البلاد من موجات متوقعة ومتجددة من التصعيد الدموي مع حزب العمال الكردستاني، وتضع حدًا لنفوذه ووزنه على أمل تنتهي هجماته الإرهابية ربما باتفاقية سلام أو انسحاب أو الاستسلام حتى.